كنت أعلم أن الوقت ليس مناسبًا لذلك، لكن إن قلت أنني لم أكن فضولية لمعرفة كيف سينطق بحكم الإعدام علي، فسأكون كاذبة.
تحركت شفتا هاوارد بخفة، لكنه ما لبث أن أغلق فمه مجددًا، وكأن ما كان سيقوله لا معنى له. ولم تخرج الكلمات التالية إلا بعد مرور بعض الوقت.
وفي اتجاهٍ لم أتوقعه أبدًا.
“أنا……لم أتوصل إلى قرارٍ بعد.”
……ماذا؟
فوجئت لدرجة أنني ارتجفت في مكاني. و لا أعلم كيف فهم هاوارد حركتي، لكنه شد ذراعيه حولي أكثر من ذي قبل.
فشعرت بعزمه الراسخ على ألا يتركني أبدًا.
“أعني ما أقول. لم تصدر أي نتيجةٍ بعد. التحقيق الذي تم تعليقه سيُستأنف من جديد. وكما كان سابقًا، سيتم في قصر الدوق، فكوني على علمٍ بذلك.”
“سيدي القائد!”
“ألم نتفق ألا تناديني بذلك؟ علينا الالتزام بما وعدنا أول مرة. لقد وافقتِ أن تقومي بدور الحبيبة أثناء التحقيق، ألم تنسي؟”
تمتم هاوارد وهو يتجنب النظر في عيني. ففوجئت لدرجة أنني لم أستطع حتى الاعتراض.
فهذا موقفٌ لا يحتاج إلى تفكير. هاوارد لا يملك الآن سوى خيارين فقط.
بعد أن يفترق عني، إما أن يُظهر رحمةً لروابط الماضي ويمنحني حريتي في ما تبقى من حياتي، أو أن يلتزم بالمبادئ ويُعدمني باعتباري هرطقية.
لكن ماذا يقول؟ يريد أن يعيد فتح التحقيق؟ و لم يتوصل إلى نتيجةٍ بعد؟
“……عن ماذا تتحدث بالضبط؟”
سألت وأنا أكبح ارتجافة صوتي.
“ألا تدرك مدى خطورة ما يحدث الآن؟”
“أدرك، ولهذا أقول أننا سنعيد التحقيق.”
“ولماذا التحقيق؟ أنت تعرف الحقيقة بالفعل. سمعتها من بروتور. أنت قائد فرسان الهيكل! من المفترض أن تكون أول من يبتعد عن الهراطقة. فكيف تسمح لهرطقية أن تبقى إلى جانبكَ؟”
“……كفى، ريكا. لا يبدو أن هناك أحدًا بالجوار، وحتى إن وُجد، فصوت المطر يغطي كل شيء. لكن هذا لا يعني أنه يمكننا الاطمئنان.”
“أترى؟ حتى الآن تتصرف بحذر لأنكَ تدرك أن الوضع يبدو مريبًا في نظر الآخرين، أليس كذلك؟”
مددت يدي لا شعوريًا وأمسكت بطرف ثوبه. فلم أكن لأتمالك نفسي لولا ذلك.
“لماذا تتصرف بهذا الغباء؟ تظن أن إنكاركَ سيجعل كل شيء يختفي وكأنه لم يكن؟ قد يخدع ذلك الآخرين، لكنكَ أنت لا تستطيع خداع نفسكَ. هل تعرف ما الذي سيُقال حين يُكشف كل شيء في النهاية؟”
بالكاد أستطيع التنفس. و كأن أحدهم يمسك بعنقي ويخنقني.
“قائد فرسان الهيكل الذي كانوا يقولون عنه عبقري، كيف لم يكتشف أن هرطقية كانت إلى جواره؟ هل كان حقًا لا يعلم؟ أم أنه كان متواطئًا معها؟ ستنتشر هذه الأحاديث، أليس كذلك؟ بقدر ما أحبكَ الناس، سيكرهونكَ بنفس القدر، ولوقتٍ طويل جدًا! لا أحتاج حتى إلى أن أراه لأعرف ما سيحدث!”
“هذا أمرٌ سأتحمله لاحقًا……حين تنتهي التحقيقات ويُثبت أنكِ هرطقية. هذا ليس شيئًا عليكِ أن تقلقي بشأنه.”
“كيف لا أقلق! كيف يمكنني؟!”
بدأت رؤيتي تتشوش كأن ضبابًا غطى عيني. و لا أدري متى بدأت بالبكاء، لكن الدموع كانت تنهمر كالسيل، حتى أنني لم أعد أرى ما أمامي.
سحبت يدي التي كانت تمسك بثوب هاوارد. ثم بدأت أضرب صدره بكل قوتي بقبضتي.
“كيف لا تعرف شيئًا يعرفه الجميع؟ هاوارد تشيلستون، الأمر سيؤذيكَ! كل ما بنيته طوال حياتكَ سينهار في لحظة! أنا……أن أكون سببًا في دماركَ، ذلك……! أكره ذلك لدرجة أنني أتمنى الموت!”
تفجرت كلماتي كأنني أتقيأها من داخلي. و شعرت بمرارةٍ وقهر لا يمكن وصفهما.
منذ أن وُلدت، ومنذ أن التقيت بهاوارد، لم أكن يومًا بهذا الانفعال. و يبدو أن هاوارد كان يشعر بالمثل.
“أتقولين أنكِ تكرهين ذلك حد الموت؟ تظنين أنكِ الوحيدة؟”
كان يتلقى ضرباتي بصمت، ثم فجأة أمسك بمعصمي. بينما تشوه وجهه بتعبيرٍ عنيف.
