لماذا؟
‘أين رأيت هذه الكلمة من قبل……؟’
بدأت أحاول استرجاع ذاكرتي وسط هذا الشعور الغامض من الألفة، لكن فجأة انفصلت الأحرف أمام عيني عن الكتاب.
ثم بدأت تطفو في الهواء واحدًا تلو الآخر. وسرعان ما طارت الأحرف إلى أمام وجهي، ثم بدأت تختلط ببعضها البعض.
كانت تتحرك بسرعةٍ كبيرة إلى درجة أن الريح الناتجة عن حركتها لامست بشرتي.
وخلال مراقبتي لتلك العملية، اشتد الألم أكثر فأكثر. فأمسكت رأسي الذي بدا وكأنه سينفجر، وعقدت وجهي من شدة الصداع.
ثم، تشكّلت كلمتان في الهواء.
Protor
Rica
كانت كلمتين مألوفتين إلى أقصى حد. فتمتمت وأنا أحاول نطق الكلمتين بتلعثم،
“……بروتور……ريكا؟”
……ما هذا؟ لماذا ظهر فجأةً اسمي أنا وبروتور؟
و ما علاقتها بكلمة “المدير”؟
لا، قبل ذلك، ما هو معنى “المدير” بالضبط؟
في خضم هذا الوضع غير المتوقع، أملت رأسي بتساؤل، وفجأة ظهرت في ذهني ذكرى قديمة على نحوٍ غريب.
كانت تلميحة ملك الشياطين التي تم الكشف عنها سابقًا.
“بـ■tor”
وفي اللحظة التي قارنت فيها بين الحروف التي ظهرت في رأسي وتلك التي أمام عيني، أدركت الأمر فورًا، لقد أدركته دون أن أحتاج إلى تفسير.
التلميحة كانت تعني “المدير” باللاتينية بلا شك.
“لماذا……لماذا……؟”
اهتزّت جفوني من شدة الارتباك والذهول.
إن كانت التلميحة المرتبطة بملك الشياطين تشير إلى “المدير”، والكلمة المعاد تركيبها من “المدير” هي “بروتور” و”ريكا”، فهذا يجعل الوضع……غريبًا قليلًا.
لأن الأمر حينها يبدو وكأنني أنا وذلك الوغد……
“آآاااااه……”
حتى قبل أن أُكمل التفكير، اجتاحني ألمٌ لا يُحتمل.
كان رأسي وكأنه سينفجر من الداخل. و كأن شفرةً حادة تمزقه بلا رحمة.
لم أستطع حتى أن أصرخ أكثر، و فقط أمسكت برأسي بكلتا يديّ بينما كنت أتكور بجسدي على السرير محاولةً النجاة من الألم.
لم يكن بوسعي فعل أي شيء. و ليس لأن الألم وحده كان لا يُطاق، بل لأن هذه المرة، على عكس الأسبوع الماضي الذي لم يكن فيه سوى المعاناة الجسدية، بدأت مشاهدٌ مجهولة تجتاح بصري كالإعصار.
مشاهدٌ بدت غريبة، لكنها في ذات الوقت……لم تكن غريبةً تمامًا.
كانت ذكرياتاً غامضة، مألوفةً على نحو مزعج.
“ريكا، اليوم لدي أمرٌ مهم، لذا سأغيب لفترةٍ طويلة. لن أتأخر كثيرًا، أعدكِ بذلك. فقط ابقَي هنا بهدوء، مفهوم؟ وجودكِ هنا سيساعدني على العودة أسرع.”
“هل تسائلين إلى أين سأذهب؟ ليس أمرًا كبيرًا. ترين ذلك القصر الكبير هناك؟ قصر الدوق تشيلستون. هناك شخصٌ في غاية الخطورة بالنسبة لنا، وسأذهب للإمساك به.”
رأيت في عينيه الخضراوين بريقًا حماسيًا غريبًا. ثم قال……
“هل أروي لكِ شيئًا مضحكًا، ريكا؟ في الحقيقة، عندما ينضم أحدهم إلى فرقة الفرسان المقدسين لأول مرة، يجب أن يحضروا جميعًا ما يُسمى بحفل اللقاء. لكن والدي، أقصد القائد، أثار ضجةً كبيرة وكاد ينهار فقط ليلغوه. قال أتع غير فعّالٍ إطلاقًا أو شيء من هذا القبيل.”
