“لماذا قتلتَ أوديا؟”
لم يأتِ جواب بروتور فورًا. و لم يكن متعمدًا أن يلتزم الصمت، بل بدا وكأنه تفاجأ قليلًا من السؤال غير المتوقع.
ولم يخطئ حدسها، إذ أجاب بصوتٍ ارتفع قليلًا.
“……لم أكن أتوقع أنكِ ستسألين عن أمر كهذا. وليس بالأمر المهم على أي حال.”
أمر غير مهم. لدرجة أن يقولها القاتل نفسه؟
لم تستطع ريكا تصديق هذا الهدوء في نبرته، فارتجف قلبها قليلًا.
لكنها لم تجادله. فلو كان بروتور من النوع الذي يكترث لمثل هذه الأمور، لما وصلت الأمور إلى هذا الحد أصلًا.
لذلك قررت ألا تضيّع طاقتها سدى.
وأثناء مراسم الجنازة، التفتت قليلًا إلى هاوارد الذي كان يراقبها بقلق، وابتسمت له لتطمئنه أن لا شيء يدعو للقلق.
و ربما لم يكن بمقدوره رؤية وجهها بوضوح بسبب الحجاب.
“بالنسبة لي، هو أمرٌ مهم. لذا أجبني.”
“هل ما زلتِ غاضبةً بسبب ما حصل في مخزن أوديا؟”
تنهد بروتور بخفة. وكأن ردّة فعله تقول أنه لم يعد يعرف كيف يتعامل معها.
“لم يكن هناك خيارٌ آخر. كان ذلك مسارًا محتومًا. وأنتِ تعرفين ذلك جيدًا، يا ريكا.”
“أجل، أعرف. أن نهاية ‘مخزن أوديا’ في لعبة <عالم الفانتازيا> كانت هكذا. لكن، بروتور، ألست أنت أيضًا تعرف؟”
“ماذا تقصدين؟”
“هذا العالم ليس مطابقًا تمامًا لـ <عالم الفانتازيا>.”
أخيرًا، انخفضت نظرة هاوارد التي كانت تتجه نحوها.
كان من حسن الحظ أنها خرجت مرتدية الحجاب الأسود بحجة عدم رغبتها في جذب الأنظار. فلولاه، لاكتشف هاوارد حالتها فورًا.
ولا شك أنه كان سيسرع نحوها قلقًا، دون أن يكترث لنظرات الآخرين في المكان. لأنه لا يرى أمامه سوى هي فقط.
لكنها لم تكن ترغب في حدوث ذلك. فهذا لن يكون جيدًا لهاوارد تشيلستون. كما أن الحديث مع بروتور لم ينتهِ بعد.
“صحيح أن هذا المكان تأثر بعالم <عالم الفانتازيا> وتم بناؤه على أساسه، لكن طريقة تصرفنا فيه قادرة على صنع نهاية مختلفة تمامًا. أليس هذا ما قلته لي عندما اختطفتني؟”
“….…”
“أنك ستُدمّر هذا العالم.”
“لكن لا تقلقي. وجدت وسيلة لأُنقذكِ. سأُدمّر هذا العالم. تدميرًا لا قيام بعده.”
نعم، هذا ما قاله بروتور بالفعل.
وقتها لم تفهم ما الذي كان يعنيه بتلك الكلمات، وكانت مشوشةً للغاية بعد أن علمت فجأة بهويتها الحقيقية، فلم تستطع التفكير بعمق.
لكن الآن، باتت تعرف. أن خطته هي تدمير هذا العالم ليختلف مساره بالكامل عن <عالم الفانتازيا>،
وبذلك، يتمكن من إنقاذها، هي النوكس.
فلا توجد لعبةٌ تنتهي بانهيار العالم، أليس كذلك؟
“لذا، لا تقدم أعذارًا واهية بعد الآن، وأجبني بصدق. لماذا قتلت أوديا؟”
“لأن أوديا ستورديج كانت قد أخذتكِ في الأصل لتقتلكِ، فاضطررت للتصرف قبل أن-”
“لا، ليس هذا ما أعنيه. أنتَ كنت تعرف بالفعل طبيعة العلاقة بيني وبين أوديا. فلا بد أنكَ كنت تراقب كل شيء.”
كلام بروتور لم يكن خاطئًا تمامًا. صحيحٌ أن أوديا كانت قد أخذتها بنية قتلها، لتتخلص منها فور أن يظهر أنها تمثل تهديدًا.
“هل أقتلها الآن بدلًا من الاستمرار في المراقبة؟”
“أنا رأيتَ ذلك بنفسي في ذلك اليوم، على جسد هذه الفتاة……”
الآن أصبحت تعرف أن تلك الذكرى لم تكن حلمًا.
لكن، في النهاية، أوديا لم تقتلها. أو بالأحرى، لم تستطع أن تفعل.
رغم أنها كانت تموت على يد بروتور، و ورغم أنها كانت تعرف أن الفرصة لقتلها قد لا تأتي مجددًا، إلا أنها لم تفعل.
‘……لأنها بدأت تُحبّني، على الأرجح.’
حتى أنها صنعت لها سوارًا بيديها، رغم أنها لم تكن ماهرةً في ذلك.
النظرة التي ظلت تلاحقها حتى الرمق الأخير، والقلق في عينيها وكأنها لا تريد أن تتركها وحيدة……لم يكن كذبًا.
“……كان بإمكانها أن تعيش بشكل مختلف.”
ارتجف صوتها في نهايته وهي تحاول أن تحبس دموعها.
رغم محاولتها في التماسك، فإن تذكّر اللحظات الأخيرة لأوديا جعل من الصعب كبح المشاعر. وكل ما استطاعت فعله هو أن تحاول الحديث ببرود، دون أن تنهار.
