“أنتِ تعرفين أن كل هذا لأجلكِ، أليس كذلك؟ أفعل هذا فقط لأني أريدكِ أن تبقي بأمان.”
“سمعت هذا الكلام حتى سئمتُ منه، لذا نعم، أعلم. ولهذا السبب غيرت لي لون شعري إلى الأسود باستخدام قوتك، لأن الشعر الفضي يلفت الأنظار كثيراً.”
تمتمت ريكا وهي تلمس خصلات شعرها. و كانت أطراف الشعر الأسود الذي فقد لونه الأصلي تلتف بين أصابعها.
نظر بروتور إلى المشهد بصمت ثم مد يده وربّت على رأسها.
“نعم، فتاةٌ طيبة.”
وبينما كان على هذا الحال للحظات، جلس على الأرض ثم وقف مجدداً وهو يرتب ملابسه التي تجعّدت قليلاً.
كان يرغب في البقاء إلى جانب ريكا كما هو الآن، لكن منذ أن أصبح شخصية غير قابلة للعب، بات عليه أن يفعل شيئاً.
أمراً لا يجب على ريكا أن تعرفه أبداً. و شيءٌ لا ينبغي أن يُكشف، حفاظاً على هذه العلاقة الهادئة.
“إذاً، سأذهب الآن. سأعود قبل وقت العشاء.”
“عد بأمان.”
لوّحت ريكا له بيدها وهي جالسةٌ في مكانها.
وفي حركتها، تمايل شعرها قليلاً. فنظر بروتور إلى ذلك المشهد وابتسم ابتسامةً صغيرة ثم غادر المنزل.
لكن، كم من الوقت مرّ بعد ذلك؟
عندما شعرت ريكا باليقين بأن بروتور قد غادر الجبل، نهضت فجأةً واتجهت إلى المطبخ. وبدأت تجهز سلةً مليئة ببعض الوجبات الخفيفة.
الخبز الذي اشتراه بروتور بالأمس، والتفاح، والحليب……و لم يمضِ وقت طويل حتى امتلأت السلة، فانطلقت ريكا خارج المنزل وهي تركض، وعلى وجهها ابتسامةُ رضا.
بسبب استعجالها كادت أن تتعثر وتسقط في منتصف الطريق، لكنها لم تُبطئ من سرعتها. فقد تأخر بروتور في الخروج أكثر مما توقعت، لذا كانت متأخرةً عن الموعد.
‘لا بد أنه بانتظاري الآن.’
ولم تخطئ ظنونها، فقد ظهر من بعيد على التلة طيفٌ صغير. و ما إن أدركت ريكا من يكون، حتى قفزت في مكانها ولوّحت بيدها.
“هاوارد!”
ويبدو أن صراخها قد وصله، إذ لوّح الفتى، هاوارد، لها من بعيدٍ أيضاً. فابتسمت ريكا بسعادة وركضت نحوه بسرعة.
ولأنه لاحظ أنها تجهد نفسها كثيراً، بدأ هاوارد يركض نحوها بقلق. ولم تمضِ لحظاتٌ حتى اقترب منها وأمسك بها بلطفٍ حين كادت أن تسقط.
“احترسي يا ريكا، هذا خطر.”
“هيهي، آسفة، تأخرتُ كثيراً، أليس كذلك؟”
قالت ذلك وهي تضحك في حضنه وكأنها لا تبالي بأنها كانت على وشك أن تُصاب. فنظر إليها هاوارد وضحك بهدوء.
و عندما رآها تعانق السلة بذراعيها النحيفتين بإحكام حتى لا تنكسر محتوياتها، زال عنه أي رغبة في توبيخها.
بل من الأساس، لم يكن هاوارد قادراً على توبيخ ريكا. فقد كان ضعيفاً أمامها.
منذ عام، حين ضلّ طريقه ووصل مصادفةً إلى هذه التلة، حيث التقى بها للمرة الأولى، ومنذ ذلك الحين نشأت بينهما رابطةٌ خاصة.
“هاوارد……ما الذي جرى لجسدكَ؟”
بينما كانت ريكا تنهض وهي متكئةٌ على جسد هاوارد لتستعيد توازنها، توقفت فجأةً وقطبت حاجبيها.
