كان ذلك أمرًا غير معقول. فهو و ريكا مرتبطان منذ البداية بشكل لا يمكن فصله.
لقد وُلدا على هذا النحو من الأصل.
و ريكا، على الأرجح، لن تعرف أبدًا. لن تعرف أبدًا ماذا يعني لبروتور أنه لا يستطيع استخدام قوته كاملة إلا إن كانت معه، وأن القوة التي كان من المفترض أن تكون ملكه، باتت موزعةً بينهما.
لن تفهم أبدًا كم هو مبهج هذا الواقع بالنسبة له. ولهذا، كم هو مُذلّ الوضع الحالي بالنسبة له.
‘الشيء الوحيد الذي يواسي قلبي…..هو أن ذلك الحقير في الوضع نفسه مثلي.’
خطرت له صورة هاوارد دون أن يشعر، فزمجر بروتور بشتيمة ثم نهض من مكانه. و عبث بعنف بشعره بأصابعه.
كان يشعر بالاشمئزاز في كل مرة يواجه فيها هاوارد تشيلستون. خصوصًا في آخر مرة التقاه فيها–
“…..يبدو أنك واهم، فقرار أن نكون معًا من عدمه ليس بيدكَ.”
“ليس بيدكَ أنتَ، بل بيدنا. أنا و ريكا. لذا، ما رأيكَ أن تنسحب؟ فأنت لا علاقة لك بالأمر أصلًا.”
حقًا…..كان كل ما أراده حينها أن يمزقه إربًا إربًا، بكل ما أوتي من قوة.
‘لو قطّعته إربًا وألقيته طعامًا للوحوش، وإن اختفى جسده بالكامل من هذا العالم، فلن تقع عينا ريكا عليه أبدًا، ولو للحظة واحدة.’
“ذلك اللعين……”
تمتم بروتور بذلك وهو يكاد يعضّ كلماته وسط ضوء القمر، وعيناه تتوهجان بغضب.
‘يبدو أنني كنت متسامحًا معه أكثر من اللازم طوال هذا الوقت. لهذا السبب، تجرأ مخلوق تافه لا يُذكر على الادعاء بأنه حبيب ريكا.’
“لا يمكن أن أترك الأمور هكذا.”
‘بما أنني قد استعدت قدرًا لا بأس به من قوتي، عليّ أن أخرج فورًا للبحث عن ريكا غدًا.’
حتى مجرد جهله بمكانها لبضعة أيام كان كفيلًا بجعل أطرافه ترتجف. و قلبه كان يخفق بعنف كأنه على وشك الانفجار.
الآن، من المؤكد أن ريكا تهرب من هاوارد تشيلستون. فهي ليست ممن يبقون بجانب أحدهم وكأن شيئًا لم يكن بعد أن تعرف الحقيقة كاملة.
أما هاوارد تشيلستون، فالوضع مختلف. فتلك النظرة في عينيه عندما نظر إلى ريكا…..لم تكن طبيعية.
‘عليّ أن أعثر عليها قبله، مهما كلف الأمر.’
وإلا…..
اجتاحه شعورٌ مقزز بدأ يزحف إلى أعماقه من جديد.
و رغبةٌ مجنونة في قتل أي أحد أمامه أخذت تتفجر داخله.
وبينما كانت عيناه الخضراوان تلمعان بخطر متصاعد…..دوّي صوت انفجار.
دووووم-
صوت طرق عنيف ارتطم بالباب. لا، لم يكن مجرد طرق عادي. كان الباب يهتز كما لو أنه سيتحطم في أي لحظة.
لم يلاحظ بروتور اقتراب أحد إلى هذا الحد من المسافة، لا بد أنه كان غارقًا في شروده لدرجة فقدان التركيز—
ومع ذلك، لم يتحرك من مكانه. و كل ما فعله هو التحديق بالباب، وهو يغلي بالحقد والرغبة في القتل.
دووم-
دووم-
دووم دووم-!
تكررت الضربات، وسرعان ما تحطم الباب الخشبي المتداعي تمامًا. و تناثرت شظايا الخشب في كل الاتجاهات.
ومن بين الحطام، ظهر وجهٌ مألوف.
“…..كنت أعلم أنكَ ستكون هنا.”
شعرٌ ذهبي، وعينان أرجوانيتان.
