“وجدتها.”
رفعتُ ثوب الكاهنة عاليًا. ذلك الثوب الأبيض الساطع تمايل فوق رأسي.
كنت قلقة قليلًا من ألا أتمكن من العثور عليه قبل حلول منتصف الليل، لكن تلك المخاوف تبددت سريعًا، إذ كان الثوب في مكان ظاهر بوضوح.
هاوارد تشيلستون. أنت حقًا شخصٌ بالغ الدقة في التحضير.
‘لا أدري من هو حبيبي، لكنه مثاليٌ جدًا.’
ضحكتُ بخفةٍ وأنا أطلق صوتًا صغيرًا. فقد كان مزاجي اليوم أفضل بكثير مما اعتدت عليه في الآونة الأخيرة.
وهل يمكن أن يكون غير ذلك؟
لقد عثرت على خيط قد يحررني من حكمي بالموت، بعد شهور من اليأس.
“كما تعرفين، التغيرات التي تحدث في <عالم الفانتازيا> تؤثر بعمق على هذا العالم. إلى حد أن افتتاح منطقة جديدة هناك يمكن أن يُحدث قارةً جديدة في وسط هذا البحر، كما لو كانت نبتت من العدم.”
“فماذا عن العكس؟”
“ربما……قد يكون بإمكاننا إنقاذكِ.”
كلمات هاوارد لا تزال تتردد في رأسي.
ربما أستطيع النجاة. ربما أتمكن من البقاء إلى جانب هاوارد دائمًا.
لو أن ذلك تحقق حقًا……
“……فلن أطلب شيئًا أكثر من ذلك.”
آه، حسنًا، كان هناك شيءٌ آخر أتمناه فعلًا. ثروةٌ طائلة لا أندم على استخدامها حتى كوسادة! مالٌ لا يُسأل عن مصدره!
‘……أنا حقًا. ما إن تتحسن أوضاعي قليلًا حتى أبدأ بالتفكير في كل شيء وأي شيء.’
سعلتُ بخفة وأنا أشعر بشيء من الإحراج. ثم تذكرت أن هذا ليس وقت التراخي. فعليّ أن أستعد لتبديل ملابسي بسرعة.
“كم تبقّى حتى منتصف الليل…….”
دَنج—
دَنج—
دَنج—
في تلك اللحظة تمامًا، وكأن الجواب جاء ردًا على حديثي، دوّى صوت برج الساعة من بعيد. وفي اللحظة ذاتها، اختفى الفستان الذي كنت أرتديه وتحول إلى الملابس المعتادة لدي.
حقًا……هذا الإحساس، لا أظنني سأعتاد عليه مهما طال الزمن.
هززت رأسي ببطء، ثم وضعت ثوب الكاهنة جانبًا وبدأت أتحرك لنزع ملابسي. لكنني توقفت فورًا، دون أن أغير شيئًا في النهاية.
“ماذا لو دخل أحدهم؟”
نظرت لا شعوريًا نحو الباب.
فيليب يعرف أنني أقوم بتبديل ملابسي الآن، لذا من المستبعد أن يدخل……لكن من يدري؟
مثلاً، ماذا لو دخل صاحب هذه الغرفة فجأة……أو لو فتح هاوارد الباب ووقعت في موقف محرج؟
صحيحٌ أننا رأينا كل شيء بيننا في السابق، لكن رؤيتنا لبعضنا في مكان مضاء كهذا……تشعرني بأنها مختلفةٌ قليلًا.
“……لا يمكن.”
احمرّ وجهي بشدة. ثم حملتُ ثوب الكاهنة وتوجهت تلقائيًا نحو الحمام الملحق بالمكتب.
لم أشأ قفل الباب من الداخل لأسبابٍ تتعلق بالأمان، فقررت فقط تبديل ملابسي بسرعة في الداخل ثم الخروج.
يا لحسن الحظ أن الحمام موجود هنا.
