“لـ، لما أنتِ……”
خرجت الكلمات من فمي دون أن أفكر. كنت أعلم أنني في موقفٍ يتطلب مني الحذر أكثر من أي وقت مضى، لكن لم يكن لدي عقل يلتفت لمثل هذه الأمور.
في اللحظة التي رأيت فيها السوار، أصبح عقلي أبيض تمامًا. فوقفت متجمدة في مكاني، ويبدو أن سيرديا لاحظت اتجاه نظري، فنظرت إلى معصمها.
“بما أنكِ بقيتِ ساكنةً فجأة، كنت أتساءل ما الذي تفعلينه، وإذا بكِ تحدقين في هذا السوار، آنسة إيفريت؟”
وبينما تعاتبني، ترنحت سيرديا قليلًا. عندها أدركت أن وجهها قد احمرّ إلى حدٍّ ما. يبدو أنها ثملت من كثرة شرب النبيذ.
لم أكن مخطئة حين شعرت أن تصرفاتها عدائيةً أكثر من المعتاد.
“يبدو أنكِ مهتمةٌ بهذا السوار؟”
قالت سيرديا ذلك وهي تلوّح بكأس النبيذ.
“لم أكن أعلم أن وضع عائلة البارون إيفريت قد تدهور إلى درجة الطمع بسوارٍ رخيص كهذا.”
“……لا تتحدثي بهذه الطريقة.”
تجهم جبيني قليلًا من سخرية سيرديا.
رخيص، أهكذا تصفينه؟
‘لا تعرف كم يعني لي هذا السوار…..كم يعني لي…..’
كنت على وشك أن أجادلها، لكني أطبقت شفتيّ. فعلى أي حال، لم يكن هناك أي جدوى من الحديث مع سيرديا. فهي ليست في وعيها الآن.
‘اهدئي. هذا ليس وقت الغضب.’
كان يجب أن أكتشف لماذا سيرديا تملك السوار الذي انتزع من الشخصية الأصلية منذ زمن بعيد.
‘هل عثرت عليه في مكانٍ ما؟ أم اشترته؟’
لا، ليس هذا.
سرعان ما قطعت حبل أفكاري. فبحسب ما قالته سيرديا، فهذا السوار بالنسبة لها مجرد “سوارٍ رخيص”، أليس كذلك؟ لا يمكن أن تكون عائلةٌ بمقام الكونت آفلز قد اقتنت مثل هذا السوار.
‘إذاً لا بد أن هناك احتمالين فقط.’
إما أن سيرديا آفلز هي نفسها الشخصية الأصلية التي سعيت للعثور عليها طوال هذا الوقت، أو أنها تلقت السوار هديةً من الشخصية الأصلية أو من شخص مقربٍ منها.
إن كان الاحتمال الأول صحيحًا، فذلك يعني أنها ترتدي السوار للسخرية مني، وإن كان الاحتمال الثاني، فهذا يعني أن من أهداها السوار شخصٌ مهم جدًا بالنسبة لها.
بما أن سيرديا تبدو وكأنها تحتقر هذا السوار، فمن المؤكد أنها لم ترتده لأنها أعجبها.
“هل يمكنني أن أعرف من أين حصلتِ على ذلك السوار؟”
“هل أنتِ حقًا فضوليةٌ لهذه الدرجة؟”
اتسعت عينا سيرديا.
لم تبدُ مشاعرها دهشةً من سؤال مفاجئ بقدر ما كانت دهشة شخص وجد أن توقعه قد تحقق، وكأنه كان يعرف مسبقًا أنني سأطرح هذا السؤال، مما جعلني أشعر بعدم الارتياح.
وبينما بقيت صامتةً للحظة، واصلت سيرديا حديثها.
“بعد بداية الحفل، أعطاني أحدهم إياه.”
“أي شخص؟ من هو ذلك الشخص؟”
“همم، هل تريدين أن تعرفي حقًا؟”
أمالت سيرديا رأسها قليلًا.
“إذاً، دعينا نتحدث على انفراد. سأخبركِ بمن أعطاني إياه، بل وسأعطيكِ هذا السوار أيضًا.”
لوّحت لي بيدها ثم بدأت تمشي. و رؤيتها وكأنها تحاول الخروج من قاعة الحفل جعل الكثير من الأفكار تتدفق في رأسي.
ربما يكون هذا فخًا، وربما سيرديا تكذب منذ البداية.