الرجل، ماركوس دي لوكولين، كان يقف هناك وهو يحدق ببروتور بعينين ممتلئتين بالقلق والغضب معًا.
ومن خلفه، كان هناك عددٌ من الرجال يرتدون السواد من الرأس حتى أخمص القدمين. يبدو أنهم فرسان من الحرس الإمبراطوري. وقد جلبهم معه بطريقة حذرة حتى لا يثيروا الانتباه.
منطقي، ففي مثل هذه الأوقات، لم يكن من السهل التحرك برفقة الفرسان علنًا.
وكما كان متوقعًا، فإن رؤية بروتور الصامت تمامًا حتى بعد دخوله لم تكن لترضي ماركوس، فاندفع بخطى حادة نحو الداخل دون تردد.
“الوصول إلى هنا وحده كان شاقًا للغاية. لقد استغرقني الأمر ثلاثة أيام كاملة فقط لأجد فرصةً أهرب فيها من تلك العيون المراقِبة!”
“….…”
“تمامًا! منذ ذلك اليوم بالضبط، اليوم الذي حولت فيه القصر الإمبراطوري إلى فوضى عارمة!”
نظر بروتور بصمت إلى ماركوس الغاضب وهو يصرخ في وجهه.
ويبدو أن المطر الذي هطل عدة مرات خلال الأيام الماضية تسبب في تكوين طين في الجبال، مما جعل آثار أقدام ماركوس المبللة تلطخ أرضية المنزل مع كل خطوةٍ يخطوها.
أمام الباب الذي اعتادت ريكا المرور منه، على الأرضية التي كانت تلعب فيها بدماها، وعلى السجادة التي كانت تتمدد عليها.
كل تلك الأماكن التي كانت تحمل بقاياها وذكرياتها—
اتسخت في لحظة.
كل ما بذل بروتور جهده للحفاظ عليه بعناية فائقة، تلوث في ثوانٍ.
“هل تظن أنني منحتكَ قبو القصر الإمبراطوري لتتصرف بتلك الطريقة؟! بعد أن اختطفت ريكا إيفيريت إلى القصر، كان عليك على الأقل أن تبقى مختبئًا بهدوء! هل تدرك حجم الورطة التي وقعتُ فيها الآن بسببكَ؟!”
هذا المكان الذي لم تطأه قدم سواهما، هو و ريكا.
“لا أحد يقولها صراحة، لكن الجميع يتهامسون! الكل يظن أن الإمبراطور نفسه كان من أتباع المهرطقين! العائلات الموالية للإمبراطور بدأ المعبد التحقيق معها واحدة تلو الأخرى. ولن يمر وقت طويل قبل أن يحين دوري أيضًا! الكاهن الأعظم لم يعد حتى مستعدًا لسماع كلمتي!”
“….…”
“ما الذي كنت تفعله طوال هذا الوقت؟! حتى وصلت الأمور إلى هذه الحال، أين كنت؟! هل هذه هي مكافأتي على ولائي لك طوال تلك السنين؟!”
“….…”
“أنا…..أنا كيف وصلت إلى هذا المنصب! أي أفعال ارتكبتها لأجل ذلك! كل ليلة، يزورني والدي وأخي في أحلامي وكأنهم سيقتلونني! وحتى عندما أسمع أصواتهم في رأسي تهددني بعدم المغفرة، تحملت كل شيء بصمت!”
‘…..تبا، مزعج.’
نظر بروتور إلى ماركوس، الذي كان يصرخ ووجهه محمرٌ من شدة الانفعال، بنظرة باردة كالثلج.
وتداخل على وجه ماركوس وجه شخص آخر يشبهه إلى حد ما. ربما بسبب الشعر الأشقر ذاته.
ذلك الوجه المتغطرس، الواثق، الذي تصرف وكأنه هو وحده من يحق له الوجود بين ريكا وبروتور.
ذلك الوجه المتعجرف…..
“…..يبدو أنك واهم، فقرار أن نكون معًا من عدمه ليس بيدك.”
“ليس بيدك، بل بيدنا. أنا و ريكا.”
“فلماذا لا تختفي، أيها الغريب الذي لا علاقة له بشيء؟”
‘…..هاوارد تشيلستون.’
أريد أن أمزقه. لكي لا يرى ريكا مجددًا.
