“لم يكن هناك شيء.”
الكلمات التي تلت ذلك كانت بسيطةً للغاية. لدرجة أن هاوارد، الذي كان ينتظر إجابة ريكا متصلبًا، شعر وكأن التوتر قد تبدّد فجأة.
العضلات التي كانت متيبسةً بسبب كل السيناريوهات الكارثية التي كانت تجول في رأسه، استرخت دفعةً واحدة عند سماعه إجابةً مختلفة تمامًا.
“……لم يكن هناك شيء؟”
“نعم، ولحسن الحظ، جاء نائب القائد إلى المكتب بنفسه قبل أن تبدأ الآنسة آفلز بإحداث الفوضى فعليًا. يبدو أنه شعر بشيءٍ مريب أثناء بحثه عنها بعد سماعه خبر اختفائها، وعندما دخل المكتب، أدرك الموقف فورًا وقام بتقييد الآنسة آفلز.”
“أفهم كيف لم يرها الآخرون، لكن فيليب؟ ألم تقولي أن ملابسكِ كانت مبللة؟ هل أنتِ متأكدةٌ أنه لم ير شيئًا؟ ألم يقل لكِ شيئًا؟”
“بالتأكيد لم ير شيئًا. عندما دخل نائب القائد إلى المكتب، كنتُ واقفةً بطريقةٍ مائلة تجاه الباب، لذا لم يكن بمقدوره رؤية ما تحت كتفي. كما أنه لم يكن لديه الوقت ليلتفت إلي. فقد كان مشغولًا بإخضاع الآنسة آفلز لأن الرمز على عنقها كان مرسومًا بوضوح شديد.”
“لكن، بعد أن أخضع سيرديا آفلز……”
“عندما أمسك نائب القائد بالآنسة آفلز، سقط منها رداء الكاهنة، فأسرعت وارتديته فوق ملابسي المبللة. ورداء الكاهن ليس قماشه خفيفًا لدرجة أن يظهر ما تحته حتى لو تبلل قليلًا.”
“……حقًا؟”
“نعم، بالتأكيد.”
أومأت ريكا برأسها بحماس. وبينما كان هاوارد يحدق بها للحظة، خفض رأسه وأطلق تنهيدةً طويلة.
“هاااه……”
كان الرد مقنعًا بما يكفي ليشعر ببعض الارتياح أخيرًا.
لكن نظرًا لحساسية الموقف، لم يكن بوسعه أن يهدأ كليًا. فثمة شعورٌ غريب بعدم الارتياح ظل يلازمه.
‘هل هو مجرد توتر زائد لا أكثر؟’
لم يكن يمزح، فقد شعر حقًا وكأنه تنقل بين النعيم والجحيم في لحظات.
زفر هاوارد تنهيدةً أخرى ورفع رأسه. ليلتقي نظره بعيني ريكا التي كانت تحدق فيه بثبات.
و عيناها الزرقاوان اتخذتا شكلًا مثلثًا غاضبًا.
“هل أنتَ لا تصدقني الآن؟”
سألت ريكا بنبرةٍ ممتعضة وكأنها تتمتم. و من الواضح أن الوضع لا يعجبها أبدًا.
فشعر هاوارد بالارتباك من جديد، ولكن هذه المرة لأسباب مختلفة تمامًا. ثم بدأت عيناه ترتجفان بشكل خافت.
“لا، أعني……أعني أن……”
“هل تظن أنني سأكذب بشأن شيءٍ كهذا؟ ما الفائدة التي سأجنيها من إخفائه أصلًا؟ إن لم تصدقني، اسأل نائب القائد لاحقًا بنفسكَ.”
“ريكا، أنا فقط-”
“لو كان نائب القائد قد رأى حقًا الرمز الذي على جسدي، لما غادر بهدوء كما فعل قبل قليل. ولما بقيت واقفةً في مكتبكَ أصلاً.”
“……صحيح، صحيح. أنا آسف.”
ربّت هاوارد ببطء على كتفها الذي كان يمسكه.
