هل هذا هو النعيم؟
مضت ثلاثة أيام منذ أن مكثت في دوقية تشيلستون. و كما قال هاوارد، كنت أعيش حقًا كما لو أنني في بيتي، وهذا كان الاستنتاج النهائي الذي توصلت إليه.
الحياة في الدوقية كانت كالحلم تمامًا. غرفةٌ مريحة ونظيفة كما وُعِدْتُ بها، وهي أفضل غرفة ضيافة.
سريرٌ واسع وناعم لدرجة أنني لو نُقلتُ وأنا نائمة لما شعرت بشيء.
وجبات طعام تُقدّم إلى الغرفة دون الحاجة للنزول إلى غرفة الطعام.
و مجوهراتٌ وفساتين تُمنح لي يوميًا.
وأهم من كل ذلك…..حياة لا داعي فيها للقلق بشأن الغد حتى بعد منتصف الليل!
آه، يا لها من حياة مثالية.
حين فكرت أنني أتلقى مكافأةً كهذه مقابل الأيام الشاقة التي عشتها، غمرتني الدموع.
كل شيء كان جيدًا ومريحًا. لم أعش مثل هذه التجربة من قبل، لذلك شعرت بدهشة لا متناهية.
لو أن المستقبل السعيد والغني يستمر هكذا، فلن أطلب شيئًا آخر.
لكن، ابتداءً من الآن، سأصبح مشغولة. ففي اليوم الأول لوصولي إلى الدوقية، قال هاوارد بأن علي أن أرتاح حتى تكتمل جميع التحضيرات.
وذكر أن الأمر سيستغرق حوالي يومين لينتهي كل شيء. وكان ذلك اليوم هو اليوم.
وبما أنني أنهيت عشاءي منذ قليل، لم يكن من الغريب أن يأتي هاوارد لزيارتي في أي لحظة.
وأيضاً…..لقد حان وقت وصول رد الرسالة التي أرسلتها إلى آنا.
فكرت في احتمال أن يقرأ أحد آخر الرسالة، لذلك تعمدت كتابة عبارةً مبهمة مثل “أرجو أن تفي بوعدكِ”، لكنها بالتأكيد ستفهم المقصود.
لأنه لم يكن هناك بيني وبين آنا أي وعد آخر غير ذلك.
عندما أرى أنه لم يحدث شيء حتى الآن، يبدو أن آنا لم تبلغ عني لحسن الحظ.
كان لابد من أن أتلقى رد آنا حتى أطمئن تمامًا، لكن حتى الآن، كان هذا وحده كافيًا لبعث الطمأنينة في نفسي. على ما يبدو، لم يكن الوقت الذي قضيته بجانبها بلا فائدة.
نعم، لقد قضيت معها عدة سنوات. صحيح أنني لم أكن معها منذ لحظة التجسد، لكنني عملت لفترةٍ طويلة في ذلك النزل.
أرجو أن لا يحدث شيء سيء.
بينما كنت أتنفس بعمق وأنا أسترخي على الأريكة، طرق أحدهم الباب. وبعد لحظات دخلت إحدى خادمات الدوقية إلى الغرفة.
كانت تحمل ظرف رسالةٍ صغيرًا في يدها. ومن دون الحاجة إلى شرح، علمت أنه رد آنا.
“وصلكِ خطابٌ يا آنسة، فأحضرتُه لكِ.”
“شكرًا لكِ.”
وضعت الخادمة الرسالة ثم غادرت الغرفة.
مزقت الظرف وأنا أكبح نبضات قلبي المتسارعة. و كما توقعت، كان بداخل الظرف ورق رسالة بخطٍ مألوف.
لأنني كنت قد تعلقت بآنا إلى حد ما، امتلأت عيناي بالدموع. و على الأقل، كان هذا قبل أن أقرأ محتوى الرسالة.
[إلى ريكا.
