‘ريكا……ستموت.’
يبدو أن السم كان قويًا للغاية، فجسد ريكا لم يستطع تحمّله.
في اللحظة التي أدرك فيها هاوارد تلك الحقيقة بوضوح، لم يخطر بباله وسط يأس لا يُحتمل سوى أمر واحد.
أن يكون آخر مشهد تراه ريكا منه، وجهه وهو يبتسم ابتسامةً جميلة. لأنه على الأرجح، هذا ما كانت ريكا تريده.
فهو يكره أن يراها بوجهٍ بائس، يجعلها ترحل وهي مثقلةٌ بالقلق والحزن عليه. لذلك بذل هاوارد جهده ليرفع طرفي شفتيه.
كانت أطراف شفتيه ترتجف، وعضلات وجهه التي شدّها بالقوة كانت تؤلمه. بينما انهمرت الدموع المتجمعة في عينيه. لكنه، إلى حدٍ ما، أصبح وجهًا يمكن تسميته بـ”ابتسامة”.
“……نعم، ريكا. تحدثي. أنا أستمع.”
قال هاوارد ذلك بصوتٍ مرتجف حاول كبحه.
الآن، الشيء الوحيد الذي يمكنه فعله هو أن يستخدم كل ما يملك من قوةٍ مقدسة ليُكسب ريكا بعض الوقت لتقول ما تريده.
حتى تتمكن من قول كل شيءٍ تريده، وحتى لا ترحل وهي تترك خلفها شيئًا من الندم.
ولحسن الحظ، يبدو أن ذلك كان الخيار الصحيح، إذ أشرق وجه ريكا قليلًا. ثم أجابت وهي تسعل بعنف.
“أعلم…..أنه سيكون مؤلمًا كثيرًا…..وأعلم أنكَ ستحزن كثيرًا…..لكن، هاا…..ستتجاوز الأمر سريعًا. فأنتَ شخصٌ قوي.”
‘لا، ريكا.’
ليستُ كذلك.
أنا لستُ قويًا.
أنا خائفٌ من فقدانكِ، حتى أنني لا أستطيع التنفس. و العيش بدونكِ يبدو وكأنه جحيمٌ منذ الآن.
كانت كلماتٍ لم يستطع النطق بها تدور في حلقه. و أراد أن يتوسل إليها ألا تتركه. أراد أن يرجوها أن تبقي بجانبه.
لكن لم يكن بإمكانه قول ذلك. لأن ذلك كان أنانيًا جدًا منه.
“أحبكَ……”
قالت ريكا ذلك بعينيها نصف المغلقتين.
و حتى دون الحاجة للتأكيد، كان يعلم. أن قدرته على صد السم بالقوة المقدسة وصلت إلى حدها.
“شكرًا لكَ، حقًا. في ذلك اليوم……لقد كان من الجيد أنني أتيتُ إلى أوفيلين. أنا محظوظةٌ لأنني التقيت بكَ مجددًا……”
بدأ صوت تنفس ريكا يضعف شيئًا فشيئًا. فسارع هاوارد بالكلام.
“بل أنا من سعِدَ بلقائكِ.”
و خشي ألا تتمكن من سماعه حتى النهاية فتكلم فوراً.
“شكرًا لأنكِ أتيت إلى أوفيلين في ذلك اليوم، ولأنكِ كنت هناك في طابور التفتيش. و شكرًا لأنكِ كنت على ذلك التل حين تهت في الجبل.”
“….…”
“……أنا أحبكِ، ريكا.”
ما إن انتهى من كلامه، حتى ابتسمت ريكا ابتسامةً خفيفة. و كان من السهل عليه أن يدرك أنها سمعت صوته.
رموشها البيضاء، التي كانت تصمد بصعوبة، ارتجفت مراتٍ قليلة ثم سكنت إلى الأبد.
و عيناها المغمضتان لم تفتحا مجددًا. حتى صوت أنفاسها الواهية لم يعد يُسمع.