هل من الصواب أن أتبعها؟ أليس من الأفضل الانتظار حتى يعود هاوارد؟
لكن مهما نظرت حولي، لم أجد هاوارد في أي مكان.
بينما كنت أزداد قلقًا، التفتت سيرديا إلي وتحدثت.
“ما الذي تفعلينه؟ لماذا لا تتبعينني؟”
“آه، في الحقيقة..…”
“ماذا الآن؟ لا تخبريني أنكِ تنتظرين الدوق؟”
تجهم وجه سيرديا.
“إن رأيتكِ مرة أخرى ملتصقةً بالدوق أمامي، فاعتبري كل شيءٍ لاغيًا.”
أنهت كلامها ثم أدارت جسدها بحدة ومضت قدمًا. فعضضت على شفتي.
كانت سيرديا قد بدأت بالفعل بالاختفاء وسط زحام قاعة الحفل. لو بقيت مترددةً أكثر، لشعرت أنني سأفقدها.
هذا أول خيط أصل إليه منذ أن حللت في هذا العالم. لا يمكنني تفويت هذه الفرصة هباءً.
وفوق ذلك، كان ذلك السوار غاليًا جدًا على قلبي. و كان علي أن أستعيده مهما كلف الأمر.
‘لا خيار آخر. يجب أن أتبعها.’
طبعًا لم أكن غافلةً عن أن سيرديا تحمل لي العداء، لذا القول أنني لم أقلق أبدًا سيكون كذبًا.
لكن الحفل مقام حاليًا في قصر الكونت آفلز. على الأقل اليوم، لن تتسبب سيرديا بمشكلة. ما لم تكن ترغب بتلطيخ سمعة عائلتها بنفسها.
دون أن أنزع نظري عن سيرديا، اقتربت من إحدى خادمات دوقية تشيلستون التي كانت تقف بالجوار.
“إن بحث الدوق عني لاحقًا، هل يمكنكِ إخباره أنني ذهبت لأتحدث قليلًا مع الآنسة آفلز؟”
“حاضر.”
وبينما كانت الخادمة ترد، كانت سيرديا تصعد السلم المؤدي إلى الطابق الثاني.
بما أن الحفل بدأ متأخرًا في الأساس، فقد قُدمت ترتيباتٌ تتيح للضيوف الاستراحة في غرف الطابق الثاني، ويبدو أنها كانت تتجه إلى هناك.
همست مجددًا للخادمة أن الحديث سيجري على الأرجح في الطابق الثاني، ثم تنهدت بخفة وبدأت أعتلي الدرج.
‘……لا بد أن يكون الجواب الذي تخبئه عظيمًا بالفعل.’
ليتها فقط لا تكون قد افتعلت كل هذا من أجل لا شيء.
حين وصلت إلى الطابق الثاني، رأيت سيرديا تنعطف إلى اليمين عند زاوية الممر. أسرعت بخطاي قليلاً حتى لا أفقد أثرها.
بعد اجتياز عدة زوايا إضافية، دخلت سيرديا إلى غرفةٍ تقع في نهاية الممر، وما إن تبعتها إلى الداخل حتى أغلقت الباب خلفنا.
صدر صوت ارتطام مرتفع نوعًا ما من خلفي.
حين أصبحنا وحدنا داخل الغرفة، بدأت أرتجف قليلًا فجأة. و حاولت أن أخفي توتري قدر الإمكان.
“بما أنني تبعتكِ، فالآن عليكِ أن تفي بوعدكِ.”
“حسنًا. أولًا، هذا هو السوار.”
فكت سيرديا السوار الذي كان على معصمها وسلمتني إياه. فتلقيته بكلتا يديّ بعناية كبيرة.
“من الذي أعطاكِ هذا السوار؟”
“…..قبل أن أجيبك، هناك شيء يجب أن أسألكِ عنه أولًا.”
حدقت سيرديا بي بهدوء. و كان كأس النبيذ الذي تمسكه بيدها يتمايل بخطر.
“ما هي حقيقتكِ بالضبط؟”
“ماذا؟ ماذا تقصدين فجأة؟”
سألتها بتعبيرٍ مذهول إلى حد ما.
ولم يكن ذلك غريبًا، أليس السؤال بحد ذاته غريبًا؟ أن تسألني فجأة عن حقيقتي هكذا.
ومع أنني سألتها مباشرة، إلا أن سيرديا لم تجب على الإطلاق. و كانت تكتفي بالتحديق فيّ بإصرار.
