5
أيّاكم وإحياء الشريرة بعد موتها [ 5 ]
كان شيروغا على حق.
الصداع الذي لم يهدأ مهما فعلت، بدأ أخيرًا يتلاشى شيئًا فشيئًا.
‘هذا الشعور… غريب فعلًا…’
“انتهى الأمر.”
مسحت بذراعي وقد تسلّل إليها قشعريرة من أثر الإحساس العجيب.
“هل ما زال هناك أي إزعاج تشعرين به؟”
سأل شيروغا وقد احمرّ وجهه قليلًا.
بدا متعبًا بعض الشيء، ربما لأن استخدام القوة المقدسة استنزفه.
“أنا بخير. لكن…”
“نعم؟”
“اللافندر… كلما استخدمتَ قوتك القدسية تفوح رائحة اللافندر.”
أشرت صراحة إلى العطر الحلو الذي كان يلازمني منذ لحظات، وكأنني أتساءل إن كان يجهل الأمر.
“كما أن لكل إنسان لونًا خاصًا لروحه، فلكل قوة مقدسة رائحتها الخاصة. ويبدو أنكِ استطعتِ أن تشميها.”
“هذا مدهش… والآن تفوح مني أيضًا رائحة اللافندر.”
“…….”
حين لاذ بالصمت فجأة، نظرتُ إليه باستغراب.
وفي تلك اللحظة أعلن السائق أننا وصلنا إلى المعبد.
ما إن نزلت من العربة، حتى وجدت الدوق يوهانس في انتظاري.
“تأخرتِ.”
أومأت ببرود.
أردت إنهاء الإجراءات سريعًا والعودة إلى المنزل.
فحتى مع قوة شيروغا، لم يختفِ الإحساس المقيت الذي يهاجمني عند الاقتراب من المعبد.
“هل وضعتِ عطرًا؟ رائحة الأعشاب تكاد تُصدّع رأسي.”
قالها الدوق بسخرية وهو يقطب جبينه.
حينها كان شيروغا قد أنهى حديثه مع الكاهن وتقدم نحوي.
توقف الدوق فجأة، وراح ينظر إليّ وإلى شيروغا بالتناوب.
“…رائحة الأعشاب.”
“عفوًا؟”
“لم أكن أعلم أن بينكما معرفة. أليست هذه أول مرة تلتقيان فيها البارحة فقط؟”
لحسن الحظ أنني كنت قد أعددت عذرًا مسبقًا.
“إنه ضيف أخي. كما أنه مبعوث دبلوماسي من عائلة سارين في المملكة المقدسة.”
ساد صمت ثقيل جعل الموقف محرجًا.
حتى شيروغا، الذي كان هادئًا طوال الطريق، لم ينبس بكلمة.
كاد الملل والتعب ينهشانني، لولا أن كاهنًا مبتدئًا قطع الصمت.
“الدوق والآنسة لارس. تفضلوا بالدخول.”
الحصول على إذن فسخ الخطوبة كان أسرع مما توقعت.
وبعد أن ألقيت التحية على الكاهن الأكبر الذي أشرف على الإجراءات، ألقى عليّ جملة غريبة:
“تملكين روحًا فريدة من نوعها.”
‘كلام يبدو أشبه بخزعبلات الدجالين.’
لم أجب، فتابع بوجه شارد:
“نورٌ يخطف الأبصار… يتجاوز حدود السحر ليصبح مخيفًا.”
“الزم لسانك.”
تدخل شيروغا بحزم ليقطع حديثه.
“أه حقًا؟”
أجبته بلا مبالاة لأوقفه، لكن ذلك الكاهن المخبول لم يمنحني فرصة للانصراف.
“كيف يمكن أن تكون الروح بلا أي لون؟”
وبمجرد أن قالها، تصلب جسد الدوق فجأة.
ثم أدار رأسه ببطء نحوي وسأل بصوت مرتجف:
“هل يمكن أن يتغير لون الروح؟”
…ماذا؟
“ولمَ هذا السؤال؟”
بادرتُ بسؤاله قبل أن يتكلم الكاهن.
حاولت الحفاظ على هدوئي، لكن قلبي كان يخفق بعنف جنوني.
لو، ولو فقط كان الدوق يعرف اللون الأصلي لروح بيغونيا…
انتقل بصره من الكاهن إليّ مباشرة.
سارعت بإخفاء يدي المرتجفة بين طيات ثوبي.
“…لا، كلام فارغ خرج عفوًا.”
“…….”
