ظهر شعره الذهبي اللامع. و عيناه الحمراوان اللتان تمنحان دائمًا شعورًا دافئًا.
“……هاوارد.”
تمتمت باسمه بخفوت عندما ظهر في مجال رؤيتي. بينما لا أزال كنت أختبئ في الجبل المجاور لقصر الدوق تشيلستون، حيث يمكن رؤية القصر بوضوح من بين الأشجار الكثيفة.
فبعد أن استعدت ذاكرتي بالكامل، لم أستطع احتمال رؤية وجه هاوارد، فهربت بمجرد أن التقت أعيننا، لكن في الحقيقة، كنت أعلم منذ البداية إلى أين سأذهب.
لولا القدرات التي حصلت عليها بصفتي الشخصية الثانوية لبروتور، لربما كنت عاجزة، لكن قوتي لا تزال نافعةً لهاوارد.
بما أنه التقى ببروتور اليوم، فلا بد أنه استخدم قواه في القتال. لا، حتى لو لم يكن اليوم، فمن المؤكد أنه أنهك نفسه خلال الأيام الماضية وهو يبحث عني بعد اختفائي.
ربما حتى خرجت قواه المقدسة عن السيطرة. ولهذا السبب جئتُ إلى هذا المكان.
وكما توقعت، لم يعد هاوارد إلى قصر الدوق إلا في منتصف الليل، بعد مرور وقتٍ طويل على خروجي من القصر الإمبراطوري، وكان يبدو عليه التعب الشديد.
توقف هاوارد وهو يهمّ بدخول القصر، ثم مرر يده على وجهه. ورؤية ذلك المشهد جعلت اسمه يتسلل من بين شفتي مرة أخرى.
“هاوارد.”
لم يكن ذلك نابعًا من قصد، بل جاء بشكل طبيعي بدافع الشوق الذي بدأ يتصاعد من أعماق صدري.
أليس هذا أول لقاءٍ لنا منذ وقتٍ طويل، منذ أن اختطفني بروتور؟
طوال فترة ابتعادنا، كنت أشتاق إلى هاوارد. لقد أشتقت إليه كثيرًا فعلًا.
“……تبدو متعبًا جدًا.”
هذا مؤلمٌ حقًا.
حتى من بعيد، كان من السهل ملاحظة أن هاوارد قد نحف قليلًا.
نظرت إليه، ثم مسحت شيئًا على وجنتي بذراعي، لا أعلم إن كان دموعًا أم قطرات مطر. وبعدها، رفعت يدي قليلًا وربّت عليه من بعيد.
لم يكن سوى ذلك فقط، ومع ذلك شعرت وكأنني ارتكبت ذنبًا عظيمًا.
في الماضي ربما لم أكن لأشعر بذلك، أما الآن، وقد عادت إليّ كل ذكرياتي، فلم أعد أستطيع أن أبتسم بجانبه وكأن شيئًا لم يكن.
‘لا تكوني طماعة. فقط قومي بما يجب عليكِ فعله.’
تنهدت بصوتٍ منخفض وفتحت نافذة النظام. وكما توقعت، ظهرت النافذة المألوفة.
دينغ!
<القوة المقدسة لـ [هاوارد تشيلستون] في حالة فوضى!
[هاوارد تشيلستون] يعاني بسبب فائض القوة المقدسة!>
……كنت أعلم أن الأمر سينتهي هكذا.
ما إن استعجلت باستخدام قدرتي، حتى بدأت نافذة النظام تُظهر إشعاراتٍ تفيد بأن القوة المقدسة لدى هاوارد بدأت تستقر.
دنغ!
<القوة المقدسة لـ [هاوارد تشيلستون] في تراجع!
القوة المقدسة لـ [هاوارد تشيلستون] بدأت تستقر.
[هاوارد تشيلستون] استعاد هدوءه!>
ولم يمض وقتٌ طويل حتى بدا وجه هاوارد أكثر راحة.
‘من حسن الحظ أن قدرتي قد تطورت.’
لولا ذلك، لما تمكنت من مساعدته بهذا الشكل.
