170
*الحلقة الخاصة 11*
* * *
بينما كنت أشرب الحليب الدافئ، نظرت إلى جدتي بطرف عيني. كانت ما زالت تتأمل الكتالوج وهي تفكر بعمق.
“أعتقد… أن حذاء ريتشي لم يعجبني تمامًا. كان يجب أن أطلب إضافة المزيد من الأحجار الكريمة.”
“جدتي.”
سألتها مباشرة:
“هل قضيتِ اليوم كله تنظرين إلى الكتالوج فقط؟”
“لا.”
أجابت جدتي بابتسامة خفيفة:
“في الصباح، بقيت أتقلب في السرير، وبعد الغداء أخذت قيلولة قصيرة. لقد بدأت الآن فقط.”
“إذن، ماذا ستفعلين بعد أن أذهب؟”
“سأُلقي نظرة على كتالوجات جديدة، وربما أقرأ مجلات النميمة الخاصة بالصالونات الاجتماعية.”
“…”
“لقد عشت حياتي بجدٍ شديد من قبل. الآن، سأعيش مثل شخص عديم الفائدة تمامًا، سأقضي بقية حياتي فقط في الاستهلاك.”
“ج-جدتي؟”
“حتى الليلة، سأردد لنفسي قبل النوم: ‘لم أفعل شيئًا منتجًا اليوم أيضًا’ وأنا مستمتعة بذلك.”
رغم أنني لا أفهم تمامًا معنى الإنتاج أو الاستهلاك، كان هناك شيء واحد مؤكد.
لم أشهد حياة جدتي عندما كانت تعيش بجد واجتهاد. ما رأيته دائمًا هو هذه النسخة المسترخية منها، وكأنها لا تفعل شيئًا.
لم أرد أن أصرخ في وجه أخي وأقول: “لقد ورثتَ ذكاء أمي، وأنا ورثتُ كسل جدتي!”، رغم أن الحياة بدأت تصبح أصعب تدريجيًا. لكنني ما زلت فتاة في السادسة من عمري، ولديّ أحلام كثيرة، ولا أرغب في أن أعيش حياتي مثل شخص عديم الفائدة.
لاحظت جدتي أنني لم أكن على ما يرام، فرفعت حاجبيها وقالت بسرعة:
“لكن، يوريا، كنتُ أعيش حياتي بشغف في الماضي. حقًا، لقد كنتُ كذلك. ربما ليس بقدر والدك، لكنني كنتُ أُدير شؤون الإقطاعية بكفاءة.”
تمتمت جدتي وهي تدير عينيها:
“كنتُ أطارد كل المجرمين الذين تسببوا بالمشاكل في الإقطاعية حتى النهاية، و… أقطع رؤوسهم جميعًا. لا، لا، هذا الكلام ليس مناسبًا لتعليمك.”
يبدو أن الحديث كان عن الفترة التي كان والدي مسؤولًا فيها عن الإقطاعية عندما كان صغيرًا.
لكن جدتي، التي قررت بسرعة أن هذا النوع من الحديث لا يناسبني، غيّرت الموضوع على الفور.
“حسنًا. عندما كنتُ صغيرة… وقعتُ في حب جدك من النظرة الأولى، ألا تصدقين ذلك؟”
“ماذا؟”
“كنتُ ألاحقه بشدة لدرجة أن 24 ساعة في اليوم لم تكن كافية. أعتقد أن إريان كان كذلك أيضًا.”
بمجرد أن سمعتُ اسم والدي، شعرت أنه لا داعي للاستماع أكثر.
لم أعد أرغب في أن يقول لي أحد إنني أشبه جدتي.
بل على العكس، بدأت أشعر بالقلق من أنني إذا أحببت رجلاً في المستقبل، قد أصبح مثلهما، كجدتي ووالدي. لذلك، خرجت من غرفة جدتي عابسة الوجه في النهاية.
بينما كنت أفكر في وجهتي التالية، توقفت للحظة ثم بدأت بالنزول بسرعة على الدرج.
