زفر هاوارد نفسًا عميقًا. فلم يكن جسده يتحرك بسهولة.
كان الأمر أشبه بالشعور بالغرق في أعماق الماء لفترةٍ طويلة جدًا. رغم أن ما جرى لم يستغرق سوى لحظةٍ عابرة، إلا أن المشهد من حوله لم يتغير إطلاقًا.
ما يزال المكان الذي يوجد فيه هاوارد هو قبو أحد مباني القصر الإمبراطوري الذي تهدّم سقفه بسبب الانفجار، وما زال بروتور إيتينتيا يقف أمامه.
أما ريكا……فلم يكن لها أثرٌ في أي مكان.
“هاه…..”
تنهد رغماً عنه عندما لمح خصلة شعر بيضاء تمر أمام ناظريه.
كيف نسي شيئًا كهذا؟
كيف……؟
قلبه نبض بألمٍ تحت وطأة شعورٍ مرير لا يستطيع وصفه بدقة. ثم رفع يده وأمسك صدره.
عقله كان مضطربًا، بينما كانت تختلط فيه ذكريات الماضي التي رآها توًا. وكأن ما رآه حصل قبل زمن بعيد، أو ربما قبل لحظاتٍ فقط.
ذكريات الماضي توقفت عند لحظة مغادرة بروتور لحديقة القصر، وكأن ما حدث بعد ذلك لم يكن مهمًا.
لكن هاوارد كان يعلم الحقيقة حتى دون أن يراها.
أوديا أخذت ريكا معها مدّعيةً أمرًا كاذبًا فقط لتقتلها، لكنها في النهاية لم تستطع فعلها.
لا، بل لم يتوقف الأمر عند مجرد العجز، بل إنها تعلّقت بريكا في نهاية المطاف. و هذا يمكن فهمه حتى من خلال ما قالته ريكا مرارًا وتكرارًا.
ثم التقت أوديا ببروتور، الذي كان يدور حول ريكا، وانتهى بها الأمر مقتولةً على يده.
ارتسم المشهد في ذهنه وكأنه رآه بعينيه.
“ما رأيكَ؟ بدأتَ تفهم الآن، أليس كذلك؟”
قال بروتور ذلك وهو يوجه كلامه لهاوارد الذي كان يحاول تنظيم أنفاسه. فارتفع طرف شفتيه بابتسامة مائلة.
“ريكا تختلف عنكَ. فمن الأساس، هي مختلفةٌ تمامًا.”
“…….”
“حتى لو لم يفهم الآخرون، فأنتَ تحديدًا لا يمكنكَ أبدًا أن تكون معها. ربما لو كنت طفلًا صغيرًا لا يفهم شيئًا، لكان الأمر ممكنًا، لكن الآن لا بد أنكَ أدركت الحقيقة. إن لم تكن أحمقًا، طبعًا. أليس كذلك؟”
قال بروتور ذلك بهدوء وهو يميل برأسه قليلًا.
بدا كما لو كان معلمًا لطيفًا يحاول شرح الدرس لتلميذ يواجه صعوبةً في الفهم. لكن نظرته وصوته المتجهان نحو هاوارد كانا باردين إلى أقصى درجة.
“بصراحة، ما زلت أشعر بالاشمئزاز من كونكَ التقيت بريكا من وراء ظهري، لكنني لن أقول شيئًا الآن. فأنا أيضًا جعلتها تشعر بالوحدة حينها. لكن، ما كان خطأً لا بد أن يُصحح.”
كان تصرفاً متناقضاً بشكل غريب.
وبينما كان هاوارد يجهد نفسه ليحرّك جسده وهو يراقب ذلك المشهد، لم يمضِ وقتٌ طويل حتى فهم السبب.
لأنه كان مشهدًا مألوفًا لديه.
حين اصطحب ريكا المبللة من مأدبة إيتينتيا، و حين حملها وهي تبكي في غرفة استقبال قصر الدوق، إنها تلك الثقة التي يتمتع بها المنتصر أمام المهزوم.