لقد استلمت رسالتكِ جيدًا. قبل أن أجيب على رسالتكِ، هناك أمر عاجل يجب أن أخبركِ به أولًا، لذلك أكتب لك الآن.
أنا أيضًا مرتبكةٌ جدًا، لذا أكتب دون أن أتمكن من ترتيب أفكاري جيدًا، فأتمنى أن تتفهمي لو بدت كلماتي غريبة.
في الحقيقة، في اليوم التالي مباشرةً لرحيلكِ، حوالي وقت الغداء، جاء رجلٌ إلى النزل.]
…..رجلٌ جاء؟ في اليوم التالي لرحيلي؟ هل يمكن أن يكون من طرف هاوارد؟
أريد أن أصدق أنه ليس كذلك، لكن لو أرسل أحدًا بعد محادثتنا مباشرةً، فالتوقيت يتطابق تقريبًا.
تسلل إليَّ شعورٌ مريب فجأة وسال العرق البارد على ظهري.
وكما توقعت، كان حدسي في محله.
[ذلك الرجل سأل إن كنت أعرف امرأةً تدعى “ريكا”.
بدت ملامحه مريبة، فكنت على وشك أن أنكر، لكن بدا عليه أنه يعلم أنكِ كنت تعملين هنا، فلم يكن بإمكاني إخفاء الأمر.
وهكذا، بعد تبادل بعض الحديث، وجدت نفسي قد اعترفت بالأمر. ]
وبمجرد أن قرأت حتى هذه الجملة، سمعت طرقًا على الباب وكأنه كان مرتبًا مسبقًا.
ظننت أنها الخادمة، وكدت أرفض، لكن ما سمعته بعدها كان صوتًا مألوفًا. صوتٌ أخفض وأهدأ من صوت الخادمات.
“ريكا، هل يمكنني الدخول؟”
إنه هاوارد تشيلستون!
كنت أرغب في متابعة قراءة الرسالة، لكن الرجل الذي تحدثت عنه آنا كان، وفقًا للظروف، على الأرجح من رجال هاوارد. و لو تأخرت الآن، قد يبدو الأمر مريبًا.
“آه، نعم! نعم!”
أسرعت بإخفاء الرسالة تحت وسادة الأريكة. و مرت أمام عيني بسرعة الجملة التالية التي لمحتها في الرسالة.
[آسفة، ريكا.]
مما جعل شعور القلق في قلبي يتضاعف أكثر.
ماذا؟ على ماذا تعتذرين؟ لا يمكن أنكِ أخبرتِ ذلك الرجل أنني نوكس؟
آنا، أكانت علاقتنا ضعيفةً إلى هذا الحد؟ ألم تكوني تقولين دائمًا أنكِ تعتبرينني كابنتكِ؟
ولماذا تحرك هاوارد بهذه السرعة أيضًا؟
بينما كنت أصرخ صراخًا صامتًا في داخلي، فتح هاوارد الباب ودخل الغرفة بخطواتٍ واسعة. ثم تقدم بخطى متمهلة وجلس على الأريكة المقابلة لي.
ثم نظر إليّ وفتح فمه،
“قبل أن أدخل في الموضوع، هناك شيء أود أن أسألكِ عنه.”
“مـ-ما هو؟”
“في الحقيقة، بينما كنا نجهز بعض الأمور، قمت بجمع بعض المعلومات عنكِ. و سمعت أن المكان الذي كنت تعملين فيه من قبل يقع في نُزل يحتاج إلى يوم سفر بالعربة من أوفلين.”
“آه، نعم.”
أجبت وأنا أكتم شعور الإغماء الذي كان على وشك أن يسيطر عليّ.
كما توقعت، ذلك الرجل كان بالفعل من رجال هاوارد. كنت أعلم أنه قد يُكتشف أمري يومًا ما، لكن لم أكن أتصور أن يكون ذلك الآن.
