طَقطَقة-
دوى صوت عجلة العربة وهي تعبر فوق حجر على جانب الطريق. بينما حركت ريكا يديها المضمومتين فوق ركبتيها بارتباك، وألقت نظرةً خاطفة على بروتور الجالس أمامها.
ولسببٍ ما، وكأنه شعر بنظرتها، التفت بروتور عن النافذة نحوها. وحين التقت أعينهما، ابتسمت ريكا ابتسامةً متوترة وحدقت مجددًا في النافذة.
‘……كيف آلت الأمور إلى هذا الشكل؟’
تسلل العرق البارد على امتداد ظهرها.
كانت الأمور في الصباح، أي في اليوم الذي كان من المفترض أن تذهب فيه مع هاوارد إلى المهرجان، تسير بلا أية مشكلة.
فبروتور كان في الآونة الأخيرة يخرج وقت الغداء ولا يعود إلا قبل العشاء، لذا اعتقدت أنه سيفعل الشيء نفسه اليوم أيضًا. حتى أنها اختارت مسبقًا الملابس التي سترتديها خصيصًا من الليلة الماضية.
وفي حلمها بالأمس، كانت تلعب مع هاوارد بكل سعادة. و كان قلبها يخفق من الحماس.
لكن كل شيءٍ انهار حين قال بروتور بعد الغداء: “اليوم ستخرجين معي. استعدي.”
‘هاه……’
تنهدت ريكا في سرّها.
عدم ذهابها إلى المهرجان كان أمرًا مؤسفًا فعلًا، لكنها كانت ستتجاوزه باعتباره أمرًا مؤسفًا لا أكثر.
فالمهرجان لا يُقام لمرةٍ واحدة فقط، ويمكنها الذهاب في المرة القادمة إن سنحت لها الفرصة. لذا، المشكلة ليست في ذلك……
‘هاوارد لا بد أنه ما زال ينتظرني.’
فما كان يؤرقها هو أنها لم تخبر هاوارد بعد بأنها لن تستطيع الالتزام بالوعد اليوم.
أخبرها بروتور بالموعد فجأةً وبدون سابق إنذار، وكان من المقرر أن تلتقي بهاوارد عند مدخل المهرجان، على غير العادة، فلم يكن هناك وقتٌ لإبلاغه.
‘لماذا قرر الخروج معي اليوم بالذات؟’
نظرت ريكا خلسةً إلى بروتور بامتعاض.
عادةً ما كان يرفض حتى سماع رغبتها في الذهاب إلى القرية بحجة أن الأمر خطير، فلا تدري ما الذي تغير اليوم فجأة.
‘كفى. التفكير في هذا لن يجلب لي سوى الصداع.’
تنهدت ريكا مرةً أخرى وأرخت عينيها. فلم يكن بوسعها تغيير ما حدث بالفعل.
و كل ما كانت تأمله الآن، هو ألا يضطر هاوارد — الذي غالبًا ما يصل مبكرًا عن الموعد المتفق عليه — للانتظار طويلًا.
‘سأعتذر منه عندما أراه غدًا.’
آه، لكن ماذا لو اعتقد أنني تجاهلته؟ وماذا لو لم يأتِ إلى التل مجددًا؟ حينها لن يكون لدي أي وسيلة لألتقيه.
‘أنا لا أعرف حتى أين يسكن.’
وفي تلك اللحظة، انقبض صدرها فجأةً من القلق الذي اجتاحها.
وبينما كانت ريكا غارقةً في أفكارها، أخذت العربة تُبطئ من سرعتها، على ما يبدو لأنها أوشكت على الوصول إلى وجهتها.
وحين توقفت العربة، نزل بروتور أولًا ومد يده ليُساعد ريكا على النزول. ثم اصطحبها إلى نُزلٍ يقع في قلب مدينة أوفيلين.
دفع بروتور أجرة الإقامة عند مكتب الاستقبال، ثم صعد بها إلى غرفةٍ في الطابق الثاني خُصصت لهما.