نعم، إنها نفس الغطرسة التي كان هو نفسه يُظهرها حتى وقتٍ قريب، إيمانًا أحمق بأن ريكا ستبقى إلى جانبه إلى الأبد.
“حان الوقت الآن لتعود ريكا إلى جانبي.”
كان هاوارد يعلم كم أن تلك مجرد أوهام حلوة. لذلك لم يرغب في منح الرجل الواقف أمامه حتى فرصةً التمسك بها.
فأحمقٌ سعيد واحدٌ يكفي.
“……أعتقد أنكَ واهم، فقرار البقاء معها ليس بيدكَ.”
أخيرًا بدأت أطرافه تتحرك. ثم تابع هاوارد حديثه بصوت خافت.
“ليس بيدكَ، بل بيدنا. أنا و ريكا.”
اختفت التعابير من وجه بروتور. و كانت عيناه الخضراوان، التي كانت تنضح بالسخرية قبل قليل، تحدّق بهاوارد الآن ببرودٍ قاتل.
شعر هاوارد وكأن درجة الحرارة من حوله انخفضت فجأة. وكأنه سقط في موسمٍ بارد بما يكفي لتجميد المطر في لحظة.
رغم أن الجو قد أصبح باردًا نوعًا ما مؤخرًا، إلا أن الفصل ما يزال في نهايات الخريف، ولا يمكن القول أبدًا بأنه شتاء.
لكن هاوارد لم يتوقف وواصل الحديث. و نظرهُ اتجه نحو الجهة التي اختفت فيها ريكا.
كان قلبه ينبض باضطراب، إلا أنه شعر براحة أكبر من الأيام الماضية بعدما تقبّل أنها اختفت هذه المرة بإرادتها، لا قسرًا.
“لذلك، ما رأيكَ بأن تنسحب أيها الغريب الذي لا علاقة له بالأمر؟”
اتسعت عينا بروتور كما لو أنه تلقى صدمة.
‘لا علاقة لي؟ أنا و ريكا، لا علاقةَ بيننا؟’
لم يتفوه بكلمة، لكن ملامحه كانت تقول ذلك بوضوح.
وبعد لحظات، تشوه وجهه المتصلّب بانفعالٍ عنيف. و خرج صوتٌ أشبه بزئير وحش من بين شفتيه المطبقتين.
“أيها اللعين…….”
انبثقت هالةٌ حمراء من يد بروتور، تتراقص بخطر. ومع استعداده للهجوم في أي لحظة، اتخذ هاوارد هو الآخر وضعية القتال.
ففي مثل هذا الوضع، أن يختار خصمه القتال بدل الهرب كان أمرًا مرحبًا به.
حين تذكّر والديه اللذين سقطا قبل عشر سنوات على يد هذا الرجل، وخدم قصر الدوق، ووجه ريكا التي كانت تعاني من الألم، شعر أن قطع عنقه قد يمنحه بعض الراحة.
و في لمح البصر، انتشرت هالةٌ مقدسة خانقة في الأرجاء.
وقبيل لحظة اصطدام الرجلين—
“سيدي القائد! هل أنتَ بخير؟!”
انطلقت صرخةٌ عالية من فوق رأسه. ورغم أن هاوارد لم يرفع رأسه، إلا أنه عرف بسهولة أن صاحب الصوت هو فيليب، الذي نفذ الأوامر وجاء برفقة فرسان الهيكل.
وكذلك لاحظ أن عيني بروتور، التي فقدت تركيزها بسبب غضبه، بدأت تعود تدريجيًا إلى حالتها الطبيعية.
“سأنزل فورًا إلى الأسفل!”
وعندما قفز فيليب إلى القبو قائلًا ذلك، كان بروتور قد استدار بالفعل وغادر المكان.
ارتججج—
ثم انهار جدار المبنى الخارجي، الذي بالكاد كان صامدًا، خلف بروتور بعد مروره، ليسد الطريق. وفوق ذلك، بدأت أصوات عواء الوحوش تُسمع من كل اتجاه.
