قال أحدهم يومًا، أن في الحياة لحظاتٌ يتملكك فيها إحساسٌ قوي لا يمكنك تجاهله.
ولهاوارد، كانت تلك اللحظة الآن.
منذ بداية جنازة ماركوس دو لوكلين، وحتى اللحظة التي يواجه فيها بروتور إيتينتيا بالسيف، لم يفارقه ذلك القلق الغامض الذي استقر في قلبه.
لا، بل لم يبدأ ذلك من الجنازة.
بل قبلها، منذ تلك الليلة التي تجاوزت منتصف الليل بقليل، حين تلقى تقريرًا يفيد بأن سيرديا آفلز أثارت شغبًا.
ومنذ تلك اللحظة، أخذ القلق يتضخم شيئًا فشيئًا، حتى بلغ ذروته الآن. ذروةٌ لا يمكن تجاهلها.
لذلك ظل يراقب ريكا بين الحين والآخر أثناء مراسم الجنازة.
‘ما هذا؟ لماذا أشعر هكذا؟’
رغم إدراكه أن هذا ليس وقت الشرود، لم تتوقف تلك الأسئلة القلقة عن الدوران في رأسه.
حتى مع شعوره بأن جسده ينهار من الداخل بفعل الإفراط في استخدام القوة المقدسة، وحتى في خضم الألم المُمزّق الذي يجتاح جسده كله، استمر ذلك القلق في التملّك منه.
وبالطبع، كان من الطبيعي أن يشعر قلبه بالاضطراب الآن، فقد أظهر بروتور إيتينتيا أخيرًا وجهه الحقيقي كملكٍ للشياطين.
ولم يكتفِ بذلك، بل يسعى الآن لاجتياح ليس فقط هذا المعبد، بل كامل أرجاء إمبراطورية فيدوس بيد الوحوش. لذا، لم يكن هناك مجالٌ للتراخي.
هذا لم يكن أمرًا غريبًا. ومع ذلك……كان هذا الإحساس الغريب يخبره بشيء.
لم يكن الأمر بسبب ذلك الشعور وحده. كان هناك شيءٌ آخر……شيء مختلف تمامًا.
وفي تلك اللحظة، شعر به.
رغم أنه لم يلتفت بسبب انشغاله بالقتال، إلا أنه أحس بحركة تقترب من الخلف، من جهة كان يركّز عليها باستمرار.
“هاوارد.”
صوت ريكا جاء من جانبه مباشرة. وحين وجّه نظره إليها بسرعة بعد أن دفع بروتور بقوة، رأى ريكا واقفةً إلى جانبه، في حين كان من المفترض أن تبقى خلفه.
مجرد رؤية ريكا واقفةً أمام بروتور بوضوح جعل قلبه يهتز بعنف. فتحدث إليها بصوتٍ عاجل، مرتعش.
“ريكا، الأمر خطير، عودي فورًا خلفي-”
“لا يمكنني البقاء مختبئةً خلفكَ إلى الأبد، هاوارد.”
قاطعت ريكا كلماته بلطف. بينما كانت تبتسم، وقد أغمضت عينيها قليلًا.
إنه نفس الوجه المشرق الذي يحب هاوارد رؤيته دائمًا……لكن رؤيته في تلك اللحظة تحديدًا أثارت بداخله قلقًا لا يوصف. فبدأ جسده يرتجف و كأنه أصيب بالبرد الشديد.
“ر….ريكا.…”
“أريد أن أتحدث مع بروتور لبعض الوقت.”
مرةً أخرى، تجاهلت ريكا كلامه، وأدارت وجهها نحو بروتور ونظرت إليه بثبات.
في مواجهة هذا الوضع المفاجئ، توقف بروتور أيضًا عن الهجوم ووجّه نظره نحوهم.
راح يحدق مطولًا في ريكا التي تقدّمت حتى صارت بجوار هاوارد، ثم ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتيه.
“ما هذا، ريكا؟ تعابير وجهكِ تغيّرت عن قبل. هل غيّرتِ رأيكِ بعدما رأيتِ مجريات الأمور؟”
“ليس تمامًا، لكن لا يمكنني القول أنكَ مخطئ.”