“وأنا أيضًا. فكرة أن تعيشي بتعاسةٍ بسببي……أكرهها أكثر من الموت. لقد كدتِ تموتين بسببي من قبل. حتى وقتها، كان شعورًا لا يُحتمل. والآن تريدين مني أن أقتلكِ بيدي؟ وأن أوسمكِ بختم الهراطقة؟”
“ليس هناك ما يستحق الحزن. فأنا هرطقية حقاً، وهذه حقيقةٌ لا يمكن إنكارها!”
“هاه، حقيقة؟”
شدّ هاوارد قبضته على معصمي. و كان الألم حادًا لدرجة أنني قطبت جبيني دون إرادة.
“هل تريدين أن أقولها بدقةٍ أكثر؟”
كل شيءٍ الآن كان غير مسبوق. فلم يسبق أن رأيت هاوارد غاضبًا بهذه الطريقة.
ذلك الشخص الذي كان دائم الحذر خوفًا من أن يؤذيني، يتصرف الآن على هذا النحو.
“حين قلتُ إن التحقيق لم يُحسم بعد، كنت أكذب. لم أكن أنوي إجراء أي تحقيقٍ إضافي منذ البداية. لأنني لا أؤمن بأنكِ هرطقية. لم يخطر ببالي ذلك، ولا لحظةً واحدة.”
“لكن……ألم تقل اليوم……”
“نعم، حتى وأنا أعلم أن تلك العلامة على جسدكِ، وأنكِ مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بملك الشياطين، حتى مع ذلك.”
لماذا؟ لماذا بحق؟
لم أستطع أن أفهم شيئًا.
كنت أعلم كم يكره هاوارد الهراطقة وملك الشياطين. لذا ظننت أنه حين يعرف الحقيقة، سيكرهني بلا شك.
حتى لو لم أكن أنا من أخفى الحقيقة عمدًا، كنت واثقةً أنه سيشعر بالخيانة.
‘فلماذا إذًا……؟’
اهتز بصري بلا وجهة تحت وقع المفاجأة.
ثم رآني هاوارد في حيرتي، فأطلق ضحكةً ممزوجة بالسخرية من نفسه، ثم حرر معصمي ببطء.
“حتى الآن لم أجد دليلاً حقيقيًا على أنكِ هرطقية. كل ما ظهر لم يكن سوى أشياء لا قيمة لها. حتى ما عرفته اليوم، لا يختلف عن ذلك.”
لم يستطع إخفاء الذنب العميق في عينيه وهو يحدق في معصمي الذي طُبع عليه أثر قبضته الحمراء. فعجز عن أن يرفع عينيه عن ذلك المكان.
“لم تقومي يومًا بتصرفٍ مريب أمامي، ولم تحاولي أذية أحدٍ بقوتكِ. ومهما قال الناس أنكِ هرطقية، ما زلت أراكِ بنظري محبوبةً كما كنتِ دومًا……ما زلت أقلق إن كنتِ تأذيتِ في غيابي، أو إن كان هناك شيءٌ قد جرحكِ، أو أنكِ بدأتِ تكرهينني لأنني فشلت في حمايتكِ كما وعدت……”
وبينما ظل صامتًا للحظات، رفع رأسه أخيرًا. والتقت عينانا في الهواء.
“ومع ذلك، إن كنتِ تصرين على أنك هرطقية……فأنا أيضًا هرطقيٌ إذًا.”
كان يجب أن أصرخ. و أن أقول له إن ما يقوله غير منطقي أبدًا. لكن لساني عجز عن النطق تمامًا.
حين تلاقت أعيننا، رأيت في عينيه الحمراوين تلك المشاعر التي لم تختف، بل ازدادت حجمًا وحرارة.
كانت محبته لي قويةً لدرجة أنها بدّدت كل البرودة من حولنا، وشعرت كأن أنفاسي تُسحب من صدري.
“لا، لا……في الحقيقة، كل هذا لم يعد مهمًا الآن، ريكا. لأكون صريحًا……أنا……”
راح صوته يضعف تدريجيًا. ثم توقف تمامًا، كأن أحدهم كتم أنفاسه.
لكن هاوارد لم يتوقف عن محاولة الكلام. بل استمر في تحريك شفتيه، كأنه يحاول أن يقول شيئًا، وأخيرًا خرج صوته المرتجف بصعوبة.
“حتى الوقت الذي نقضيه في هذا النقاش……أشعر أنه ثمينٌ جدًا ليضيع. لا أدري حتى إن كنت أعبر بطريقةٍ صحيحة.”
كان يتكلم متقطعًا، ثم مد يده وكأنه يبحث عن طوق نجاة. و يده المرتجفة أمسكت بيدي برفق، بخلاف ما فعل من قبل.
ثم جاء صوته رقيقًا، يكاد ينكسر.
“مجرد فكرة أنني قد أفقدكِ إلى الأبد تملأ رأسي……و تكاد تفجره. مجرد تخيل ذلك يرعبني. لا أستطيع التفكير في أي شيء آخر، ريكا.”
وبعد أن نطق بتلك الكلمات، انهار هاوارد أخيرًا. و سقطت جبهته على كتفي بخفة.
ثم همس بكلماتٍ صغيرة، وكأنه يتوسل،
“فلا تكوني قاسيةً عليّ أكثر من هذا……”
______________________
بكيييت خلاااااعص وش ذاه 💔🫂
هاوارد بكبره تحول وفجأه رجع وعنه ذاه يترجاها دموعييي
هو ماقال انه عرف انها نوكس بس اتوقع ريكا فهمته من ذاه بس 💔
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 119"