لكن عيناه الزرقاوان كانتا تضطربان بشكل جنوني.
شعرت كأن صاعقة أصابتني، الدوق قد اكتشف شيئًا.
* * *
حين خرج الدوق لبعض شؤون التبرعات، اندفعتُ إلى خارج المعبد لأكتم اضطرابي الذي يكاد يخنقني.
بين المباني الحجرية ظهر العشب وقد تلون بلون الغروب.
مشهد هادئ لا يعكس ما يضطرب في داخلي.
‘ربما أدرك الدوق أنني دخيلة على هذا الجسد.’
ارتجف جسدي تحت وطأة التوتر.
أسرع شيروغا للحاق بي وأمسك بي.
كان خطأي أنني افترضت أن الدوق يجهل أمر لون الروح.
إن تحولت شكوكه إلى يقين، فسينقلب وجود بيغونيا، لا، وجودي أنا رأسًا على عقب.
“…هل يتغير لون الروح حقًا؟”
سألت شيروغا الذي كان صامتًا يدعمني بصمته.
ربما لأن رائحة اللافندر المحيطة به ازدادت قوة، شعرت أن قلبي يهدأ قليلًا.
‘قل نعم… أرجوك، فقط قل نعم.’
“إلا في حالة أن روحًا أخرى تجسدت في الجسد… مثل حالتك.”
“…….”
“فلن يتغير.”
أغمضتُ عيني ببطء.
لم يعد بالإمكان التراجع.
‘لو تدخل الدوق، ستتغير القصة الأصلية. حتى إعدامي سيتأخر.’
وإذا لم تمت الشريرة في موعدها، فما الذي سيحدث؟ حسنًا… لحسن الحظ أن موعد الإعدام بات قريبًا.
‘ثمانية أيام فقط… إن صمدت لثمانية أيام…’
حتى لو كان الدوق نفسه، فلن يستطيع أن يفعل شيئًا بجسد ميت.
وبينما كنت أرهق ذهني في القلق، بدأ الدم يسيل من أطراف أصابعي المثقوبة.
كان الألم الجسدي أهون بكثير من الرعب الذي يسكنني.
“بيغونيا، الدوق قادم.”
همس شيروغا وهو يمد يده نحو جرحي.
رتبت ملامحي بسرعة والتفت.
في مثل هذه اللحظات، التجاهل هو أفضل سلاح.
حتى وإن كان داخلي فوضى عارمة.
“لقد تأخر الوقت. سأعود الآن مع السير سارين.”
“ما رأيكِ أن نتناول العشاء معًا؟ وليكن هو معنا أيضًا.”
قالها الدوق فجأة.
لكن لو جلستُ على مائدة واحدة في هذه الحالة، فلن يخرج الأمر بخير.
تجاهلت كلامه فاعتبر ذلك رفضًا وأضاف بحجة أثقل:
“ليلي تود أن تراكِ.”
“أخبِرها أنها ستضطر لرؤيتي على كل حال في حفل ميلاد جلالته بعد أيام قليلة.”
“لقد أمرتُ بالفعل أن يُحضَّر الطعام لأربعة أشخاص، فأتمنى ألا ترفضي.”
ومضى نحو عربته دون أن ينتظر ردًا.
متعجرف كعادته.
‘لو رفضت ثانيةً، سيزداد شكه بي.’
تنهدتُ وأخذت خطوة ثقيلة نحوه.
لم يكن أمامي خيار آخر منذ البداية.
‘…سأختنق هكذا.’
في قاعة طعام قصر الدوق لم يكن يُسمع سوى أصوات الملاعق والأطباق.
لا الدوق الذي دعا الناس ثم التزم الصمت، ولا ليلي التي أخذت تدير عينيها في جو مشحون بالتوتر، ولا حتى شيروغا الغارق في التفكير.
الجميع ظلوا صامتين لعشر دقائق تقريبًا.
في تلك اللحظة فقط، ليلي التي أصرت على الجلوس بجانبي استطاعت أن تفتح فمها.
صدح صوتها العذب في القاعة الهادئة.
“سيد سارين، هل وجدت شريكة ترافقك في الحفل؟”
“نعم. ويسعدني أن أدخل مع الآنسة لارس.”
لكن محاولتها باءت بالفشل، إذ سرعان ما خيّم الصمت من جديد بعد إجابة شيروغا.
‘لم أتوقع أن يذكر اسمي.’
ليس سرًا كبيرًا على أية حال، لكن فجأة ثلاث عيون صارت مركزة عليّ.
