……رسالة؟
اتسعت عيناي في دهشةٍ من هذا الموقف غير المتوقع.
ولم يكن السبب مجرد أن رسالة قد وصلت. بل كان في تعابير وجه الكاهن الذي أبلغنا بها.
الكاهن، الذي كان يرتدي عباءةً بيضاء، كان يلهث من شدّة اضطرابه، و يتصبب عرقًا بارداً، وكأنه رأى شيئًا مرعبًا.
الرسائل عادةً ما تكون إعادة تفسيرٍ من المعبد لإعلانات نظام <عالم الفانتازيا>، تُقدَّم بأسلوب يناسب هذا العالم، لذلك لم يكن هناك ما يستدعي هذا التوتر.
صحيحٌ أن بعضها قد يكون صادمًا أو مثيرًا للدهشة، فقد سبق أن سمعنا أن النوكس سيختفي بعد عام، أو أن قارةً جديدة تم اكتشافها…
لكن رغم ذلك، كان هناك شيءٌ غريب في تصرفات الكاهن هذه المرة، ما لم يكن ما يحمله أسوأ بكثير.
‘ما الذي يمكن أن تحتويه هذه الرسالة……؟’
هل سيتم حذف الحسابات غير النشطة بشكل أسرع؟
بدأ العرق البارد يتصبب مني أنا أيضًا من شدّة التوتر، وجفّ حلقي تمامًا. عندها، أحسّ هاوارد بحالي، فشدّ على يدي بقوةٍ أكبر.
ثم التفت إلى الكاهن وسأله،
“هل انتهيتم من تفسير الرسالة؟”
“في الحقيقة……لم يكن هناك ما يحتاج لتفسير. كانت واضحةً تمامًا منذ أن وصلت، حتى أننا لم نناقشها بيننا. فإن قرأتموها بأنفسكم، ستفهمون على الفور.”
ثم وضع الكاهن، المتصبب عرقًا، ورقةً صغيرة كان يحملها برفق على الطاولة أمامنا. و توجّهت أنظار فيليب وهاوارد، وأنا معهم، نحو الورقة الموضوعة.
وكما قال الكاهن، كانت الرسالة سهلة الفهم.
كان لا بد أن تكون كذلك. لأنها لم تكن سوى جملةٍ واحدة فقط.
<الكونت إيتينتيا……هو ملك الشياطين.>
بمجرد أن قرأت تلك العبارة، شعرت بإحساسٍ غريب يغمرني. فقد بدا الأمر غير منطقيٍ تمامًا.
صحيحٌ أن الجميع هنا يعلم أن بروتور هو ملك الشياطين، لكن رغم ذلك، لم تكن المشكلة في محتوى الرسالة بحد ذاته.
بل في شيء أعمق، أمرٌ يجعل هذه الرسالة مستحيلةً بكل المقاييس.
‘لماذا……؟’
لماذا ورد اسم “الكونت إيتينتيا” في الرسالة؟
أكرر، الرسائل في هذا العالم ما هي إلا إعادة تفسيرٍ لإعلانات لعبة <عالم الفانتازيا>. ولا تُنشر في هذا العالم إلا بعد أن تُفسّر داخل المعبد أولًا.
لكن هذه الجملة لم تمر بأي تفسير.
إنها إعلانٌ خام مباشر من اللعبة ذاتها، ومع ذلك تُذكر فيها عبارة “الكونت إيتينتيا”؟ وفي هذا التوقيت تحديدًا؟
‘الكونت إيتينتيا……هو هويةٌ اخترعها بروتور كي يتحرّك بحرية في هذا العالم، لا أكثر.’
أي أنها لم تكن ضمن الإعدادات الأصلية للشخصيات غير القابلة للعب. وأنا أعلم هذا أفضل من أي أحد، بفضل ذكريات المدير التي أملكها.
ومع ذلك……ها هي الآن تظهر في الرسالة، وكأنها أصبحت جزءًا من إعدادات اللعبة الرسمية.
