منذ وفاة بروتور إيتينتيا وحتى تولي فريدريك العرش كإمبراطورٍ جديد، تولى هاوارد تشيلستون جميع المهام بلا استثناء.
وللمرة الأولى في حياته، حصل هاوارد تشيلستون على إجازة.
إجازةٍ طويلة لم يكن يتوقع أحد أن تكون له صلة بها، بل ولم يُعرف حتى متى سيعود منها.
لم يكن هناك أحدٌ يجهل كم عانى هاوارد في مطاردة ملك الشياطين والهراطقة، لذا لم يعترض أحد على هذه الإجازة. بل على العكس، كان معظم الناس يرحبون بها.
و هاوارد نفسه سبق أن أعلن أنه أنهى واجبه، ويرغب في التخلي عن منصب قائد فرسان الهيكل.
جميع فرسان الهيكل، بمن فيهم فيليب، أحدثوا ضجةً كبيرة.
قالوا أنهم لا يستطيعون تخيل قائدٍ للفرسان غير هاوارد، وتوسلوا إليه أن يأخذ قسطًا من الراحة بدلاً من الاستقالة، وكانت النتيجة هي ما يحدث الآن.
كانت إجازةً غير مسبوقة في طولها جعلت أنظار الجميع تتجه نحو هاوارد.
صحيح أنه لا تزال هناك بعض الوحوش المتبقية، لكن المهم أن هاوارد تمكن من تحقيق حلم إمبراطورية فيدوس القديم: القضاء على ملك الشياطين.
والسؤال الآن، ما الذي سيفعله بعد ذلك؟
طوال تلك الفترة كان مشغولًا في العمل، يتنقل فقط بين المعبد وقصر دوقية تشيلستون، فهل سيذهب في رحلةٍ إلى مكان بعيد؟
أم أنه سيبدأ في الظهور بالحفلات الاجتماعية التي نادرًا ما حضرها من قبل، ويبدأ نشاطه فعليًا في المجتمع الأرستقراطي؟
أم، وقد مات الإمبراطور السابق الذي كانت تدور شائعات بأنه يكره ابن أخيه، سيحاول الآن بناء علاقة ودية مع الإمبراطور الجديد؟
كثرت التخمينات، لكن لم يُصب أي منها. فهاوارد تشيلستون، تاركًا خلفه كل الترحيب والتوقعات، أغلق على نفسه داخل قصر دوقية تشيلستون ولم يخرج.
لقد مر وقتٌ طويل حتى بدأ الناس يشكون إن كان لا يزال حيًّا، فهو لم يظهر خارج قصر الدوقية مطلقًا. وكان قد أعلن أنه لن يقابل أحدًا لفترة، بهدف الراحة.
ولم تنتشر شائعةٌ تؤكد أنه ما زال حيًّا إلا عندما بدأ القصر بتعيين خدم جدد.
رغم علم دوقية تشيلستون بأن إمبراطورية فيدوس بأكملها تعيش حالةً من القلق والتساؤل، لم يصدر منها أي بيان رسمي.
وانتشرت الشائعات وتكاثرت.
وهكذا، مرت ثلاث سنوات.
***
“سيدي الدوق، كنتَ في المكتبة مجددًا اليوم أيضًا.”
عند سماع الصوت في أذنه، التفت هاوارد برأسه. و كان كبير الخدم يقف أمامه، ينظر إليه بوجه يملؤه القلق.
“لقد مرّ يومان منذ آخر مرة تناولتَ فيها الطعام. أعلم أن شهيتكَ ضعيفة، لكن ألا ينبغي أن تتناول ولو القليل؟ الخدم قلقون للغاية.”
‘هل مر بالفعل يومان على آخر مرة أكلتُ فيها؟’
ظل هاوارد سارحًا وهو يحاول تذكّر آخر مرة أكل فيها.
كان يظن أنه حاول أن يأكل شيئًا، لكن يبدو أن فقدانه للإحساس بالزمن جعله لا يدرك كم مضى من الوقت.
“أحضِر شيئًا خفيفًا، من فضلكَ.”
“ما رأيكَ بحساءٍ خفيف ودافئ؟”
أومأ هاوارد برأسه ببطء. بينما نظر إليه كبير الخدم بنظرةٍ حزينة، ثم غادر المكتبة بهدوء.
لقد كان يعرف وضعه جيدًا. فهو أحد الخدم القدامى الذين كانوا يديرون قصر دوقية تشيلستون منذ زمن، ومن القلة الذين نجوا من الهجوم الذي شنّه بروتور إيتينتيا على القصر.
