“هاه. هـ-هذا..…”
تحدثت بصوت يرتجف بشدة. و شعرت بأن جفوني ترتعش كما لو أن زلزالاً قد وقع.
ولم يكن الأمر مقتصراً على الجفون فقط. حتى يدي التي ارتفعت لا إرادياً لتستلم ما قدمه هاوارد كانت ترتجف بنفس الطريقة.
“هل يمكن أن يكون هذا هو ما أظنه؟”
سألت بصوتٍ أخفض قليلاً من ذي قبل. ولم يكن ذلك بغريب، إذ أن ما قدمه هاوارد كان شيئاً أخشى حتى النطق باسمه.
لا بد أن كل من يعرف لعبة <عالم الفانتازيا> سيتفاعل بنفس الطريقة.
وعندما سألت بوجه مصطنع الجدية، بدا أن تصرفي أضحك هاوارد قليلاً، فحاول كتم ابتسامته،
“نعم، إنها رخصة تثبيت الشعر الدائمة.”
“واو! لقد كانت حقيقية!”
عندما أجاب هاوارد، أمسكت فمي بيدي محاولةً كتم صرخة كادت تفلت مني.
رخصة تثبيت الشعر الدائمة! أليست تلك الأداة النادرة التي كان يتم تداولها بين اللاعبين بأسعار خيالية نظراً لندرتها؟
الأداة الأسطورية التي تثبت الشعر مهما حدث دون أن تتأثر بأخطاء النظام أو محاولات القرصنة!
‘سمعت أن سعرها في التداول يتجاوز العشرة مليارات قطعة ذهبية..…’
ولهذا لم أفكر حتى في محاولة شرائها طوال هذا الوقت.
بل إنني حتى اليوم لم أرها إلا سماعاً، وهذه هي المرة الأولى التي أراها بعيني.
لا أصدق أن هذا الشيء موجودٌ فعلاً في العالم.
كنت أبتلع ريقي وأنا أنظر إلى رخصة تثبيت الشعر الدائمة التي تجسدت في هذا العالم كعلاج للصلع يُدعى <انمو يا شعر انمو>.
كان السائل الرائع يتماوج داخل زجاجةٍ صغيرة.
“هل يمكنني حقاً أن أستلم هذا؟”
“لقد اشتريته أساساً من أجلكِ. فوجود حبيبة تفقد شعرها كل منتصف ليل أمرٌ محرج قليلاً.”
وضع هاوارد الزجاجة على راحة يدي.
“بما أن منتصف الليل قد اقترب، ما رأيكِ أن تستخدمينه سريعاً؟”
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي هاوارد. و عندها فقط أدركت لماذا ظل هاوارد ينتظر في غرفتي حتى هذا الوقت.
كان ينتظر اللحظة المثالية ليقدم لي هذه الهدية. وأنا، من دون أن أدرك ذلك، كنت أواصل التذمر.
“سيدي القائد…..هل أنت ملاكٌ سقطت جناحاه؟ كنت أرى هالة نور خلفكَ من البداية. لا عجب أنكَ أفضل فارسٍ في العالم! الرجل الذي احتل المركز الأول في تصويت شعبية شخصيات <عالم الفانتازيا>!”
“كحم. لا داعي لكل هذا المديح.”
سعل هاوارد بخفة وحاد بنظره بعيداً. يبدو أنه لم يكره ما سمعه.
استمريت أمتدحه أمامه إلى أن خرج من فمه تعليق يقول فيه “اختاري لقباً واحداً، إما ملاك أو سيد”، عندها فقط توقفت عن الكلام.
وعندما تأكدت من الوقت، وجدت أن أقل من خمس دقائق تبقت حتى منتصف الليل.
‘حسناً، إذاً حان وقت الشرب.’
رفعت الزجاجة وارتشفت محتواها ببطء. ثم انتظرت بهدوء مرور الوقت.
دونغ-دونغ-دونغ.
وصلني صوت جرس برج الساعة من بعيد. وهكذا عشت تلك اللحظة المعجزة، لحظة مرور منتصف الليل دون أن أشعر بفراغٍ في رأسي.
فأسرعت أركض نحو المرآة.
“يا إلهي…..انظروا إلى شعري.”
شعرٌ فضي يميل إلى الأبيض.
رغم أن التزيينات التي ثبتتها خادمات بيت الدوق صباحاً قد سقطت، مما جعل شعري المنسدل يتحرر، إلا أن الشعر ظل موجوداً.
أنا أمتلك شعراً بعد منتصف الليل. لست صلعاء..…
كانت تغمرني المشاعر لدرجة أن الدموع بدأت تتجمع في عيني.
