“يجب أن أدمر العالم. حتى لا يتمكن من النهوض مجددًا.”
ظل صوت بروتور يرن في أذني.
“فقط بذلك يمكنكِ أن تعيشي.”
كانت كلماتٍ متتالية تبدو مفهومةً لكنها في الحقيقة عصيّةُ على الفهم عليّ.
لا أعلم بالضبط، لكن ما يقوله بروتور ربما يكون صحيحًا. فالذكريات القديمة التي لا تزال تملأ رأسي بلا توقف كانت تثبت ذلك، ومع استعادة الماضي أدركت ذلك دون وعي.
أنه لم يسبق له أن كذب عليّ قط.
‘هاه……’
إذًا، من أكون أنا بحق؟ لست فقط ملكة الشياطين التي يحمل وشم الفراشة السوداء فوق قلبها مباشرة، بل أنا أيضًا نوكس و لم يتبق لي في هذا العالم سوى أقل من عام لأعيش، وعلى هذا، لا يمكنني النجاة إلا بتدمير العالم؟
كيف يكون هذا ممكنًا؟ كيف يمكن أن تكون الحياة قاسيةً عليّ إلى هذه الدرجة؟
ارتجف جسدي كله كما لو كنت شجرةً ترتعد في مهب الريح. وانهار قلبي الذي كان يصمد تحت وهم باهت يقول: “على الأقل عشت بشكلٍ لا بأس به حتى الآن.”
آه، لقد وصلت حقًا إلى الحد.
أتمنى لو أن كل شيء يختفي.
لا أريد أن أفكر في أي شيء.
“……اختفِ.”
“هم؟ ماذا قلتِ، ريكا؟”
سأل بروتور وهو يميل برأسه. فاستدرت نحوه وحدّقت فيه و تحدثت بوضوح.
“قلت لكَ اختفِ من أمامي!”
و في اللحظة التي صرخت فيها حتى ارتجّت الغرفة كلها. اندفعت طاقةٌ مجهولة من أعماق جسدي وهي تعصف بكل اتجاه. و هبّت رياحٌ قوية لدرجة لم أتمكن معها من فتح عينيّ.
و تطايرت أطراف ثيابي في كل صوب.
“ريكا، انتظـ……!”
فتح بروتور فمه محاولًا قول شيء بوجه مرتبك. لكن لم يكن لديّ أي عقل لأبدي له أي مراعاة.
وكأن الطاقة التي كانت تحيط بي تعبّر عن حالتي الذهنية المضطربة، راحت تتسع شيئًا فشيئًا. ثم سمعت صوت التنبيه المألوف.
دينغ-!
<تم تفعيل القوة الكاملة لـ [ريكا]!
من الصعب التحكم في القدرة. بسبب التغير المفاجئ في الحالة، خرجت قوة [ريكا] عن سيطرة النظام.
قوة [ريكا] بدأت بالانفلات!>
كوواانغ-!
ثم دوى صوتٌ هائل يشبه انهيار مبنى في الأرجاء.
***
طقطق، طقطق-!
ترددت أصوات حوافر الخيول على نحو متسارع. كان هاوارد تشيلستون في طريقه إلى أوفيلين.
كان يركض بسرعةٍ جنونية حتى أن المشاهد من حوله لم تعد تُرى بوضوح. وكان فيليب يركض خلفه لاهثًا بنفس القدر من الجنون.
“إن استمر على هذا النحو، فقد يحدث أمرٌ خطير……”
كاد فيليب أن يفقد توازنه على ظهر الحصان، لكنه أطلق زفرة ارتياح وهو يشدّ لجام الحصان بقوة أكبر. فلو غفل لحظةً واحدة، فسوف يفقد هاوارد، لذا كان عليه أن يكون أكثر يقظة.
تنفّس فيليب بعمق بينما ركز على الرجل أمامه. و في تلك الأثناء، لم يبدُ أن هاوارد يهتم بمن يتبعه على الإطلاق.
أو بالأحرى، لم يكن باستطاعته أن يهتم.
“……ريكا.”
ردد الاسم الذي ظل يردده مرارًا في الأيام الأخيرة.
ولكي يُفهم سبب استعجال هاوارد بهذا الشكل الآن، يجب العودة إلى ما حدث قبل بضعة أيام.
فبعد أن أخبرته آنا أن ريكا هي نوكس، توقف هاوارد عن البحث المتواصل ليلًا ونهارًا الذي كان يقوم به منذ اختفاء ريكا.