بعد أن فعل ذلك عدة مرات، بدا أنه شعر بأن هذا لا يكفي، فشدّ ريكا نحوه مجددًا واحتضنها بقوة. فمرّ عبق عطر مألوف بخفةٍ عند أنفه.
العطر الذي كان دائمًا يمنحه شعورًا بالطمأنينة.
“كان هذا خطأي.”
“….…”
“حتى ترككِ وحدك في المعبد……كان خطأي”
“لا داعي لأن تعتذر عن ذلك، فالأمر لم يكن خطأكَ. وما الجدوى من الاعتذار إن كنتَ ستضع المسؤولية على عاتقكَ هكذا في النهاية؟ حقًا، طيبتكَ الزائدة هي مشكلتكَ الوحيدة……”
تمتمت ريكا بنبرة ممتعضة. ورغم أنه لم يكن قادرًا على رؤية وجهها بسبب العناق، إلا أن تعابيرها كانت واضحةً في ذهنه.
لقد وقعت ريكا في ورطة كبيرة أثناء غياب هاوارد. ومن الواضح للجميع أن الخطأ كان من جانبه، ورغم ذلك كانت تحاول أن تمنعه من الشعور بالذنب.
تصرفها هذا كان مؤلمًا……ومؤثرًا……وشديد الجمال.
‘……أنا حقاً أحبها.’
شعر وكأنه يحلم، و كأن هذا المشهد ليس حقيقيًا.
و كأن قلبه سينفجر من شدّة ما يشعر به. فضمّ هاوارد ريكا بقوةٍ أكبر. ومرّر يده على كتفيها النحيلين مرارًا.
وفجأة، بدا له أن حرارة جسدها المرتجف قد بدأت تدفأ قليلًا.
نعم، لو استمر كل شيء على هذا النحو، فسيكون كل شيء بخير.
إذا بذل كل ما في وسعه حتى لا تفقد ريكا هذه الدفء، وحتى تبقى دائمًا إلى جانبه وهي تبتسم……
‘……عندها سيكون كل شيءٍ على ما يرام.’
لن يسمح لنفسه بأن يخسرها أبدًا.
و لم يكن مستعدًا لترك شخص لا يُقدَّر بثمن، شخصٌ لا يمانع أن يفديه بحياته، من أجل شيء تافه مثل لعبة.
‘كما أنني وجدت خيطًا قد يقودني إلى إنقاذ النوكس……’
دفن هاوارد وجهه في عنق ريكا.
وفي تلك اللحظة، وبينما كان يفكر في خططه القادمة……
“سـ-سيدي القائد!”
فُتح باب المكتب فجأة، ودخل فيليب على عجل. ولم يكد هاوارد يجد الوقت ليوبّخ تصرفه الوقح، حتى اخترق أذنه خبرٌ صادم.
خبرٌ لم يخطر بباله يومًا، بل كان يظن أن حدوثه في هذا الوقت تحديدًا مستحيل.
“جلالة الإمبراطور……تم العثور عليه ميتًا.”
***
ما إن بزغ الفجر، حتى انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم.
وفاة إمبراطور إمبراطورية فيدوس، ماركوس دي لوكولين.
وفاته، التي جاءت في وقتٍ كانت فيه الأعين موجّهةً بالفعل إلى القصر بعد العثور على بروتور إيتينتيا و ريكا إيفريت في سردابه، أحدثت صدمةً هائلة.
ومن لحظة إعلان وفاته رسميًا وحتى منتصف النهار، تدفّقت التساؤلات بين أبناء الإمبراطورية.
ما سبب وفاة الإمبراطور؟ ولماذا لم يتم الكشف عنه على الفور؟
هل هو مرتبطٌ فعلًا، كما تقول الشائعات، بملك الشياطين؟ أم هل كان مهرطقًا؟
وهل……وهل……
ومن بين كل الأسئلة التي طُرحت، كان أكثرها تداولًا هو: من سيتولى العرش بعده؟
فريدريك، الابن الوحيد للإمبراطور والإمبراطورة، لا يزال صغيرًا ولم يُعلَن بعد كوليّ للعهد. و في المقابل، قائد فرسان الهيكل هاوارد يحظى بدعم شعبي واسع من أبناء الإمبراطورية.