كنت أرتدي كعادتي قميصاً أبيضاً بأكمام قصيرة وسروالاً قصيراً، ومع ذلك بدا وجهي أجمل من المعتاد بشكل غريب.
أليس هذا جيداً فعلاً؟
“سيدي القائد، أليس شكلي جميلاً جداً؟”
“…..نعم.”
رأيت في المرآة هاوارد يعقد وجهه في تعبير متجهم. لكن سواء أعجبه الأمر أم لا، كان مزاجي رائعاً.
هكذا إذاً هو شعور الطيران في السماء. لم أكن أتخيل أن يأتي يومٌ أستخدم فيه غرضاً يتجاوز سعره عشرة مليارات قطعة ذهبية.
نظرت إلى هاوارد بوجهٍ يغمره الانفعال.
“سيدي القائد!”
هاوارد، الذي كان يلف حول كتفي بطانيةً كبيرة، انتفض فجأة من حركتي المفاجئة. فبدأ يمدحني بلا روح وكأنه يهدئني.
“نعم، نعم. أنتِ جميلة، قلتُ ذلك.”
“لا، صحيح أن هذا الكلام يسعدني، لكن لم أكن أريد التحدث عن ذلك!”
تماسكت وأنا أواصل الكلام بصوتٍ أكثر رزانة، محاولةً أن أنقل مشاعري بصدق.
“سأبذل قصارى جهدي من الآن فصاعداً. سواءً في تخفيف آلامكَ، أو في تأدية دوري كحبيبةٍ مزيفة.”
بالطبع، لم أستطع إخفاء ابتسامتي العريضة من شدة الفرح أثناء حديثي.
لا بأس. المهم أن تصل رسالتي.
واصلت الابتسام بوجهِ مشرق وأنا أحدق في هاوارد.
فقط اطلب! سأفعل أي شيءٍ تريده!
***
هاوارد كان يحدق في الفتاة التي أمامه بتمعن.
عيناها الزرقاوان، المنحنيتان كالهلال حتى كاد لونهما لا يظهر، كانتا تتلألآن من بين رموشٍ فضية طويلة.
لم تستطع إخفاء سعادتها مهما حاولت. كانت بالفعل فتاةً غريبة جداً.
طوال حياته، لم يُحِط به سوى أشخاص يخفون كل شيء سواء كانت مشاعرهم حقيقيةً أم لا. و هاوارد تشيلستون، حتى هو نفسه كان كذلك.
بل لم يقتصر الأمر عليه فقط. فالفتاة التي سقطت فجأة أمامه ذات يوم كانت تحمل الكثير من الغرابة أيضاً.
تصبح صلعاء فجأةً أمام عينيه باختفاء شعرها. و رغم أنها لم تكن من الشخصيات المختارة، إلا أنها كانت تعرف عن أصل هذا العالم، الذي لا يعلمه أحد من المحيطين بها.
وفي لحظةٍ عابرة، اقتلعت زهرةَ شقائق النعمان من جذورها على جانب الطريق وقدمتها كعرض زواج.
كانت تملك قوةً قادرة على محو الألم الذي رافقه طويلاً في لحظة واحدة.
‘لو أردت أن أعدد خصائصها لاحتجت وقتاً طويلاً.’
لم يكن من السهل تصديق أن كل هذا حدث خلال بضعة أيام فقط. كان الأمر أشبه بجرف عنيف اجتاحه.
‘نعم، لقد جُرفت معها.’
ولهذا السبب وافق فوراً على عرضٍ كان من المفترض أن يستغرق منه أسبوعاً كاملاً للتفكير فيه لو كان في وضعه المعتاد.
رغم أن هناك الكثير من النقاط المثيرة للريبة حتى الآن، إلا أن العرض الذي قدمته له ريكا كان مغرياً للغاية لدرجة أنه لم يستطع رفضه.
‘طبعاً، وافقت بناءً على تقديري بأنها ليست مهرطقة.’
من البداية، كان يعتقد أنها ليست من الهراطقة.
تلك العيون التي تلألأت مثل البحر تحت أشعة شمس الصباح.
هاوارد، الذي أمضى حياته في القضاء على الهراطقة، كان يعرف جيداً. تلك العيون النقية الشفافة لا يمكن أبداً أن تكون عيون شخص يتبع ملك الشياطين.
‘…..نعم، هذا مستحيلٌ تماماً.’
هاوارد، الذي كان قد استرجع لوهلة ذكرى من الماضي، تنهد وحرك رأسه بخفة.