يبدو أنه اتخذ احتياطاته لتجنّب تعقبه. كان قرارًا مناسبًا بالنظر إلى الوضع.
فبروتور الآن ليس في كامل قوته بسبب انفلات طاقة ريكا. ومهما كان كونه ملك الشياطين، فإن مواجهته لهذا العدد من فرسان الهيكل بمفرده في هذه الحالة كانت مغامرةً خطرة.
بالنسبة لهاوارد، الذي كان يرغب بوضع نهايةٍ لهذا الأمر هنا والآن، فقد كان الأمر مخيبًا للآمال.
“هاه……”
تنهد هاوارد بهدوء ورفع رأسه إلى الأعلى. و بدأت تظهر في الأفق صورة فرسان الهيكل وهم يتعاملون واحدًا تلو الآخر مع الوحوش التي ملأت الأرجاء.
وبعض الفرسان كانوا يهرعون لإجلاء الناس المرعوبين الذين يصرخون، إلى أماكن آمنة.
كل أولئك الشهود كانوا مهمين للغاية. فقد رأوا بأعينهم بروتور وهو يستخدم طاقةً غريبة لا تشبه القوة المقدسة، وسمعوا عن ريكا إفريت التي قيل إنها اختُطفت على يد هرطقي، ثم وجدت في قبو القصر الإمبراطوري نفسه.
أن يكون للقصر الإمبراطوري علاقة بالهراطقة……
“……جلالة الإمبراطور سيواجه صداعًا لا يستهان به.”
تمتم فيليب وهو يقترب من هاوارد. فوافقه هاوارد بصمت.
لم يكن يظن أن ماركوس قد لا يكون له أي علاقة بما يحدث، لكن رؤيته المباشرة لما جرى جعلته يشعر بشعور يصعب التعبير عنه.
في النهاية، بدأ يتحرك مثل باقي فرسان الهيكل، للتعامل مع الوحوش التي تغزو القصر.
‘……أنا آسفة.’
وهو يتذكر مجددًا ذلك الوجه الذي كاد أن يبكي.
***
قطرة-
قطرة-
رفعتُ رأسي حين شعرت ببرودةٍ مفاجئة تلامس كتفي. ثم انزلقت قطرةٌ أخرى على خدي.
كانت قطرات المطر التي بدأت تنهمر من السماء.
‘……كنت أشعر أن السماء ملبدةٌ بالغيوم.’
في البداية، كانت قطرات المطر تتساقط واحدةً تلو الأخرى، لكن لم يمضِ وقتٌ طويل حتى أصبحت لا تُسمى قطرات، بل أشبه بوابلٍ منهمر.
و شعري، الذي بات طوله يصل إلى ما بعد كتفي بقليل، بدأ يثقل تدريجيًا مع امتصاصه للماء ويتدلّى ببطء.
منذ أن خرجت من قبو القصر الإمبراطوري، لم تتح لي فرصةٌ لتبديل ملابس الدانتيل المنزلية، التي أصبحت الآن أثقل من قبل. وكذلك الحال مع الرداء الغريب الذي لُففت به وأنا أهرب.
ومع ذلك، لم أتحرك من مكاني لتفادي المطر.
كنت أكتفي أحيانًا برفع يدي لحجب المطر عن عيني كي أرى بوضوح، أو بالدخول تحت الأشجار للحظات لأعصر ملابسي المبللة.
لكن لم يكن بوسعي الذهاب إلى أي مكان آخر مهما حصل.
لأن……
‘هناك من أنتظر قدومه.’
نظرتُ للأمام بقلقٍ وتوتر. ولا أدري كم مضى من الوقت على هذا الحال.
ثم، اتسعت عيناي فجأة حين رأيت شخصًا يقترب.
___________________
هاوارد؟ تكفون مابي بروتور خلاص دور هاوارد 😭
ماركوس الحمار اذا يبي يطلع منها لازم يحط أمر يمسكون بروتور ولا بيروح وطي✨
المهم ريكا بيرجع شعرها طويل صوح؟😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 116"