راقبت هاوارد وهو يتوقف للحظة وكأنه متردد، ثم دخل إلى قصر الدوق. فأحسست بخيبة أمل لأنني لم أعد أراه، لكن قلبي شعر براحةٍ في الوقت ذاته.
هكذا يجب أن يكون الأمر. كان من المفترض أن يكون كذلك منذ البداية.
هذه هي المسافة التي يجب أن تفصل بيني وبين هاوارد.
ما إن أدركت ذلك بوضوح، حتى شعرت بأن قواي تنهار من جسدي.
ثم استدرت ببطء وسرت نحو الأشجار، و جلست هناك، منكمشةً تحتها. و لم يكن يصل إلى أذني سوى صوت هطول المطر بهدوء.
بعد أن أنهيت ما كان يجب عليّ فعله، شعرت أخيرًا أن عقلي بدأ يعمل بشكلٍ صحيح ولو قليلًا. و بدأت أفكر في ما تبقى من حياتي، مثلًا،
‘إلى أين أذهب؟ وماذا سأفعل؟ وكيف سأعيش؟’
لم يكن بإمكاني الذهاب إلى هاوارد، والعودة إلى بروتور كانت أبغض من الموت.
فهل عليّ أن أعود للعمل في نزل آنا كما فعلتَ سابقًا؟ لا، مستحيل. فهاوارد يعرف آنا. و لو ذهبت إلى هناك، فربما سيأتي إليّ يومًا ما.
وفوق ذلك، سيكون ذلك عبئًا على آنا.
‘……فوجود هرطقية إلى جانبها فقط……’
من يدري ما الضرر الذي قد يصيب آنا بسبب ذلك؟ قد تُجر إلى المعبد للتحقيق معها.
لم أرغب أبدًا في التسبب في موقف كهذا. فآنا واحدةٌ من القلائل الذين يمثلون قيمةً كبيرة في حياتي.
لا، في الواقع، الأمر لا يقتصر على من حولي فقط. بل ينطبق هذا على أي أحد. فلم أرغب بأن يُشتبه في شخص آخر بالهرطقة بسببي.
وضعي الحالي لا يسمح لي بأن أكون بجوار أي أحد.
‘وهذا يعني……أنه لا مكان لي لأذهب إليه.’
لا مأوى لدي، ولا أملك شيئًا.
وفوق كل ذلك، فأنا هرطقية منبوذة تستحق الطرد.
أنا حقًا في أسوأ حالاتي.
تسللت ضحكةٌ خافتة من بين شفتي دون إرادة، من شدة ما شعرت بالذهول من وضعي.
منذ وقت ليس ببعيد فقط، كنت أظن أنني أملك كل شيء، فكيف انتهى بي الحال إلى هذا؟
كان الأمر سخيفًا لدرجة أنني لم أستطع الاحتمال. فضحكت بصوتٍ منخفض لفترة، ثم انكمشت أكثر ولففت جسدي على نفسه.
وحين دفنت وجهي بين ركبتيّ، غمرني ظلامٌ كثيف. هذا السواد الذي ملأ نظري بدا لي وكأنه صورة مطابقة لوضعي الحالي.
وما إن أدركت ذلك، حتى شعرت وكأن قاع قلبي قد انهار. كأن كل ما كان يسندني قد تلاشى فجأة.
“هاهاها……”
صوت ضحكتي الذي تلاشى مع صوت المطر، تحوّل شيئًا فشيئًا إلى نحيب. و وجنتاي ابتلّتا تمامًا بالدموع. و كل جسدي أخذ يرتجف كغصن شجرة في مهب الريح.
كنت خائفةً للغاية، ووحيدةً بشكلٍ مرعب.
أن أعيش في هذا العالم الواسع دون أن أملك فيه شيئًا واحدًا يمكنني تسميته “لي”، كانت تلك الحقيقة هي الأقسى.
“……بارد.”
الجو باردٌ جدًا. أشعر وكأنني سأتجمد حتى الموت.
حتى عندما علمت لأول مرة أن أيامي معدودة، لم أشعر بهذا القدر من الرعب. فقد كنت أعتقد أن مجرد عيش ما تبقى لي من حياة بشكل جيد سيكون كافيًا.
