أوفيلين، المدينة التي يعبرها عددٌ لا يحصى من الناس يوميًا.
حتى في تلك المدينة النابضة بالحياة، كان هناك قصرٌ لا كبير ولا صغير يقع في أحد الجبال النائية حيث يندر وجود البشر.
أصواتُ تغريد العصافير كانت متناثرة في الأرجاء. وبينها، سُمِع صوت تذمر طفلةٍ صغيرة يتسرب من نافذة القصر المفتوحة قليلًا.
“هذا تصرفٌ حقير فعلًا، حقيرٌ جدًا.”
تمتمت الفتاة، ريكا، وهي تبرز شفتيها بانزعاج.
كان وجهها معقودًا بانزعاجٍ شديد وكأن هناك ما لا يروق لها. و كانت مستلقيةً على الأرض، وحين بدأت تزمجر، تدحرجت على الأرض ذهابًا وإيابًا.
لكن سرعان ما خارت قواها واستسلم جسدها مستلقيًا بلا حراك. عندها، ابتسم بروتور برفق، الذي كان جالسًا على حافة النافذة يقرأ كتابًا.
رغم أنه لم يُظهر ذلك، إلا أنه كان يراقب تصرفات ريكا طوال الوقت. و كان وجهه الذي يبدو في منتصف سن المراهقة مشبعًا بهالة لطيفة.
“وما الذي يجعله تصرفًا حقيرًا إلى هذا الحد؟”
“تسأل وكأنكَ لا تعرف؟”
نهضت ريكا واقفةً فجأة.
“أنتَ أصبحت شخصيةً غير قابلة للعب! و قبل سنة فقط، كنتَ مجرد شخصية عادية!”
“هل نعود لنفس الموضوع مجددًا؟ لقد مضى على ذلك عامٌ كامل، لا يمكن إقناعكِ أبدًا. قلت لكِ مرارًا. أنا شخصيةٌ أنشأها المدير بعد تطويره للعبة <عالم الفانتازيا> ليختبر مدى كفاءة تشغيلها. وبما أن من أنشأني هو المدير، فقد قرر استخدام تصميمي كنموذجٍ لشخصية غير قابلة للعب، فماذا يمكنني أن أفعل؟”
“……تتكلم وكأنك الوحيد المميز؟”
ضيّقت ريكا عينيها.
“أعني، أنا أيضًا شخصيةٌ أنشأها المدير لاختبار اللعبة، فلماذا أصبحتَ أنت وحدكَ شخصيةً غير قابلة للعب؟ والدليل أنني أملك ذكريات المدير في رأسي. فلماذا؟!”
“هذا لأن……”
أطال بروتور في كلمته قليلًا ثم مال برأسه جانبًا. وارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على طرف شفتيه.
“ربما هذا هو الفرق بين الشخصية الأساسية والشخصية الفرعية؟”
“.……”
“ريكا، لقد تم إنشاؤكِ لاختبار مدى تأثير الشخصيات الفرعية، لذا فأنتِ تختلفين عني، أنا من تم إنشائي عمدًا وبنية محددة. أما أنت، فأنت على الأرجح مجرد……”
“……لو أكملت كلامكَ، سأنتف شعركَ كله وأنت نائم.”
“فهمت، فهمت. سأتوقف. كانت مجرد مزحة.”
ضحك بروتور ضحكةً خفيفة. فألقت عليه ريكا نظرةً حادة.
‘كلامي كان جديًا، لكنه لا يكف عن المزاح!’
“آسفةٌ على تكرار نفس الحديث، لكني فعلاً منزعجة. كل ما في الأمر أني أتمنى لو كان لي دورٌ حقيقي أيضًا.”
تمتمت ريكا وهي تجلس على الأرض بتثاقل. وانتهت كلماتها بزفرةٍ طويلة.
نظر بروتور إلى ريكا التي بدت منهكة، وكأنه غرق في التفكير، ثم أغلق الكتاب الذي كان بين يديه.
نهض من مكانه ووضع الكتاب على حافة النافذة حيث كان جالسًا، ثم اقترب من ريكا.
جثا بروتور على ركبةٍ واحدة أمامها، وراح يربّت برفق على كتفها.
“قد لا تكونين مجرد شخصيةٍ غير قابلة للعب. لا تشغلي بالكِ كثيرًا. في هذا العالم، عدد الذين ليسوا بشخصياتٍ غير قابلة للعب أكثر بكثير. وحتى إن لم تكوني كذلك، فقد نلتِ جزءًا من قوتي، أليس كذلك؟”
“……هذا فقط لأنهم حوّلوك إلى شخصية غير قابلة للعب كما أنتَ، رغم أنكَ تملك شخصيةً فرعية، فحدث خلل بسبب ذلك.”
