قاعة الحفل كانت، حرفيًا، جحيمًا.
“يا إلهي، هل هو حقًا الدوق تشيلستون؟”
“طبعًا، مثل هذا المظهر ليس شيئًا شائعًا.”
“سمعتُ أنه سيأتي، لكن لم أصدق أنه سيحضر بالفعل. كم مرة انتشرت إشاعاتٌ كاذبة عن حضور الدوق للحفلات.”
“بالضبط. الذين اعتبروا الخبر مجرد إشاعة ولم يأتوا هم الخاسرون. بالمناسبة، بما أن الدوق قد حضر، فمن تكون الآنسة التي بجانبه..…؟”
“آه، أهي تلك الآنسة التي يتحدثون عنها؟ إنها أجمل مما توقعت.”
الآنسة المذكورة في الإشاعات. وأنا أسمع هذا اللقب الذي تكرر عشرات المرات منذ لحظة دخولي قاعة الحفل، كنت أعض الجزء الداخلي من فمي.
‘أسمعكم جميعًا، فتوقفوا عن الكلام.’
وعندما دخلنا القاعة، من المؤكد أن البواب نادى باسمي “ريكا إيفريت”، فلماذا يستمرون في مناداتي بتلك الألقاب؟
‘إنهم يحدقون بي كثيرًا.’
حتى دون أن أحاول الانتباه، كنت أشعر بنظراتهم المتواصلة تتجهُ نحوي، حتى أنني بدأت أخشى أن تُثقب بشرتي.
لحسن الحظ، لم يجرؤ أحد على التحدث إليّ مباشرة. و حتى الآن، كل ما كان عليّ فعله هو تلقي التحيات بجانب هاوارد عندما يقترب الناس منه.
‘لابد أن وجود هاوارد بجانبي هو ما يجعلهم مترددين.’
من المؤكد أن لديهم الكثير من الأسئلة التي يريدون طرحها، لكنهم يلتزمون الصمت بسبب مراقبتهم لهاوارد.
لم يكن بينهم وبين هاوارد أي علاقةٍ وثيقة من قبل، لذا لم يكن هناك شخصٌ يملك من الجرأة ما يكفي ليقترب فجأة ويسأل: “هناك إشاعةٌ بأن الدوق يواعد شخصًا، هل هذا صحيح؟ هل هي الفتاة التي بجانبك؟”
بفضل ذلك، استطعت الاستمتاع بالحفل براحة نسبية.
عندما رقصت، شعرت ببعض التوتر، لكن لحسن الحظ لم أتعثّر أو أقع. كما أنني أجبت بمرونة جيدة عن الأسئلة التي طُرحت أحيانًا بشأن عائلة إيفريت البارونية.
لو استمر الأمر على هذا النحو، لكان كل شيء مثاليًا حقًا.
“أيها القائد!”
سمعت أحدهم ينادي هاوارد بصوت مستعجل. كان من النادر أن يُنادى هاوارد بهذا اللقب داخل قاعة الحفل، لذا التفتّ بشكل طبيعي نحو الصوت.
و الذي ناداه كان رجلًا. كان يرتدي زيّ الحفل مثل بقية النبلاء، وكان يقترب من جهتنا.
رمقتُ الرجل بنظرة متفحصة مع تجعيد خفيف في جبيني.
‘من هذا؟ لماذا يبدو مألوفًا؟’
لم أقابل في أوفلين سوى هاوارد، لذا لم يكن من المفترض أن أعرفه. ومع ذلك، كان وجهه مألوفًا بشكلٍ مزعج، وكأنني اضطررت يومًا ما إلى التحديق فيه بتركيز بالغ.
“ما الشيء الذي اضطرني إلى الانتباه بهذا الشكل..…؟”
بدأت أستعرض الأحداث الأخيرة وأسترجع الماضي خطوةً خطوة.
خضعت لتدريب شاق ومكثف لحضور الحفل، وعقدت صفقةً مع هاوارد، وبينما كنت ذاهبة للبحث عن الشخصية الأصلية بدأت فجأة عملية تفتيش جعلتني في قمة التوتر…..
‘…..تبًّا.’
تذكرت الآن. تذكرت أين رأيت ذلك الرجل.
‘إنه الشخص الذي كان يقف في المقدمة يشرح عندما بدأ فرسان الهيكل عملية التفتيش!’
لم أكن أتوهم حين شعرت أن ملامحه مألوفةً للغاية.
ملابسه كانت مختلفة عن تلك المرة، كما أن شهرًا قد مضى منذ ذلك الحادث، لذا كان من الطبيعي ألا أتعرف عليه فورًا.