حدّق هاوارد إلى الباب الذي خرج منه كبير الخدم، ثم أدار رأسه مجددًا ونظر إلى ما كان يتأمله طوال الوقت.
لوحةٌ بورتريه رُسمت منذ عدة سنوات. تُظهر ريكا وهي تبدو في غاية السعادة……إلى جانب هاوارد.
“……ريكا.”
ها هو الآن في عامه الثالث منذ أن حبس نفسه داخل قصر دوقية تشيلستون.
قضى هاوارد أغلب وقته جالسًا في هذا المكان. على هذا الأريكة في وسط المكتبة.
تناول طعامه هنا، ونَام هنا، وحتى الأعمال الإدارية التي كان عليه أن ينجزها بصفته دوقًا، أنجزها من هذا الموضع.
ورغم أنه كان يعاني من عقوباتٍ يومية نتيجة مخالفته لقواعد اللعبة، إلا أن هاوارد لم يكترث.
و حتى إن كان الألم الجسدي لا يُحتمل، لم يتحرك من مكانه. لأن تلك اللوحة كانت الأمل الوحيد المتبقي له.
“كما تعلمين، أي تغييرٍ يحدث في لعبة <عالم الفانتازيا> يؤثر بشكل كبير على هذا العالم. لدرجة أنه عندما يتم فتح منطقةٍ جديدة هناك، تظهر فجأةً قارة جديدة في وسط بحر هذا العالم، وكأن الأمر ضربٌ من الخيال.”
كان هذا جزءًا من حوار دار بينه وبين ريكا ذات يوم.
“إذاً، ماذا عن العكس؟”
كما أن لعبة <عالم الفانتازيا> تؤثر على هذا العالم، فهل من الممكن – ولو باحتمالٍ ضئيل – أن يؤثر هذا العالم أيضًا على <عالم الفانتازيا>؟
مثلما ظهر اسم “بروتور إيتينتيا” في إشعارات اللعبة، كان هاوارد يتشبث بأملٍ يائس أن تحدث معجزةٌ مشابهة.
“ربما……ربما يمكنني إعادتكِ إلى الحياة.”
غمره أملٌ ضعيف في أن يتمكن من رؤية ريكا مجددًا.
وبينما كان يحمل هذا الرجاء في قلبه، واصل هاوارد تكرار نفس التصرفات على مدى سنوات. لعلها تؤثر، ولو قليلًا، على تلك اللعبة القاسية.
وكان من الطبيعي أن يختار اللوحة. فهي الأثر الوحيد المتبقي من ريكا في هذا العالم.
أما السوار الذي وضعه في الخزنة خوفًا من أن يتلف، فلم تكن ريكا قد لمسته كثيرًا أصلاً، وغرفتها، التي كانت تحمل ذكرياتها، بدأت مع مرور الوقت تصبح كأي غرفة أخرى.
لذلك، ظل هاوارد يحدق في اللوحة بلا نهاية.
لم يخبره أحدٌ أن هذا سيُمكّنه من رؤية ريكا مجددًا، ولم يكن هناك دليل على أن ذلك ممكن.
لقد حدث الأمر بكل بساطةٍ هكذا……بشكلٍ طبيعي.
حتى لو لم تكن هناك قضيةٌ أو أمل، لربما فعل الشيء نفسه.
“……هل أنتِ بخير، ريكا؟”
كان يشتاق إليها فقط. لدرجة أنه لم يكن يستطيع الاحتمال دون أن يفعل هذا.
لدرجة أنه لم يكن يستطيع الاستمرار في العيش بدونها.
“أنا……أحاول أن أكون بخير. كما كنتِ تقولين دائمًا……أنني شخصٌ قوي. رغم أنني لست كذلك حقًا، لكنني أحاول، على الأقل.”
نظر هاوارد بشوقٍ إلى اللوحة. أو بالأحرى، إلى ريكا التي كانت في حضنه داخل اللوحة.
“لذلك، أحاول أن أنام في الوقت المحدد، لأحصل على قسط كافٍ من النوم. فقط……سامحيني لأني لا أنام في السرير. أشعر براحةٍ أكبر هنا. عندما أستلقي وحدي في الغرفة، أشعر ببرودةٍ غريبة، حتى في الصيف، وكأن البرد لا يُحتمل. و الآن فقط، بدأت أفهم لماذا كنتِ تشعرين بالبرد بسهولة.”
