“……هاه!”
أفقت فجأةً أتنفس بصعوبة، وعيناي مفتوحتان على مصراعيهما.
كان هناك سقفٌ غريب يعلو ناظري، لا أعرفه. لكن الموقف كان مألوفاً جداً……
فقدانٌ مفاجئ للوعي، والاستيقاظ على مشهد لم أره من قبل، والدهشة التي تسبق التقاط الأنفاس……وبعد ذلك، دائماً ما يأتي……
“هل استيقظتِ، ريكا؟”
……ذلك الوجه.
عندما التفت برأسي، رأيت بروتور إيتينتيا يدخل الغرفة مع صوت فتح الباب. و بشكل لا إرادي، التصقت بجانب رأس السرير مبتعدةً عنه قدر الإمكان.
كانت يداي تمسكان بالغطاء بإحكام، لتعبّرا عن توتري، حتى بدا الغطاء مشوهاً من قوة القبضة.
اقترب بروتور مني بهدوء وهو يراقبني.
“هاكِ، خذي. ظننتكِ جائعة فجلبت لكِ بعض الطعام.”
وضع الصينية التي كان يحملها على الطاولة الجانبية بجانب السرير. ثم جلس على الكرسي المجاور لمكاني.
كان على الصينية صحنٌ من الحساء الساخن يتصاعد منه البخار، وقطعة خبز، وكأسٌ من الماء.
“الطعام بسيط، أليس كذلك؟ أنا أيضاً وددت لو أقدّم لكِ شيئاً أفضل، لكن لا خيار الآن. تحمّلي قليلاً فقط. لقد مرّت ثلاثة أيام منذ أن فقدتِ وعيكِ، فلا يمكنكِ تناول أي شيءٍ عشوائي.”
……ثلاثة أيام؟ هل غبت عن الوعي كل هذه المدة؟
ولم أكن حتى أشعر أن حالتي الجسدية سيئة إلى هذا الحد……؟
‘لم أُهاجَم كما في المرة السابقة حين فقدت وعيي……’
كان ذلك هو آخر ما فكرت فيه، قبل أن تجتاح رأسي الذكريات التي كنت قد نسيتها تحت وطأة الصدمة.
كنت في قصر الدوق تشيلستون، و غوفت من دون أن أدرك، ثم استيقظتُ على ظلامٍ دامس وسكون مريب، و ممراتٍ خالية لا أثر فيها لأي شخص، ثم……
“آنسة……بسرعة……اه، اهربي……”
“أووه……”
كان المشهد الذي تذكّرته مرعباً لدرجة جعلني أكاد أتقيأ.
كلما أغلقت عيني للحظة، امتلأ بصري مجدداً بذلك اللون الأحمر القاني الذي غمر أرضية الردهة في الطابق الأول، لذا حاولت بكل ما أستطيع ألا أغمض عيني.
جسدي كله بدأ يرتجف بشدة وكأني شجرةٌ ترتعد في مهب الريح. و كنت أريد أن أهرب……إلى أي مكان……فقط أريد الهرب بعيداً.
‘مـ-ما الذي حدث بالضبط……؟’
كنت متأكدةً أن الجميع كانوا فاقدي الوعي.
لم أتمكن من تفقدهم واحداً تلو الآخر بدقة، لكن كل واحدٌ منهم بدا وكأنه مصاب بجروح بالغة.
اعتصر قلبي القلق……وشعرت أيضاً بذنبٍ عميق ينبع من داخلي.
إن حاولت أن أبحث عن سبب ما حدث سوى بروتور إيتينتيا، فلا يمكن أن يكون إلا أنا.
لو لم أكن هناك، لكان الجميع بخير، و لكان بإمكانهم أن يستمروا في الضحك بتلك الابتسامة المشرقة التي كانوا يظنون بها أن كل شيءٍ سيكون بخير.
“أوووه……”
غطّيت فمي بيدي، أحاول منع القيء الذي بدأ يتصاعد داخلي مجدداً.
