كان هاوارد يوافق جزئيًا على ذلك الادعاء. بل في الحقيقة، لم يكن هناك تفسيرٌ آخر معقول.
فكيف لشخصٍ واحد أن يتسلل إلى قصر الدوق، دون أي مساعدةٍ من أحد، ويواجه ذلك العدد الكبير من الفرسان؟
حتى لو لم يكونوا فرسانًا مقدسين، فإن معظم فرسان عائلة الدوق يمتلكون قوى مقدسة، وكانوا أصحاب مهاراتٍ عالية. و لم يكونوا أشخاصًا عاديين، ولو كانوا كذلك، لما تم تكليفهم بحماية ريكا، بل لم يكونوا ليدخلوا قصر الدوق من الأساس.
وهو تمكن من هزيمتهم جميعًا بمفرده، وهذا أمرٌ مستحيل حتى على هرطقي رفيع المستوى.
وإذا استرجعنا الهجمات التي وقعت مؤخرًا من قبل الوحوش التي استدعاها بروتور، فمن الأكثر إقناعًا القول أنه ليس مجرد هرطقي……بل هو ملك الشياطين نفسه.
في الواقع، هاوارد كان واثقًا من ذلك. لأنه سمع الأمر بنفسه قبل مغادرته لأوفيلين.
“رغم أن الأمر حدث منذ زمنٍ بعيد، ولا يمكنني الجزم مئة بالمئة، لكن يبدو أن من ارتكب حادثة اليوم هو نفس الشخص الذي تسبب في الحادثة قبل عشر سنوات. فالطاقة التي شعرنا بها متشابهةٌ بدرجةٍ كبيرة.”
هذا ما قاله قال كبير الكهنة الذي تولى التحقيق في كارثة قصر الدوق تشيلستون. و قال أن هناك احتمالاً كبيرًا أن من فعل ذلك هو ملك الشياطين.
وبما أن المعبد نفسه خاضعٌ للإمبراطور، فكبير الكهنة كان في العادة يلتزم بأوامر الإمبراطور، لكنه لم يكن من النوع الذي يكذب أو يتخذ قراراتٍ تتعارض مع واجبه ككاهن.
ولهذا، كان من المؤكد أن بروتور إيتينتيا……هو ملك الشياطين.
بحسب ما قالته ريكا، فإن بروتور، على عكس ملك الشياطين، كان دائمًا موجودًا في أوفيلين، لكن بالنظر إلى الوضع الحالي، لم يعد بالإمكان تصديق هذا الكلام كما هو.
ليس لأن هاوارد لا يثق في ريكا، بل بسبب مشكلةٍ في ذاكرتها.
الأمر الغريب الوحيد هو، كيف لبروتور، الذي أنشأته ريكا عندما كانت تلعب <عالم الفانتازيا>، أن يكون هو ملك الشياطين؟
فهو لم يكن سوى واحدٍ من بين العديد من الشخصيات. كيف يمكن أن يحدث شيءٌ كهذا؟
هل يمكن لشخصية اللاعب أن تتحول فجأةً إلى شخصيةٍ غير قابلة للعب؟ خصوصًا أن بروتور لم يكن من صنع إدارة اللعبة أصلاً؟
‘……لا، قبل كل ذلك، هل ذكرياتها ما قبل التجسد……أو هل تجسّدها أصلًا كان حقًا جزءًا من ذكريات ريكا الأصلية؟’
كلما فكر بالأمر أكثر، كلما زادت حيرته. فرفع هاوارد يده ومسح وجهه بخشونة.
حتى لو لم يكن يفهم كل ما يحدث، فحقيقة أن بروتور هو ملك الشياطين مؤكدة، ولذلك، لم تكن الشكوك حول ذكريات ريكا هي الأمر المهم الآن.
بل المشكلة الحقيقية، كما ذكر سابقًا، هي: لماذا تغيّر موقف بروتور فجأةً بهذا الشكل؟
‘إلا لو حدث له تغيرٌ نفسي كبير……فلا تفسير آخر.’
نسي هاوارد وجود أي شخصٍ آخر أمامه، واستغرق في التفكير العميق. ولو لم تقاطعه آنا بسؤالها الحذر، لبقي على حاله.
“عذرًا……دوق، هل لي أن أسأل……ما رأيكَ في أولئك الذين لم يتلقوا رسالة المعبد، أعني، النُوكس؟”
بدا وكأنها كانت تفكر طويلًا قبل أن تطرح هذا السؤال.
ثم توقفت سلسلة أفكاره بشكلٍ طبيعي.
“أظن أن الأمر مؤسف……فمصيرهم بالموت قد حُسم فجأة، رغم أنهم لم يقترفوا أي ذنب.”
“……لم يقترفوا أي ذنب؟”
اتسعت عينا آنا بدهشة.
“أ……ألا يزعجكَ الأمر يا سيدي الدوق؟ لقد قالوا في المعبد إن النوكس هم هراطقة……”
“آه……”
تنهد هاوارد بخفة. وأخيرًا أدرك ما كانت المشكلة.
