“مـ-ما الذي يحدث؟ الطابق الأول قد تهدم؟”
“هـ-هل هو هجوم؟”
اندهش حراس البوابة الرئيسة من الضوضاء المفاجئة وراحوا يتخبطون في ارتباكهم. و في تلك اللحظة، انتهز هاوارد الفرصة، فنزل من حصانه وقفز بخفةٍ فوق البوابة الرئيسية ودخل بسرعة إلى داخل القصر الإمبراطوري.
وفي الوقت ذاته، لم ينسَ أن يصدر أمراً لفيليب، الذي توقف مذهولاً بفعل الفوضى غير المتوقعة.
“فيليب. اجمع فرقة الفرسان المقدّسة في القصر الإمبراطوري. حالاً.”
“……نعم! حاضر!”
أومأ فيليب برأسه من خلف البوابة. وما إن أخرج جهاز الإشارة من جيبه، حتى اندفع هاوارد بأقصى سرعته.
عندها فقط، أدرك الحراس أن دخيلًا استغل الفوضى ليتسلل إلى القصر، فاندفعوا نحو هاوارد، لكنه تفاداهم بمرونة وانطلق نحو المبنى المدمر.
ربما قد يؤدي هذا الحادث إلى ضغوطٍ سياسية على دوقية تشيلستن، لكنه لم يكن ليأبه بذلك طالما كان بإمكانه استعادة ريكا.
اندفع هاوارد بين الحشود التي تدافعت فجأةً بسبب الحادث، يشق طريقه بالقوة. وبينما كان يتقدم، كانت تلك الهالة الخانقة تزداد قوةً شيئًا فشيئًا.
كانت طاقة ريكا. لم يكن هناك شك.
‘ريكا هناك.’
“عذرًا، اسمحوا لي بالمرور للحظةٍ فقط!”
لم يمض وقت طويل حتى خرج هاوارد من بين الحشود. و كان هناك ثقب ضخم في الأرض. يبدو أن المبنى قد انهار كليًا حتى انكشفت الطبقة السفلية تحت الأرض.
أزاح هاوارد الأشخاص المتجمدين في أماكنهم من شدة الصدمة قرب الحفرة، واقترب لينظر إلى الأسفل.
وهناك، التقى بعينَين لطالما اشتاق إليها. و رأى خصلات شعرٍ بيضاء تلوح في مجال بصره.
“……ريكا!”
ناداها هاوارد بصوتٍ مرتجف يغمره الشوق، غير مكترث بنظرات الآخرين من حوله. لكن ريكا لم ترفع رأسها لتنظر إليه.
سواءً كان السبب وجود بروتور أمامها، أو لسببٍ آخر، بدا أن صوته لم يصل إليها. فشعر هاوارد بالقلق الشديد، و بدلاً من مناداتها مجددًا، ثبت وضعيته وقفز مباشرةً إلى الأسفل.
علت الصرخات من بين الناس الذين كانوا يتابعون المشهد بقلق، خوفًا من أن يُصاب بأذى نتيجة العلو الكبير.
لكن، بخلاف تلك المخاوف، لم يصب هاوارد بأذى. فقد خفف الصدمة باستخدام طاقته المقدسة، ثم وقف مستقيماً بثبات.
أمام عينيه كانا ريكا وبروتور واقفَين. ورغم الضوضاء الكبيرة التي ملأت المكان، أو ربما لأن هاوارد تعمد إخفاء وجوده، إلا أن ريكا وبروتور لم يلاحظا بعد ظهوره.
اقترب هاوارد بحذر وهو يراقب الاثنين. و لسبب ما، كانا في وضع مواجهة.
الطاقة الزرقاء المنبعثة من ريكا كانت تتصادم مع طاقة بروتور الحمراء. وبصورةٍ أدق، كانت قوة ريكا تضغط على بروتور وتطغى عليه.
كان موقفًا لا يُصدق. و حتى بعد أن رآه بعينيه، لم يستطع تصديقه.
وهذا طبيعي، فبروتور هو الشخصية الأصلية لريكا، أليس كذلك؟ و من حيث القوة أو أي شيء آخر، من المفترض أن تكون له الغلبة.
هاوارد، الذي عقد حاجبيه وهو يفكر في الأمر للحظات، سرعان ما أدرك السبب.
“يقول النظام إن لديّ قدرةً تُضعف قوة الآخرين. ليست للجميع بشكلٍ عشوائي، بل فقط لأولئك الذين ألمسهم. لهذا تمكنت من إضعاف طاقتكَ المقدسة.”