لكن الآن، لم يكن الأمر كذلك.
وبينما كنت أتنهد بالبكاء، لم يكن في رأسي سوى فكرةٍ واحدة تملأه بالكامل.
‘بما أنني سأموت على أي حال، ليتني متُّ قبل ذلك منذ البداية.’
قبل أن أعلم أنني هرطقية، لا، بل قبل أن ألتقي بهاوارد……
“آه.”
توقفت أفكاري المتلاحقة فجأة. ولم أحتج إلى أن أبحث لأعرف السبب، لأني كنت أعرفه جيدًا.
ذلك لأنني لا أريده. لأني كنتُ سعيدةً حقًا بلقائي مع هاوارد. و رغم أنني، وبوقاحة، تسببت له بجرحٍ لا يُمحى مجددًا بعد مرور عشرة أعوام، كما فعلت سابقًا.
و ربما، منذ البداية، لم أستطع الاقتراب من هاوارد ليس لأنه سيتضرر مني، بل لأن ذلك كان مجرد عذر.
كنتُ فقط خائفة. خائفةً من أن يلتقي بروتور ويعلم أنني هرطقية، ومن أن أرى تعابير وجهه حين يراني، ونبرة صوته.
كنت خائفةً من كل ذلك.
لأني أعرف……أعرف جيدًا كم يكره هاوارد الهراطقة.
وحين تذكرت ملامحه عندما كان يتحدث عنهم، وحين كان ينظر إلى وشم الفراشة السوداء، شعرت وكأن شيئًا صفعني ليعيدني إلى وعيي.
“عـ، عليّ الذهاب فورًا.”
لا يجب أن أبقى هنا أكثر من ذلك.
عليّ أن أرحل في أسرع وقتٍ ممكن.
نهضت بجسدي المرتجف. وبينما كنت أخطو لأسرع في مغادرة الجبل،
“……ريكا.”
سمعت فجأةً صوتًا منخفضًا خلفي.
صوتٌ خافت إلى درجة أنه كان من الممكن تجاهله باعتباره وهماً، لكنه لم يكن ضعيفًا لدرجة تجعلكَ تتجاهله بسهولة.
فتجمد جسدي في لحظتها.
ولم أكن بحاجة لأن ألتفت لأعرف من ناداني. أليس هذا هو نفس الصوت الذي كنت أشتاق إليه بشدة منذ قليل؟
ربما أنا فقط غير محظوظةٍ إلى هذا الحد. ففي هذه اللحظة بالذات، وقبل أن أغادر هذا المكان مباشرة……
‘آه، أجل. منذ متى كنت محظوظةً في حياتي؟’
لطالما كان الأمر هكذا. دائمًا. هذا العالم لم يكن لطيفًا معي أبدًا.
شعورٌ بالعجز والانكسار اجتاح جسدي بالكامل. بينما توقفت دموعي.
وحين تلاشت إرادتي في الهروب بأي شكل، فقدت ساقاي المتماسكتان قواهما أيضًا. فشعرت بجسدي ينهار بسرعة.
ثم، الشخص الذي أحبه بكل جوارحي، هاوارد تشيلستون، اللطيف والحنون دائمًا–
“ريكا!”
وكما كان يفعل دائمًا، ركض نحوي على عجل واحتضنني. و جذب جسدي المبلل إلى صدره العريض واحتواني بالكامل.
فأغمضت عيني، وأنا أشعر بقوة ذراعيه وهما يحيطان بي.
و الآن فقط أدركت. لم يعد بإمكاني الهرب.
لقد حان وقت المواجهة، بأي شكلٍ كان.
______________________
جتني نفس كتمة ريكا يوم شق بروتور دعوة ليلة الموتى💔
المهم انفدا هاوارد يجنننن جاها جا بنتيييي ماخلاهاا
توني كان بقول اذا هي عالجته واضح حس بقوتها بس هو دخل وخلاها؟ ماراح يدورها؟ اثاريه جاي ركض وليدي 😔🫂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 117"