لم يكن المقصود هو الصورة الشخصية بحد ذاتها.
كان المدير يرى هذا النوع من اللوحات للمرة الأولى. وبالطبع، بما أن الصورة الشخصية التي في اللعبة قد تم تكبيرها إلى أقصى حد، فإن جودة الصورة لم تكن جيدةً على الإطلاق.
وفوق ذلك، لم يكن هناك ملفٌ منفصل للصورة، لذا لم يسبق له أن رآها بوضوح، ومع ذلك كان واثقًا.
كانت لوحةً لم يرها من قبل على الإطلاق. و ما كان المدير يشير إليه لم يكن الصورة بحد ذاتها، بل الشخصية الموجودة داخلها.
وبشكلٍ أدق، الشخص ذو الشعر الفضي الطويل الذي كان في حضن الرجل الذي يبدو أنه هاوارد.
‘يبدو من هيئتها أنها امرأة.’
هل عيناها زرقاوان؟
أين رأيتُ شخصيةً كهذه من قبل؟
قد يظن أحدهم أنه قد اختلط عليه الأمر لأن هناك الكثير من الشخصيات النسائية ذات الشعر الأبيض والعيون الزرقاء، لكن الأمر لم يكن مجرد تشابه.
بل كان الأمر أقرب إلى شعور بلقاء صديقٍ قديم انقطعت أخباره منذ زمن طويل.
‘من أين بالضبط……؟’
وبينما كان المدير يتأمل في الأمر بعمق، وقعت عيناه على شخصية أحد المطورين الذي كان قد سجل دخوله ليتحقق من خطأ ما.
وعيناه اتسعتا وهو يحدق بالشخصية الواقفة إلى جانب هاوارد.
‘……صحيح! إنها شخصيتي!’
صرخ المدير في نفسه بدهشة.
تلك الشخصية التي أنشأها منذ زمنٍ بعيد، عندما تم تطوير لعبة <عالم الفانتازيا> لأول مرة.
بعد أن أنشأ شخصيةً للّعبة، أي الشخصية الرئيسية، من أجل اختبار اللعبة، قام بعد فترة قصيرة بإنشاء شخصية فرعية أيضًا.
ولأنه جعل الشخصية الأولى رجلاً وسيماً بملامح باردة، فقد أراد أن يجعل الشخصية الثانية فتاةً جميلة ولطيفة، ويتذكّر جيدًا أنه بذل جهدًا كبيرًا في تصميمها.
الشخصية الأولى، التي نالت إعجاب فريق التطوير لتصميمها الجيد، تحولت بالحظ إلى شخصية غير قابلة للعب في اللعبة،
أما الشخصية الفرعية، فقد نُسيت تمامًا بعد أن جرى اختبار تأثير الشخصيات الفرعية في اللعبة لعدة سنوات.
ولم يكن هذا مستغربًا، فمع مرور الوقت ازدادت مهام مدير لعبة <عالم الفانتازيا> يومًا بعد يوم، حتى أنه لم يعد لديه وقت لتجربة اللعب بنفسه.
و فقط المشاركة في تحديثات <عالم الفانتازيا>، وتصحيح الأخطاء، والمشاركة في الفعاليات المختلفة كانت تستهلك الشهر بأكمله وكأنه طرفة عين.
‘حقًا، لقد فكرت كثيرًا في الاستقالة آنذاك.’
وفوق هذا كله، بدأ يُوكِل فحص الأمور التفصيلية مثل الشخصية الفرعية إلى الموظفين التابعين له، ولذا لم يكن هناك حاجةٌ لأن يتحقق المدير المسؤول بنفسه من كل شيء.
ومع الوقت، مر أكثر من عشر سنوات منذ أن قام بتسجيل الدخول إلى تلك الشخصية.
تحديدًا، حوالي ثلاث عشرة سنة.
‘هل أسجّل الدخول بعد غيابٍ طويل؟’
قد يكون من الجيد مقارنة الشخصية بتلك المرأة في الصورة، ومعرفة إن كانت تشبهها فعلاً. رغم أن جودة الصورة الشخصية سيئة للغاية ولا تتيح رؤيةً واضحة.