“جسدكَ باردٌ جداً، لقد خرجت قبل الموعد بوقتٍ طويل وانتظرتني كالعادة! أليس كذلك؟! قلت لكَ لا تفعل ذلك، الجو أصبح بارداً الآن، لقد دخلنا الخريف!”
بدأت ريكا تتململ في حضن هاوارد.
فوووش-!
ثم اشتعل وجه هاوارد احمراراً بسبب تصرفها المفاجئ. ولم يكن وجهه فقط، بل جسده كله.
“أم……أم هل أنا مخطئة؟ جسدكَ الآن يبدو حاراً……”
“هـ……هذا مجرد وهم!”
قالها هاوارد ذلك وهو يسعل بخفة ويغطي نصف وجهه بيده محاولاً استعادة هدوئه. ثم أعاد ريكا إلى وضع الوقوف، وأمسك بيدها وقادها إلى المكان الذي كان فيه من قبل.
كان هناك بساطٌ واسع مفروش، وبجواره مجموعةٌ من الوجبات الخفيفة التي أعدها هاوارد.
لقد بات هذا المشهد مألوفاً جداً الآن.
“اجلسي بسرعة، لا بد أن ساقيكِ تؤلمانكِ من الركض.”
أخذ منها السلة وجلس على البساط أولاً، ثم ربت بيده على الأرض بجانبه مشيراً لها أن تجلس. فجلست ريكا، وبدأت حفلة الشاي الصغيرة الخاصة بهما.
لقد أصبح هذا أيضاً من لحظاتهما اليومية المعتادة.
وعلى التلة التي لا يمر بها الناس كثيراً، ظل صوت الطفلين يُسمع بهدوء لفترة طويلة. وأحياناً، كانت ضحكاتٌ عالية تتخلل الهدوء.
رغم أن كلاً من ريكا و هاوارد لم يتحدثا عن تفاصيل حياتهما أو منزليهما سوى معرفة اسميهما، إلا أن التفاهم بينهما كان جيداً بشكلٍ ملحوظ.
وربما لهذا السبب كان الشعور بالراحة بينهما أكبر.
وأثناء حديثهما المستمر، عضّت ريكا قضمةً من تفاحة كانت تمسكها، ثم نظرت إلى هاوارد وسألته،
“بالمناسبة……أنا، بسبب صرامة عائلتي، لا أستطيع مقابلة أطفالٍ آخرين، لكن ماذا عنكَ؟ ألا بأس أن تأتي لرؤيتي هكذا؟ أنتَ تأتي تقريباً كل يوم، ألا يزعجكَ أصدقاؤكَ بسبب ذلك؟”
“ليس حقاً.”
قال هاوارد ذلك وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة.
“أنا لا أقضي اليوم كله هنا، فلا مشكلة. ثم إن الأطفال الآخرين مملّون، و لا أريد أن أراهم. كلما التقينا، لا يتحدثون إلا عن آبائهم. ويجب عليّ دائماً أن أرتدي ملابس مزعجة عند لقائهم.”
“لهذا السبب تتسلل وتخرج هكذا، أليس كذلك؟”
ضحكت ريكا ضحكةً خفيفة. فضحك هاوارد معها.
وبينما كان ينظر إليها، دار بعينيه وكأنه تذكّر شيئاً لم يخطر بباله من قبل.
لو كان بإمكانهما اللعب في مكان آخر أيضاً، لكان ذلك رائعاً. ليس في هذا المكان الخالي تماماً من كل شيء، بل في مكان مليء بالأشياء الممتعة……مكانٍ حماسي ومبهج.
حتى مجرد تخيل وجه ريكا وهي تبتسم من السعادة جعل قلبه ينبض بقوة.
تردد هاوارد للحظة، ثم،
“ريكا، ما رأيكِ أن نذهب معاً إلى المهرجان؟”
“مهرجان؟”
“نعم، سيُقام في ساحة أوفيلين الأسبوع المقبل.”
“أنا……أريد الذهاب، لكن……”
‘ساحة أوفيلين تقع في القرية بالأسفل.’
لم تستطع ريكا إتمام جملتها وابتلعتها بصمت. فقد شعرت فجأة بقيود وضعِها من جديد.