في اليوم الأول الذي التقى فيه بريكا. ألم تكن هذه كلماتها؟ ولأنها كانت تستخدم تلك القدرة عليه وحده، ولغرض العلاج تحديدًا، لم يتذكرها مباشرة.
فقد بقي في ذهنه فقط أنها تملك قدرةً على تهدئة الطاقة المقدسة المنفلتة.
‘ريكا هي من أضعفت قوة بروتور.’
كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
زفر هاوارد نفسًا قصيرًا وهزّ رأسه. فما يحدث كان مختلفًا تمامًا عمّا توقعه، لكن ذلك لم يكن مهمًا الآن.
ما عليه أن يهتم به الآن……هي ريكا.
أليست ريكا أمامه الآن؟
“ريكا.”
أظهر هاوارد نفسه تمامًا وهو يُعلن عن وجوده. فاتجهت أنظار ريكا وبروتور، اللذَين كانا يحدّقان ببعضهما، نحوه بشكلٍ طبيعي.
“……هاوارد؟”
اتّسعت عينا ريكا بدهشة. وانفرج الحاجبان اللذان كانا يعبّران عن انزعاجها من خصمها أمامها، وصار وجهها أكثر هدوءًا.
و عيناها الزرقاوان أصبحتا أكثر إشراقًا من ذي قبل.
استطاع هاوارد أن يشعر باضطرابها حتى من مكانه. فاجتاحه شعورٌ يصعب وصفه، و اضطر أن يكتم غصته بصعوبة.
وبعد أن هدّأ نفسه، ابتسم بلطفٍ وفتح ذراعيه نحوها.
“كل شيء على ما يرام الآن، ريكا. تعالي إلي.”
“….…”
“جئت لأصطحبكِ.”
كان هذا هو المشهد الذي حلم به لعدة أيام. و كان هناك الكثير مما يود قوله لها.
أن الشخص الذي كنت أفتقده طوال هذا الوقت……هو أنتِ. وأنني وقعت في حبّ الشخص نفسه مرة أخرى.
أنا آسفٌ لأني لم أتذكركِ جيدًا. لكني هذه المرة……سأبقى بجانبكِ دائمًا.
لم يكن هناك أي شعورٌ باللوم أو الخيانة تجاه ريكا بسبب إخفائها أنها نوكس.
كل ما أراده هو أن يقترب منها بسرعة. فهو سيجد طريقةً لإنقاذها مهما كلفه الأمر، ولن يسمح بتكرار المأساة التي وقعت قبل عشر سنوات.
سيفعل كل ما يلزم، دون أن يهتم للوسائل أو العواقب.
“ريكا.”
نادى هاوارد بصوته من جديد.
وبينما بدا أن ريكا مترددة بعض الشيء، انتظر بصمت. فقد كانت الظروف معقّدة، والمشاعر متشابكة، وهذا طبيعي.
وكان واثقًا تمامًا بأنها ستمسك بيده قريبًا.
لكن……
“……أنا آسفة.”
ما عاد إليه كان وجهًا بدا وكأنه سينفجر بالبكاء في أية لحظة. ولولا أنه ركّز جيدًا في حركة شفتيها، لما استطاع تمييز كلمات الاعتذار تلك.
ثم أدارت وجهها. و في لحظة خاطفة، علت وجهها ملامح مشوشة وممزقة، ثم استدارت تمامًا.
و قبل أن يتمكن من الإمساك بها، ركضت ريكا مبتعدةً بسرعة. و اجتازت الغرفة التي تناثرت فيها الأنقاض والركام بعد الانفجار، وغادرت المكان……
كما لو أنها لن تعود أبدًا.
“……ريكا!”
تحرك هاوارد على الفور بكل ما أوتي من سرعة. لكن بروتور وقف في وجهه أولًا، مانعًا إياه.
وقف حاجبًا ريكا التي كانت تبتعد شيئًا فشيئًا، وابتسم ابتسامةً مائلة، مائلاً رأسه قليلًا.
“كما توقعت تمامًا. كنت أعلم أن هذا سيحدث هذا إن استعادت ريكا ذاكرتها. من الجيد أنني لم أوقفها.”
“تنحّ جانبًا.”
قال هاوارد ذلك بصوت منخفض محذر. و كانت عيناه الحمراوان، اللتان خيّم عليهما الظلام، تحدّقان في بروتور بحدة.