كان وجه ريكا يبدو غارقًا في السعادة. و استطاع أن يستشعر بوضوح كم كانت تلك اللحظات جميلةً بينهما في ذلك اليوم.
لقد كانت لحظاتٍ حقًا سعيدة.
وكان هاوارد لا يزال يتذكر بوضوح ذلك اليوم المشمس، تحت أشعة الشمس الساطعة.
“وأحاول أن أتناول طعامي بانتظام. صحيحٌ أنني لم آكل منذ يومين، لكنني لم أقصد ذلك، أقسم لكِ. كنت شاردًا فقط……فنسيت. سامحيني هذه المرة.”
قال هاوارد ذلك بصوتٍ منخفض وهو ينظر في عيني ريكا.
لكن العينين الزرقاوين لم تنظرا إليه أبدًا. بل كانتا تنظران فقط إلى هاوارد الموجود داخل اللوحة، لا إلى من يقف أمامها الآن.
“سأستمر في العيش هكذا. لعلني، يومًا ما، أصبح الشخص الذي كنتِ تأملين أن أكونه. لكن، ريكا……”
وكأن تلك السعادة……كانت قد توقفت عند ذلك اليوم فقط.
وكأن كل ذلك لم يعُد له أي علاقةٌ بالحاضر.
“……في مثل هذه اللحظات، ماذا يجب أن أفعل؟”
حينها كانت المشاعر تغمر هاوارد فجأة.
مهما حاول أن يتمالك نفسه، كان الزمن يعود إلى الوراء باستمرار.
“لو مر وقتٌ طويل ولم أستطع أن أصبح الشخص القوي الذي كنتِ ترجين أن أكونه……لو أنني لم أتغير أبدًا مهما حاولت……لو أنني لم أعد أستطيع تحمّل أن يطول غيابكِ أكثر من الوقت الذي قضيناه معًا……”
كان يعود إلى تلك اللحظة، اللحظة التي اختفت فيها ريكا متحولةً إلى فتات.
“وإن أصبحتُ لا أرى شيئًا سوى البياض أمامي……وإن تمنيتُ أن أتمسّك بالزمن بأي شكل……وإن كنتُ، بعد كل هذه السنوات، لا أزال أرغب في الذهاب إليكِ……فماذا أفعل؟”
“وإن كنتُ خائفًا أن أخذلكِ بذلك……فماذا عليّ أن أفعل؟”
تشوه وجه هاوارد من الألم. وامتلأت عيناه الحمراوان بالدموع.
“أتعلمين، ريكا……”
قطرة-
انسابت دمعةٌ على خده.
“أنا أشتاق إليكِ كثيرًا……”
كان يتألم، ولا يظن أنه قادرٌ على التحمل أكثر من ذلك.
“آسف، لأنني لم أستطع الحفاظ على ثقتكِ.”
“آسف، لأنني إنسانٌ ضعيف إلى هذا الحد.”
راح هاوارد يتمتم بلا توقف. وفي غفلةٍ منه، كان وجهه قد ابتلّ بالكامل بالدموع.
ثم امتلأت المكتبة بصوت بكائه اليائس.
كان بكاءً حادًا ومؤلمًا لدرجة أن كبير الخدم، الذي كان واقفًا خلف الباب وهو يحمل الحساء، توقف عن الطرق.
كان نحيبًا ثقيلًا، يبعث الحزن في نفس كل من يسمعه.
فتراجع كبير الخدم بهدوء إلى الخلف. ويبدو أن موعد تناول الطعام سيتأخر مرة أخرى.
***
ثم في أحد الأيام……
-السبب الذي أدى إلى وجود هذا العالم، في لوحة الإعلانات الحرة في لعبة عالم الفانتازيا.
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
<ما هذا؟ هل هناك من هو مثلي هنا……؟>
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
التاريخ: XXXX/XX/XX ◈خريج جامعة هاوارد المرموقة.
<حقًا، لقد اختنقت من الضيق. هل أنا الوحيدة هكذا؟>
<هاوارد لم يعُد يظهر في المعبد.>
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
كان ذلك منشورًا جديدًا نُشر على لوحة إعلانات <عالم الفانتازيا>.
____________________
ريكا صارت تلعب؟
المهم ذا الي تقول اختنقت من الضيق صادقه حال هاوارد يخنق وهو يبكي ويحاكي الرسمه بيكت مقدر ولدي المسكين
السكب تايم الي صار واو ثلاث سنوات مرةٍ وحده
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 136"