وضع الدوق سكينه ببطء ثم قال:
“ليس مشهدًا جميلًا بالذات.”
“أجل. فحين يدخل خطيبان منفصلان كل مع شخص آخر، لن يكون المنظر جيدًا.”
أجبته بلهجة ساخرة، فقوبلت بنظرة باردة.
في تلك الأثناء، ليلي التي كادت تتصبب عرقًا أشارت إلى الملفوف الموضوع أمامي وقالت بقلق:
“بيغونيا، أليس لديك شهية؟ حتى الملفوف طعامك المفضل لم تلمسيه…”
لكن الملفوف هو أكثر شيء أكرهه.
ربما كانت بيغونيا تحبه، لكني أنا لا.
خشيت أن تزداد الشكوك، فمددت يدي وأخذت القليل منه إلى فمي.
غثيان حاد اجتاحني.
“التحلية ستكون شربات بالفول السوداني.”
ما إن أنهى الخادم كلامه حتى التقت عيناي بعيني الدوق.
كانت نظرة تفحص.
‘ما به؟’
وفجأة— طَرق.
ليلي انتفضت وركلت الطاولة بصدمة.
تبع ذلك همس مرتجف.
“يا دوق! لماذا…”
وجهها شحب من الذهول، لكن الدوق أوقف كلامها بابتسامة لطيفة وهو يميل برأسه.
“ليلي، تبدين متعبة. لماذا لا تصعدين للراحة قليلًا؟”
كل مرة أسمع فيها هذا الأسلوب لا أستطيع التعود عليه.
‘آه.’
شعرت بقلبي يضطرب.
كلما رأيت ملامح علاقتهما الحميمية اجتاحني شعور غير مبرر من الضيق.
طَقطَق—.
بينما كنت أحدق في الطبق بعبوس، طرق شيروغا الطاولة برفق.
“سيد سارين؟”
“هل أنتي بخير؟”
كان ينظر إلي بابتسامة خفيفة تخالطها بعض القلق.
يبدو أن مزاجي السيئ ظهر على وجهي، فحاولت أن أرسم ابتسامة مصطنعة.
لكن ذلك جعله يزداد قلقًا.
‘لآكل الحلوى فحسب.’
وضعت الشربات المزينة بالفول السوداني في فمي علّني أطرد الكآبة.
“بيغونيا!”
ليلي التي كانت متوترة منذ قليل، أمسكت بذراعي بقوة.
غصصت—
الشربات انزلق في حلقي.
“…آه.”
تذكرت فجأة ما كنت قد نسيته.
الدعوة المفاجئة من الدوق، صدمة ليلي عند رؤية الحلوى.
في القصة الأصلية، بيغونيا كانت…
“ابصقيه حالًا، بيغونيا!”
…كانت ستكاد تموت بسبب حساسية الفول السوداني.
‘…الآن فهمت. لهذا لم أرَ الفول السوداني في قصر الكونت أبدًا.’
أدرت رأسي ببطء نحو الدوق.
رغم وجهه الجامد الشاحب، كانت يداه تقبضان على الطاولة بقوة تكاد تحطمها.
الأصوات حولي أخذت تبتعد.
صرير الكرسي الذي كان يجلس عليه شيروغا دوى وهو يسقط للخلف.
“…أحضروا الطبيب من غرفة الضيوف.”
قالها الدوق ببرود وهو يراقب يدي التي كانت تقبض على عنقي.
في اللحظة نفسها، اجتاح أنفي عبير اللافندر… ثم غرق العالم كله في السواد.
* * *
— بيغونيا، بيغونيا.
في غمرة وعيي المترنح سمعت من يناديني. صوت رقيق مألوف بطريقة غريبة.
— بيغونيا.
‘لماذا تواصل مناداتي؟’
— بيغونيا.
‘قلت لست بيغونيا.’
كنت متعبة جدًا، لكن النداء تكرر بلا توقف حتى أثار أعصابي.
أردت أن أصرخ، وما إن فتحت فمي حتى شعرت بجسدي يهوي من فراغ… واستيقظت من الحلم.
‘ما كان ذلك؟’
أشعة الصباح اخترقت عيني.
للحظة كان عقلي مشوشًا لا يعمل.
لكن حين رأيت السقف الغريب، انتفض جسدي تلقائيًا.
لم تكن غرفة بيغونيا.
الفراش الأنيق بلونه الهادئ، رائحة الخشب في الجو، والأهم… شعار قصر الدوق يوهانس.
ما إن استوعبت ذلك حتى ركضت حافية القدمين نحو الباب.
——
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"