“وما المشكلة إن كان بسبب الخلل؟ ما دمتِ قادرةً على استخدام النظام؟”
“ليس هذا ما يهم. عندما قلت أنني أريد دورًا……قصدت أنني أريد أن أكون شخصًا ضروريًا لهذا العالم.”
“أنتِ بالفعل كذلك، وبشكلٍ بديهي، شخصٌ ضروري لهذا العالم.”
قال بروتور ذلك بصوت خافت.
“أنا لا يمكنني الاستغناء عنكِ، ريكا. ليس فقط لأن وجودكِ ضروري كي أستخدم قوتي بالكامل، بل لأنكِ كنت دائمًا بجانبي منذ اللحظة التي فتحت فيها عيني، ولأنكِ عائلتي الوحيدة، وأيضًا لأني……أحبكِ كثيرًا……”
“تحبني كثيرًا؟ ماذا تعني؟”
أمالت ريكا رأسها بفضول. فابتسم بروتور وهو يلتقي بعينيها.
“لا شيء.”
“لا شيء؟ ما هو؟”
“سأخبركِ لاحقًا. عندما تكبرين قليلًا.”
“حقًا……فقط لأنكَ أكبر سنًا تتفاخر بذلك؟”
تمتمت ريكا مجددًا بتذمر، ثم ما لبثت أن لمعت عيناها. و يبدو أن اهتمامها انتقل بسرعةٍ إلى شيء آخر.
وكما هو متوقع، اعتدلت في جلستها وسألت بصوتٍ بدا أكثر حيويةً مما كان عليه قبل قليل.
“لن أتذمر بعد الآن بشأن كوني لست شخصيةٍ غير قابلة للعب، لكن بدلًا من ذلك، ألا يمكن أن تجيبني على سؤال واحد فقط؟”
“ما هو؟ دعيني أسمعه أولًا ثم أقرر.”
“ما نوع الشخصية غير القابله للعب الذي أنتَ عليه؟ كل ما قلته هو أنك أصبحت كذلك، لكنكَ لم تخبرني أبدًا عن دوركَ. ظللت أسألكَ ذلك منذ أن عرفت بالأمر لأول مرة قبل سنة.”
اعتلا ابتسامة بروتور القليل من التوتر. لكن ريكا لم تلاحظ ذلك وأكملت حديثها.
“بما أنك تملك قوةً هائلة، فلا بد أنكَ شخصيةٌ مهمة جدًا، أليس كذلك؟ هل أنت من النوع الذي يساعد اللاعبين؟ أم أنكَ ربما فارسٌ مقدس يحارب ملك الشياطين والهراطقة؟”
“فارسٌ مقدس؟”
“أوه! هل أصبت؟ إن كنت ستنضم لفيلق الفرسان المقدسين، أريد أن آتي وأشاهد! سمعت أن تدريباتهم مذهلةٌ جدًا!”
ابتسمت ريكا ابتسامةً مشرقة بعينيها المنحنيتين. فحدّق بروتور في وجهها ببلاهة للحظة، ثم سأل بعد تأخر بسيط.
“هل تودين لو كنت فارسًا مقدسًا؟ ولماذا؟”
“لأنه أمرٌ رائع. فارسٌ كهذا ينقذ العالم، أليس من الطبيعي أن يكون مثيرًا للإعجاب؟”
لم يقل بروتور أي شيء. و اكتفى بالتحديق في ريكا بصمت.
لسببٍ ما، وبعد أن قرأت ذلك الصمت بطريقتها الخاصة، هدأت ريكا من حماسها ورفعت كتفيها بلا مبالاة.
“……لستَ كذلك، صحيح؟ في الحقيقة، لا بأس حتى لو لم تكن.”
“حقًا؟”
“أجل. ليس من الضروري أن تكون فارسًا مقدسًا. لا تشغل بالكَ بالأمر. في هذا العالم، هناك الكثير من الناس الذين ليسوا فرسانًا مقدسين.”
أضافت كلماتها مقلدةً ما قاله هو قبل قليل. و عند هذا التصرف، كاد بروتور أن يبتسم وقد انفرجت ملامحه. و لو لم تكن الجملة التالية، لابتسم براحة بالفعل.
“كل شيءٍ لا بأس به. فقط لا تكن ملك الشياطين.”
دُق-
هبط قلب بروتور بثقل. و لحسن الحظ، أنه يجيد التحكم بتعابير وجهه. فلولا ذلك، لكان قد أظهر وجهًا بائسًا أمام ريكا.
حلقه كان يؤلمه وكأن شوكةً عالقة فيه. بل كأن أنفاسه قد ضاقت فجأة.
تردد بروتور للحظة، ثم تكلم متظاهرًا بالهدوء.
