“ماذا لو لم أندم مهما حدث؟”
قلتُ ذلك و أنا أحدّق في هاوارد بثبات.
ثم، بعد ذلك السؤال، عمّ السكون المكان. كأن الزمن قد توقف بالفعل. و لولا أن يد هاوارد الموضوعة على كتفي ازدادت دفئًا قليلًا، لصدقته تمامًا.
“……ريكا.”
انخفض صوته أكثر كأنه يُكشط سمعي برفق. و كأنه يمنحني فرصةً أخيرة.
لكن على عكس قلق هاوارد، لم أكن طفلةً جاهلة لا تدري شيئًا. بل لم يكن بإمكاني الجهل أصلًا.
ذلك الإحساس الغريب الذي لا يمكن وصفه بكلمةٍ واحدة، ذلك التوتر في أصابع قدمي، تلك النظرة الملتهبة التي تخترقني، اليد التي أمسكت بكتفي بقوة أكثر من ذي قبل……
وكل شيء آخر كان يقول لي. أن هاوارد تشيلستون يريدني الآن.
وبما أنني، من نواحٍ عدة، كنت أشعر بالمثل، لم يكن هناك أي سبب يدفعني لتغيير تصرفي.
بدلًا من قبول آخر لفتة حنان من هاوارد، قررت أن أُخفف عنه عبء تردده. فارتفع كعبي من الأرض، وشفاهي التي انفصلت عن شفتيه قبل لحظات، التقت بهما مجددًا.
وهذه المرة، طالت اللحظة أكثر قليلًا.
وفجأة، ترددت كلمات هاوارد في رأسي.
“سأتأكد من ألا تكوني وحدكِ أبدًا.”
نعم، يجب أن تفي بوعدكَ.
قلت أنكَ لن تتركني وحدي، أليس كذلك يا هاوارد؟
رفعت شفتي عن شفتيه لأعبر له عن هذا الخاطر الذي دار في ذهني. لكن لم تتح لي فرصة أن أهمس له بما أريده.
فقد فتحت فمي، لكن صوتي لم يخرج. لأن هاوارد، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة، اقترب بسرعة وألصق شفتيه بي مرة أخرى.
“آه.”
كانت حركته في تلك اللحظة أكثر عنفًا من أي وقت مضى. و كان من الصعب عليّ مواكبة اندفاعه، لدرجة أنني لم أعد قادرةً على الوقوف بثبات.
وفي اللحظة التي شعرت أنني سأسقط أرضًا، أمسك بي هاوارد بذراعيه. و احتضنني بذراعه من خصري وكتفي، ثم رفعني إلى صدره، محتضنًا إياي تمامًا.
وبينما كانت شفتاهه لا تتوقفان عن تقبيلي، شعرت به يتحرك، يسير بي إلى مكان ما.
كان متوترًا، مستعجلًا بشكل لا يوصف. خطواته، يديه اللتان تطوّقان جسدي بلا فراغ، دفء جسده الملتصق بي، شفتاه وأنفاسه التي تلامسني وكأن ابتعاده لحظة سيكون كارثة……كل ذلك
كان يصرخ بالقلق.
القبلة التي بدت وكأنها لن تنتهي أبدًا، توقفت أخيرًا عندما توقف هاوارد عن السير. وحينها فقط أدركت أننا أصبحنا أمام السرير.
كان يلتقط أنفاسه المتقطعة وهو يضعني ببطء على السرير. ثم شعرت بملمسٍ ناعم يلامس بشرتي.
فرفعت رأسي ونظرت إلى هاوارد. و كانت عيناه الحمراوان المتقدتان بالحرارة كانت تحدقان بي كأنهما تخترقان أعماقي.
تحت تأثير تلك النظرة، لففتُ ذراعي حول عنقه كما لو كنت مسحورة، فجاء رده بتمرير يده على ظهري بلطف.
كان دفئًا حقيقيًا……
‘……انتظر، ظهري؟’
اتسعت عيناي فجأة حين أدركت الأمر. و تذكرت أنه لا يجب أن يرى هاوارد ظهري.
فعلى كتفي، تحديدًا عند لوح الكتف، هناك علامةٌ لا يجب عليه رؤيتها أبدًا……
شعري لم يعد طويلًا ليغطيها……وضوء المصباح والقمر الداخل من النافذة يمنعانني من الاختباء في الظلام……
‘على الأقل……يجب أن أطفئ الضوء……’
شعرت بالقلق يجتاحني في لحظة. فأبعدت ذراعي عن هاوارد بسرعة، واستدرت لأطفئ المصباح على الطاولة الجانبية.
لكن قبل أن أفعل ذلك، أمسك بي هاوارد أولًا. و عانقني من الخلف بكل قوته.
“لا بأس.”
كأنه يعرف تمامًا ما الذي يقلقني.
“لا بأس يا ريكا.”
راح يلمس بلطف عظم كتفي الذي انكشف قليلًا بسبب انزلاق الفستان.
“لذلك، لا داعي لأن تفعلي شيئًا.”
فتجمدت في مكاني تمامًا.
……هل رأى هاوارد الوشم؟
لا، مجرد التفكير في ذلك يبدو سخيفًا. لا شك أنه رآه. فالمكان الذي يلمسه بدقة هو حيث توجد تلك العلامة على شكل فراشة.
الدليل الواضح على أنني من السلالة التي يكرهها هاوارد.
شعرت وكأن الدموع ستنسكب في أية لحظة.
كنت أعلم أنه بات يعرف الحقيقة كلها، ومع ذلك……لم أرد أن أُريه إياها بنفسي.
