3
أيّاكم وإحياء الشريرة بعد موتها [ 3 ]
“يبدو أنك أخطأت في الشخص.”
أبعدتُ الدفء الفاتر الذي لامس معصمي، واستدرت إلى الخلف.
كانت كل حواسي مشدودة إلى الدوق الواقف هناك.
“آه…….”
تفجّر تنهيدة من وجه وسيم مرتب وقد بدا عليه الذهول.
خصلات شعر فضي تتكسر تحت أشعة الشمس، وتحتها عينان بنفسجيتان متلألئتان.
كان يبدو كشخص رقيق الملامح.
‘…رغم أنه قلب كياني كله رأسًا على عقب.’
ومع ذلك، كانت هالته محاطة بسكينة توحي بالطمأنينة وكأنها تخصه وحده.
‘…عينان بنفسجيتان؟’
شعور مألوف راودني.
كأنني رأيتهما من قبل…
الرجل الذي كان يحدق بي مطولاً حرّك شفتيه ببطء.
“أعتذر. لا بد أنني خلطت بينكِ وبين شخص آخر.”
كان الرجل، ذو البنية الجسدية التي لا تقل ضخامة عن بنية الدوق، قد حنى رأسه قليلًا.
لسببٍ ما أزعجني ذلك.
كان يبدو وكأنه يعرف أنني أوفيليا بلا شك……
“ما اسمك؟”
ارتفعت نظرته التي كانت تتجول على وجهي.
إن عرفتُ اسمه فربما أستطيع العثور عليه لاحقًا.
“آه، تأخرت في التعريف بنفسي. أنا شيروغا سـ…”
“ألديك عمل مع خطيبتي؟”
وقبل أن ينطق باسمه كاملًا، شعرت بحرارة أخرى تحيط بمعصمي.
لم يطل ذهولي حتى رأيت الدوق الذي بدا متجهمًا يشدّني خلفه.
‘ما هذا؟’
كان ينزعج حتى من مجرد لمسي والآن يفعل هذا فجأة؟
ما إن سمع كلمة خطيبة حتى تجمد وجه الرجل وتلاقت نظراتنا.
لكنه لم ينظر إلى الدوق الذي قاطعه، بل ظل يرمقني وحدي بجبين مقطّب.
“وقح جدًا. ألا تسمع ما أقول؟”
ودفعني الدوق خلفه بإيماءة جعلتني أنزعج أكثر.
وبينما كنت أحدق غاضبة في مؤخرة رأسه الذهبية اللامعة، تبعت عينَا الرجل نظراتي.
ولسبب ما، بعد أن كان يرمق الدوق ببرود، حوّل بصره نحوي وانحنى قليلًا.
“أكرر اعتذاري يا آنستي، لكن اسمك…؟”
“بيغونيا لارْس.”
وما إن نطقت اسمي حتى انكسرت سكينة ملامحه كالموج المضطرب.
أسرع بصوت متلهف:
“الآنسة لارْس، هل تسمحين أن أصلح إساءتي؟”
امتدت نحوي أنامله المرتبة كما هي هيئته.
‘صراحة، أرغب أن أتبعه….’
لكنني ترددت، وألقيت نظرة على الدوق.
عيناه الزرقاوان الباردتان كانت تخرقني.
من الواضح أن الحديث معه هنا أمام الدوق لن يجر أي خير.
“عذرًا، لكن لدي موعد مع خطيبي، لذا يصعب الأمر. فلتعذرني.”
قبضت على ذراع الدوق قبل أن ينطق، وغادرت سريعًا.
“بيغونيا.”
‘من يكون بحق خالق السماء؟’
“بيغونيا.”
هل سنلتقي ثانية؟ ربما كان عليّ اللحاق به…
“بيغونيا!”
شعرت بيد الدوق على كتفي يستوقفني.
يبدو أن الصوت المزعج الذي كنت أسمعه منذ قليل لم يكن سوى نداءه المتكرر.
“ما بالكِ شاردة هكذا؟ أهو بسبب ذلك الرجل؟”
سألني الدوق بحدة وجبينه معقود.
لكن عقلي كان ما يزال مشغولًا بذلك الرجل ذو الشعر الفضي.