—
“لم أكن مثل والدك تماماً، لكنني كنت أدير شؤون الإقطاعية بشكل جيد.”
كانت أمي معروفة بعبقريتها الفذة، أما أبي، فقد قيل إنه كان إقطاعياً رائعاً يحظى باعتراف الجميع.
فكرتُ أنه سيكون جيداً لو أصبح أخي طبيباً عبقرياً مثل أمي، وأنا أصبح إقطاعية عظيمة مثل أبي. لذلك قررت الذهاب لرؤية أبي.
عندما سألت بعض الخدم، أخبروني أن أبي كان في قاعة الاحتفالات للتحضير للحفل. ففكرت أنني قد أستمتع برؤية القاعة مسبقاً، وأصبحت خطواتي أسرع شيئاً فشيئاً.
—
عندما دخلت قاعة الاحتفالات، اتسعت عيناي من الدهشة. لم تكن مجرد تلك المساحة الشاسعة عديمة الجدوى كما تبدو في العادة، بل كانت مزينة بأضواء متلألئة وزخارف في كل مكان، وكأنها غابة الجنيات التي تظهر في كتب القصص.
وسط الزحام وصخب الخدم المنشغلين، لاحظني أبي فجأة وهرع نحوي ليحملني بين ذراعيه.
“يوريا!”
ارتفع بصري فجأة إلى الأعلى.
“لقد جئتِ مبكراً. كنت أتطلع إلى رؤية وجهكِ السعيد غداً عندما ترين كل شيء مكتملاً.”
أحببت صوت أبي المنخفض، فضحكت ووضعت يدي حول رقبته.
أبي، بينما كان يحملني، بدأ بالعمل على الفور.
حتى وهو في قاعة الاحتفالات، كان الناس يأتون إليه باستمرار للتحدث معه.
“مسألة الفارس إيرفيس، عالجها كما قلت لك في المرة السابقة. أما توزيع فرسان الحراسة، فغيّر الخطة إلى الخيار الثالث.”
سمعت من المربية أن إقطاعية سيريوس شاسعة جداً، وأن والدي يديرها بدقة كبيرة، لذا فهو دائماً مشغول. ورغم ذلك، لم يُظهر لي أبي أي ضيق أو انزعاج كلما أتيت لرؤيته.
“خططوا لعملية ضبط التهريب لتتم الأسبوع القادم.”
على عكس النبرة الدافئة التي كان يتحدث بها معي حين حملني، كان صوت أبي وهو يصدر الأوامر لمرؤوسيه منخفضاً وبارداً.
“سأتولى أمر أولئك المهربين بنفسي هذه المرة، لذا استعدوا جيداً.”
كنت بين ذراعي أبي، أبتسم بسعادة.
في الحقيقة، لم أفهم تماماً ما كان يقوله، لكن الأجواء كانت واضحة. النبرة الجادة، الأوامر الدقيقة، والشعور بالهيبة الذي ينبعث منه حتى وهو صامت… بدا لي أن التشبه بأبي ليس أمراً سيئاً على الإطلاق. خاصة وأنه إذا سار أخي على خطى أمي، فمن المحتمل أن تكون هذه الإقطاعية من نصيبي!
لذلك، قررت أن أبحث عن أوجه التشابه الأخرى بيني وبين أبي، بخلاف الشعر الأسود الذي ورثته عنه.
“أبي.”
ناديت أبي بينما كنت أتعلق به.
“كيف كنت وأنت في السادسة من عمرك؟”
“همم… أعتقد أنني كنت مريضاً كثيراً، وأقضي أغلب الوقت مستلقياً في السرير.”
لم أستطع تخيل ذلك، خاصة وأن أبي الآن هو الأقوى من بين الجميع هنا.
“بصراحة، لا أتذكر الكثير من طفولتي، ولا أرغب في تذكرها.”
أما أنا، فأنا بصحة جيدة جداً، لذا يبدو أنه ليس لدينا أي تشابه عندما كان في السادسة من عمره.