‘يبدو أنه لم يتم إعلان ذلك رسميًا بعد.’
كان قد اتخذ الإجراءات اللازمة فور عودته من أنيما، لكن يبدو أن المعبد، المنشغل بالمشكلات الأخيرة، لم يتمكن من إيصال تلك المسألة بعد.
أما نبلاء أوفيلين، فقد وصلهم الخبر من القصر الإمبراطوري بأن التفسير السابق للرسالة كان خاطئًا، لكن الوضع لم يكن كذلك في المناطق الأخرى. فلم تكن لديهم وسيلة لمعرفة الحقيقة.
زفر هاوارد تنهيدةً صغيرة.
رغم أنه كان مرهقًا للغاية، إلا أنه كقائد فرسان الهيكل، كان عليه القيام بواجبه.
“الرسالة المتعلقة بالنُوكس ثبت أنه تم تفسيرها بشكل خاطئ. فهم ليسوا هراطقة.”
“حقًا؟!”
أضاء وجه آنا بوضوح، وقد بدا عليها الارتياح.
رغم أن القلق من أجل ريكا كان لا يزال واضحًا على ملامحها، إلا أنها بدت أفضل بكثير مقارنةً بوجهها المتوتر منذ قليل.
هل كان هناك شخصْ من النُوكس حولها؟
مرّر هاوارد الأمر بهذه الفكرة العابرة، و دون أن يدرك كم كان تصرفه هذا ساذجًا.
“هاه…… يا للراحة. لقد كان الأمر مؤلمًا حقًا، أن تُتهم فتاةٌ تواجه موتها القريب بالهرطقة أيضًا. الآن كل ما تبقى هو أن تعود بسلام.”
تنهدت آنا براحة، وراحت تمرر يدها مرارًا على صدرها. ورغم أنها لم تذكر اسمًا معينًا، إلا أن هاوارد أدرك على الفور أنها تتحدث عن ريكا.
“……ما الذي تعنينه؟”
خرج صوت هاوارد مرتجفًا بخفة. لكن التوتر الذي اجتاح جسده لم يكن كالذي شعر به عندما أدرك أن ريكا كانت حبه الأول.
“ريكا……ماذا بها؟”
انقطعت الجملة القصيرة إلى شظايا، و كان من الصعب عليه التفكير بوضوح، فما سمعه بأذنه لم يكن يسهل على عقله أن يتقبله.
غطت آنا فمها بكلتا يديها، وقد بدت ملامحها مرتبكةً على نحو واضح وهي تنظر إلى هاوارد.
“مـ-مستحيل……! أنتَ……لم تكن تعرف؟ يا إلهي، ما العمل الآن؟! ظـ-ظننت أنكما على علاقة، فكنت أظن بالطبع أن سيدي الدوق……يـ-يعرف مسبقًا بالأمر……”
وكذلك كان حال هاوارد. بل، كان الظلام الذي ابتلعه أعظم بكثير.
“ريكا……في الحقيقة هي نوكس.”
ثم سقط في فهوةٍ عميقة……بلا نهاية.
***
‘هاه، سأموت من هذا الوضع.’
تنهدتُ بعمق وأنا ممددةٌ على السرير.
منذ أن استعدت وعيي، مرّ أسبوعٌ كامل وأنا محتجزةٌ في هذا المكان المجهول. أو بالأحرى، لم أتمكن من معرفة الموقع الدقيق لهذا المكان.
لكني حددت موقعه بشكلٍ تقريبي من خلال معرفة مكان بروتورو الذي معي.
دينغ-!
<الموقع الحالي للشخصية الأصلية
: أوفيلين (عاصمة إمبراطورية فيدوس)>
المكان الذي أُحتجزتُ فيه كان، ويا للدهشة، أوفيلين.
وبما أن الغرفة بلا نوافذ، لم أتمكن من رؤية المشهد الخارجي، لذا لم أكن أعرف الكثير عن المكان. لكن كان هناك أمرٌ واحد مؤكد. أن هذا المكان ليس قصر الكونت إيتينتيا.
أنا وهاوارد كنا قد خمّنا منذ زمنٍ أن بروتورو قد يُقدم على فعل شيءٍ ما. وفي ظل تلك الظروف، تم اختطافي، فلا بد أن هاوارد قد فتش قصر الكونت إيتينتيا.
ومع ذلك لا أزال محتجزة، وهذا يعني على الأقل أن هذا المكان ليس قصر الكونت.
“……آآخ.”
مع الألم الشديد النابض في رأسي، توقفت عن التفكير وانكمشتُ بجسدي.
منذ الليلة التي استعدت فيها وعيي بعد اختطاف بروتورو لي، استمر هذا الألم بلا توقف. و في لحظةٍ ما بدأت أرتجف بشدة، ثم ارتفعت حرارتي فجأة.
كانت الحرارة شديدة لدرجة أنني كنت أستيقظ مراراً أثناء النوم من شدة الألم. و كأن أحدهم ضرب جسدي بأكمله ضربًا مبرحًا.