تشابه الوضع مع ما حدث بين الإمبراطور السابق و الدوق تشيلستون السابق جعل الاهتمام بالقضية يشتعل أكثر فأكثر دون أن يهدأ.
وسط هذه الفوضى، بدأت مراسم جنازة الإمبراطور.
أُقيمت الجنازة مساء ذلك اليوم في المعبد الواقع داخل القصر الإمبراطوري، تنفيذًا لرغبة الإمبراطورة التي كانت على عكس زوجها امرأةً صالحة.
وحين علمت الإمبراطورة بالحقيقة الكاملة من هاوارد بشأن ماركوس، أصيبت بصدمة أفقدتها اتزانها العقلي. و لم تكن قادرة على الحزن بحُرقة حتى في جنازة زوجها.
كل ما كانت تفعله هو احتضان ابنها فريدريك، الذي كان يبكي بحرقة بعد فقدان والده.
ولهذا السبب، تولّى أقرب الأقرباء، هاوارد تشيلستون، مسؤولية الإشراف على الجنازة.
أما ريكا، فكانت جالسةً في منتصف المعبد تقريبًا، تراقب هاوارد وهو يتحرك بانشغال. و نصف وجهها مغطى بحجاب أسود شفاف.
عندما بدأت تفكر في مدى تناسق هيئة هاوارد المهيبة مع الزجاج الضخم والمزين الذي كان خلفه، شعرت بشخص يجلس بجوارها.
بشعرٍ أسود، وعينان ذهبيتان. رجلٌ غريب الشكل، لم ترَ مثله من قبل في حياتها.
ورغم أن المقاعد كانت واسعة، إلا أنه جلس قريبًا منها على نحو غير معتاد، الأمر الذي كان يجب أن يبدو مريبًا.
لكن ريكا لم تهتم. لا، بل التعبير الأدق هو أنها لم تتفاجأ. لأنها كانت تتوقع هذا الموقف مسبقًا.
“كنت أعلم أنكَ ستأتي.”
قالت ريكا ذلك وهي لا تزال تنظر إلى الأمام. بصوتٍ هادئ أكثر مما ينبغي، بالنظر إلى هوية من كانت تخاطبه.
“بروتور.”
“نعم، ريكا. إنه أنا.”
أجاب الرجل، بروتور، بصوتٍ منخفض. و هو الآخر لم ينظر إليها.
“غيرت مظهري، ومع ذلك تعرفتِ عليّ فورًا. كنت واثقًا من ذلك. تمامًا كما أنني أعرف كل شيء عنك، فأنتِ أيضًا تعرفينني جيدًا. ولهذا استطعتِ أن تدركي فورًا أين يمكن أن يكون الإمبراطور. لأنكِ ببساطة تخيلتِ أين أكون أنا.”
“لأنني أعرفكَ جيدًا……”
تمتمت ريكا بهدوء. وبعد لحظة من الصمت والتفكير، تابعت كلامها،
“……نعم، كنت أعتقد ذلك سابقًا. لكن الآن، لم يعد الأمر كذلك. فقد أصبحت الأجزاء التي لا أفهمها عنكَ أكثر من تلك التي أعرفها.”
“….…”
“لهذا أسألكَ الآن، بروتور. لماذا قتلتَ أوديا؟”
صوتها الخافت خرج كهمسةٍ على أذن بروتور.
____________________
وش جابه ذاه مب وقتك فيه مشاكل الحين
هاوارد نقطة ضعفه الوحيده للأبد ريكا ضحكت وهو متوتر عشانها عصبت يازينه ياناااااااس🤏🏻
وريكا كيف على سول خلته مايحس بالذنب تجنن تجنننن🫂
ريكا يا قلبو مب وقته يعني ليه قىًل أوديا؟ واضحه لأنه مجنون نادي هاوارد بس يدْبحة عشان عزا ماركوس
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 129"