“لماذا؟”
“لأني لا أحب أن يموت الناس. وإن كان السبب في موتهم هو أنتَ، فذلك أسوأ بكثير.”
أجابت ريكا بوجهٍ يوحي بأنها تقول أمرًا بديهيًا. بينما كان قلبه ينبض بسرعة بسبب التوتر.
ريكا كانت تشبهه في أشياء كثيرة، لكنها كانت مختلفةً عنه تمامًا أيضًا. فهي دائمًا تهتم بأمور لا علاقة لها به على الإطلاق.
كالزهور التي تتفتح في الحقول ثم تُداس تحت أقدام الناس، وكالشيخ التاجر الذي يئن وهو عاجزٌ عن بيع بضاعته حتى وقت متأخر من الليل، وكالطفل الذي سقط وبدأ بالبكاء بصوت عالٍ.
كانت أموراً لا فائدة تُرجى من الاهتمام بها.
الشخص الوحيد الذي يعني لبروتور شيئًا هي ريكا. أما البقية، فليسوا سوى حشراتٍ لا قيمة لها.
و لهذا السبب أيضًا، بالأمس، تجرأ ذلك الرجل ووقف في طريقه فـ……
“لماذا لا تجيب؟”
سألت ريكا فجأةً وهي تميل بوجهها قليلًا نحوه. فانقطع شريط الذكريات الذي كان يتداعى في رأسه.
وكان ذلك حسنًا. فما كان يتذكره لم يكن مشهدًا جميلاً على أي حال.
وما دام الأمر كذلك، فمن الأفضل أن يحدق مرةً أخرى في هذا الوجه القريب منه. فتلك العينان الزرقاوان المليئتان به، كانت رؤيتهما كفيلةً بأن تهدئ اضطرابه.
نعم، لا أحتاج لشيءٍ سوى ريكا.
“غريب……شخصٌ مثلكَ بارعٌ بالكلام يتصرف هكذا؟ ما الأمر؟ هل تخفي عني شيئًا……”
“من يُخفي شيئًا ليس أنا، بل يبدو أنها أنتِ، ريكا.”
“هاه؟”
“من أين سمعتِ أن تدريبات الفرسان المقدسين مثيرة؟ على حد علمي، قلت لكِ ألا تخرجي عندما لا أكون معكِ لأن الأمر خطير. هل التقيتِ أحدًا سرًا؟”
ارتجاف-
ارتجف جسد ريكا قليلًا.
“لم ألتقِ أحدًا! و لم أخرج حتى!”
“لكن أحيانًا، أجد بعض الأعشاب أو الزهور عالقةً على ملابسكِ. لم أقل شيئًا، لكن مرّ على ذلك حوالي سنة، أليس كذلك؟”
“صـ……صحيح! لم أكن صادقةً تمامًا. ذهبت إلى التل هناك فقط، خلف التلة. لكن عليكَ أن تتفهم! بما أنكَ لا تسمح لي بالنزول إلى القرية، فإلى أين أذهب غير هناك؟ البقاء في الداخل طوال الوقت يخنقني!”
“هممم.”
تظاهر بروتور بالتفكير قليلًا، ثم ضحك بخفة.
في الحقيقة، لم يكن يزعجه كثيرًا أن تذهب ريكا إلى التل من دون علمه. فكما قالت، لا بد أن تخرج لتتنفس قليلاً.
“لا بأس. طالما أنكِ لم تلتقي بأحد، فكل شيءٍ على ما يرام.”
ذلك التل كان يعرفه بروتور أيضًا. مكانٌ شبه مهجور، ولا أحد يتردد عليه، فلم يكن قلقًا بشأن ذهابها إليه.
حتى أن الأعشاب الطبية لا تنمو هناك، فمن المجنون الذي سيتكبد عناء القدوم إلى هذا المكان؟ ففي الأساس، اختار هذا المكان بعناية، وهو يحسب حساب كل التفاصيل الصغيرة.
‘وفوق هذا، إن حدث شيء ما لجسد ريكا، فسأتلقى الإشارة فورًا.’
هكذا اعتاد بروتور أن يطمئن نفسه ببساطة. من دون أن يعلم، أنه سيأتي يومٌ يندم فيه على ذلك أشد الندم.
____________________
طلع ريكا اصلا ماكانت تلعب اللعبه هي اصلاً من سكان اللعبه وبروتور لأنه الشخصية الرئيسيه لها خلاها ملكة 💀
اتوقع وضح الفلاش باك بس لازم نكمله
بس ليه ريكا طقت؟ اذا بروتور هو المجنون ماعليس ذنب ياقلبو 😔
هاوارد حالياً هو الي يشوف الذكريات عشان كذا يمكن نشوف هاوارد الصعير🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 109"