“ألم تعلمي؟ منذ اللحظة التي استُدعيتُ فيها إلى المعبد، كنتُ بالفعل على حافة الهاوية. لقد انكشفت هويتي أمام شعب الإمبراطورية، و ملك الشياطين مشغولٌ بكِ لدرجة أنه لم يعد يفكر في حمايتنا.”
مع نهاية كلامها، خرجت ضحكةٌ فارغة من فمها. كانت تحمل شيئًا من الاستسلام واليأس.
“حتى والدي……لقد أخبرته مرارًا أن الوقت قد حان للتوقف عن كل هذا. فما قيمة السلطة أصلًا……”
يا للمفارقة. رغم أنها هي من كانت تهددني الآن.
“حتى لو تمكنتُ من الفرار وتفادي الملاحقة، فبضعة أيامٍ فقط هي أقصى ما يمكنني تحمله. فالفرسان المقدسون، بأدائهم الرفيع وكفاءتهم العالية، سيعثرون على المهرطقة لا محالة. ومن غير ملك الشياطين، لا أحد يمكنه الصمود أمام القوة ج المقدسة للدوق.”
“….…”
“لذا، بدلًا من أن أصرخ بلا معنى، قررتُ أن آخذكِ معي إلى الجحيم. إن كنتُ لن أنجو، فكيف لكِ، وأنتِ تحملين الوشم فوق قلبكِ مباشرة، أن تبقي بجانب الدوق؟”
“….…”
“ألم أقل لكِ من قبل؟ كان ذلك تحذيري الأخير.”
“لا تخلق لنفسكِ وضعًا تندمين عليه لاحقًا. انفصلي عنه. هذا هو تحذيري الأخير.”
“لقد نصحتكِ بصراحة……أن تنهي كل شيء قبل أن تقع الكارثة.”
مرّ في رأسي كلام سيرديا الذي قالته ذات مرة.
‘منذ ذلك الحين……كنتِ تخططين لكل هذا.’
وحين أدركتُ ما كانت سيرديا تخفيه خلف نظراتها لي طوال ذلك الوقت، اجتاحتني مشاعر لا توصف من الذل والانكسار.
و لأني لم أستطع أن أجادل كلماتها. لم أقل شيئًا.
سيرديا، وهي تنظر إليّ على ذلك الحال، مدت يدها التي تجمع فيها بعض القوة باتجاه رف الكتب. وقبل أن يسقط الرف على الأرض بلحظة—
كوااااانغ-
فُتح باب المكتب بعنف.
***
“هااااه……”
تنهد هاوارد تنهيدةً عميقة. بينما كان يركب حصانه بسرعة عائدًا إلى المعبد.
في الأصل، كان من المفترض أن يبقى في القصر الإمبراطوري وقتًا أطول ليواصل تتبعه لأثر ماركوس، لكنه لم يعد بحاجة لذلك الآن.
ففيليب أرسل إليه رسالةً يخبره فيها أنه يعتقد أنه يعرف مكان وجود ماركوس. ومن المعلومات البسيطة التي سمعها، كان في الجبال الواقعة جنوب القصر الإمبراطوري.
فور سماعه لذلك، اندفع مسرعًا إلى الخارج دون أن يستمع لبقية التفاصيل. لكنه لم يكن بحاجة لسماع المزيد، فقد عرف فورًا من أين جاءت تلك المعلومة.
‘من ريكا.’
فالجبال الجنوبية كانت المكان الذي قضت فيه ريكا طفولتها. وتحديدًا ذلك التل الذي اعتادت لقاء هاوارد فيه واللعب معه.
‘لماذا لم يخطر في بالي ذلك منذ البداية؟’
عض هاوارد على شفتيه بعنف. و شعر بثقل في قلبه، وكأنه زاد من عبء ريكا، التي لا بد أنها كانت مرهقةً بالفعل بعد الاستجوابات الطويلة التي خضعت لها.
كان قد وعدها ألا يتركها وحدها، لكنه فشل في الحفاظ على ذلك الوعد أيضًا.