‘ما الذي يحدث بحق؟’
نظرت إلى هاوارد وسط دوامة من الارتباك. وكان هو الآخر يبدو مشوشًا تمامًا، لا يقل عني ذهولًا. و كانت عيناه الحمراوان، المرتجفتان قليلًا، تنظران إليّ مباشرة.
وبينما كنتُ أبادل هاوارد النظرات، كان الآخران – اللذان لا يعرفان شيئًا عن اللعبة وبالتالي لا يدركان خطورة الموقف – قد أنهيا حديثهما بالفعل.
ويبدو أن فيليب أدرك أن هذا أمرٌ لا يمكن حله في هذا المكان، فوقف وقد ارتسمت على وجهه ملامح الحرج.
“أعتذر يا آنسة، لكن هذا أمرٌ يتجاوز قدرة فرسان الهيكل على التعامل معه، لذا يبدو أنه يتعيّن عليّ المغادرة. كنت أود البقاء إلى حين استجوابكِ، لكن……أرجو أن يمرّ التحقيق بسلام وتخرجي منه بخير.”
“لا تقلق، و اذهب.”
“شكرًا جزيلاً. وماذا عنكَ، سيدي القائد؟”
“اذهب أنتَ أولًا. قد أذهب لاحقًا بعد أن يبدأ استجواب ريكا. وسأحمّلكَ مسؤولية كل ما يحدث في غيابي.”
“مفهوم.”
ثم انحنى فيليب قليلًا وغادر المكان مع الكاهن.
و عندما تأكدتُ أن الاثنين قد ابتعدا تمامًا عن أنظارنا، أطلقت أنفاسي دفعةً واحدة، كمن كان يحبسها، ثم فتحت فمي بتوتر لأتحدث.
بعد أن تأكدت أيضًا من خلوّ المكان من أي شخصٍ آخر.
“هل يعقل هذا؟ كيف يمكن أن تصل رسالةٌ كهذه……؟”
“لا يعقل فعلًا.”
حاول هاوارد أن يهدئني وهو يربت على كتفي. مع أنه بالتأكيد كان مصدوماً مثلي إن لم يكن أكثر.
حاولت جاهدةً أن أتماسك أمام نظرته القلقة، لكن دون جدوى. فالموقف حساسٌ بطبيعته، وفوق ذلك جاءت هذه الرسالة الغريبة. و من المستحيل ألا أشعر بالتوتر.
“لماذا حدث هذا؟ في هذا العالم، صحيحٌ أن بروتور يُعتبر بمثابة ملك الشياطين، لكن من منظور لاعبي <عالم الفانتازيا>، لا بد أن هذا الإعلان بدا غريبًا للغاية.”
ثم إن <عالم الفانتازيا> ليس لعبةً قصيرة المدى. إنها لعبةٌ طويلة المدى، يواصل فيها اللاعبون التقدم تدريجيًا نحو الهدف الأكبر: القضاء على ملك الشياطين، مرورًا بأحداث كثيرة وتشابكات متعددة مع شخصياتٍ مختلفة.
ولا يُعقل أن مطوري <عالم الفانتازيا> يجهلون مدى الخسارة التي قد يتسبب فيها الكشف عن هوية ملك الشياطين، الذي يُعتبر تقريبًا بمثابة نهاية اللعبة.
خصوصًا وأن ماضي الشخصية الأشهر، هاوارد تشيلستون، لم يُكشف بعد بالكامل، فهل يُعقل ما حدث؟
‘آه، رأسي يؤلمني.’
حدث هذا بينما بالكاد أستطيع السيطرة على قلقي. تنهدت رغماً عني من بين شفتيّ.
نظر إلي هاوارد بصمتٍ للحظة وكأنه متردد، ثم فتح فمه. بعد أن تحركت شفتاه مرات عدة قبل أن ينطق ببطء.
“……هناك احتمالٌ واحد خطر ببالي. لم يسبق لي أن فكرت به من قبل، وحتى الآن لا أعتقد أنه منطقيٌ تمامًا.”
“حقًا؟”
أومأ هاوارد برأسه وأكمل حديثه.