“أليس من المضحك أن يقوم فردٌ من العائلة المالكة بكل هذا بسبب مناسبةٍ تحدث مرةً واحدة في السنة ويمكنه ببساطة التغاضي عنها؟ لا يمكن السيطرة عليه أبدًا. أنا نفسي لم أكن لأفعلها مهما حصل.”
“هذا سر، لا يجب أن يعرفه أحدٌ غيركِ. اتفقنا؟”
ثم تلا ذلك ضحكٌ صافٍ ونقي. وكان شعره الذهبي يتطاير بجمالٍ مع الريح.
“آه……”
تأوهت دون وعي من الألم الذي اخترق رأسي وكأنه سلاحٌ حاد يحفر فيه. فنهضت من على السرير بصعوبة، مدفوعةً بغريزة غامضة لا أستطيع تفسيرها.
كل ما عرفته أنني إن بقيت ساكنةً هكذا، فسوف أموت.
اهتز جسدي المتعب واقفًا بكل ما تبقى لي من قوة، متمايلًا من جهةٍ إلى أخرى. و كان الوقوف دون أن أسقط بحد ذاته معركةٌ شاقة.
وربما لهذا السبب……لم ألاحظ أن باب الغرفة خلفي قد فُتح. ولم أدرك اقتراب أحدهم مني إلا بعد أن شعرت بيده تمسك بكتفي.
“ريكا.”
صوته الخافت هبط على أذني كلسعة. فرفعت رأسي بصعوبة، وظهر وجه بروتور أمامي.
نظرت إليه وأنا أفتح فمي ببطء. و كنت سأطرح عليه كل شيء.
ما الذي يحدث بحق؟ لماذا أنا أتألم بهذا الشكل؟ ما هذه الذكريات الكثيرة التي لا تتوقف عن الطواف في رأسي؟
لكن بروتور……لم ينظر إلي. فقد ابتعدتا عيناه بشكلٍ غريب عن وجهي، وتوجهتا خلف ظهري، وكأن شيئًا هناك قد ثبّت نظره بقوة.
وبينما هو يحدّق كما لو أن مسمارًا قد رُكز في تلك البقعة، تمتم،
“أخيرًا……”
كان صوته كمن مسّه شيءٌ خارق……أو فقد عقله. و امتلأت عيناه الخضراوان بلمعانٍ يشبه الحماس.
كانت التساؤلات تعصف بي، ولم تكن هناك أي إجابة. لكنني لم أستطع حتى فتح فمي. فقد استُنزف مني آخر ما تبقى من قوة.
ربما لأنه لاحظ حالي، ابتسم بروتور بسعادةٍ خالصة، ثم قادني بحذر إلى مكانٍ ما. وما إن وصلنا، حتى وقفت أمام مرآةٍ ضخمة.
أوقفني بينه وبين المرآة، ثم أمسك بكتفيّ وأدار جسدي قليلًا. بعدها رفع يده إلى ذقني وجعلني أوجه نظري نحو المرآة.
“انظري، ريكا.”
نظرتُ إلى المرآة كما أرشدني. و فيها، كنتُ واقفةً وأنا أعطي ظهري جزئيًا لانعكاسي.
الفستان المنزلي الذي أهداني إياه بروتور كان مصممًا بانفتاحٍ خفيف من الخلف، مما جعل عظم الكتف ظاهرًا بوضوح. ولهذا رأيتها دون أن أتمكن من تجنب ذلك.
وشمٌ على شكل فراشةٍ سوداء، مستقرة على الكتف الأيسر.
“مـ……ما هذا……لماذا.…؟”
بدأت يداي وقدماي ترتجفان بشدة.
ما هذا؟ لماذا هذا الشيء على جسدي؟
لا……
لا……
لا….لا.
صرخةٌ مدوية كادت تخرج من فمي، لكنها توقفت على حافة شفتيّ، عالقةً بلا مفر.
لا، هذا ليس واقعًا. كل هذا مجرد حلم. إنه كابوسٌ بشع لا أكثر.
حين أستيقظ، سأكون ما زلت في قصر الدوق تشيلستن، وسأخبر هاوارد، حين يعود من عمله، أنني كنت بأمان بفضل الفرسان الذين رافقوني اليوم، وسأقول له أنني اشتقت إليه كثيرًا.
وسوف يبتسم هاوارد لي كعادته.
‘……نعم، هذا ما سيحدث.’
لا بدّ أن يكون هكذا.
