لم تكن ريكا تنوي فعل شيء من البداية. ففي الواقع، حتى البارحة فقط، ألم تكن تنتظر عودة هاوارد في المعبد دون أن تحرك ساكنة؟
مبتسمةً بسعادة لمجرد تصديق ذلك الافتراض الوحيد، أن النوكس قد يبقى على قيد الحياة.
لكن ذلك كان تفكيرًا متعجرفًا للغاية، متجاهلةً تمامًا نوع الحياة التي عاشتها حتى الآن.
في ليلة تجاوزت منتصف الليل بقليل، وتحديدًا في اللحظة التي كانت فيها سيرديا تُسقِط رف الكتب، كان من اقتحم باب المكتب فجأة هو فيليب.
فهم فيليب الموقف على الفور، فانقضّ على سيرديا وسيطر عليها. وبالتزامن مع ذلك، أمسك الرف الذي كان على وشك السقوط، فلم يُحدِث صوتًا عاليًا.
لقد أظهر ما يليق بنائب قائد فرقة الفرسان المقدسة ذائعة الصيت. و لم تكن هناك مشاكل تذكر، وكان كل شيء تمامًا كما أخبرت هاوارد.
نعم، إلى هذه اللحظة فقط.
“آنسة إيفريت، أيمكننا الحديث قليلًا؟”
قال فيليب ذلك، وهو يغلق باب المكتب بعدما سلّم سيرديا التي فقدت وعيها خلال السيطرة عليها إلى فارس آخر.
فهزّت ريكا رأسها بتوتر خفيف، مرتديةً زي الكهنة الجديد الذي أحضره فيليب لها. ثم اقترب فيليب ببطء من الأريكة التي كانت ريكا جالسةً عليها، وجلس مقابلها. و كان وجهه جديًا للغاية.
لو كانت في حالتها الطبيعية، لكانت قد لاحظت فورًا أن هناك أمرًا مريبًا من مجرد رؤية ذلك الوجه. لكن بسبب الفوضى الكبيرة التي حصلت أثناء القبض على سيرديا، كانت لا تزال مشتتة الذهن.
لذلك لم تدرك الأمر إلا بعد أن قال فيليب جملته التالية.
أن الوضع الذي لم تكن تريده بشدة قد حدث أخيرًا.
“إلى متى كنتِ تظنين أنك ستستطيعين إخفاء الأمر؟”
“ماذا تقصد……؟”
“أقصد وشم الفراشة السوداء، يا آنسة.”
دق-
سقط قلبها بضجيجٍ هائل. إلى أسفل، إلى قاعٍ مظلمٍ لا يُرى له قرار.
لا، بل أبعد. أبعد من ذلك بكثير.
“ذا……ذلك هو.…”
كان لا بد أن تقول شيئًا. أنها لم تكن تنوي إخفاء الأمر إلى الأبد، وأنها كانت تنوي البوح به يومًا ما.
و أنها تعلم أن ما ستقوله قد يبدو غريبًا، لكنها ليست مهرطقة.
أنها فقط……تطلب أن يُصدّقها ولو لمرة واحدة.
لكن كلماتها لم تخرج. و كأن أحدهم أحكم قبضته على عنقها ومنعها من الكلام.
نظر فيليب إلى ريكا التي شحب وجهها حتى صار أشبه بورقة بيضاء، ثم تابع حديثه. بينما كانت نظراته حادةً على نحو غير معتاد، كأنها تقطع الهواء.
“بل وحتى موقع الوشم……إنه قريبٌ من القلب، أليس كذلك؟ من الواضح أن سيرديا آفلز كانت تعلم بشأن هويتكِ مسبقًا. ما الذي يحدث بالضبط؟ لا تقولي لي أنكِ اقتربتِ من القائد منذ البداية بدافعٍ معين؟”
“لـ……لا، أنا……”
“لا، في الحقيقة، لم يعد ذلك يهم الآن. ما يهم هو نظرة الآخرين. إن قالت سيرديا آفلز كلمةً واحدة عنكِ أثناء التحقيق، فكل شيءٍ سينتهي. لا حاجة لأن أشرح ما الذي قد يحدث بعدها……فأنتِ أدرى الناس بذلك، أليس كذلك؟”
“….…”
“هل تدركين مدى خطورة الوضع الحالي؟”
……لم يكن هناك ما يمكن قوله. لأن كل كلمةٍ قالها فيليب كانت صحيحة تمامًا.
لذلك ظلّت ريكا صامتة، و رأسها منحنٍ قليلًا. و لم تستطع حتى مواجهة نظرات فيليب.
“القائد بذل من الجهد أكثر من أي أحد آخر لطرد الهراطقة من إمبراطورية فيدوس. فكيف تكون حبيبة قائد الفرسان المقدّس هرطقية؟ أنا لا أريد أن يُلطَّخ اسم القائد بتهمة التعاون مع الهراطقة. وكذلك……”
توقف فيليب للحظة، ثم واصل كلامه. و كانت عيناه هذه المرة تحملان بريقًا معقدًا مختلفًا عمّا سبق.
“أعتقد أن الآنسة إيفريت لا ترغب في ذلك أيضًا.”
“….…”
“أنا لا أعرف الكثير عنكِ، يا آنسة. لا أعلم ظروفكِ بالتفصيل، ولا أدري ما الذي دفعكِ للاقتراب من القائد في البداية. لكن، مع ذلك……لا أعتقد أنكِ لا تكنّين له مشاعر حقيقية.”
‘……ماذا؟’
رفعت ريكا رأسها بسرعة. فلم تكن تتوقع هذا الكلام على الإطلاق.