كنتُ أحاول ألا أذهب، لكن مسؤولية كوني قائد فرسان النور……لم أستطع تجاهلها ببساطة.
‘كان عليّ أن أترك ليون بجانبها……’
لقد ترك فيليب مع ريكا، وطلب من ليون أن يساعد في تعقب ماركوس، فلم أستطع التوقف عن التفكير بها فور ابتعاد فيليب عنها.
ازداد توتره، فبدأ يحث الحصان على الإسراع أكثر. ثم وصل إلى المعبد و هو تركض بلا وعي، و اتجه مباشرةً نحو مكتبه.
كان يفكر فقط أن عليه الوصول إلى ريكا بأسرع وقتٍ ممكن، فبدأ يتحرك على عجل……لكن كان هناك شيء غريب. فقد كان الهواء داخل المعبد مضطربًا.
صحيحٌ أن الأوضاع لم تكن مستقرة مؤخرًا بسبب كثرة الأحداث، لكن الشعور هذه المرة كان مختلفًا تمامًا. كان أشبه بشعور مزعج لا يمكن تفسيره، وكأن كارثةً قد وقعت، وما زالت آثارها معلقةً في الأجواء.
في النهاية، لم يستطع تجاهل الأمر، فتوقف للحظةٍ وأمسك بأحد فرسان النور في الممر وسأله،
“ما الذي يحدث؟”
“آه، سيّدي القائد! في الحقيقة……”
نظر الفارس سريعًا باتجاه مكتب هاوارد، ثم أكمل حديثه. و بدا عليه التوتر الشديد.
“تبيّن أن سيرديا آفلز مهرطقة. و يبدو أنها من مرتبةٍ عالية أيضًا، والأغرب أنها لم تحاول حتى إخفاء الوشم. لقد استخدمت قدرتها لتنويم الفارس الذي كان يحقق معها، وكذلك الفرسان الذين كانوا يحرسون باب المكتب……ثم تسللت إلى الداخل واختبأت هناك……”
وقبل أن يُكمل، استدار هاوارد بجسده بسرعة. فلم يكن هناك وقت لسماع المزيد. لأن من كانت داخل ذلك المكتب……لم تكن سوى ريكا.
كان عليه أن يتأكد من حالتها فورًا.
وصل هاوارد إلى باب مكتبه في لحظة، وفتحه بعنف دون حتى أن يطرق.
“ريكا!”
و توجه نظره بسرعةٍ نحو من في الداخل.
كانت ريكا ترتدي زي الكهنة، جالسةً على الأريكة، تحدق به بعينين متسعتين من الذهول. بدت وكأنها فزعت بشدة من دخوله المفاجئ.
ويبدو أن فيليب، الذي كان يجلس قبالتها، فوجئ هو الآخر، إذ أمكن رؤية يده وهي تمسح صدره وكأنه يهدئ نفسه.
“أوه……لقد أخفتنا بالفعل.”
“هل ريكا بخير؟! ما الذي فعلته سيرديا آفلز؟ هل آذتها؟ ما معنى أنها كانت تُظهر الوشم علنًا……؟”
“اهدأ واسأل سؤالًا واحدًا في كل مرة، سيدي القائد.”
لوّح فيليب بيده محاولًا تهدئة هاوارد. لكن محاولته لم تُفلح كثيرًا. فقد نظر إلى هاوارد، الذي كان وجهه شاحبًا بالكامل، ثم تنهد وأكمل بصوت خافت،
“لا أعرف كم سمعتَ بالضبط، لكن ما تأكدنا منه هو أن سيرديا آفلز مهرطقة، وقد تم احتجازها في سجن المعبد. يبدو أنها كانت مختبئةً في مكتبكَ، وحين دخلت الآنسة إيفيريت، حاولت إيذاءها لإسكاتها. ثم……”
“…….”
“……أما ما حدث بعد ذلك، فالأفضل أن تسمعه من الآنسة إيفيريت مباشرة. حالتكَ لا تبدو جيدةً يا سيدي، وسيكون ذلك أفضل لك.”