حتى لو كان كذلك، هل يُعقل أن ينكشف أمري خلال بضعة أيام فقط؟
لم أكن أنوي القيام بشيء عظيم، كنت فقط أرغب في أن أعيش حياةً مريحة لمدة عام واحد. لماذا كل شيء صعب إلى هذا الحد؟
“صاحبة النُزل قالت شيئًا عنكِ، لكنني لم أستطع تصديقه. هل هو صحيح؟”
“…..نعم، سأعترف بكل شيء.”
هززت رأسي بخضوع. فما الفائدة من الإنكار الآن؟
يجب أن أعترف بما يجب الاعتراف به وأفكر فيما بعد. يجب أن أثبت أنني لست هرطقية أبدًا، وأنني، رغم أن عمري المتبقي لا يتجاوز سنة واحدة، لا أزال إنسانةً ذات فائدة كبيرة.
“هكذا إذًا.”
عقد هاوارد ذراعيه وكأنه يفكر في شيء. هل كان يفكر في الطريقة التي سيعاقبني بها؟
كنت أرغب أن أركع وأتوسل له في الحال، لكنني قررت أن أنتظر حتى يتكلم. فقد يكون الحكم أخف مما توقعت.
وبعد مضي بعض الوقت، تحدث هاوارد،
“إذًا، من الأفضل أن نزيد أجر العلاج قليلًا.”
“ماذا؟”
علاج؟ من أين جاءت فجأة مسألة العلاج؟
نظرت إلى هاوارد بوجه يملؤه الذهول. و عندها بدا هو أيضًا أكثر حيرة.
“لماذا تبدين هكذا؟ كنت أظن أنكِ ستطيرين من الفرح.”
“آه، صحيح. أنا سعيدةٌ جدًا. هذا صحيح…..لكنني لم أفهم فقط لماذا تتحدث فجأةً عن أجر العلاج..…”
“صاحبة النُزل قالت هذا. أنكِ منذ زمنٍ بعيد كنت تبحثين عن المال وكأن عينيكِ تشتعلان نارًا. قالت أنكِ بحثتِ حتى وجدتِ عملةً ذهبية سقطت في مياهٍ موحلة، وقضيتِ نصف يوم تبحثين عنها حتى عثرتِ عليها، أليس كذلك؟”
“….…”
“وليس هذا فقط. ماضيكِ مليءٌ بالقصص المثيرة. قيل أنكِ، بسبب الجائزة التي وضعتها عصابة لصوص، بقيتِ أيامًا تسهرين كل ليلة في حراسة القرية. كنت أعلم أنكِ تحبين المال، لكنني لم أتخيل أنكِ تحبينه إلى هذا الحد، لذا تفاجأتُ قليلًا.”
“آه.”
تجمدت في مكاني، فاتحةً فمي. و عقلي الذي كان يفكر كيف يثبت فائدته توقف فجأة.
الوضع يبدو غريبًا قليلًا. إذًا ما قالته آنا عني كان…..
“آه..…”
عندها فقط أدركت أنني كنت في وهمٍ كبير حتى قبل لحظات.
راقبت الوضع بحذر ثم سحبت الرسالة التي خبأتها تحت الوسادة. وبدأت بسرعة بتصفح الجزء الذي لم أقرأه بعد.
[آسفة، ريكا. دون قصد، تحدثت عن أنكِ مهووسةٌ بالمال.
بعد قراءتي لرسالتكِ، يبدو أنكِ وجدتِ عملًا جديدًا، أرجو ألا تتسبّب كلماتي في أي مشكلةٍ لكِ.
أشعر بالقلق من أن يتم طردكِ من مكان جيد كهذا دون سبب.
لا بأس بما قلته، أليس كذلك؟ وبالنسبة لوعدنا، سأفي به فلا تقلقي.
منذ اللحظة التي جئتِ فيها إلى نزلنا وأنتِ تمسكين بيد ذلك المرتزق، كنتُ…..