أشرق وجه بروتور أكثر بعد جواب ريكا. و عَيْناه الخضراوان انحنتا بابتسامةٍ مشرقة.
“كنت أعلم أنكِ ضعيفة القلب. نحن بالكاد بدأنا، ومع ذلك بدوتِ منهارة. حسنًا، كنتِ دائمًا هكذا منذ البداية. أنتِ دائمًا تهتمين بأشياء لا ينبغي أن تُقلقكِ.”
“….…”
“أنا سعيدٌ جدًا، لكن……ماذا عساي أن أفعل؟ حتى لو جئتِ إليّ الآن، لن يتغير شيءٌ في خطتي.”
“نعم، هذا متوقّع. فأنت تنوي إنقاذي، مهما كان الثمن. حتى لو كان ذلك يعني تدمير هذا العالم.”
تغيّر وجه ريكا قليلًا وهي تنطق بتلك الكلمات. لكن التغيير كان لحظيًّا لدرجة أن هاوارد، الذي كان بجوارها مباشرة، لم يكن واثقًا إن كان قد رآه حقًا.
“إذًا، ما رأيكَ بهذا؟”
قالت ريكا ذلك، وهي تستعيد تعابيرها بهدوء، وتخطو خطوةً إلى الأمام.
ثم، دون أن يتمكن هاوارد من الإمساك بها، تابعت كلامها،
“ماذا لو……لم يعد هناك أي وسيلةٍ لإنقاذي، بأي شكل من الأشكال؟”
“……ماذا؟”
نطق هاوارد وبروتور ذلك في الوقت نفسه، بصدمة. و في تلك اللحظة تمامًا، بدأت ريكا تسعل بعنف.
وفي الوقت نفسه، سقط شيءٌ من يدها كانت تمسكه منذ قليل. و تدحرج ذلك الشيء على الأرض المغطاة بالسجادة حتى توقف عند قدمي بروتور.
كان زجاجةً زجاجية شفافة. غطاؤها مفتوح، ومحتواها قد اختفى بالفعل.
“كحّ كحّ!”
غطّت ريكا فمها بيدها الأخرى وهي تواصل السعال، قبل أن تتقيأ شيئًا.
بين أصابعها، سال سائلٌ أحمر قانٍ بوضوح. بينما تشنّج وجهها من شدة الألم.
“……ريكا؟”
ناداها هاوارد بصوت مرتعش. لكن ريكا لم تجب.
وسرعان ما سقط جسدها على الأرض دون قوة.
“ريكا!”
صرخ هاوارد وهو يمدّ ذراعيه بسرعة، متلقّيًا جسدها المتهاوي. ثم جلس بها على الأرض برفق، محتضنًا إياها بين ذراعيه.
عينا ريكا بدت بلا تركيز، وكأن وعيها يتلاشى. أما تنفّسها، فكان خافتًا حدّ التلاشي، كأنه على وشك الانقطاع في أي لحظة.
حتى أحمقٌ لن يخطئ في فهم ما حدث.
ريكا……شربت السُم.
“لِـ….لماذا.…؟ ما الذي….حدث بحق.…”
قال هاوارد ذلك وهو يلمس وجهها المرتجف بيدين ترتعشان بشدّة. ثم أطلق قدرًا كبيرًا من قواه المقدسة عبر يده الأخرى.
كان يحاول بكل ما لديه أن يُبطئ انتشار السم داخل جسدها. لأنه إن لم يفعل، فريكا لن تصمد طويلًا.
ستغلق عينيها قريبًا……وسترحل بعيدًا عنه للأبد.
“هاه….آه…..”
أطلقت ريكا أنينًا خافتًا يتخلله الألم.
كانت تحاول استجماع وعيها، فأخذت نفسًا متقطعًا لتهدئة نفسها، ثم أدارت رأسها ببطء نحو بروتور.
أما بروتور، فوقف مكانه مصدومًا، بعينين متسعتين. كأن الصدمة شلّت جسده بالكامل.
“فكّرتُ بالأمر….هااه…..ما الطريقة التي….يمكن بها إيقافكَ….كحّ!…..كيف يمكنني حماية هذا العالم…..وحماية هاوارد.…”
“ريكا، أرجوكِ، لا تتكلمي. حالتكِ سيئةٌ جدًا.”