كنت أردد ذلك داخلي دون توقف. لكن محاولاتي المستميتة لإنكار الواقع تحطمت كليًا عند سماع ذلك الصوت التالي.
“قلت لكِ، أليس كذلك، ريكا؟ لم يتبقَ الكثير.”
ابتسم بروتور ابتسامةً خفيفة. وكأنه لم يرَ وجهي المرتعب و الممتلئ خوفًا.
“الذكريات كلها ستعود إليكِ قريبًا. يسعدني أننا سنتمكن أخيرًا من التحدث بصدق. لا يمكنكِ أن تتخيلي كم انتظرتُ هذه اللحظة.”
“…….”
“في البداية، كنت أخطط لأتريّث قليلًا، لأنني لا أحب رؤيتكِ تتألمين……لكن، مهما فكرت، لا أستطيع ارتكاب حماقةٍ كهذه. خصوصًا وأنتِ لم يتبقَّ من عمركِ سوى بضعة أشهرٍ فقط.”
مد يده الكبيرة ببطء، ومررها على مكان الوشم. فارتعشتُ بشدة من لمسته.
“فأخبريني……كيف تشعرين الآن، ريكا؟”
لكن ما سمعته بعد ذلك كان لا يُقارن بشيء.
“ما رأيكِ……بعد أن عرفتِ أنكِ أنتِ ملكة الشياطين؟”
……ملكة الشياطين؟
أنا؟ أنا ملكة الشياطين؟
تسارعت أنفاسي تحت وقع الصدمة المتتالية. و كان الألم الذي كان يثقب رأسي بدأ يخف تدريجيًا، لكني لم أشعر بأي تحسّن.
بل، في الواقع، كان ذلك الألم أفضل من هذا. على الأقل وقتها كنت أتألم فحسب، أما الآن، فأشعر وكأنني أرغب في الاختفاء تمامًا من هذا العالم.
شهقت أنفاسي بعنف وسعلت بشدة بسبب اضطرابي. فاهتز جسدي بالكامل، ولم أعد قادرةً على إبقائه متوازنًا، فأخذ بروتور يربّت على ظهري ببطء، وكأنه يحاول تهدئتي.
“لا بأس، ريكا. يبدو أنكِ صُدمتِ كثيرًا.”
“…….”
“حسنًا، لو أردنا توضيح الأمر بدقةٍ أكثر، فالشخص الذي تفكرين فيه على أنه ملك الشياطين هو أنا فعليًا. أي، ملك الشياطين من لعبة <عالم الفانتازيا>. فللأسف، أنتِ لستِ شخصيةً غير قابلة للعب (NPC) مثلنا……”
لم أنطق بأي كلمة. بل لم أكن قادرةً على ذلك أساسًا.
كان رأسي ممتلئًا بمشاهد مختلطة، حتى أن التفكير نفسه صار صعبًا.
لا أعلم إن كان بروتور مدركًا لحالتي أم لا، لكن على أي حال، لم يكن يبدو أنه ينتظر مني أي إجابة.
“لو كنتِ مجرد شخصيةٍ غير قابلة للعب (NPC)، لكان كل شيءٍ أسهل بكثير. لم تكن لتحدث أي مشكلة بيننا. و لم نكن لنتفرق كل تلك السنوات، ولم تكوني لتصبحي نوكس……”
نظر إليّ بلطف، بينما كنت أبكي بصمت، ثم مد يده ومسح الدموع التي سالت على خدي.
“لكن لا تقلقي. لقد وجدتُ طريقةً لإنقاذكِ.”
شدّ ذراعيه حولي قليلًا، وكأنّه يخشى أن أفلت منه. وفي انعكاس المرآة، تلألأت عيناه الخضراوان بضوءٍ حاد.
“يجب فقط أن أدمر هذا العالم……حتى لا يتمكن من النهوض مجددًا أبدًا.”
___________________
كيف يعني؟ هو الملك وهي الملكة؟ خذاها له خلاص ولا وش ذا المجنون وش يبي يوصل له
اصلا ليه صار مهووس فيها كذا ليييييه؟
وهاوارد وش صار عليه ورعي المسكين😭
ريكا تحزن ماتدري هي تلقاها من انها نوكس ولا بروتور المجنون ولا وشم الفراشه ولا انها ملكة الشياطين
الصراحه راسي مضروب ماعاد ادري وشني اترجم اتوقع بيوضحون اكثر وش صاير في الفصول الجايه🥲
وآخر شي خذوا راحتكم في سب بروتور
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 106"