تحولت الرؤية أمام عيني إلى رؤية ضبابية بسبب الدموع التي غمرتني.
وبينما كنت أرتجف وأذرف الدموع بغزارة، هبطت لمسةٌ بطيئة على كتفي.
“لا تبكي، ريكا.”
كان بروتور الذي اقترب دون أن أشعر. و رغم أنه لم يقل شيئًا، بدا وكأنه يعرف سبب حالي.
“لماذا تبكين من أجل أولئك الأوغاد؟ يوجد الكثير من الفرسان أو الخدم يمكن استبدالهم.”
من قوله هذا الهراء، يبدو أن……
“و أنتِ أيضًا، تمنحين قلبكِ بسهولة شديدة.”
“……ماذا؟”
رفعت رأسي بعينين متسعتين. و لم أستطع تصديق ما سمعته للتو.
إن لم يكن بشريًا، فكيف يمكنه قول شيء كهذا……
كانت نظرتي تنضح بالاحتقار، لكن يبدو أن بروتور فهمها بطريقةٍ مختلفة. فقد ابتسم ابتسامةً خفيفة.
“آه، أخيرًا نظرتِ إليّ.”
رفع بروتور طرفي عينيه كما لو كان مسرورًا. فأصبحت رؤيتي قاتمة. و لم أعد أفهم لماذا وقعتُ في هذا الكابوس.
لم أعرف ما الذي يجب أن أقوله، وبقيت واقفةً بوجه شاحب. فأشار بروتور برأسه إلى الطعام فوق الصينية.
“كلي بسرعة. الطعام سيبرد كله.”
“……آكل؟ وكيف لي أن أثق بكَ؟”
خرجت نبرةٌ ساخرة من فمي دون أن أدرك.
“لا أريد.”
لا أريد ذلك.
أكرهه بشدة.
هذا الرجل الذي أمامي كان مقززًا إلى درجةٍ لا تطاق.
لماذا هذا التعلق المَرَضي بي؟
هذا ليس شعورًا يمكن أن ينبع فقط لأنني شخصية جانبية. فأنا لم أشعر بشيءٍ حتى بعدما عرفت أن بروتور إيتينتيا هو شخصيتي الرئيسية.
حتى لو كان يراقبني منذ زمنٍ طويل، لم تكن بيننا أي علاقة، فكيف له أن يفعل كل هذا؟
مهما فكرت، لم أستطع الفهم. لا، بل لم أكن أريد أن أفهم.
لم أعر الطعام أي اهتمام وحدّقت ببروتور. الذي كان يتلقى نظراتي المليئة بالريبة، ثم تنهد بصوتٍ خافت.
حتى ذلك بدا غير جدي، وكأنه يقول أنه لا يستطيع مقاومة عنادي.
“لا تقلقي. لم أقتلهم جميعًا. الذين لديهم بعض المهارة، إن لم يُتركوا طويلاً، ربما مازالوا أحياء.”
“….…”
“قبل أن يعود هاوارد تشيلستون، كان من الأولوية أن آتي بكِ، لذا تعاملت معهم باعتدال فقط. كنت وحدي، فلم يكن لدي وقتٌ كافٍ.”
إذًا، يعني هذا أن هناك من قُتل في النهاية.
حسنًا، ففي المشهد المروّع الذي رأيته في قاعة الطابق الأول آخر مرة، كان هناك أيضًا بعض الخدم.
ربما الفرسان المدربون حاولوا القتال بطريقةٍ ما، لكن أولئك الذين لا علاقة لهم بالمعارك لم يكونوا ليتحملوا هجومًا مفاجئًا كهذا. و على الأرجح كان أفضل ما استطاعوا فعله هو الصراخ والهرب.
بدأ الشعور بالذنب الذي يسكن داخلي يكبر أكثر فأكثر، حتى بات يثقل جسدي ويكتم أنفاسي. فأخذت شهيقًا سريعًا وزفيرًا متوترًا.
ربما لاحظ بروتور أن حالتي غير طبيعية، فوضع يده على كتفي وربّت عليّ مجددًا. فنظرت إليه بنظراتٍ حادة وضربت يده بسرعة لأبعدها.