فقدت صوابي للحظة، وفعلت ما لم أكن أريد فعله……
‘ما الذي يفكر به هاوارد الآن؟’
هل يبحث في ذهنه عن طريقة ليمحو هذا الوشم من جسدي؟ أم أنه فقط يتظاهر بأنه لم يرَ شيئًا؟
في تلك اللحظة القصيرة، تدفقت في رأسي مئات الأفكار. لدرجة أنني بدأت أتساءل إن كنت دومًا أمتلك هذا الخيال، أم أن رأسي سينفجر من فرط التوتر.
لكن، وسط كل تلك الاحتمالات—
“……جميل.”
لم يكن هناك احتمالٌ كهذا، ولا مرةً واحدة.
مشهدٌ كهذا……جميلٌ إلى حد أنه يبدو محرمًا حتى على التخيل، جميلٌ إلى درجة تفيض فيها المشاعر ولا تُحتمل.
“إنه يناسبكِ كثيرًا، ريكا.”
همس هاوارد بصوتٍ خافت وهو يطبع قبلةً فوق الوشم. و كان ملمس شفتيه الدافئ، قد دام لثوانٍ قبل أن يبتعد.
في تلك اللحظة، خلى رأسي من كل الأفكار، و أصبح أبيض تمامًا. و بدأ جسدي كله يرتجف، ليس يدي وقدمي فقط، بل كل كياني.
لم أستطع السيطرة على نفسي.
كيف؟ كيف يمكن لهذا أن يحدث؟
……كيف؟
“لماذا……”
استدرت ببطء نحو هاوارد ونظرت إليه. وحين التقت أعيننا، ابتسم لي برقة.
بتلك الابتسامة الحنونة، التي بدت وكأنها تمحو كل القلق الذي مزقني منذ لحظات، وكأن كل ما فكرت فيه لم يكن سوى أوهامٍ لا لزوم لها.
“لقد قلت لكِ من قبل، ريكا.”
“…….”
“أنتِ دائمًا جميلة……لدرجة أن النظر إليك يُبهِر العيون.”
“والآن أيضًا، ما زلتِ جميلة. لدرجةٍ تُبهر العيون.”
تذكرت كلماته تلك التي قالها لي ذات مرة. وتقاطع المشهد في ذاكرتي مع ما أراه الآن أمام عيني.
وكأن هاوارد تشيلستون أراد أن يُظهر لي أنه لم يتغير إطلاقًا حتى بعدما عرف كل أسراري.
“كل ما يخصكِ جميلٌ في نظري، كل شيء، دون استثناء. و بالنسبة لي، كان الأمر كذلك منذ البداية.”
“…….”
“منذ ذلك اليوم، حين التقيتكِ لأول مرةٍ على التل.”
بدأت أشعر وكأنني لا أعيش الواقع، بل أسير في حلم.
أجل، هذا مستحيل. فلم أمتلك يومًا شيئًا بحق. لم يكن لي أي شيء أستطيع أن أسميه “ملكي”.
هذا العالم نفسه لم يحبني يومًا. فكيف لشخصٍ كهذا……شخصٌ يبدو وكأنه محبوب من قِبل العالم بأسره……أن يحبني بهذا الشكل؟
وكأن ذلك لا يكفي، فهذا الرجل الواقف أمامي……
“لذلك، أنا……”
وكأنه يخشى أن لا أفهم مشاعره تمامًا، أو ألا أصدقها، أراد أن يُؤكدها لي مجددًا.
بطريقةٍ لا يمكنني نفيها أبدًا.
“أنا ملككِ، ريكا. إلى الأبد، وللأبد.”
وفي اللحظة التي همس فيها بهذه الكلمات، سقطت دمعةٌ من عيني. التي كانت ممتلئةً منذ وقتٍ لا أعلمه.
دمعةٌ ثقيلة، تحمل شيئًا لم أستطع البوح به لأي أحد، شيئًا لم أتمكن من شرحه حتى لنفسي.
بدأ كل ذلك يذوب ويختفي دون أن يترك أثرًا، كما لو أنه لم يكن موجودًا أبدًا، كما تذوب الثلوج المتراكمة في الشتاء عند قدوم الربيع.
رغم أن الشتاء كان قد بدأ للتو في العالم الخارجي.
‘هذا الرجل……’
إنه ربيعي.
ربما لهذا السبب، في ذلك اليوم، حين التقينا مجددًا في ذلك الزقاق، كانت زهور الأنيمون قد تفتحت هناك. لأن ربيعي بدأ من تلك اللحظة.
“……هاوارد.”
“هاوارد.…”
“هاوارد.”
همست باسمه مرارًا. ثم احتضنته بكل ما في قلبي من قوة.
فاحتواني بدوره، كأنه كان ينتظرني، و عانق جسدي المرتجف برفق.
ثم تلاقت شفاهنا من جديد، كما لو أنها لم تفترق يومًا.
وفي الغرفة التي لم يكن يُسمع فيها شيء سوى أنفاسنا، بينما شعرت بملمس السرير أسفل ظهري، فكرت،
‘أنا حقًا……من أجل هذا الرجل، أستطيع أن أفعل أي شيء.’
_____________________
ايه اي شي بس اهم شي انس معه😭
المهم يعني كذا خلاص؟ خلصت الاحزان؟ تكفون
شسمه هاوارد حسبته شوي مهووس وبيقول أنتِ لي بس لا ذاه نطل نفسه😭
باقي شعر ريكا متى ترجعونه؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 122"