كان السبب في انعزاله ليس فقط الصدمة من السر غير المتوقع، بل لأنه أدرك أن الوقت قد حان لترتيب أفكاره. فقد كان يعلم أن التفتيش الأعمى بهذا الشكل لن يجدي نفعًا.
لم يكن يدري بأي عقلٍ عاد من حديثه مع آنا، لكنه على أية حال، ما إن وصل إلى غرفته حتى أغلق على نفسه الباب دون أن يتناول أي طعام.
كان رأسه يدور لدرجة أنه لم يكن من الغريب لو فقد وعيه في تلك اللحظة. بينما تسلّل العرق البارد على امتداد عموده الفقري.
“ريكا……هي نوكس……”
بمجرد نطق الحقيقة البشعة تلك بصوت عالٍ كان كفيلاً بأن يفتك الأمر به.
كان عليه أن يشك بالأمر منذ البداية. ريكا كانت تدرك منذ عشر سنوات أن شخصيتها الأصلية كانت تسلب منها كل ما تملكه. وكانت تقول أنها عاشت حياةً قاسية بسبب ذلك.
ومع ذلك، لم تفكر في الذهاب إلى أوفيلين للقاء شخصيتها الأصلية، بروتور إيتينتيا.
لكن فجأة، قبل عدة أشهر، قررت التوجه إلى أوفيلين. مع أنها بقيت في نُزل آنا حتى بعد وفاة أوديا، إلا أنها غيّرت تصرفاتها فجأة.
ما كان لذلك أن يحدث لولا حدوث تغيّر هائل في دواخلها.
كيف لم يخطر له شيءٌ بهذه البساطة؟
“في ذلك الوقت……اكتشفت أنها نوكس……وأن الوقت بنفذ منها.”
ففي ذلك الوقت تحديدًا، وصلت رسالة المعبد بشأن بشأن النوكس. وبحكم شخصية ريكا، من المؤكد أنها أرادت قبل موتها أن تلتقي بشخصيتها الأصلية وتجعلها تدفع ثمن ما حدث في الماضي.
لذلك كانت متعطشةً للانتقام إلى هذا الحد.
“……هاه.”
أطلق هاوارد زفرةً وهو يسترجع ذكرى بروتور دون قصد.
كان قد أدرك للتو السبب وراء التغير المفاجئ في تصرفات بروتور إيتينتيا، الذي كان يتصرف دائمًا بهدوء وثقة. فلا شك أنه هو الآخر لم يعلم إلا مؤخرًا. بأن عمر ريكا شارف على الانتهاء.
“لهذا اختطف ريكا على الأرجح.”
لم يعد يُبالي بالسمعة التي بناها طوال عمره، ولا بنظرة الآخرين إليه، وكأن كل ذلك لم يعد يعني شيئًا.
لطالما ظن هاوارد أنه لا يمكنه فهم هذا الرجل، ولا يريد حتى أن يفهمه، لكن في هذه اللحظة، شعر أنه ربما يستطيع أن يتخيل ما كان يشعر به.
لأن حالته الآن كانت تمامًا كذلك. و لو لم يكن لديه هدفٌ واحد وهو العثور على ريكا، لكان قد انهار تمامًا أمام هذه الحقيقة المفجعة التي عرفها فجأة.
ريكا……ليست أي شخص، بل ريكا بالتحديد……
“استفق……هاوارد تشيلستون.”
أخذ هاوارد نفسًا عميقًا في محاولةٍ يائسة لتهدئة نفسه. فلم يكن هذا وقت الانغماس في اليأس والتخبط.
حتى لو سقط في الهاوية، فليكن ذلك بعد أن يعثر على ريكا، و لن يكون الوقت قد فات حينها.
لا شك أن ريكا الآن تعاني وحدها، و لا بد أنها تلوم نفسها وتعتقد أن كل ما حدث كان خطأها.
عليه أن ينقذها ويأخذها إلى مكان آمن في أسرع وقت.
شد هاوارد على يديه المرتجفتين بقوة.
“إلى أين أخذ بروتور ريكا؟”
من المحتمل أنه ذهب إلى أكثر مكانٍ يشعر فيه بأمان. فهل يكون ذلك أراضي الكونت إيتينتيا؟
لا، لا يمكن أن يفعل ذلك. فأراضي إيتينتيا تبعد كثيرًا عن أوفيلين. ولا يمكن أن يكون بروتور إيتينتيا غافلًا عن حقيقة أن البحث سيبدأ فورًا. فاصطحاب ريكا إلى مكان بعيد هكذا سيكون محفوفًا بالمخاطر.