“كما تعلمين، أي تغيّر في <عالم الفانتازيا> يؤثر بشكل كبير على هذا العالم. لدرجة أنه إن تم فتح منطقة جديدة هناك، فقد تظهر قارةٌ جديدة فجأة وسط محيط هذا العالم، رغم أن الأمر يبدو مستحيلًا.”
“صحيح.”
فمجرد إعلان عن حذف الحسابات غير النشطة جعلني فجأةً أتحول إلى شخصٍ ذو وقتٍ محدود، و لم يتبقَّ سوى أقل لي عام واحد في الحياة.
لكنني لم أذكر ذلك لهاوارد. فأنا لا أريد رؤية الحزن في عينيه، كما أنه يعلم ذلك جيدًا دون أن أضطر لشرحه.
“لكن ما علاقة هذا بما يحدث الآن..…؟”
“إذاً، ماذا لو حدث العكس؟”
خرجت الكلمات التالية تقريبًا في اللحظة نفسها. وبسبب تداخل الحديث، لم أفهم على الفور ما كان يقصده هاوارد، ولم أستوعب المعنى إلا بعد لحظة من التفكير.
بمعنى، ما يقصده الآن هو…..
“هل تعني أن ما يحدث في هذا العالم قد يؤثر على <عالم الفانتازيا> أيضًا؟”
“هذا ما أظنه. وإلا، فلا يوجد أي تفسيرٍ منطقي لما يحدث حاليًا.”
وكان ذلك…..طرحًا يبدو مقنعًا إلى حد كبير.
إن فكّرنا بالأمر بهذه الطريقة، فتصبح حقيقة أن بروتور اخترع لقب “الكونت إيتينتيا” من تلقاء نفسه ثم أصبح جزءًا رسميًا من إعدادات <عالم الفانتازيا>، وكذلك الكشف المفاجئ عن هوية ملك الشياطين، أمورًا منطقية.
فقد كان اختطافي على يد مهرطق، وأن ذلك المهرطق…..لا، ملك الشياطين، هو بروتور إيتينتيا، حدثًا صاخبًا هزّ أرجاء إمبراطورية فيدوس كلها.
وإذا كان الحدث بهذه القوة من التأثير، فقد يكون من الممكن فعلًا حدوث معجزةٍ كهذه. أن يتأثر العالم الأصلي للعبة من قبل عالمٍ مشتق عنها…..وضعٌ غير معقول على الإطلاق.
ورغم ذلك، شعرت بغصة ممتلئة في صدري.
ولم أعرف السبب إلا بعد أن قال هاوارد كلماته التالية.
“ربما…..يمكننا إنقاذكِ.”
***
في تلك الليلة. وسط أعماق الجبال حيث بدأ الظلام يحلّ ببطء. كان بروتور مستلقيًا بهدوء على أريكةٍ في منزل ما، يحدّق في السقف.
كانفي المنزل نفسه الذي كان يعيش فيه مع ريكا عندما كانت الأمور لا تزال هادئة.
و حتى أثناء غيابه، لم يُهمل صيانته.
كان يعلم أن الأمور خرجت عن السيطرة، ومع ذلك لم يكن بوسعه أن يفعل شيئًا. و لم يكن أمامه سوى الانتظار على هذا النحو.
جزءٌ من السبب كان حاجته لاستعادة قواه التي ضعفت بسبب انفجار طاقة ريكا، لكن السبب الأهم كان شيئًا آخر.
وهو أن ريكا لم تكن بجانبه.
بروتور لم يصدق أنه وحده الآن. فلطالما انتظر هذه اللحظة، وكان يعتقد أنه بمجرد أن تستعيد ريكا ذاكرتها، ستعود الأمور إلى طبيعتها.
وكان يؤمن بأنه إذا شرح كل شيء لها بوضوح، فإنها ستفهم وتعود.
لكن، لماذا…..لا تزال ريكا غير موجودةٍ إلى جانبه؟
__________________
ويسأل يعني مسكين🥺 مايدري ليه وكيف كرهته ريكا 🥺
كل تبن
المهم ههاهااهاهعا هاوارد ماكان يفكر كيف يمسك بروتور لا ورعي كان يفكر كيف ينقذ ريكا😔🫂
يجنوون تربيتي عياليييييي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 124"