هكذا فكرت وأنا أمسك بمقبض الباب. لكنني لم أكن أعلم أنني سأندم على هذا القرار فور فتحي للباب.
“لقد تأخرتِ أكثر مما توقعت.”
صوت لا عالٍ ولا منخفضٍ خرج من الظلام، إذ لم تكن الأضواء مشغّلةً بعد.
“كنت بانتظاركِ طويلًا، منذ سمعتُ الدوق يطلب أن تُتركَ الآنسة لترتاح في المكتب، أتيتُ مباشرة.”
لم أكن بحاجةٍ لرؤية الوجه لأعرف من تكون.
“أليس من الغريب؟ تزامن قدومي للتحقيق إلى المعبد مع لحظة إصدار الدوق لذلك الأمر بالضبط.”
صوتٌ مألوف وظلالٌ مألوفة.
“……الآنسة آفلز؟”
“مر وقتٌ طويل. أظنها المرة الأولى منذ لقائنا في المسرح.”
تجاهلت كلامي تمامًا، وواصلت المرأة، سيرديا، حديثها. ثم خرجتْ تمشي ببطء إلى الأمام.
فحاولتُ التراجع إلى الخلف غريزيًا محاولةً زيادة المسافة بيننا.
“كـ……كيف دخلتِ إلى هنا؟ من المفترض أن الفرسان المقدسين كانوا يحرسون الباب……”
“آه، هذا؟ لم يكن الأمر صعبًا كما كنت أظن.”
حين سمعتُ صوتها التالي، انتابني شعورٌ غريب. و لم أستطع أن أحدد السبب بدقة.
هل كان بسبب نبرة صوتها الرتيبة التي لم تتغير؟ أم بسبب ظهورها المفاجئ الذي لم أتوقعه؟ أم أن هناك سببًا آخر؟
“كل ما في الأمر أني استخدمتُ القليل من القوة. كنتُ قلقةً لأن هذه أول مرة أستخدم فيها قوتي بشكل صحيح، لكن يبدو أن الأمر سار على ما يرام. الغريب أنهم لا يتذكرون حتى أنهم فقدوا وعيهم لبعض الوقت.”
وأخيرًا خرجت سيرديا تمامًا من الظلام.
و لم أدرك ذلك إلا حين أصبحتْ بجسدها النحيل بالكامل في مرمى بصري. لقد كان هناك وشمٌ مألوف جدًا على عنقها.
فراشةٌ سوداء بدت وكأنها على وشك أن تخرج من جلدها وتحلق في السماء، حيةٌ نابضة بالحركة.
في المقابل، سقط قلبي إلى قاع لا قرار له.
‘سيرديا……مهرطقة.’
تسلل العرق البارد على امتداد ظهري.
كنتُ قد توقعت هذا الاحتمال من قبل، لكن أن أراه بعيني شيء آخر تمامًا. خاصةً وأن سيرديا لم تحاول هذه المرة إخفاء الوشم، بل أظهرته لي عن قصد.
تنفستُ بعمق محاولةً كبح التوتر داخلي.
حتى وإن استخدمتُ قدرتي، فلن أتمكن من محو قوة سيرديا تمامًا، لذا كنت أنوي الصراخ بأعلى صوتي لطلب المساعدة.
فمهما كانت الضوضاء في الخارج، لا بد أن الفرسان المقدسين عند الباب سيسمعونني.
هناك عدد لا بأس به من الناس هنا، وحتى إن كانت سيرديا مهرطقة، فلن يكون من الصعب السيطرة عليها.
فصرخت بسرعة.
“النجدة-!”
لا، في الحقيقة كنتُ سأفعل ذلك. لكن ذلك كان قبل أن تلتقط سيرديا بسرعة إبريق الشاي من على الطاولة وتسكبه فوق رأسي.
تشااااح-
انسكب الماء من الإبريق وبلل جسدي بالكامل، وفي الوقت نفسه، أخذت مني ملابس الكاهنة التي كنت أمسك بها بشدة فتمزقت بين يدي.