وكان هذا أمرًا توقعه هاوارد منذ البداية. عندما علم باختفاء ريكا، أي حين وصل لتوه إلى قصر دوق تشيلستون، كانت آثار قوةٍ هائلة لا تزال واضحةً في القصر. وهذا يعني أن ما حدث لم يمضِ عليه وقت طويلٌ بعد.
في ظل تلك الظروف، وبما أن التفتيش عند البوابات بدأ مباشرةً بعد اختفاء ريكا، فمن المحتمل……
“……أنها لم تستطع مغادرة أوفيلين.”
لكن لم يُعثر على شيءٍ في قصر تاكونت إيتينتيا. وكذلك الأمر مع بقية العائلات التابعة للإمبراطور.
سواءً كان ذلك بسبب اتخاذ الاحتياطات مسبقًا أو لا، فلم يكن هناك ما يثير الشك. ولهذا توسع نطاق البحث إلى خارج أوفيلين، حتى وصل إلى النُزل الذي كانت تعمل فيه ريكا.
‘صحيح، إذا كان الأمر متعلقًا بمسألة الهراطقة، فلا بد أن بروتور يعلم أن فرسان الهيكل يمكنهم التفتيش في أي مكان. لن يخبئها في أحد تلك البيوت النبيلة.’
وعادت أفكاره إلى نقطة البداية. لا، بل اتخذت منعطفًا مختلفًا بطريقةٍ غريبة.
على عكس المرات السابقة، هذه المرة وصلت إلى زاوية لم يكن يفكر بها.
“……هل حقًا يمكن لفرسان الهيكل أن يفتشوا في كل مكان؟”
هناك مكانٌ واحد فقط لا يمكنهم دخوله. بل على العكس، إنه المكان الذي يتحكم بفرسان الهيكل أنفسهم.
القصر الإمبراطوري.
“القصر.”
وما إن بلغ تفكيره تلك النقطة، كان هاوارد قد نهض من مقعده، و أكمل تجهيز نفسه، وامتطى صهوة جواده.
فمن الصعب أن يتجرأ أحد على معاداة القصر الإمبراطوري، لذا كان ينوي الذهاب وحده، لكن فيليب كان قد امتطى جواده ولحق به بالفعل.
بعد أن استمع فيليب إلى الشرح الموجز، بدا عليه شيءٌ من الارتباك، لكنه سرعان ما ابتسم ابتسامةً عريضة،
“كونكَ تتحدث بهذه الطريقة يعني أنك واثقٌ مما تقول يا سيدي القائد. أنا أؤمن بكَ. ومهما حدث، لن ألومكَ على شيء، لذا لا تقلق. وأعتقد أن جميع أفراد فرسان الهيكل يشعرون بالأمر نفسه. لذا، من فضلك، لا تحاول أن تتحمل كل شيء بمفردكَ. فنحن لا يمكننا الاستغناء عنكَ.”
وهكذا شرع الاثنان في طريقهما نحو القصر الإمبراطوري، واستمرّا في الركض دون توقف حتى وصلا إلى هذه اللحظة.
نظر هاوارد إلى بوابة القصر الشاهقة التي ظهرت أمامه، وقضم شفته بتوتر.
لم يكن قد تقدم بطلب زيارة مسبق، لذا فمن المؤكد أن الحرس الملكي سيعترضونه كما هي العادة.
‘سأخترق البوابة كما هي.’
كسر البوابة دون إصابة الحرس ليس بالأمر الصعب إن استخدم قدرًا محسوبًا من القوة المقدسة.
قرر هاوارد ذلك، وبدأ بجمع طاقته المقدسة في إحدى يديه.
لكن تنفيذ خطته لم يحصل قط. فقد دوّى انفجارٌ هائل من مكانٍ ما في داخل القصر لم يكن بالإمكان تجاهله.
و دون أن يدري، رفع هاوارد نظره نحو مصدر الصوت، واتسعت عيناه باندهاش.
و لم يكن الأمر أن جزءًا من القصر قد تهدّم. بل لأنه شعر بهالة مألوفة ومحبوبة. تمامًا كما كان يشعر حين كانت ريكا تهدئ طاقته المقدسة.
____________________
اخيرااااا لقاها 😭
بس للحين مافهمت من ملك الشياطين بالضبط؟ راسي يدور بس اهم شي هاوارد عرف وين ريكا ✨✨✨
ثم بعدها صياح على كل شي 🥲
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 107"