أبي ابتسم بهدوء وأكمل حديثه:
“لكنني أتذكر حياتي بشكل أوضح منذ أن بلغت الثالثة عشرة.”
“هل كنت قد تعافيت تماماً عندما بلغت الثالثة عشرة؟”
“لا.”
مد أبي يده الكبيرة ليمسح شعري بلطف.
“حينها التقيت أمك.”
آه… بالطبع، كانت تلك النظرة على وجهه لأنه تذكر أمي.
“بمجرد الحديث عنها، أشعر أنني أشتاق إليها. كم تبقى من الوقت حتى أنهي عملي؟”
أصبح أبي فجأة جاداً للغاية وبدأ يتحدث بسرعة إلى زيكل، الذي كان واقفاً بجانبه.
“زيكل، ما رأيك في وضع أسرع حصان سباق في سيريوس لعربة ريتشي؟”
“إذا قمنا بربط حصان سباق بعربة، فإن من يركبها سيعاني من دوار شديد، على الأرجح.”
“إذاً، يجب أن نستثمر في جميع الورش في سيريوس لتطوير عربة تمنع الدوار حتى مع وجود حصان سباق.”
وهكذا، انغمس أبي بشكل مفاجئ في فكرة تقليل وقت ذهاب أمي وإيابها إلى العمل، وبدا متحمساً كما لم يكن من قبل وهو يطلق أفكاره بسرعة.
“بالطبع، يجب أن يكون داخل العربة أكثر راحة… ربما نحتاج إلى استشارة مصمم داخلي للعربات. وسنحتاج أيضاً إلى توظيف سائق يستطيع التعامل مع خيول السباق. ربما يجب أن نبدأ بمشروع طويل الأمد… ماذا لو قمنا بتربية المهرات بأنفسنا؟”
“سيكون هذا مشروعاً طويل الأمد للغاية…”
“لا بأس، حتى لو استغرق الأمر عشر سنوات، طالما يمكننا تقليل وقت ذهاب وإياب ريتشي بمقدار 10 دقائق.”
“……”
نظرت إلى وجه أبي الذي بدا يائساً بشدة، واتخذت قراري. إذا قال لي أحدهم إنني أشبه أبي، فلن أشعر بالسعادة حيال ذلك.
بغض النظر عن مدى براعته في العمل أو جمال مظهره، فإن هوسه بأمي يصبح واضحاً جداً لكل من حوله. قد لا أمانع الزواج برجل مثل أبي، لكنني لا أرغب أن أصبح شخص مثله.
وبينما كنت أفكر، تذكرت أن جدتي قالت إنها كانت تأخذ الحب بجدية أيضاً… هل يمكن أن يكون أبي قد ورث هذا عنها؟
“أرجوك أنزلني، يا أبي.”
“ماذا؟ بالفعل؟”
شعرت بالكآبة ونزلت من بين ذراعيه.
أبي يحب أمي لدرجة أنه بالتأكيد يحب أخي أكثر مني، لأن أخي يشبه أمي.
في تلك الليلة، شعرت بغيظ كبير لدرجة أنني تظاهرت بالنوم حتى بعد عودة أمي من العمل ولم أخرج من غرفتي. حتى عندما جاءت أمي وأبي إلى جانبي، ومسدا شعري وقبلا خدي، تجاهلت ذلك تماماً.
كانت القلعة مشغولة حتى وقت متأخر من الليل استعداداً لحفل تكريم أمي في الغد، لكنني لم أكن متحمسة للحفل على الإطلاق. لأن الجميع سيقولون بالتأكيد أثناء رؤيتهم لأخي: “بالطبع، إنه يشبه السيدة ريتشي، إنه عبقري حقاً!”
لا أريد أن أشبه جدتي، ولا أريد أن أشبه أبي أيضاً…
في النهاية، لا يمكن للمرء أن يبقى طفلاً سعيداً إلى الأبد.
وهكذا، شعرت وكأنني أتعس طفلة في السادسة من العمر، واستسلمت للنوم وأنا أتنهّد بعمق.
المترجمة:«Яєяє✨»