أمام هذه الحقيقة الواضحة، أنزل هاوارد شفتيه التي كان يرفعها بكل ما أوتي من قوة. وبدأ وجهه يتشوه تدريجيًا، ثم انفجر بالبكاء.
“لا تذهبي، ريكا……”
“….…”
“لا تتركيني وحدي……أرجوكِ……”
أمال هاوارد جبينه ليلامس جبين ريكا. وخرج من حلقه صوتٌ لم يكن بكاءً، بل أشبه ما يكون بالصراخ.
صرخةٌ عظيمة خرجت منه، حتى أن فرسان الهيكل الذين كانوا يقاتلون الوحوش التفتوا نحوه وقد تشتت تركيزهم.
اجتاح هاوارد إحساسٌ لا يُوصف بالفقد. و شعر وكأنه سيموت.
فقدان ملجأه الوحيد لم يكن كما تخيله، بل أسوأ بكثير.
لهاثه خرج متقطعًا وخشنًا، وكأنه سيتوقف في أي لحظة. ثم شعر وكأنه على وشك الجنون.
لقد بالغ في تقدير قوته النفسية. فهذا المكان لم يكن جحيمًا. بل كان هاوارد غارقًا في هاوية أعمق من الجحيم، هاويةٍ لا يستطيع الخروج منها أبدًا.
لكن المصيبة التي حلّت به، لم تنتهِ عند ذلك.
“آه……”
ابتلع هاوارد أنفاسه. و نظر بسرعة إلى الجسد الذي بين ذراعيه.
جسد ريكا، الذي كان صغيرًا وهزيلًا دومًا ما أقلقه، بدأ يختفي شيئًا فشيئًا. كذراتٍ بيضاء بدأت تتناثر فجأة، تطاير في الهواء من حوله.
لا، بل ارتفعت عاليًا أكثر.
“……لا.”
لا يمكن.
لا.
مدّ هاوارد يده بسرعة. لكن مهما حاول، لم يستطع الإمساك بتلك الذرات. وكأنها لم تكن موجودةً من الأساس.
من الواضح أن اللعبة لم تكن تنوي إبقاء ريكا، التي كانت كيانًا مليئًا بالأخطاء، في هذا العالم أكثر من ذلك.
ويبدو أن لحظة موتها كانت بالفعل الحد النهائي.
فتسرّب صراخٌ ممزق من بين شفتي هاوارد.
كيف يمكن للعالم أن يكون بهذه القسوة عليه؟ كيف يمكن……؟
“هاه……هاه……”
في اللحظة التي اختفى فيها جسد ريكا بالكامل، رفع هاوارد يده. ثم أمسك بعنقه بكل قوته.
كان يشعر بالاختناق. اختناقٌ شديد جعله يرغب في تمزيق كل شيء.
وفي اللحظة التي كان هاوارد يواصل فيها تمزيق عنقه بيديه……
“المدخل إلى الممر السفلي ينهار!”
“الوحوش تتدفق نحونا! علينا أن نوقفها بسرعة……!”
تعالت صيحات فرسان الهيكل من كل الجهات. وصراخ المعزّين الذين لم يتمكنوا بعد من مغادرة الممر السفلي، بسبب عددهم الكبير، اختلطت بالأصوات.
توقفت يد هاوارد عن إيذاء عنقه. و أخذ ينظر حوله بشرود.
هذا المكان كان جحيمًا. لكن……ربما لم يكن جحيمًا كاملاً. إذا تحرّك بنفسه.
كان هاوارد يعرف تمامًا ما يجب عليه فعله. فأسند نفسه إلى السيف الذي بجانبه ونهض ببطء.
ترنّح في المنتصف، لكن للحظة فقط. فكيف له أن يضيّع هذه الفرصة التي صنعتها له ريكا؟
لا يمكن أن يتركها تذهب هباءً دون أن يفعل شيئًا.
ركّز هاوارد كل ما تبقى له من قوةٍ مقدسة في سيفه. ثم لوّح به بكل ما أوتي من قوة نحو بروتور.