لم أتوقع أن أقع في مثل هذا الموقف، فماذا أفعل الآن؟
‘ماذا لو تعرف عليّ؟’
في ذلك الوقت، كنت أغطي نفسي برداء، وعندما مررنا عبر البوابة أخفى هاوارد وجهي وشعري بسترة، لذا احتمالية التعرف عليّ كانت ضئيلة، لكن القلق بدأ يساورني رغم ذلك.
يقال أن بعض الفرسان ذوي النظرة الحادة يستطيعون تمييز الجناة حتى من خلال حركاتهم فقط.
وحقيقة أن هاوارد طاردني فور خروجي من طابور التفتيش تعني أن الفرسان الآخرين كانوا قد وضعوني تحت المراقبة مسبقًا.
‘يجب أن أتجنب التواصل البصري قدر الإمكان.’
انخفضتُ قليلًا كي لا أظهر وجهي لذلك الرجل. وعندها، وصل إلى حيث كنا، أمامي مباشرةً أنا وهاوارد.
“أيها القائد، لدي أمرٌ أود إبلاغكَ به. أعتذر، هل لي أن أطلب بعض الوقت…..آه، يبدو أن شريكتكَ بجانبك.”
شعرت بنظرات الرجل تتركز عليّ.
‘لا، لا بأس، لا تهتموا بي.’
عاملوني وكأنني غير موجودة. أرجوكم، لا تنظروا ناحيتي وأكملوا حديثكم.
تظاهرت بعدم السماع وتوسلت في قلبي. لكن كالعادة، هذا العالم لم يكن إلى جانبي.
‘عفواً، هل من الممكن…..’
تردد الرجل قليلًا قبل أن يفتح فمه.
“هل سبق أن التقينا في مكانٍ ما؟ أشعر أنكِ مألوفةٌ بطريقة ما.”
…..تبًّا،
كدت أن أصرخ بالشتائم دون قصد. و لحسن الحظ، عضضت شفتي إلى الداخل بسرعة حتى لا يصدر مني أي صوت.
يبدو أن هاوارد لاحظ حالي، فمال نحوي وهمس بصوت خافت لا يسمعه غيري.
“ريكا، تحملي.”
“مـ….ماذا أفعل؟”
“دعي الأمر لي فقط وابتسمي.”
حسنًا، لا بأس، سأثق به.
رفعت طرف شفتي كما طلب هاوارد. عندها، دفعني هاوارد بخفة خلفه وبدأ بالكلام.
“فيليب، بما أنكَ نائب القائد، فهذا تصرفٌ غير لائق.”
يا إلهي. لم يكن مجرد فارسٍ مقدس، بل كان نائب قائد فرسان الهيكل؟
‘حقًا، أود أن يغمى عليّ.’
من فرط التوتر، بدأت أعضّ داخل فمي.
في الآونة الأخيرة، كثرت الأمور التي تثير أعصابي حتى أن فمي لم يعد يحتمل. رغم ذلك، استمر هاوارد بالكلام.
“هل تحاول إغوائها الآن؟”
“….…”
“إغواء حبيبتي؟”
كياااااه-!
ما إن أنهى هاوارد جملته، حتى دوّى في قاعة الحفل صوتٌ أشبه بعويل الحيوانات. ولم يكن مصدر الصوت مكانًا واحدًا، بل انبعث من عدة أماكن.
لم أدرك أن تلك كانت صرخات الذهول الخارجة من أفواه الحاضرين إلا بعد أن التفتّ لأتفقد الأرجاء.
يا للروعة، لقد كان تأثير كلماته هائلًا.
‘حسنًا، لا عجب.’
الجميع كان يتساءل بصمت طوال الوقت، ولم يجرؤ أحد على السؤال مباشرة، والآن حصلوا على الإجابة من فم هاوارد تشيلستون نفسه.
“لـ-لا! لم أقصد ذلك أبدًا!”
الرجل، فيليب، لوّح بيديه مذعورًا محمرّ الوجه كحبة طماطم.
رؤية ارتباكه الشديد طمأنتني إلى أنني لن أُكتشف بكوني الفتاة الهاربة في ذلك الحادث، على الأقل في الوقت الحالي. وكان واضحًا أن هاوارد سيتكفل بمعالجة الموقف حتى النهاية.
درتُ بعيني فرأيت بعض الفتيات وهن يمسحن دموعهن ويتجهن نحو الشرفة.
أنا لا ألوم هاوارد على اضطراره لاختلاق قصة الحبيبة الوهمية، لكن المشهد بدا محزنًا قليلًا.
“أنا حقًا أقول الحقيقة! أرجوكَ صدقني!”
“حسنًا، سأصدقكَ.”