لكن بينما كان يفكر بذلك لاشعوريًا، توقف المدير فجأة.
فقد تذكّر أن هذا الأمر مستحيل.
قبل عدة سنوات، تم حذف جميع الحسابات التي تحوّلت إلى حالة خمول بسبب عدم تسجيل الدخول لفترة طويلة.
وبناءً على ذلك، فمن المؤكد أن حسابه الفرعي قد تم حذفه أيضًا.
‘……لقد أصبح الأمر مزعجًا الآن.’
لكن، لا بأس. ففي الأصل، لم يكن من المهم ما إذا كانت الشخصية في الصورة هي نفسها شخصيته الفرعية أم لا.
ما كان عليه فعله أولًا هو حل الخطأ المفاجئ الذي ظهر في اللعبة.
فمحا المدير تلك الأفكار من رأسه. وأزاح نظره عن الشاشة.
“ربما فاتنا شيء، لذا دعونا نتحقق مرة أخرى. وبالمناسبة، هل الخطأ يقتصر فقط على موقع هاوارد وتلك الصورة؟ و لا توجد أخطاء أخرى؟”
ثم أدار رأسه وتحدث إلى باقي المطورين.
أما هاوارد في الشاشة، فظل يحدق في الصورة الشخصية كما هو.
بصمت.
وكأن هذا هو الشيء الوحيد الذي ينبغي عليه فعله.
***
“هذا غير منطقي……”
انهار المدير على مكتبه مطلقًا صوتًا قويًا. وأخذ يعبث بشعره بشدة.
“لقد راقبناه طوال عدة أيام، هل هذا حقيقي؟ لا يوجد أي خطأ، فكيف يوجد خطأٌ هنا إذًا؟!”
“أجل، لقد أخبرناك من البداية، سيدي المدير……هناك مشكلةٌ بوضوح، لكنها لا تظهر كمشكلة……وبالمناسبة، لا تعبث بشعركَ بهذه الطريقة، سينتهي بك الأمر أصلعاً……”
“هل الصلع هو المشكلة الآن؟ انظر لحالة منتدى اللعبة. انظر كيف يصرخ الجميع بأن فريق التطوير لا يعمل!”
وضع المدير هاتفه المحمول بقوة على الطاولة.
كانت شاشة الهاتف تعرض منتدى <عالم الفانتازيا>، الذي ظل يعجّ بالفوضى طوال الأيام القليلة الماضية.
لقد مرّ أسبوع منذ أن انضم المدير بنفسه إلى عملية فحص اللعبة بكل تفاصيلها. والمفاجئ أنه لم يُعثر على أي خطأ داخل <عالم الفانتازيا>.
فقد كانت اللعبة، التي خضعت لصيانة دورية عبر السنين، تعمل بشكل جيد للغاية وكأن الزمن لم يمر بها.
ومع ذلك، لا يزال موقع هاوارد على حاله، لم يتحرك قيد أنملة.
إنه أمر يدفع للجنون حرفيًا.
في البداية، كان الأمر مخيفًا: شخصية غير قابلة للعب لا تتحرك حسب الإعدادات، أو عنصر غامض يظهر فجأة داخل اللعبة.
لكن الآن، لم يعد يشعر حتى بتلك الرهبة. و كل ما يتمناه هو أن يُحلّ هذا الخطأ بأي شكل من الأشكال.
فالجدل الذي بدأ بمنشورٍ من اللاعب صاحب الاسم المستعار “خريج جامعة هاوارد المرموقة” لم يخفت، بل كان يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
وإغلاق خوادم <عالم الفانتازيا> من أجل الصيانة لم يعد أمرًا ممكنًا لأكثر من يوم أو يومين.
وفي النهاية، لم يتمكن فريق التطوير من حل المشكلة واضطر إلى إعادة فتح اللعبة كما هي. فهاج اللاعبون من جديد عندما رأوا أن الخطأ لا يزال قائمًا.
حينها، بدأ المطورون بمحاولة إجراء الصيانة مجددًا خلال أوقاتٍ متأخرة من الليل، حين يكون عدد اللاعبين في أدنى مستوياته.
