“أه، أليس ذاك هو هاوارد؟”
رفعت ريكا يدها وفركت عينيها. لأنها ظنت بأنها ربما رأته بالخطأ.
فهذا طبيعي، إذ إنه كانت تفكر طوال عدة ساعات في كيفية الاعتذار لهاوارد. و ربما لأنها ظلت تفكر في شخص واحد طوال ذلك الوقت، اختلط عليها الأمر وظنت أنه شخصٌ آخر يشبهه.
لكن حتى بعد أن أنزلت يدها عن عينيها ونظرت مجددًا، لم يتغير شيء.
راحت ريكا تحدق بشرود في هاوارد الذي بات أبعد قليلًا مما كان قبل قليل.
يا إلهي. هل يمكن لمثل هذه الصدفة أن تحدث؟
من بين عشرين طريقة كتبتها بعد تفكيرً طويل، لم يكن هناك سيناريو كهذا!
“هاوارد!”
فتحت ريكا النافذة وصرخت دون تردد. وبسبب الصوت العالي المفاجئ، التفت الناس حول النُزل برؤوسهم ناحيتها.
وشعرت يوجهها يسخن من نظراتهم المفاجئة، لكنها لم تستطع أن تغلق النافذة وتعود إلى الداخل. فهاوارد لم يلتفت بعد.
“هاوارد!”
صرخت ريكا بصوتٍ أعلى من المرة السابقة. ومع ذلك، واصل هاوارد السير دون أن يلتفت.
ماذا علي أن أفعل؟
“هل أتبعُه؟”
لكن بروتور طلب منها أن تبقى هنا.
راحت ريكا تضرب الأرض بقدمه من شدة التوتر. فقد كانت خطوات هاوارد سريعةً لدرجة أنه بدا وكأنه سيختفي من مجال رؤيتها في أي لحظة.
و مثل هذه الصدفة العجيبة، أن تلتقي بهاوارد فور نزولها من الجبل، لن تتكرر مرة أخرى.
بدأ عقل ريكا يعمل بسرعة. وبعد لحظةٍ من التردد، أطلقت زفرةً طويلة وأغلقت النافذة. رغم أن نظراتها ظلت متشبثة بالخارج وكأنها لم ترد الفراق.
“لا مفر، الوعد وعد.”
ألم تعد بروتور أنها ستبقى في هذه الغرفة حتى يعود؟ وإذا كان قد أوصى بذلك بإلحاح، فلا بد أن له سببًا وجيهًا.
ثم إنها لم تكن تتخيل على الإطلاق قبل بضع دقائق فقط أنها سترى هاوارد بهذه الطريقة.
لتعتبر الأمر وكأنه لم يحدث أصلًا.
حولت ريكا رأسها عن هاوارد، الذي صار الآن بحجم إصبع الإبهام من شدة البعد، ونظرت إلى الورقة الموضوعة على المكتب بعنوان “طرق الاعتذار لهاوارد”.
“صحيح، فقط علي أن أتبع ما كتبته هنا.”
حاولت أن تهدئ نفسها بهذا الشكل. لكن هذا الجهد لم يُثمر كما أرادت. فحين رفعت رأسها مجددًا ونظرت من النافذة، فوجئت بما رأت.
هاوارد، الذي كان يبدو وكأنه سيتجاوز بوابة قصر الدوق تشيلستون بهدوء وهو يراقب الأرجاء بحذر، كان يحاول الآن تسلق سور القصر!
“هاه!”
شهقت ريكا من الذهول والتصقت بجسدها إلى النافذة. و كانت الكلمات التي سمعها اليوم لا تزال تتردد في أذنها.
“ترين ذلك القصر الكبير هناك؟ قصر الدوق تشيلستون. هناك شخصٌ خطير جدًا بداخل ذلك القصر، ونحن ذاهبون للإمساك به.”
……قال بروتور أن هناك شخصًا شديد الخطورة. وقال أيضًا أنه سيضطر لاستخدام قدر هائل من القوة.
اهتزت عيناها الزرقاوان كما لو ضربها زلزال، لكن وقت التردد لم يدم طويلًا. فلم يكن بإمكانها أن تتجاهل صديقًا يواجه الخطر.
“……آسفة. سأكون مطيعةً ابتداءً من الغد.”