فوووش-
صدر صوت تمزّق اللحم تحت نصل السيف الحاد. و خرج طرف السيف من بطن بروتور إلى الجانب الآخر. وانسكب من جسده دمٌ شديد الحمرة، بلون واضح، لطّخ الأرض تحته.
حتى تلك اللحظة، لم يُبدِ بروتور أي مقاومة. لا، بل لم يفعل شيئًا على الإطلاق.
ظل فقط يحدّق بشرود في المكان الذي اختفت فيه ريكا.
ثم تحركت عيناه الخاويتان، وكأنهما خاليتان من الروح، ببطء لتنظرا إلى هاوارد الواقف أمامه.
فانعكس هاوارد داخل عينيه المروعتين.
“أنا……”
ثم انفرج فمه الذي ظل مغلقًا بإحكام. وحين رأى وجه هاوارد الممزق تمامًا من الألم، ابتسم بروتور وعيناه تنحنيان بلين.
ابتسامةٌ لا تخطئها عين، إنها ابتسامةُ المنتصر.
“لقد فزت أنا.”
“….…”
“أنا الآن ذاهبٌ إلى جوار ريكا، وسأبقى معها إلى الأبد، أما أنتَ……فحتى هذا العالم القذر، لم تستطع أن تتخلّى عنه.”
كانت تلك هي كلمته الأخيرة.
وبمجرد أن نزع هاوارد سيفه، انهار جسد بروتور الطويل على الأرض كما لو أن السيف كان دعامةً له.
“هاهاها.”
هاهاهاهاها.
هاهاها.
ضحك بروتور وهو ملقى على الأرض. و كانت ضحكة مشبعةً بالجنون، يصعب وصفها بالكلمات.
كان ضحكهُ متواصلاً لدرجة جعلت من يشاهده يظن أنه سيموت مختنقًا من فرط الضحك، لكنه ما لبث أن توقف أخيرًا.
و بعدها، عمّ الصمت التام.
فتوقفت الوحوش عن الحركة، وكأنها شعرت بموت سيدها. و راحت تتخبط، غير قادرة على تنفيذ أي أمر، فاقدةً الاتجاه.
ولم يفوّت فرسان الهيكل تلك الفرصة.
“اقضوا عليهم جميعًا! لا تتركوا واحدًا!”
“لا نعلم ما الذي حدث، لكن علينا استغلال هذه الفرصة!”
استجمع فرسان الهيكل ما تبقى لهم من قوة وانقضوا بكل ما أوتوا من عزم.
واحدةً تلو الأخرى، بدأت الوحوش تسقط تحت سيوفهم، بعد أن فقدت سيدها. وبمرور بعض الوقت، كانت أغلب الوحوش داخل المعبد قد سقطت.
وحين لم يعد يُسمع عواء أي وحش في الداخل……
“آآآاااه!”
تعالى صراخ فرسان الهيكل فرحًا وانتصارًا. لقد كان نصرًا عظيمًا، انتصارًا على ملك الشياطين وعلى عدد لا يُحصى من الوحوش.
فرسان الهيكل، الذين كانوا يقاتلون حتى الموت في يأس تام، نظروا إلى بعضهم البعض. وما إن التقت عيونهم، حتى انفجروا بالبكاء وعانق بعضهم بعضًا.
وفي وسط ذلك كله……وقف هاوارد ثابتًا، بلا حراك.
و كانت ضحكة بروتور ما زالت تتردد في أذنه.
“لقد فزتُ أنا.”
صوتٌ مليء بالغرور والانغماس في الفرحة.
_____________________
يعني وش؟ ريكا ماىًت خلاص؟ طيب بترجع؟ فيه احتمال النوكس يرجع؟
تكفون وش ذاه الفصول الباقيه اجل وش؟ ذكريات هاوارد مع ريكا لين يصير عجوز ولا وش؟
دموعي شلال لين ضحك بروتور جعله الزفت وفطس
يعني افرح بروتور فطس وابكي على ريكا و هاوارد ليه ذا التضارب 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 134"