ورغم أن الجميع كان يسهر الليالي من أجل العمل، فإن الخطأ لم يُحل.
وازداد غضب اللاعبين أكثر فأكثر. حتى أن بعضهم بدأ يقول إن هاوارد لم يعد يرد عند التحدث إليه. و لم يعد يظهر سوى ردٍ واحد: “.……”
ومع ذلك، استمر المطورون في إجراء الصيانة بعيون دامعة.
لكن هذه اللعبة، اللعينة، لم يكن بها أي خلل ظاهر.
وبات هذا الحال يتكرر في الآونة الأخيرة.
فكيف لا يُجنّ الإنسان في مثل هذا الوضع؟
“……سأفقد صوابي، حقًا.”
تنهد المدير بزفرة امتزجت بشعور مرير وكأنه على وشك البكاء. فتحدث أحد المطورين الذين كانوا يراقبونه عن قرب،
“ما رأيكَ أن نصدر إعلانًا رسميًا بخصوص الخطأ، حتى الآن؟ الوضع لن يتحسن هكذا……”
“نصدر إعلانًا؟ هذا ممكنٌ فقط إذا كنا نملك حتى بصيصًا من الحل. وماذا سنكتب بالضبط؟ ‘بغض النظر عن الجهود المبذولة، لا تتغير موقع شخصية هاوارد. ويبدو أنه لن يتكلم أيضًا. نعتذر. فقط استمروا باللعب.’ هكذا؟ هل تعرف كم عدد اللاعبين الذين يلعبون هذه اللعبة فقط من أجل هاوارد؟ ألا ترى كيف تُباع منتجاته بسرعةٍ خلال ساعة كل مرة نصدر فيها سلعًا متعلقةً به؟”
“طبعًا أعرف، أنا أيضًا من المعجبين، لكنني أقول هذا لأنني أشعر بالاختناق! أنت بالتأكيد رأيت المنتدى، أليس كذلك؟ الآن الناس بدأوا يتساءلون: ‘من هي الفتاة التي في الصورة؟ هل هي حبيبة هاوارد السابقة؟’”
“بالضبط، وهذا ما يزيد الأمر تعقيدًا الآن. فبعضهم يقول أنه سيترك اللعبة إن تبيّن أنها كانت حبيبته فعلًا.”
“لذا دعونا نتحدث بوضوح. بدلًا من مواصلة الصيانة فقط، علينا إصدار إعلان نقول فيه بوضوح إننا غير قادرين حاليًا على حل مشكلة موقع هاوارد أو الصورة أو غيرها من الأخطاء. لكن بهذا الشكل سنظل نحن من يتحمل اللوم. مع أننا لا نجلس مكتوفي الأيدي! نحن نسهر الليالي بلا توقف……آه……لم أعد أتذكر حتى متى كانت آخر مرة نمت فيها بشكل طبيعي……”
“لهذا السبب الوضع أكثر خطورةً الآن. نحن نسهر الليالي ونتعلق بأمل واهٍ، لكن إن لم نتمكن من إصلاح أي شيء، فماذا سيظن الناس؟ وماذا عن الإدارة العليا؟ ألن يطلبوا طرد فريق التطوير فورًا؟ حتى أنهن في الفترة الأخيرة لا يكفون عن الضغط علينا لأن الإيرادات بدأت تنخفض.”
“إذاً، ماذا تريدنا أن نفعل……؟”
قال المطور الآخر وهو ينهار بدوره فوق الطاولة.
هل يمكن أن يكون هناك وضعٌ قذر ومجنون كهذا؟
لم يستطع أي من المطورين فتح فمه بعد ذلك، وكلهم أمسكوا برؤوسهم بصمت. و ساد الصمت في غرفة الاجتماعات، ولم يُسمع فيها أي صوت إلا بعد مرور بعض الوقت.
عندها تكلّم أحد المطورين الآخرين أخيرًا،
“ماذا لو جرّبنا هذا بدلًا من ذلك؟”
_______________________
المؤلفه تختبر صبري فصلين مع فريق التطوير ذاه؟
طيب وهاوارد عادي رجعينها له اصيح معه شوي 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 138"