لكي لا يجرؤ حتى على ذكر اسمها.
بيييب—
رنّ طنينٌ حاد في أذنيه.
على أي حال، كان يرغب بقتل أي أحد، وقد جاءته الفرصة الآن. و لم يكن هناك سببٌ يدعوه للتردد. ولم يكن ينوي البحث عن واحد أصلًا.
ثبت بروتور نظره في ماركوس. وعيناه الخضراوان لم تعد كما كانت، بل أصبحتا مشعتين بنظرة مرعبة.
“ماذا تنوي أن تفعل من الآن فصا— كخه!”
ماركوس الذي كان يهمّ بالاقتراب أكثر من بروتور، توقف فجأةً عن الكلام، ورفع يده يمسك عنقه.
لقد حدث كل شيء في لحظة. حتى الفرسان الذين تلقّوا أمرًا واضحًا بالبقاء في الخارج وعدم التدخل، لم يتمكنوا من التحرك أو الرد.
“هاه…..هاه..…”
لهاثٌ عنيف خرج من فم ماركوس. وسرعان ما بدت عليه علامات الرعب، وكأن شيئًا ثقيلًا هائلًا جثم فوق جسده بالكامل.
ثم بدأ يتمزق من الداخل.
رفع ماركوس يده وأخذ يمزق ملابسه بعنف. و النسيج الثمين، والذي بدا أنه صُنع من أقمشة باهظة الثمن، لم يصمد طويلًا ومزّق على الفور.
ورغم ذلك، لم يكن قادرًا على التوقف.
أخذ يحكّ عنقه—أو بتحديد أدق، عظمة الترقوة تحديدًا—بشكل هستيري.
ظهر الوشم الأسود على شكل فراشة تحت أصابعه.
ثم، خرّ جسده على الأرض بلا حراك.
كل تلك المشاهد…..راقبها بروتور بهدوء وهو جالس على الأريكة.
“أر….أرجوك…..أرجوك، دعني….أعيش..…”
رفع ماركوس عينيه نحو بروتور. و لم يعد يملك حتى القوة لرفع رأسه بالكامل.
وكانت عيناه الأرجوانيتان قد تحوّلتا إلى اللون الأحمر، كما لو أن شعيرات الدم فيها قد انفجرت. وامتلأت أطراف عينيه بالدموع.
لكن رغم هذا المشهد المثير للشفقة، لم يفعل بروتور شيئًا. لم يحرّك ساكنًا، واكتفى بالتحديق فيه بصمت.
و كل ما فكّر فيه هو أن لون عينيه لم يعجبه. فالأحمر بدا مزعجًا.
“آغغ.…”
وبعد عذابٍ طويل، سقط ماركوس أرضًا مغشيًا عليه.
و لم يتحرك من مكانه. فقد انقطعت أنفاسه.
الفرسان الذين راقبوا المشهد من الخلف أطلقوا صرخات متتالية، ثم استداروا وبدأوا بالهرب.
لكن بروتور لم يلاحقهم فورًا، بل نهض من على الأريكة بخطوات هادئة ومشى ببطء. فهو يعرف جيدًا أنه حتى لو بذلوا كل جهدهم، فسيتمكن من اللحاق بهم قبل أن يغادروا الجبل.
وبمجرد أن تذكّر ذلك، خفت حدّة الغضب الذي كان يغلي في صدره قليلًا.
ليس هذا وقت الغضب. عليه أن يُسرع بالإمساك بهم…..ثم البحث عن ريكا.
‘نعم، ريكا..…’
تمتم بروتور داخل قلبه بالاسم الذي يشعره بالسعادة بمجرد التفكير به. ثم داس جسد ماركوس الممدد على الأرض وهو يخطو فوقه دون أدنى اكتراث.
وخرج من المنزل. و اختفى صوت خطواته تدريجيًا داخل عمق الجبال.
كانت ليلةً هادئة يغمرها ضوء القمر تمامًا.
__________________
هادئة؟ جداً رايعه افتكينا من ماركوس هاهاعاعاهاهاها
مع ان كان ودي هاوارد هو الي ينتقم بس عادي باقي بروتور ✨
المهم بروتور يحسب ريكا تطق من هاوارد هاهاههاهات ها ها في الاحلام 😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 125"