بعد جدال قصير، تراجع هاوارد أخيرًا. فأطلق فيليب تنهيدةً صغيرة وقد بدا الارتياح على وجهه، ثم حاول جاهدًا ألا ينظر ناحيتي بينما بدأ يتحدث مجددًا.
“كما قلتُ سابقًا، لدي أمرٌ أود إبلاغكَ به، لكن الحديث هنا غير مناسب..…”
“أوه.”
رمقني هاوارد بنظرة خاطفة.
يبدو أن الأمر يتعلق بشؤون فرسان الهيكل. فمهما كانت العلاقة بيننا حميمية، سيبدو غريبًا أمام الآخرين أن أرافقه إلى لقاء رسمي.
أنا أيضًا لم أرغب بالبقاء إلى جانب فيليب أكثر من هذا، ولم أرد أن تخرج أحاديث جانبية لا داعي لها. وسيكون هاوارد أكثر راحة إن غادرت.
“اذهب، سـ….هاوارد. سأنتظركَ قليلًا على الشرفة.”
كادت زلة لسان أن تجعلني أناديه بـ”سيدي القائد”، لكنني تداركت الموقف بسرعة.
تردد هاوارد للحظة، ثم أومأ برأسه.
“حسنًا، سنغير المكان على أي حال، فلنذهب معًا حتى الشرفة.”
ثم رافقني هاوارد بنفسه إلى هناك.
أوصلني هاوارد حتى الباب المؤدي إلى الشرفة، ثم اختفى مع فيليب.
‘آه، أنا متعبة.’
متى سأتمكن من العودة؟
بما أن الحفل بدأ متأخرًا، ظل الليل حالك السواد طوال الوقت، فلم أستطع تقدير مرور الوقت بدقة. وبما أن هاوارد لم يقل شيئًا، افترضت أن منتصف الليل لم يحِن بعد.
ولو أردت التأكد من الوقت، لكان عليّ أن أواجه كل تلك العيون المحدقة بي من الخلف، ولم أملك الشجاعة لفعل ذلك.
“لأرتح قليلاً أولًا.”
فتحت باب الشرفة وسرت إلى الخارج. حتى اقترب مني فجأةً أحدهم واصطدم بي.
“آه.”
التفت وأنا أمسد كتفي الذي أصبح يؤلمني، فوجدت أمامي فتاةً يبدو أنها هي من اصطدمت بي.
شعرها أزرق داكن، وعيناها بلونٍ أزرق داكن أيضًا. و ملامحها مألوفة…..آه، تذكرت.
‘سيرديا آفلز. أصغر بنات عائلة الكونت آفلز، التي أقامت هذا الحفل.’
حدقت في سيرديا الواقفة أمامي. وهي بدورها كانت تحدق بي قبل أن تفتح فمها،
“أوه، آسفة. لم أركِ أمامي فاصطدمتُ بكِ. من تكونين؟ آه، آنسة إيفريت، أليس كذلك؟”
كانت تتظاهر بعدم المعرفة وهي تعرفني جيدًا. ثم إن قوة الاصطدام لم تكن لتحدث إلا إذا كانت تركض داخل القاعة، وهذا أمرٌ غير معقول في حفل كهذا.
من الذي يتجول بكأس نبيذ بتلك السرعة أصلًا؟
‘هاه، والآن اتسخت فستاني ببقع النبيذ أيضًا.’
كتمت تنهيدةً من شدة الإزعاج.
من نظرة العداء في عينيها، بدا واضحًا أن سيرديا أيضًا كانت إحدى الفتيات اللاتي يكنَّ مشاعر لهاوارد. لم أحتج لكثير من التفكير لأفهم الوضع.
“لا بأس، قد يحدث ذلك.”
قررت أن أنهي الموقف بسرعة وأهرب إلى الشرفة.
فابتسمت مجاملة رغمًا عني.
عندها، وقعت عيناي على معصم سيرديا، حيث كانت ترتدي سوارًا مرصعًا بحجرٍ أزرق.
“مفاجأة! ريكا، هذه هدية عيد ميلادك. هل أعجبتك؟”
“لقد صنعته بيدي. إنه قطعةٌ فريدة لا مثيل لها في العالم.”
دق-
دق-
دق-
قلبي أخذ ينبض بعنف وكأنه سينفجر. لأن السوار الذي كانت ترتديه سيرديا الآن، كان يومًا ملكي قبل أن يُنتزع مني قسرًا.
من الشخص الذي كنت أبحث عنه بلهفة منذ زمنٍ طويل.
____________________
شكله سواه لها الي رباها؟😔
هاوارد ياورعععع زوجتك بتبكي
شكل سيرديا اول تستس
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 13"