و ربما لأن صوتها ارتفع قليلًا عن ذي قبل، بدأت تشعر بنظرات الناس من حولها تلتفت نحوها بين الحين والآخر.
“حتى لو كان هذا العالم متأثرًا بـ <عالم الفانتازيا>، فهو في النهاية عالمٌ مختلف تمامًا. حتى لو مُنحتَ دورًا كهذا بصفتكَ شخصية غير قابلة للعب، كان بإمكانكَ أن تعيش بطريقةٍ مختلفة.”
“….…”
“كان بإمكانكَ مراعاة الآخرين، وكان من الممكن أن تتعايش معهم بشكلٍ أو بآخر. ليس بالضرورة أن تعيش كطيّب، لكن لم يكن عليكَ أن تكون بهذه الفظاعة.”
“.……”
“فلماذا إذًا؟ لماذا فعلت كل هذا؟”
“أنا من يجب أن يطرح هذا السؤال عليكِ……”
بعد صمت قصير، شعرت بأن بروتور قد أدار رأسه نحوها.
نظر إلى ريكا ثم تابع كلامه.
“عندما تملكين قوةً تتفوق على جميع البشر، لماذا تجهدين نفسكِ لتتصرفي بلطف؟”
بيييييب—
فجأة، دوى في رأسها طنينٌ حاد كأن شيئًا يمزق دماغها.
لم تعرف إن كان بسبب الصدمة التي تلقتها، أو بسبب خلل ما طرأ على جسدها، لكن ما كانت متأكدةً منه، هو أن ذلك الصوت كان بمثابة إشارة واضحة لها.
أن كل شيء قد انتهى الآن حقًا.
“……لهذا السبب، لا يمكنني أن أكون معكَ.”
أعلنت ريكا مجددًا نهاية العلاقة بينهما.
وحين أدارت رأسها أخيرًا بعدما ظلت طوال الوقت تنظر إلى الأمام، عندها فقط، أصبح كل شيء واضحًا.
كان وجه بروتور مشوّهًا بالغضب واليأس، بشكلٍ يفوق كل ما رأته منه من قبل. وربما كان على هذه الحال منذ لحظة دخوله إلى الكنيسة.
“هل هذا هو السبب إذًا؟ أنكِ، رغم معرفتكِ بكل الحقيقة في ذلك اليوم وهروبكِ، عدتِ إلى جانب ذلك اللعين مجددًا؟”
فمن هو بروتور؟ لا يمكن أن يبقى هادئًا بعد أن يرى أنها لا تزال إلى جانب هاوارد. بل من المؤكد أن مجيئه اليوم كان بسبب هذا بالذات.
لكن لم يهمها ذلك. فلم يعد يهمها كيف سيتصرف بروتور، أو ما الذي سيحاول انتزاعه منها مجددًا.
“لا، هذا لا يعنيكَ في شيء.”
قالت ذلك وهي تشعر ببرود تام.
“لأني أحب هاوارد تشيلستون. بعيدًا عن اللعبة، وبرغبتي الكاملة. سأبقى بجانبه حتى لو كلفني ذلك حياتي.”
في اللحظة التي نطقت فيها بكلماتها الأخيرة، اشتعلت النيران في عيني بروتور. و غضبه بلغ أقصاه.
نظرت ريكا نحو مقدمة الكنيسة. ويبدو أن هاوارد قد شعر بأن شيئًا غير طبيعي يحدث، فترك مراسم الجنازة وبدأ يركض نحوها.
وعندما تبعها بروتور بنظره، همس بصوتٍ بارد وهو يحدق به.
“أها، فهمت الآن. إذًا إن قتلتُ هاوارد تشيلستون، الذي تعزّينه لهذا الحد، فستنتهين بالأخير بالعودة إليّ، أليس كذلك؟ هذا أفضل في الحقيقة. فهذا العالم هو الذي كنت أنوي تدميره على أية حال، و لن يضرّني أن أبدأ اليوم.”
عند سماع تلك الكلمات، فتّشت ريكا بداخل ملابسها للحظة.
و عندما رفعت ج رأسها مجددًا وقد تأكدت أن ما كانت تبحث عنه لا يزال بحوزتها، كان بروتور قد خلع تنكره وكشف عن هيئته الحقيقية.
وفي اللحظة نفسها تقريبًا، كان هاوارد قد وصل إليها مسرعًا، فأبعدها خلفه واقفًا في وجه بروتور.
كواجيجيك—
ثم دوّى صوت اصطدامٍ عنيف بين قوتين. وكان بروتور، المحاط بهالة من الطاقة الحمراء، يحدق في هاوارد الذي وقف في طريقه، ويتمتم بنبرة خافتة،
“كان يجب أن أتخلص منكَ من أول لقاءٍ بيننا. منذ لحظتها وأنا أشعر بقرف لا يُحتمل لمجرد رؤيتكَ……”
“بروتور إيتينتيا. أوقف قوتكَ. فورًا.”
حذره هاوارد وهو يرمقه بنظراتٍ حادة.
وفي نفس اللحظة، بدأ الناس يهربون من باب الكنيسة واحدًا تلو الآخر، وسرعان ما هرع فرسان الهيكل، الذين حضروا مراسم الجنازة، إلى المكان وأحاطوا بالموقف.
وبدا أن لا مفرّ لبروتور. على الأقل، في الظاهر.
“حسنًا، يمكنني قتلكَ الآن فحسب.”
ثم دوّى انفجارٌ هائل. و تبعه صوت وحش يزأر في جنون.
______________________
بدت الهدّه
بروتور زفت صدقوني شغلته يضيع وقت بس
وهاه عنه بعد ماقال وش سبب قىًل أوديا
ياكل تبن
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 130"