وليس فقط لأن بروتور يثير اشمئزازي الشديد. بل لأن بروتور إيتينتيا ليس إنسانًا طبيعياً.
“أعتقد أن بروتور إيتينتيا من الهراطقة. ومن نوعٍ قريب من ملك الشياطين، من رتبةٍ عالية جدًا.”
كان حدس هاوارد صحيحًا. وإلا لما أمكن تفسير ما يحدث.
حتى وإن كان يتوق إليّ بشدة، كيف يمكن لبروتور إيتينتيا أن يُقدم على تصرفٍ بهذا الحجم وبهذا الشكل العلني؟
لذا، عند النظر إلى جميع الأحداث حتى الآن، لا يمكن إنكار أن بروتور هرطقيٌ بالفعل.
لكن، هناك أمرٌ واحد يثير في نفسي شعورًا مزعجًا……
‘لماذا أصبح بروتور من الهراطقة أصلًا؟’
لماذا أصبحت الشخصية التي أنشأتها على هذا الحال؟
هذا السؤال لم يفارق رأسي منذ البداية.
حين كنت ألعب لعبة <عالم الفانتازيا>، لم يكن بروتور هكذا على الإطلاق. فكما هو الحال الآن، كانت <عالم الفانتازيا> في ذلك الوقت تركز على قصة رحلةٍ للقضاء على “ملك الشياطين”، ولهذا كنت أحرص على جمع العناصر التي تعزز القوة المقدسة بما يتماشى مع هذا الهدف.
ولم يكن هذا كل شيء. بل كنت أشارك في غارات اصطياد الوحوش السحرية كلما سنحت لي الفرصة. و بفضل ذلك، كنت أمتلك مواصفاتٍ من بين الأعلى في صفوف لاعبي <عالم الفانتازيا>.
لكن تلك الشخصية، خلال غيابي، أصبحت فجأةً من الهراطقة؟
مهما فكرت، بدا الأمر غير منطقي. فحدّقت في بروتور مطولًا.
عندها عقد ساقيه وابتسم بسخرية.
“ألن تأكلي، ريكا؟”
“…….”
“لماذا يا ترى؟ هل لأنكِ تفكرين في هاوارد تشيلستون؟ لا تقلقي كثيرًا، لقد تركت هديةً صغيرة للدوق تشيلستون.”
“……هدية؟”
قطبت جبيني، وأدركت حينها فقط شيئًا غريبًا، شعورًا مختلفًا عن المعتاد.
فشعري، الذي كان يصل إلى خصري، قُصّ فجأةً وأصبح بالكاد يتجاوز كتفي.
……هذا المجنون.
“لم يعجبني أنكِ دائمًا تحملين ذلك الشيء الذي أعطاكِ إياه ذلك الوغد. لكن، إن قصصتُ شعركِ بالكامل، شعرتُ أنك ستتضايقين كثيرًا، لذا توصلتُ إلى حل وسط بهذا الشكل. ما رأيك؟ لقد أحسنتُ، أليس كذلك؟”
“…….”
“من ملامح وجهكِ، يبدو أنكِ للتو لاحظتِ أن شعركِ قد قُصّ. إذًا، ما الذي كان يزعجكِ بالضبط……؟”
مد بروتور آخر كلماته بتأمل. و كان يُحرّك قدمه بخفة كما لو كان يلعب لعبةً ممتعة، ثم ابتسم بلطفٍ وبدأ يتحدث،
“هل من الممكن أنك بدأتِ تلاحظين شيئًا عن حقيقتي؟”
كانت على وجهه ملامح توحي بالترقّب.
“هل تذكّرتِ شيئًا؟”
____________________
قص شعرها! ياحمار شعر البنت الطويل راح! ياتبننننن يازفتتتت
شعرها كان طويل قام هو قصه فوق كتفها وطرحه كله عند هاوارد؟ مجنون؟
يييع يعيعععع تكفون مابي ذا الفصول تطول 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 101"