رغم أنه كان يعتقد أن ريكا ليست مهرطقة، إلا أنه أصر على إبقائها بجانبه ومواصلة التحقيق بسبب شعور غامض بعدم الارتياح أراد التخلص منه لتأكيد الأمور.
كان يظن أن ذلك قد يساعده على التحرر قليلاً من الذكريات المؤلمة التي تطفو فجأة على السطح، ويمنحه بعض الراحة، ويقلل من الوقت الذي يقضيه في لعن هذا العالم الذي جعله يعيش بهذه الطريقة.
‘حسناً، في النهاية وجدت نفسي متشابكاً معها بهذه العلاقة.’
نظر هاوارد مجدداً إلى ريكا.
كانت ريكا لا تزال تلمس شعرها كما لو أنها مندهشة من وجوده. وعندما التقت عيناهما، ابتسمت له ابتسامةً خفيفة.
حين رأى ذلك الوجه الصافي، شعر بالفضول.
“على ذكر ذلك، ريكا، ألم تقولي أنكِ تجسدتِ في هذا العالم قبل عشر سنوات؟”
“نعم، تقريباً كنت بعمر العاشرة حينها.”
“في ذلك العمر كان من الصعب العثور على عمل. كيف تمكنتِ من العيش؟ ألم تكوني تفقدين كل ما تملكينه لصالح شخصيتكِ الأصلية مع حلول منتصف الليل؟”
“آه.”
عقب تنهيدةٍ صغيرة، توقفت يدها التي كانت تعبث بشعرها. واختفت الابتسامة التي كانت تملأ وجهها.
شعر هاوارد ببعض الارتباك من الموقف غير المتوقع. فقد كان يسأل فقط بدافع الفضول، لأنه لم يكن يعرف كيف عاشت ريكا قبل أن تبدأ العمل في النزل.
“في الماضي، كان هناك شخصٌ يعتني بي. كان يوفر لي المأكل والمأوى. أما عن شعري، فكنت أخفيه تحت قبعة. ومنذ أن بدأت العمل في النزل، أدركت أن ثمن القبعة أغلى من الشعر نفسه، فاستغنيت عنها فوراً.”
قالت ريكا ذلك بابتسامةٍ خفيفة. لكن لم تكن نفس الابتسامة التي رأيتُها قبل قليل.
و لسبب ما، شعرت بقليلٍ من الحزن. لكني لم أعرف السبب.
‘…..شخص كان يعتني بها، إذاً.’
أن يوجد شخص يواصل رعاية طفل يفقد ممتلكاته كل ليلة دون أن يعتبره أمراً غريباً…..لابد أنه لم يكن شخصاً عادياً، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية.
تساءلت لماذا لم يعد ذلك الشخص بجانبها الآن. و شعرت بالفضول، لكن عندما رأيت وجه ريكا الذي خيمت عليه ظلال خفيفة، قررت ألا أسأل أكثر.
سأعرف لاحقاً بطريقةٍ أخرى. فعلى أي حال، يبدو أنها لم تكن لتخبرني بالحقيقة بسهولة.
“لا بد أنه كان شخصاً طيباً.”
لذا قلت لها ذلك فقط. ويبدو أنني أصبت. فقد ازداد دفء ابتسامتها عن ذي قبل.
“نعم، كان شخصاً طيباً حقاً.”
وكان وجهها يبدو أجمل بكثير. فارتسمت ابتسامة رضا على شفتي هاوارد.
بينما كانت ريكا تنظر إليه، بدت وكأنها تذكرت فجأة أمراً نسيته، فضربت كفها بخفة،
“آه، صحيح. كنت أنوي أن أسألكَ عندما تأتي، لكنني نسيت. ماذا يفترض بي أن أفعل بالضبط من الآن فصاعداً؟ أعني، إلى جانب إزالة الألم، بصفتي الحبيبة المزيفة.”
في الواقع، كان هاوارد ينوي الحديث عن علاقتهم كحبيبين مزيفين أيضاً.
رفع البطانية التي كانت قد انزلقت قليلاً عن كتفيها وهو يتحدث،
“ماذا يفعل الأحباء عادة؟”
اقتربت المسافة بينهما أكثر مما كانت عليه. و تلاقت نظراتهما في الفراغ.
“اعتباراً من الغد، سنخرج في موعدٍ غرامي.”
__________________
وجهة نظر هاوارد حلوه وهو خاق على الابتسامه ويقول انجرفت وراها هههععععاااا🤏🏻
والحين ريكا مب صايره قرعه ابد😂
باقي نعرف ماضيها وماضي هاوارد بعد ابيه بالتفاصيل😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 11"