هاه، لا شيء مهم. كدت أعترف بشيءٍ لا داعي له. ]
بمجرد أن زال التوتر عني، شعرت بكل قواي تنهار. و حاولت أن أتماسك وأبقيت جسدي معتدلًا بينما أومأت برأسي.
“نعم، صحيح. بما أنني كنت دائمًا أُسلب من شخصيتي الأصلية، أصبحت مهووسةً بالمال. على كل حال، يا لها من مصادفة! فأنا أيضًا أرسلت رسالةً إلى النُزل فور وصولي إلى هنا. هاها.”
الآن لم يعد هناك ما يقلقني. فابتسمت بثقة هذه المرة، ووضعت الرسالة على الطاولة.
عندها ابتسم هاوارد ابتسامةً فاترة وتحدث،
“جيد. إذاً، لننتقل الآن إلى الموضوع الرئيسي.”
***
كما قال أن كل شيء سينتهي اليوم، كان هاوارد قد أنهى بالفعل جميع الاستعدادات. حتى أنه قام بتزوير هويتي.
حين استعدت وعيي، وجدت نفسي قد أصبحت الابنة الوحيدة لـلبارون إيفريت الذي يعيش في إحدى المقاطعات الصغيرة في شمال إمبراطورية فيدوس ونادرًا ما يغادرها.
وبحسب القصة، كنت منذ صغري ضعيفة البنية، فلم أشارك أبدًا في المناسبات الاجتماعية ولا في أي نشاطاتٍ خارجية.
أما سبب ارتباط هاوارد بي، فقد تقرر أنه لأنني أنا من اعترفت له أولًا.
يُقال أنه منذ مدة قصيرة ذهب هاوارد في مهمةٍ إلى الشمال، وهناك قابلني بالصدفة، فاعترفت له بحبي وأنا أقدم له زهرة شقائق النعمان. وقد انجذب هاوارد إلي بسبب غرابة تقديمي لزهرةٍ لا تناسب أجواء الاعتراف بالحب على الإطلاق.
الآن فهمت لماذا كان قد أخذ زهور شقائق النعمان ووضعها على مكتبه، يبدو أنه كان بحاجة إلى دليل على اعترافي.
وهكذا، بعد حديثٍ طويل، كانت السماء قد أظلمت.
بمعنى أنه حان وقت النوم.
لكن هاوارد كان لا يزال في غرفتي. وأنا أيضًا كنت لا أزال واقفة هناك بنفس الهيئة منذ البداية.
ولماذا؟ لأن ذلك الرجل هو من أمرني بذلك. قال أنه لديه شيء ليعطيني إياه، وطلب مني الانتظار قليلًا، ثم جلب أوراق عمله إلى غرفتي وبدأ العمل هناك، وبقي الأمر كذلك حتى الآن.
طوال الوقت، عندما لم أستطع التحمل وسألته عما يحدث، كان يكتفي بالقول: انتظري قليلًا بعد. والآن شارف منتصف الليل، ولا أدري إلى متى سيبقى هنا.
بدأت أشعر بالتعب فعلًا. و بسبب زوال التوتر، بدأت أشعر بالنعاس.
كنت أتحمل بالكاد عن طريق قرص ركبتي حتى لا أغفو أمام هاوارد، لكنني لم أكن واثقةً من قدرتي على الصمود أكثر.
تظاهرت خفيةً بالتثاؤب وأنا أنظر إلى هاوارد. وفي تلك اللحظة، تلاقت أعيننا.
“همم، يبدو أن الوقت قد حان.”
أدار رأسه ليتفقد الساعة، ثم أغلق الأوراق التي كان يقرأها واقترب مني. و أخرج شيئًا من صدره ومدّه إلي.
وعندما رأيت ذلك “الشيء”، اتسعت عيناي بشدة.
___________________
آنا ذي مقلب 😭😭😭
بس لحظه ليه للحين ما قالوا ماضي ريكا من ذا المرتزق الي ماسكة يده ووش السالفه غش
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 10"