تذبذبت عيناها الزرقاوان في اضطرابٍ شديد وسط مشاعرها المتضاربة والمعقدة. بينما رمقها فيليب بنظرة هادئة، ثم أكمل بصوت خافت،
“لا أعرف ما هو السبب، لكن يكفي ما رأيته حتى الآن لأجزم أن مشاعركِ حقيقية. فأنتِ تهتمين بالقائد كثيرًا، أليس كذلك؟”
“سيدي نائب القائد-”
“لكن الصدمة التي ستُحدثها هويتكِ، تختلف تمامًا عن مشاعركِ.”
قاطعها فيليب بحدة. وفي اللحظة ذاتها، تلاشى الأمل الصغير الذي كان يختبئ في قلب ريكا، كما تذوب الثلوج تحت شمسٍ حارقة.
“أنا لا أصدق أن شخصًا حادّ الذكاء مثل القائد لم يكن يعلم بهويتكِ. أعتقد أنه علم بالأمر، ومع ذلك أخفاه. وهذه مسألةٌ أخطر بكثير من مجرد كونكِ من الهراطقة.”
“….…”
“قائد فرسان مقدس، من المفترض أن يكون في الصف الأول لمحاربة الهراطقة، ومع ذلك يحتفظ بهرطقية تحمل وشمًا فوق قلبها مباشرة بجانبه……الناس لن يتقبلوا ذلك بسهولة، مهما كانت الأسباب.”
“….…”
“وإذا كُشف الأمر، فإن القائد بالتأكيد لن يقف مكتوف الأيدي. سيحاول حمايتكِ بكل ما أوتي من قوة، وفي أسوأ الأحوال……قد يُعدم بتهمة التستر على الهراطقة.”
انقبض صدر ريكا فجأة.
‘الإعدام.’
بمجرد سماع تلك الكلمة، توقفت أفكارها تمامًا. و لم يتبق في ذهنها سوى شيءٍ واحد: عليها أن تمنع ذلك مهما كلّف الأمر.
“هذه مسؤوليتكِ، يا آنسة. أنتِ من يجب أن يجد طريقةً للخروج من هذا الوضع، وطريقةً لقطع العلاقة مع القائد. و لا تقلقي بشأن سيرديا آفلز وما قد تقوله، سأحرص على ألا تتسرب منها كلمةٌ واحدة. سواءً عبر تحقيق مستقل أو وسيلة أخرى، سأمنع انتشار أي معلومات.”
“.……”
“أسبوع……نعم، سأمنحكِ أسبوعًا من الوقت.”
ولم تمضِ سوى لحظاتٍ على قول فيليب ذلك، حتى فُتح باب المكتب ودخل هاوارد.
تبادل فيليب بعض الكلمات مع هاوارد، ثم خرج من المكتب بهدوء وكأن شيئًا لم يحدث.
و من مجرد النظر إلى وجهه، بدا الأمر وكأن كل شيء طبيعيٌ تمامًا.
حاولت ريكا بكل جهدها الحفاظ على تعابير وجهها أمام هاوارد، لكنها كانت متوترةً لدرجة أن فمها جف تمامًا.
ماذا لو لاحظ هاوارد شيئًا؟ ماذا لو تحقق أسوأ سيناريو تحدث عنه فيليب؟
امتلأ رأسها بكل أنواع القلق، حتى شعرت أن عقلها سيُغلق تمامًا، ولم يتبق سوى بياضٍ خالٍ من أي فكرة، و كأنها ستنفجر بالبكاء في أي لحظة.
‘هل أخبر هاوارد بكل شيء كما هو؟’
هل أطلب منه أن يساعدني؟ فهاوارد بالتأكيد لن يتردد في ذلك.
وبينما راودها هذا التفكير العابر، وقع بصرها على هاوارد، الذي لا يزال واقفًا قرب الباب.
وجهه كان شاحبًا، وعيناه الحمراوان ترتجفان بعنف كما لو أن زلزالًا اجتاح داخله.
لقد فقد رباطة جأشه. ذلك القائد المعروف ببروده وثباته، الذي يخشاه الهراطقة، فقد توازنه بالكامل لمجرد احتمال أن يكون قد حدث لها شيء.
وفي تلك اللحظة، عادت ريكا إلى رشدها.
……ما الذي كنت أفكر فيه؟
‘لا تنسي. لقد عقدتِ العزم من قبل.’
أنها مستعدةٌ لفعل أي شيءٍ من أجل هاوارد. وتلك المشاعر لم تتغير حتى الآن.
إذاً، ما يجب عليها فعله من الآن فصاعدًا كان واضحًا.
ظلت ريكا تفكر منذ ذلك الحين. تفكر كيف يمكن لها، وهي التي أصبحت عبئًا على هاوارد حتى كُشف سرّها الذي حاولت حمايته بكل قوتها، أن تكون عونًا له بدلًا من عبء.
رغم أن ما مرّ لم يكن سوى بضع ساعات، إلا أن ريكا توصلت إلى الجواب.
وكان ما أوصلها إلى هذه اللحظة هو ذلك القرار.
‘هاوارد الآن لم يهدأ حتى عندما استخدمت قدرتي.’
ربما السبب هو أن سرعة انفلات قواه المقدسة كانت تفوق سرعة تأثير قدرتها عليه.
إذاً، ما يجب فعله الآن بات محددًا.
نظرت ريكا إلى الزجاجة التي كانت بيدها، ثم فتحت غطاءها. وبسرعة، رفعتها إلى شفتيها.
بلع-
و انزلقت تلك المادة السوداء في حلقها.
______________________
سم؟😨
فيليب كشفها يخوف ذا الرجال كله من بروتور طيب كان اخفيت الوشم😭
وهاوارد المسكين مايدري عن شي
بطني يوجعني
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 132"