“أشعر ببعض الوهن. عذرًا، سأتقدم إلى الداخل أولًا.”
تفوهت بعذر كيفما اتفق وحاولت الانصراف، لكنه قبض على ذراعي من جديد.
“أتعرِفينه؟”
“لا.”
“فلماذا ناداكِ بأوفيليا إذن؟”
“أنا نفسي لا أعلم.”
بدأ صوته الذي يشبه التحقيق يثير استيائي.
“هل تستجوبني الآن؟”
“ما زلتُ خطيبكِ. أليس من حقي أن أسأل؟”
سخرتُ بمرارة.
‘هل نسي حديث الأمس؟ نحن على شفا فسخ الخطوبة.’
أبعدت يده التي كانت تكاد تسحق معصمي.
“إذن لا تسأل. فنحن على وشك الانفصال، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“بعد فسخ الخطوبة، أي علاقة تربطني بذلك الرجل سواء حب أو زواج فما شأنك بها؟”
كان تصرف الدوق الغريب منذ البارحة يثير ضيقي.
بالكاد أحتمل الإرهاق، وهو لا يزيدني إلا توترًا.
أما ليلي التي تدور حولي بقلق فكانت تزيد الطين بلة.
التفتُ إلى الخلف بسرعة، لكن الرجل الفضي الشعر اختفى.
“أنتِ…”
لم أعر انتباهًا لما تمتم به الدوق، وأدرت ظهري.
لم يعد مهمًا.
‘شيروغا……’
رجل يعرف أوفيليا ذو وجه مألوف بشكل غريب.
وكان اليوم التاسع قبل موعد الإعدام.
إن فجأة، ظهر متغير جديد.
* * *
بعد ذلك جبت الشوارع كالمجنونة، لكني لم أجده.
عدت متعبة إلى قصر الكونت، ألقيت بجسدي المنهك على الكرسي.
“هل الأشخاص ذوو الشعر الفضي والعينين البنفسجيتين شائعون؟”
سألت الخادمة وهي تساعدني في تبديل ثيابي.
“هم نادرون في الإمبراطورية، لكنني سمعت أنهم أكثر وجودًا في المملكة المقدسة.”
“المملكة المقدسة، إذن…….”
خيط رفيع يلوح ولا ينقطع.
طرق- طرق.
بينما كنت أشعث شعري من الضيق، دوى طرق على الباب.
“آنستي لديكِ زائر.”
أجل، كنت قد سمعت أن شخصًا سيأتي بعد الظهر.
أجبت كبير الخدم الذي عرض إدخاله إلى الصالون:
“وأين أخي؟”
“سيدي الكونت في القصر الإمبراطوري.”
بيغونيا بلا والدين، وكذلك أوفيليا.
‘حقًا بيننا قواسم مشتركة كثيرة… حتى الشكل.’
لكن بخلاف العلاقة الفاترة مع كونت لارس، كانت أسرة ميريال مترابطة وسعيدة.
‘وهذا هو الفارق الجوهري.’
عضضت على شفتي بمرارة، ثم قلت:
“أخبره أنني سأنزل حالًا.”
“أمرك آنستي.”
صففت شعري المبعثر ونهضت من مكاني.
عند خروجي من الغرفة، رأيت الخدم منشغلين بالحركة.
على ما أذكر، قيل إن الزائر من عائلة مرموقة في المملكة المقدسة.
إن كان مبعوثًا دبلوماسيًا فلعله في الأربعين تقريبًا.
‘قد يعرف شيئًا عن الشعر الفضي.’
بهذا الأمل، طرقت باب الصالون.
طرق- طرق.
“سأدخل الآن.”
وما إن فُتح الباب الكلاسيكي حتى تسلل إلى أنفي عطر مألوف…
لافندر.
* * *
في اللحظة التي أدركتُ فيها تلك الحقيقة، تجمّد كل شيء.
الدفء الفاتر الذي كان يحيط بمعصمي، البريق البنفسجي في عينيه، ورائحة الأعشاب التي جلبتها نسائم الربيع.
رفعتُ رأسي، فاندفع إلى مجال بصري الرجل الذي شوش عليّ كياني طوال اليوم.