تجمدتُ في مكاني، و فمي مفتوحٌ من الصدمة، لا أحرك سوى عينيّ.
قطرة-
قطرة…
بدا أن الماء قد غُلي منذ زمن فأصبح فاترًا، وانساب من شعري وثيابي إلى الأرض.
ما هذا الذي يحدث……بحق……؟
“تابعي الصراخ إن شئتِ.”
قالت سيرديا ذلك بابتسامةٍ ناعمة وعيونها تنحني بلطف. لكن داخل عينيها كان الجنون يفيض.
“إن لم يكن لديكِ مانع أن يرى الآخرون حالتكِ هذه.”
عندها فقط نظرتُ إلى جسدي. و لأن القميص الأبيض كان مبللًا تمامًا، فقد أصبح جلدي تحته ظاهرًا بوضوح.
وحين رأيتُ تلك الصورة، خطر في ذهني فجأةً شيءٌ واحد.
……الوشم على كتفي.
ذاك الوشم الأسود الذي سيكون بارزًا أكثر من جلدي نفسه.
“هيا، أسرعي. إنها حالةٌ خطرة بظهور مهرطقة، لذا عليكِ أن تطلب مساعدة الفرسان المقدسين، أليس كذلك؟”
“….…”
“آه، أم أنك في ورطةٍ أيضًا……لأنكِ هرطقية مثلي؟”
هذا هو السبب إذًا. هذا هو السبب الذي جعل سيرديا تنتظرني خفية.
نظرتُ حولي بسرعة. لكن، مهما بحثت، لم أجد شيئًا أستطيع أن أغطي به جسدي. باستثناء رداء الكاهن الذي كان من المفترض أن أرتديه، والموجود الآن في يد سيرديا.
حين نظرت إليه بشوق، يبدو أن سيرديا لاحظت نظراتي، فرفعت يدها. وابتلع ضوءٌ مظلم انبعث من يدها رداء الكاهن بالكامل.
غمرني اليأس في لحظة، وانتشر في كل جزءٍ من جسدي. و بدأ قلبي ينبض بسرعة. بسرعةٍ شديدة، حتى شعرتُ أنه سيندفع من صدري.
أحسست بالغثيان. و يدي، لا، جسدي كله بدأ يرتجف.
“إن لم تستطيعي، سأقوم أنا بمناداتهم بدلاً منكِ. لو أسقطتُ رفًا من الكتب مثلًا، فسيظنون أن شيئًا ما حدث، ويأتون فورًا.”
قالت سيرديا هذا بصوتٍ منخفض، ثم مدت يدها مرة أخرى. و هذه المرة، كانت القوة التي تجمعت في راحة يدها أكبر وأشد من ذي قبل.
لم يكن الأمر مجرد إسقاط رف كتب لإحداث جلبة، بل إن هذه الهالة وحدها كانت كافية ليشعر بها الفرسان المقدسون خارج الغرفة.
فتحتُ فمي بصعوبة، و بالكاد استطعت الكلام.
“……بهذه الطريقة، لن تكوني في أمان أيضًا، يا آنسة.”
كانت هذه محاولتي الأخيرة اليائسة. لأني كنتُ أريد، بأي وسيلة، أن أتجنب أسوأ احتمال، وهو انكشاف حقيقتي أمام الجميع بهذه الصورة.
‘أرجوكِ.’
لا تسلبي مني حتى هذا القدر القليل من الأمان.
نظرتُ إلى سيرديا برجاء شديد. لكنها، وهي تنظر إلى وجهي، ابتسمت. وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة……وكأنها كانت تتوق لرؤيتي بهذا الشكل.
___________________
الله ياخذها ذا الحماره زوجوها بروتور واحرقوهم سوا😭
يعني تو ريكا مستانسه بذا اليوم وجت اكبر باعوصه
طيب وهاوارد ماودك ترجع؟😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 127"