كانت عيناها الزرقاوان داكنتا اللون تلاحقاني بإلحاح. مما زاد من حدة التوتر داخلي.
لا يعقل…..
‘هل عرفت أنني نوكس؟’
لم يخطر ببالي احتمالٌ آخر غير هذا.
لكن كيف؟ كيف عرفت سيرديا شيئًا لم يكتشفه حتى هاوارد قائد فرسان الهيكل بعد؟
تشابكت يداي المرتجفتان وابتلعت ريقي الجاف.
كانت سيرديا تحدق بي ثم قطبت جبينها وتحدثت. بينما لا تزال مخمورة قليلًا، مما جعل نطقها متثاقلًا.
“ما الذي فعلتهِ حتى…..ذلك الشخص..…”
ذلك الشخص؟ أملت رأسي قليلًا باستغراب، ثم تنهدت.
لقد خطر ببالي اسمٌ واحد.
‘هل تقصد هاوارد؟’
هل هي فضولية بشأن كيف كسبت قلب هاوارد؟
كنت لتوي أظن أنني قد انكشفتُ بصفتي نوكس، لذا أحسست بخيبة كبيرة.
وبالطبع، بالنظر إلى أن سيرديا معجبة بهاوارد، فهذا السؤال ليس غريبًا. لابد أنها اعتادت فقط سماع أخبار رفض هاوارد المتكرر للجميع.
ترددت قليلًا وأنا أفكر في أفضل رد، ثم فتحت فمي.
“من يدري؟ ربما لأنني جميلة؟”
وبمجرد أن لفظت الجملة، أدركت أنني قد ارتكبت حماقة.
لكن ما حيلتي؟ لم يخطر ببالي من مدائح هاوارد سوى هذا.
“صحيح، صحيح. أنتِ جميلة.”
طبعًا، حتى هذا لم يكن إلا كلامًا لتطييب خاطري، لكنه لم يكن كذبًا على أي حال.
عند سماع كلامي، بدت سيرديا وكأن الكلمات قد عقدت لسانها، ولم تحرك سوى شفتيها دون أن تُخرج صوتًا.
وبعد لحظات، تجعد وجهها بشدة.
“يبدو أنكِ واقعةٌ في وهم خطير…..لا! لا بأس! ما الفائدة من شرح أي شيءٍ لكِ!”
وضعت سيرديا كأس النبيذ على الطاولة بعنف وكأنها تنفجر من الضيق، فتطاير النبيذ في كل الاتجاهات.
…..مهما كان الأمر، أليس هذا مبالغًا فيه قليلًا؟
وبينما كنت ألمس مؤخرة عنقي بحرج، اقتربت سيرديا مني بسرعة وعيناها تلمعان غضبًا.
“بما أننا قد فتحنا الموضوع، دعيني أقول لكِ، عليكِ الانفصال عن الدوق تشيلستون حالًا. لا مهما فكرتُ بالأمر، أنتِ لا تليقين بالدوق أبدًا.”
“ومن برأيكِ يليق بالدوق إذاً؟”
“بالطبع أنا! سيرديا آفلز! هل تعرفين منذ متى وأنا أكن له المشاعر؟ منذ…”
بدأت سيرديا تسرد قصتها العاطفية المليئة بالألم.
كانت قد أحبته منذ زمنٍ بعيد لدرجة أنني، رغم لقائي بها للمرة الأولى، شعرت ببعض الشفقة نحوها. و كنت أتفاعل مع غضبها بكلماتٍ مناسبة بينما أوجه نظري نحو النافذة خلفها.
كان برج الساعة الكبير ظاهرًا من النافذة.
‘يمكن رؤية برج الساعة من هنا أيضًا.’
حقًا، حجمه يجعله ظاهرًا من أي مكان.
وبينما كنت أتمتم بهذه الأفكار الهادئة داخلي، تحرك عقرب الدقائق فجأة قليلًا.
بالمناسبة، كم الساعة الآن؟ أشعر أن الوقت مرّ منذ دخلت الغرفة.
‘الساعة الآن الحادية عشرة وخمس وخمسين دقيقة..…’
…..مهلًا، ماذا؟
لم يتبقَ سوى خمس دقائق على منتصف الليل!
___________________
ياخبر الساعة 12 ! الوداااااع
اشتغل ذا الصوت في راسي😂
المهم سيرديا طلعت تستس خيخة
خساره حسبت بتقول لنا وش قصة السوار😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 14"