حتى عندما كانت تظن أنها تتمرد قليلاً، كان كل ما تفعله هو مقابلة هاوارد في هذا المكان فحسب.
ولأنها لم تجب بسرعة، بدأ التوتر يتسلل إلى هاوارد، فبادر بالكلام مرة أخرى. فقد كان قد تخيّل بالفعل في رأسه كيف سيلعب مع ريكا في المهرجان بسعادة.
“هل أنتِ قلقةٌ من أن تقول عائلتكِ شيئاً؟ لا تقلقي، لن يأخذ الأمر وقتاً طويلاً. على أي حال، قلتِ أن عائلتكِ لا تعود قبل وقت العشاء، صحيح؟”
“هذا……صحيح.”
“فلنذهب إلى المهرجان ليومٍ واحد فقط الأسبوع القادم. إذا عدنا في وضح النهار، فلن يلاحظ أحدٌ شيئاً.”
نعم، لو كانت زيارة قصيرةً جداً……ربما لا بأس؟
لا، لا، بروتور قال بوضوح أن ذلك لا يجوز.
تضاربت المشاعر في قلب ريكا. ولأن هاوارد أدرك أنها بدأت تتردد، وجه لها الضربة القاضية بجملة كان يعلم تماماً أنها ستؤثر فيها—فقد قضى عاماً كاملاً يلاحظ ما تحب.
“يقولون أن في المهرجان عروضاً مذهلة لا تراها كل يوم. وهناك أشياء غريبة تُباع لا يمكنكِ رؤيتها عادةً.”
“….…”
“ويمكننا اللعب بمختلف الألعاب أيضاً! وحتى أن هناك نوعاً من الحلويات مشهورٌ جداً في المملكة المجاورة سيُباع هناك……”
“أريد أن أذهب!”
صرخت ريكا فجأة، الحلويات المشهورة؟ هذا شيءٌ لا يمكن التنازل عنه.
هي أصلاً بدأت تنفتح على هذا العالم بفضل الحلويات الغريبة واللذيذة التي كان هاوارد يجلبها معه، والتي لم ترَ مثلها من قبل.
لمع بريقٌ في عيني ريكا، فابتسم هاوارد وقد أدرك أنه حصل على الفرصة المناسبة، ومد يده ليربت على رأسها.
“جيد! سأعود اليوم إلى المنزل وأتفقد جدول المهرجان وأختار اليوم الذي يبدو الأكثر متعة. فلنتحدث عن التفاصيل غداً.”
أومأت ريكا بحماسة. ثم استأنفا حديثهما المليء بالحيوية والضحكات من جديد.
***
في تلك اللحظة، داخل متجرٍ مظلم في منطقة أوفيلين، كان بروتور يلتقي برجلٍ ما.
كما كانت ريكا تلتقي بهاوارد من دون علم بروتور، كان بروتور هو الآخر على اتصال بهذا الرجل منذ سنة كاملة.
لكن الفرق أن هذا اللقاء لم يكن مبهجاً على الإطلاق.
“أعتقد أن الوقت قد حان.”
قال الرجل الجالس أمام بروتور، وهو يرتجف من القلق، ويداه ترتعشان.
“في الأسبوع المقبل، ستدخل فرقة الفرسان المقدسة في إجازة. سيُبقون على أقل عدد من الجنود، وستغادر الغالبية العظمى من الفرسان إلى منازلهم. حتى قائد الفرسان نفسه سيغادر. لذا، في ذلك الوقت……”
وسط الظلام، لمع بريق عيونٍ مجنونة ومليئة بالحقد.
“قائد الفرسان……أخي الأكبر. أرجوكَ اقتله.”
‘دمر دوقية تشيلستون من أجلي.’
____________________
ماركوس الزفت
ريكا وهاوارد البزران يجنووووون وش ذا البراءة😭
مدري كم عمرهم بالضبط بس هاوارد من يومه واقع الخفيف🤏🏻
المهم مدري ليه بس ذا الفلاش باك يحزن حتى وهم يضحكون
هاوارد مايدري وش بيصير لأهله و ريكا ماتدري ان الي تشوفه عائلتها بيدمرها😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 110"