“مرت فترة طويلة يا أوفيليا.”
“…….”
“أم عليّ أن أناديك الآن بيغونيا؟”
حين تبعتُ بعينيّ بريقه الأرجواني الرقيق، وقعت على شعر فضي تلون بحُمرة الشفق.
عقلي أخذ يدور بسرعة.
رجل من المملكة المقدسة يعرف أوفيليا، عطر اللافندر الذي كان باعثًا على الارتياح، واللون البنفسجي….
‘هاهاها! سيدي، يبدو أنك ثملت. عينك تدور وتدور.’
‘الثمل ليس أنا، بل أنتِ.’
إنه ذلك الرجل.
‘لكن كيف؟’
إنه الشخص الذي التقيته عندما كنتُ في جسد أوفيليا.
وذلك قبل عام كامل.
لا يمكن أن يعرف أنني الآن بيغونيا، بل لا ينبغي له أن يعرف أصلًا.
وإن ذهب ليشي بي عند الدوق……
بينما وجهي غارق في الارتباك، كان يحدق بي مطولًا قبل أن تتحرك شفتاه:
“أنا شيروغا سارين. التقينا في إحدى حفلات المملكة المقدسة.”
“وكيف عرفت أنني بيغونيا؟ وقتها كنتُ أوفيليا بلا شك.”
“…ألَا تتذكرين ما حدث في تلك الليلة؟”
ارتجفت عيناه البنفسجيتان وقد اتسعتا على غير المتوقع.
“كنتُ أستغرب كثرة شربك آنذاك…….”
لم أجب، واكتفيت بالتحديق فيه. فتابع بشيء بدا خارج السياق:
“من يملك قوى مقدسة استثنائية، يستطيع أن يرى لون الروح.”
“لون الروح؟”
“نعم. لكل إنسان لون خاص بروحه… لكنكِ مختلفة.”
مميزة؟ هل يقصد أنني لستُ من هذا العالم؟ هذه أول مرة أسمع شيئًا كهذا منذ مضي عامين على تجسدي هنا.
“روحكِ بلا لون.”
“…….”
“إنما تتلألأ فحسب، حتى لتعمينا شدتها.”
كان يتحدث عن “أنا” الحقيقية، لا عن “بيغونيا” أو “أوفيليا”.
ومع ذلك، لم أشعر بأي وقع خاص.
الموت الذي تمنّيته يقف على عتبة الباب، فما جدوى الانشغال بأمور غريبة كهذه؟ كان عليّ التركيز على الواقع.
“هكذا استطعت التعرّف إليكِ. من لون روحك.”
“أهذا كل شيء؟ هل هذا وحده ما جعلك تميّزني؟”
“نعم.”
“كاذب.”
“…عفواً؟”
رمقته بعينين ثابتتين.
إنه يتصنّع البراءة، لكنني لم أنسَ تلك النظرة الباردة التي رماها نحو الدوق.
ثم إنّ…
“إن كان هذا وحده السبب، فلماذا ما إن جئت إلى الإمبراطورية طلبتَ لقاء بيغونيا لارْس بالذات؟”
“…….”
ظلّ شيروغا سارين صامتًا فجأة.
هذا لا يتسق مع كلامه.
لقاؤه بيغونيا اليوم هو الأول، وهذا يعني أن رؤيته لروحي في جسد بيغونيا لم تحدث إلا الآن.
لكن رغم ذلك، كان قد طلب لقاء بيغونيا منذ وقتٍ سابق.
‘كيف عرف أن أوفيليا وبيغونيا شخص واحد دون أن يرى روحي؟’
بعد تردّد، قطّب حاجبيه وكأنه لا يرغب في قول ما سيقوله:
“…لأنكِ أنتِ من قلتِ لي ذلك.”
“ماذا؟”
“قلتِ لي، عندما أصل إلى الإمبراطورية، ابحث عن بيغونيا لارْس. عندها سيتأكد الأمر.”
“يتأكد ماذا؟”
وما إن خرج التساؤل من فمي حتى خطر في ذهني احتمال مروّع.
لا يمكن….
“يتأكد أنكِ تجسّدتِ هنا… أنكِ بينغ-إي، وافدة الروح.”
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"