اعتذرت ريكا لبروتور، رغم أنه لم يكن في الغرفة، ثم خرجت على الفور.
بعد مغادرتها النُزل وشق طريقها وسط الناس حتى وصلت إلى القصر، لمحت خصلات شعر ذهبية تختفي بسرعة، يبدو أن هاوارد قد تسلّق السور بالفعل.
تلفّتت ريكا حولها للحظة، ثم ركضت بكل ما أوتيت من قوة وتمسكت بالسور. و بدأت تتسلّق الجدار تقريبًا زحفًا، غير مهتمة بما إذا كانت ملابسها ستتسخ.
وفي الداخل، سُمع صوتٌ مضطرب.
“مـ-ماذا؟!”
كان صوتًا مألوفًا.
إنه هاوارد!
نسيت ريكا كم كانت تتألم من التعب، وبذلت ما تبقى لها من طاقةٍ لتصعد أخيرًا إلى قمة السور. وحين أمالت رأسها ونظرت إلى الأسفل، كان هاوارد يحدّق بها بعينين متسعتين من الدهشة.
“ريكا؟! كيف وصلتِ إلى هنا……؟”
“كنت في النُزل هناك، ورأيتكَ تتسلّق السور.”
أشارت ريكا بإصبعها نحو النُزل البعيد، ثم توقفت فجأة وأخرجت صوت “آه”، لأنها أدركت أن ما يجب أن تقوله أولًا ليس شرح الموقف.
“هاوارد، أنا آسفة.”
“لمَ؟”
“عن عدم وفائي بوعدنا اليوم. حدث أمرٌ مفاجئ، ولم أتمكن من الذهاب إلى المهرجان. انتظرتَ طويلًا، أليس كذلك؟”
تدلت حاجبا ريكا بحزن. وامتلأت عيناها الزرقاوان بقليل من الدموع.
هاوارد، الذي كان مذهولًا من الموقف المفاجئ، حدّق بريكا ذات الوجه الذي يوشك على البكاء، ثم ابتسم بهدوء.
“كنت منزعجًا قليلًا قبل لحظات، لكن الآن لا بأس.”
“……حقًا؟”
“أجل. كنت قلقًا من أن يكون قد حدث لكِ شيء.”
……ماذا يمكنني أن أفعل مع هذا الطفل الطيب؟ رغم أنخ من المفترض أن يكون غاضبًا، إلا أنه قلق عليّ.
كيف سيتمكن من العيش في هذا العالم القاسي بهذا القلب؟
‘لا يمكنني تركه. يجب أن أكون حاميته.’
ماذا كان سيحدث لو لم أكن موجودةً اليوم؟ كان سيقع في خطر حقيقي.
نقرت ريكا بلسانها بخفة، ثم مدّت يدها نحوه.
“هيا، أمسك بيدي واصعد. علينا الخروج من هنا.”
“الخروج؟”
“نعم. لنعد إلى المنزل.”
لوّحت ريكا بيدها كأنها تحثه على الإمساك بها بسرعة. لكن هاوارد ظل يحدّق في يدها بصمت دون أن يتحرك.
ما الأمر؟
“هاوارد، لنخرج بسرعة.”
“لكن……هذا هو منزلي.”
“صحيح، هذا منزلـ……مـــاذا؟”
اتسعت عيناها الزرقاوان بدهشة.
“قصر الدوق تشيلستون هو منزلكَ؟ إذًا لا تقل لي……أنكَ أنت ابن الدوق الشهير؟”
“نعم، أنا هو……لكن، هل أنا مشهورٌ فعلًا؟”
“طبعًا! لا، لحظة، الأهم من هذا……إذا كان هذا منزلكَ، فلماذا تسلّقت السور؟ كان يمكنكَ الدخول من البوابة الرئيسية بكل بساطة!”
“الأمر هو……لقد وعدت بالعودة قبل وقت العشاء، لكنني تأخرت. وكان والدي قد قرر أن نأكل معًا اليوم بما أنه نادرًا ما يحصل على عطلة، فخفت أن يوبخني لأنني تأخرت……”
ارتعشت ريكا فجأة. فالسبب في تأخر هاوارد كان هي نفسها.
وبما أنها تعرف طبع هاوارد، فهي واثقةٌ أنه ظل ينتظرها في المهرجان رغم تأخرها. وقد قال لها بنفسه قبل قليل إنه كان قلقًا عليها.