نهض فيليب من مكانه. ثم مرّ ببطء إلى جوار هاوارد ومضى.
“سأتولى التحقيق مع سيرديا آفلز. تحدثا أنتما براحتكما.”
طَق-
خرج فيليب وأُغلق باب المكتب.
لكن هاوارد لم يتحرك، بل ظل واقفًا بجوار الباب دون أن يخطو خطوةً واحدة. و كان ينظر إلى ريكا بعينين مضطربتين، تائهتين.
نظرت ريكا إلى هاوارد المتجمد في مكانه كالصخر، ثم فتحت فمها.
“هاوارد، تعال إلى هنا.”
“….…”
“هاوارد.”
نادته مجددًا، لكنه بقي في مكانه، لا يتزحزح. ولأنها كانت تعرف جيدًا سبب تردده، حرّكت ريكا شفتيها بخفة، ثم مدت يدها نحوه وهي تنظر إليه.
“عانقني، هاوارد……أعتقد أنني أشعر بالبرد.”
تلك الكلمات جعلته يعود إلى وعيه على الفور. فمشى نحوها بخطواتٍ واسعة، وكأن شيئًا لم يكن، واحتضنها بشدة.
ويبدو أن قولها بأنها تشعر بالبرد لم يكن من فراغ، فجسدها الصغير الذي احتضنه كان بالفعل باردًا. بل لم يكن مجرد برود عادي……فقد كان شعر أن شعرها مبتلٌ قليلًا.
‘……يا ترى، ما الذي حدث لها بالضبط؟’
تلألأت عينا هاوارد الحمراوان بوميض حاد.
“ما الذي فعلته سيرديا آفلز بكِ؟ أين أصبتِ؟ لا تحاولي إخفاء شيء. وإن لم تخبريني، فسأستدعي فيليب مجددًا وأسأله بنفسي.”
“سأخبركَ بكل شيء، فلا تقلق. على أي حال، الأمر سينكشف عاجلًا أم آجلًا، ولم أكن أنوي إخفاءه أصلًا.”
قالت ريكا ذلك وهي تعانق هاوارد وتربّت بلطف على ظهره، وكأنها هي من يواسيه، رغم أنها من تعرضت للمصيبة.
من المفترض أن تكون ريكا من تحتاج إلى العزاء، لكن المشهد بدا وكأن الأدوار قد انقلبت.
أطلق هاوارد نفسًا مرتجفًا، ثم مرر يده الكبيرة بهدوء على مؤخرة رأسها، وبينما بدأ يستعيد هدوءه تدريجيًا، بدأت ريكا تهمس بهدوء قرب أذنه،
“كما قال نائب القائد، الآنسة آفلز كانت تحاول فعل شيء بي فعلًا. لكنني لم أُصب بأي أذى جسدي. لم أتمكن من شرح ذلك لنائب القائد، لكن الحقيقة أن الآنسة آفلز لم تكن مختبئةً في المكتب لتؤذيني، بل لغرض آخر تمامًا.”
“غرضٍ آخر؟”
“لكي تكشف هويتي أمام الجميع. لقد سكبت الماء عليّ كي يرى الآخرون الوشم الذي على جسدي. حتى أنها أخذت رداء الكهنة الذي كنت سأرتديه بعد منتصف الليل.”
دُق-
شحب وجه هاوارد بشدة. ثم تراجع قليلًا وأمسك بكتفي ريكا.
“وماذا بعد؟ هل رأى أحدهم الوشم؟”
خرج صوته مرتجفًا من شدة التوتر. فنظرت إليه ريكا بصمتٍ للحظة، ثم فتحت فمها،
“في الحقيقة……”
_____________________
نهاية الفصل مره واو خير يالتوتر😭😭😭
هاوارد يوم جا يضم ريكا نيلستينيناينيكيكةسظنطتينياسلاااااا🤏🏻
وريكا عرفت تربيه صدق😭
قوه للي بعده مابه صبر
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 128"