لم أشعر بهذا القدر من الألم منذ تلك الحمى الشديدة التي أصابتني عندما كنت مع أوديا.
آه، صحيح. كان الإحساس ذاته تمامًا. مثل تلك الحمى التي أصابتني في ذلك الوقت.
‘ما الذي يحدث لي بحق……هل تأثرتُ نفسيًا بشدة إلى هذا الحد؟’
لهثتُ بصعوبة وأنا أتنفس.
كنت أرغب في تناول دواءٍ على الأقل، لكن لم يكن ذلك ممكنًا. والسبب هو أن بروتورو لم يفعل شيئًا لمساعدتي.
فبروتورو، الذي يلازمني طوال الوقت ما عدا أثناء الاستحمام والنوم، رأى كيف أنني أعاني بهذا الشكل، لكنه لم يتخذ أي إجراءٍ يُذكر.
بل على العكس، إذا حكمتُ على تعابير وجهه، فقد بدت عليه علامات الرضا. كما لو أنه كان ينتظر بفارغ الصبر أن أصل إلى هذه الحالة.
“اصبري قليلًا، ريكا. لم يتبقَّ الكثير. سينتهي كل شيءٍ قريبًا.”
حين كان بروتور يقول ذلك، كنت أشعر برغبةٍ عارمة في رمي كل ما تقع عليه يدي. لكن الألم كان شديدًا إلى درجة أنني لم أستطع إلا أن أئنّ من شدته.
كان بروتور يتصرف وكأن هناك مكافأةً عظيمة بانتظاري بعد زوال هذا الألم. وكأنني مجرد شخصية في لعبة.
ومع ذلك، كان وجهه يكشف عن قلقٍ شديد كلما غاب عني ولو للحظة، وكأنني قد أختفي فجأة.
أي نوعٍ من التناقض هذا؟ هل يوجد إنسانٌ متناقضٌ مثله؟
“ابن الكلب النجس هذا.”
الغضب كان يتصاعد في داخلي حتى بدأت الشتائم تخرج مني لا إراديًا.
حتى لو كان الأمر كذلك، أليس من المفترض أن يُعطى الإنسان دواءً حين يتألم؟ صحيحٌ أنني ربما لم أكن لأتناوله بسبب شكوكي، لكن عليه أن يعطيه لي على الأقل.
ولماذا هو ملتصقٌ بي إلى هذا الحد أصلًا؟ أنا متألمةٌ ومتوترة بما يكفي، و وجوده فقط يزيد الأمر سوءًا.
‘هاه، يكفي. لا تغضبي، سيزداد الصداع سوءًا.’
من الأفضل أن أنام بسرعة. فقد كانت هذه فرصتي، الآن بعدما غادر بروتور لإعداد العشاء.
دفنت وجهي في الوسادة بعمق. وفي تلك اللحظة، التقط بصري شيئٌ موضوعٌ على الطاولة الجانبية.
ما ذاك؟ لم يكن هناك شيءٌ من قبل.
ترددت قليلًا، ثم مددت يدي نحو ذلك الاتجاه.
في العادة كنت لأتجاهله ببساطة، لكن لسببٍ ما، شعرت بانزعاجٍ لا أستطيع تجاهله.
و بصعوبة رفعت جسدي ونظرت إلى غلاف الكتاب، ثم عقدت حاجبيّ.
“……قاموسٌ لاتيني؟”
لماذا يوجد شيءٌ كهذا هنا؟
والآن بعد أن فكّرت في الأمر، أظن أن <عالم الفانتازيا> كان يعتمد على اللاتينية أساسًا.
لم يكن شيئًا مهمًا بما يكفي، لذا هممت بإعادته لمكانه، لكن الغريب أن يدي لم تتحرك. و كما أن نظري بقي مشدودًا إليه.
ثم شعرت وكأن هذا الكتاب يسحرني بطريقةٍ ما.
“……أريد أن أراه.”
خرجت كلماتي من فمي دون أن أشعر. وفي تلك اللحظة، بدأ الكتاب يهتز بعنف، ثم أخذت صفحاته تتقلب بسرعة. كأنما بفعل سحر.
ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى توقف، وأظهر لي كلمةً واحدة.
بروكوراتور [المدير]
……المدير؟
نظرت إلى الكلمة بتركيزٍ شديد وشعورٍ غريب بدأ يتملكني.
و لأكون دقيقة، كان ذلك الشعور أشبه بشيء مألوف. وكأنني رأيت هذه الكلمة من قبل في مكانٍ ما.
_____________________
المدير بروتور؟ لايكون ذا السايكو هو مصمم اللعبة؟
آنا علمت هاوارد اهلين نكد 😔
بروتور مجنون كل ماشفته اكثر تأكدت ذاه ماينف فيه الا الىْحر
بالله من يستانس وهو يشوف الي يحبه يتعذب؟ كل ذاه عشان ريكا بتتذكر استانست؟
يعععع يقرف وجع
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 105"