رغم أنه لم يُطلق طاقته المقدسة، إلا أن الهالة التي غمرته بدت كأنها تخنق المكان من شدة توترها. لكن بروتور لم يبدُ عليه أي قلق.
فقد كان يعلم أن هاوارد تشيلستون في حالة من التوتر الشديد، فقط لأن ريكا اختفت عن ناظريه.
“من الأفضل ألا تلحق بها. ريكا الآن لا ترغب برؤيتك. أو بالأصح……لم تعد قادرةً على رؤيتكَ.”
“ماذا تعني؟”
“أوه، يبدو أنكَ لا تعرف بعد؟ كنت أظن أنك أدركت كل شيءٍ بما أنك عرفت هويتي من ملامح وجهكَ.”
اقترب بروتور من هاوارد بخطوة. ثم انحنى قليلًا نحو أذنه، كأنه يهمس بسر خطير.
“إن كنت أنا ملك الشياطين، و ريكا هي الشخصية الثانوية لي. فماذا ستكون؟ إما ملكة الشياطين……أو هرطقية. أحد أولئك الذين تكرههم بشدة.”
أضاف كلماته الأخيرة بنبرةٍ منخفضة تقشعر لها الأبدان. فتصلبت ملامح هاوارد الذي لم يبعد عينيه عن بروتور.
و كأن الزمن قد توقف، لم يرمش حتى، ولم يكن واضحًا إن كان يتنفس أم لا.
في تلك اللحظة، بدا هاوارد تشيلستون وكأنه تلقى دفعةً مفاجئة من الماء البارد على رأسه. و ظل واقفًا بلا حركةٍ لوهلة، ثم أغمض عينيه ببطء، وفتحها من جديد.
كانت عيناه الحمراوان حينها تنضحان بهالةٍ باردة لا تُقارن بما كانت عليه قبل لحظات.
“كفّ عن هذا الهراء……واختفِ من أمامي.”
حتى صوته الذي تلا ذلك خرج ببرودة قاتلة.
لكن، على عكس ذلك، كانت يداه ترتجفان بخفة. وكأنه كان يبذل كل ما بوسعه ليُبقي على اتّزانه العقلي.
“أنا من تأكّد من عدم وجود العلامة على جسد ريكا……”
“وماذا إذًا؟ أتظنني عاجزاً عن إزالة مجرد علامةٍ رغم أنني محوت ذاكرتها؟”
“….…”
“ألم تتساءل يومًا لماذا ترى ريكا نظامًا لا يظهر إلا لعدد قليل من الشخصيات غير قابله للعب المختارين؟ أو لماذا تمتلك قدراتٍ غريبة؟”
“….…”
“هل ظننت حقًا أن السبب هو مجرد تجسد؟ هل صدّقت هذا؟”
انعكست في عيني بروتور الخضراوين نظرةً مائلة ناعمة. ورغم نقاء لونهما، كان في داخلهما هاويةً عميقة مظلمة.
مشاعرٌ لزجة وثقيلة يصعب وصفها راحت تتموّج في عينيه.
“هاها.”
تسللت ضحكةٌ صغيرة إلى أذن هاوارد.
“كنتَ تتساءل لماذا اختفيتُ لعشر سنوات، أليس كذلك؟ لقد استغربت أن ملك الشياطين ظل ساكنًا كل هذا الوقت، صحيح؟”
“….…”
“في الحقيقة……لقد استخدمت طاقتي بشكلٍ مفرط، وكنت بحاجة لوقت حتى أتعافى. فوالدكَ كان أقوى مما توقعت، وكان عليّ أيضًا أن أُعيد تأهيل ريكا. بل وتدخلت حتى في ذاكرتكَ وذكرياتها معًا.”
……ماذا؟ التلاعب بالذاكرة؟
قبل أن تكتمل هذه التساؤلات في رأسه على شكل جملة واضحة، كان بروتور قد مدّ يده. و تدفقت منها هالةٌ حمراء متوهجة.
“سأريكَ أنت أيضًا، بشكلٍ خاص. الحقيقة التي عرفتها ريكا.”
غطّى الضوء الأحمر جسد هاوارد. وفجأة بدأت ذكرياتٌ مجهولة بالعرض أمام عينيه بسرعة.
____________________
ما امداني افرح هاوارد لقا ريكا قامت طقت🥲
خل نشوف ذا الذكريات عشان نعرف
بس يوجع طلعت صدق ملكة الشياطين طيب يمكن بالغلط😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 108"