حتى تلك اللحظة، لم تكن ريكا تفكر في الأمر كثيرًا. لكن حين استدار بروتور وكأنه قد أتى فقط ليُوصلها إلى النزل، بدت عليها علامات الارتباك والذهول.
“ريكا، لدي اليوم أمرٌ مهم، لذا سأغيب لفترةٍ طويلة. لكني لن أتأخر كثيرًا في العودة. ابقي هنا بهدوء، مفهوم؟ وجودكِ هنا هو ما سيمكنني من العودة سريعًا.”
“مـ-مهلًا! هل تنوي فقط تركي هنا والرحيل؟”
أمسكت ريكا بكمّ بروتور على عجل.
“ألم تخرجني لأننا سنقوم بشيءٍ معًا اليوم؟ بهذا الشكل، أنت فقط غيرت المكان الذي أُترك فيه لأنتظركَ، لا أكثر! لا يختلف هذا عما تفعله دائمًا.”
إن كان سيتركها في النزل ويذهب لقضاء شؤونه، فلماذا لم يتركها في المنزل أصلاً؟ لكانت حينها قد استمتعت بيومها مع هاوارد في المهرجان.
وهي بالفعل كانت قلقةً من أن تتباعد المسافة بينها وبين هاوارد، فبدأ الغضب يتصاعد في داخلها.
“طالما سأبقى محبوسة، إذًا دعني أعود للبيت وأرتاح هناك. أو على الأقل، اسمح لي أن أخرج وأتجول قليلًا.”
“ريكا.”
“أنتَ دائمًا تقول أن خروجي خطر، لكن بصراحة، لا أفهم ما هو هذا الخطر الكبير. أنا لم أرتكب أي ذنب، فلماذا يجب أن أعيش مختبئةً من الناس؟ و لماذا أنت تتنقل بحرية؟ وماذا ستفعل اليوم لتغيب كل هذا الوقت؟”
“……اصبري قليلاً. سأشرح لكِ كل شيء بهدوء.”
تنهد بروتور واستدار نحوها. و وضع يده على كتف ريكا وكأنه يحاول تهدئتها.
“أولًا، السبب في أنني اصطحبتكِ معي هو لأنني أحتاجكِ. هل تذكرين عندما أخبرتكِ سابقًا؟ لا أستطيع استخدام قوتي بالكامل إلا إذا كنتِ بقربي.”
“نعم.”
“اليوم هناك أمرٌ سيتطلب مني استخدام الكثير من القوة. لذلك من الضروري أن تكوني معي. لكن المكان الذي سأستخدم فيه القوة بعيدٌ جدًا عن المنزل، وكنت أحاول قدر الإمكان أن أبقيكِ هناك، لكن لم يكن ذلك ممكنًا اليوم.”
“ما هو الشيء المهم الذي عليكَ فعله اليوم؟”
“عمّ تسألين؟ ليس بالأمر الكبير.”
ثم توقف بروتور عن الكلام وأشار إلى الخارج من النافذة.
“هل ترين ذلك القصر الكبير هناك؟ إنه قصر الدوق تشيلستون. يوجد هناك شخصٌ خطير جدًا علينا، وسأذهب للإمساك به.”
“قصر الدوق تشيلستون؟ أليس هذا مكان إقامة قائد فرسان الهيكل؟ هل هناك مهرطقٌ يهدد حياته؟”
“……شيءٌ من هذا القبيل.”
خرج جوابه بعد لحظةٍ من التردد. و كان هناك شيءٌ مريب في الأمر، لكنها لم تستطع تحديده بدقة.
على أي حال، فهمت الصورة العامة الآن.
“حسنًا، إذًا أخبرني الآن لماذا العالم الخارجي خطيرٌ كما تقول.”
“الأمر هو……”
تردد بروتور قليلًا، ثم تحدث بصوت منخفض.
“بسبب الشخص الذي سأتعامل معه اليوم. فهو من يحاول قتلنا.”