توسّل هاوارد وهو يصبّ طاقته المقدسة باستمرار، يائسًا من إيقاف ما يحدث.
لكن ريكا لم تتوقف عن الكلام. و رغم الألم الذي يعتصرها، كانت تعض شفتيها لتقاوم، وتتقيأ الدم دون توقف.
ذلك الإصرار الذي كانت تتحدث به……جعل هاوارد يشعر وكأنها لن تنال فرصةً أخرى للكلام إن لم تقل كل شيء الآن.
فامتلأ قلبه باليأس. بينما تشوّش بصره. و اجتاحه رعبٌ لم يعرف له مثيل في حياته.
“ريكا، أرجوكِ…..توقفي فقط……”
تمتم هاوارد بذلك بصوت خافت مرتجف.
و رغم كل شيء، واصلت ريكا حديثها.
“لم يكن العثور على الحل…..صعبًا جدًا. فقط ببعض التفكير….آه….أدركت الحقيقة. أنت لا تستطيع استخدام قوتكَ الكاملة…..إلا عندما أكون بقربكَ.”
“………”
“إذاً إن متُّ أنا……فماذا سيحدث؟…..الجواب واضح، أليس كذلك؟”
‘يا للأسف، خطتكَ لن تسير كما أردت.’
ضحكت ريكا ضحكةً خافتة، كأن أنفاسها تخرج مع الريح. و لم يكن في وجهها أي أثر للندم، ولا ذرة تردد.
أما هاوارد، الذي كان يحتضنها ويتوسل من الأعماق، فقد ازداد يأسه بكل لحظة تمر.
راح يتوسل و يتمنى……ولم يسبق له أن تمنّى شيئًا بهذا الشكل من قبل.
أرجوكِ……
‘أرجوكِ، ريكا لا تتركيني.’
أرجوكِ، فقط هذه المرة.
“……هاوارد.”
وكأنها قالت كل ما أرادت قوله لبروتور، أدارت ريكا وجهها ببطء نحو هاوارد ونظرت إليه.
“ألا تذكر؟….لقد قلتَ لي يومًا….أنكَ ملكي.”
“أنا لكِ، ريكا.”
“إلى الأبد……و للأبد.”
في تلك الليلة التي توحّدت فيها أرواحهما……حين نطق هاوارد بتلك الكلمات من أعماق قلبه، بوعدٍ قطعَه لنفسه……أن يحمي ريكا مهما كلّف الأمر.
لم يكن في الحسبان أن تأتي هذه اللحظة المفجعة بهذه السرعة، دون سابق إنذار، رغم فظاعتها حين يتخيّلها المرء فقط.
“أنتَ…..أول من أمتلكه في حياتي…..شيءٌ كامل يخصني…..شخصٌ ثمين جدًا….كحّ!…..ثمينٌ للغاية…..لهذا لم أعد أريد….أن تُنتزع مني بعد الآن……”
“فهمت، ريكا. فهمت، هذا يكفي-”
“لا….يجب أن أقولها.”
قالت ريكا ذلك بحزم، مجهدةً كل ما في قوتها، تحاول أن تلتقي بعينيه.
وعندما رأى هاوارد عينيها الزرقاوين، تلك العيون التي تحاول بجهد أن تبقيها مفتوحةً رغم التعب، أدرك الحقيقة.
في هذه اللحظة التي كان هو يترنّح فيها بين فقدان العقل وتمسّك الوعي، كانت تلك ستكون آخر كلمات يتبادلانها معًا.
ولن يكون بمقدوره إنكار ذلك بعد الآن.
___________________
هيييييه؟؟!! وش ذاه ريكا تكفين لا وش ذا الحل
قاعده انتظر حتى بروتور يسوي شي باقي الروايه ما اكتملت يعني فيه امل؟
بكيت وش ذا الكتمه ريكا حالفه تنشف عيني من الدموع حتى القطرات ما تكفي
حالياً الروايه نازل منها 139 يعني فيييه امل فيه امل اشوفهم يتبوسمون مره ثانيه😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 133"