شعرت ريكا مجددًا بالذنب، فسألت بصوتٍ خافت على عكس ما كانت عليه قبل قليل.
“……لماذا لم تخبرني حتى الآن؟ لقد تحدثنا كثيرًا عن والدكَ، قائد فرسان الهيكل.”
“وأنتِ أيضًا، لم تتحدثي كثيرًا عن عائلتكِ، أليس كذلك، ريكا؟”
“أ-أجل……هذا صحيح.”
لم يعد لديها ما تقوله فعلًا.
كان هاوارد على حق. فبسبب تحذيرات بروتور المتكررة بعدم التحدث عن الآخرين أو لقاء الغرباء، امتنعت عن ذكر أي شيءٍ دون أن تشعر.
حكّت ريكا رأسها قليلًا، ثم استعادت تركيزها.
هذا ليس هو المهم الآن.
“على أي حال، لا يمكننا البقاء هكذا. قيل أن أمرًا كبيرًا سيحدث هنا الليلة.”
“ماذا تقصدين؟”
“لا أعرف التفاصيل……فقط أن هناك شخصًا شديد الخطورة سيظهر، غير ذلك لا شيء مؤكد……”
تلاشى صوتها تدريجيًا، لكن هاوارد ردّ بحزم،
“إذًا لا يمكنني الرحيل، ريكا.”
حدّق بعينيه الحمراوين مباشرةً في عينيها.
“هذا يعني أن والديّ قد يكونان في خطر. فكيف لي أن أهرب وأتركهما لوحدهما؟”
“….…”
“الأمر خطير، لذا عودي أنتِ من حيث أتيتِ. لنلتقي غدًا!”
بمجرد أن أنهى كلماته، استدار هاوارد وركض مبتعدًا. و لم يكن لدى ريكا وقتٌ حتى لتمنعه.
“مـ-مهلًا! هاوارد!”
وقفت ريكا على سور الجدار في حيرة، ثم قفزت إلى الأسفل بوجه يملؤه الإصرار. فلم تستطع ترك هاوارد وحده هكذا.
“إلى أين ذهب في هذه اللحظات القليلة……؟”
راحت تتحسس ساقيها المتألّمتين من الصدمة بعد القفز، وهي تدور بعينيها باحثةً حول المكان.
كانت هناك نافذةٌ مفتوحة بالقرب.
“هل دخل من هناك؟”
مهما كانت وجهته، ما دام داخل القصر، فلا بد أن تلتقي به إن دخلت.
هكذا تسلقت النافذة وبدأت تمشي عشوائيًا في الرواق، لكن شعورًا غريبًا انتابها.
“لماذا لا يوجد أحدٌ هنا؟”
هل يُعقل أنها لم تصادف شخصًا واحدًا حتى الآن؟ كيف يمكن ألا يكون في قصرٍ بهذا الحجم ولا حتى خادم واحد؟
وهذا ليس أي مكان……إنه قصر الدوق تشيلستون!
قطبت ريكا حاجبيها بقلق. وفي تلك اللحظة بالضبط، التقطت أذناها المتوترة صرخةً حادّة خافتة. و تبعها صوت ارتطام وضجيج عنيف.
“مـ-ما هذا؟”
أسرعت ريكا نحو الجهة التي صدرت منها الصرخة. وسرعان ما وصلت أمام باب ضخم مزخرف بطريقة فاخرة. بدا أنه مدخل قاعة الاحتفالات التي يُقام فيها الحفل.
‘أنا متأكدة أن الصوت جاء من هنا.’
ولأن الباب كان مواربًا قليلًا، اقتربت ريكا بخفة من الباب ونظرت إلى الداخل.
……و كان عليها ألا تفعل ذلك.
فووو-!
في اللحظة التي نظرت فيها ريكا من خلال فتحة الباب نصف المفتوح، سُمِع صوتٌ حاد يخترق شيئًا ما. وامتلأ المكان كله بلون أحمر قانٍ.
_____________________
ياعمري هم وش ذا الفجعه😭
بروتور الزفت لاتشوفه ريكا كذا يوجع اكثر
وهاوارد ياعمري ورعيييي طيب اذا ماركوس وصاه يدْبح ابو هاوارد امه شذنبها؟ دوقه حالها حال نفسها شدخلهااا؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 112"