“يـ-يقتلنا؟ أليس هذا خطيرًا؟”
“لا تقلقي، الأمر سيكون على ما يرام. فلن أكون وحدي، هناك من سيساعدني. وبعد أن ينتهي هذا اليوم، لن تكون هناك مخاطرٌ لفترة من الزمن. وستتمكنين من الذهاب إلى القرية وقتما تشائين. أو، ما رأيكِ أن نشتري منزلًا في القرية وننتقل إليه؟”
“حقًا؟! هل يمكننا فعل ذلك فعلًا؟”
اتسعت عينا ريكا بدهشة أمام ما لم تكن تتوقعه. ونسيت تمامًا أنها كانت قبل لحظاتٍ تُجادله، وابتسمت ابتسامةً مشرقة وقفزت من الفرح.
سأتمكن من التحرك بحرية! و لن أبقى محبوسةً في المنزل بعد الآن! وداعًا لحياة التسلل خلسةً نحو التل!
“متى سيكون ذلك ممكنًا؟”
“همم، بدءًا من الغد؟”
“واو! هذا رائعٌ جدًا!”
ضحكت ريكا بفرح وارتياح.
وبينما كان بروتور يبادلها الابتسامة، سحب يده ببطء عن كتفها.
“لذا، ابقي هنا بهدوء، حسنًا؟”
“حسنًا. عد سالمًا.”
ودّعته ريكا دون أي اعتراض بعد أن لم يعد لديها ما تُجادله فيه. وشعرت بقلبها وقد أصبح أخف من الهواء.
بما أنه وعدها بالسماح لها بالنزول إلى القرية بدءًا من الغد، فهذا يعني أنها ستتمكن من البحث عن هاوارد بنفسها، حتى لو لم يعد يأتي إلى التل.
هي لا تعرف الكثير عن هاوارد، لكن بمظهره المميز، لا بد أن هناك من يتذكره في القرية.
“عليّ أن أفكر في طريقةٍ مناسبة للاعتذار عندما أراه.”
بهذا التفكير، جلست ريكا على المكتب. ثم مدت يدها وأمسكت بورقة وقلم.
<طرقٌ للاعتذار من هاوارد>
1.أعتذر له مباشرةً عندما ألتقيه في التل.
2.بما أنني لا أعرف متى سيأتي، أعلّق له رسالة اعتذارٍ على الشجرة التي يصعدها غالبًا.
3.أنزل إلى القرية بنفسي وأبحث عن شخصٍ يُدعى “هاوارد”. <في هذه الحالة، قد يأخذ الأمر وقتًا!>
.
.
.
في البداية كانت يدها مترددة، لكنها بدأت تكتب بسرعةٍ أكبر مع مرور الوقت.
و وما إن وصلت إلى الخيار العشرين تقريبًا، حتى رفعت رأسها بسبب ألم في رقبتها، لتُفاجأ بأن السماء خارج النافذة قد بدأت تُظلم.
‘يا إلهي.’
لم تنتبه كم مضى من الوقت وهي مندمجةٌ في التركيز.
‘……هل سيتأخر بروتور أكثر؟’
تمددت ريكا قليلًا ونهضت من مكانها. ثم اقتربت من النافذة ونظرت باتجاه قصر الدوق تشيلستون.
“من هنا، لا يبدو أن هناك أي شيءٍ غير طبيعي.”
حتى الحراس عند البوابة الأمامية لا يزالون في أماكنهم.
……هل يعقل أن بروتور كذب عليّ؟
‘لا، لا يمكن. هو ليس من النوع الذي يكذب.’
أمالت ريكا رأسها بتساؤل. وحين لم تجد شيئًا لافتًا في قصر تشيلستون، انتقل بصرها تلقائيًا إلى الناس في الخارج.
وبينما كانت تتفحصهم بنظراتها الزرقاء بلا تركيز، توقفت عيناها فجأةً عند مشهدٍ معين.
كان فتى بشعرٍ ذهبي يركض بسرعةٍ وسط الناس.
“مهلًا.”
أليس ذلك……هاوارد؟
___________________
وش السالفه شفيه قلبو يركض
المهم عرفت الحين ليه ريكا طقت💔
لأنها ساعدت برتور بقوتها💔💔
لي فترة ادور روايه بؤس مادريت انها بيدي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 111"