كان صوته حين قالها أقرب إلى الزفير، وكأنّه منهكٌ تمامًا، ما جعل قلب لِيليانا ينعصر حزنًا من جديد.
أخذت بيده وجلست إلى جوار السرير، على الأريكة القريبة، وهيليو جلس بجانبها بصمت.
نظرت إليه لِيليانا وهو ساكن إلى جوارها، ثم ربّت بخفّة على فخذها.
“ما الأمر؟”
نظر إليها هيليو بوجهٍ خالٍ من الفهم، وهنا تذكّرت لِيليانا من جديد أنّ هذا الرجل لم يعش لحظات حنونة مع الآخرين من قبل.
تردّدت قليلًا، ثم انحنت فجأة وأسندت رأسها على ركبته.
“هاه.”
استلقى هيليو على ظهره ينظر إليها بدهشة، بينما كانت لِيليانا تجمّع يديها فوق صدرها وتشرح:
“كنتُ أقصد أن تفعل هكذا، أردتُ أن أُدلّك رأسك.”
“وكيف توصّلتِ من الإشارة إلى هذا الوضع؟”
“كانت والدتي تفعل هذا حين أطلب منها أن تلاعبني. ركبتيها كانتا ناعمتين… أما ركبتك، فمثل الصخر.”
ضحك هيليو ساخرًا.
“وكأنّكِ مختلفة؟ لا بد أنهم لا يشعرون سوى بعظام جمجمتك الصلبة.”
لِيليانا وافقته بسهولة.
“جلالتك، جرّب أن تُربّت على رأسي.”
قالتها وهي مستلقية بهدوء، بعينين ناعستين تنظران إليه بثقة.
لكن هيليو لم يتحرّك، بل اكتفى بالتحديق فيها بعينين نصف مغمضتين، مما دفعها إلى الإمساك بياقة ثوبه وهي تأمره:
“هيّا.”
وكما العادة، لم يكن يردّ طلبها إلا نادرًا.
فاستجاب هذه المرة أيضًا.
راح يُمرّر كفّه الكبيرة على شعرها ببطء.
كانت خصلاتها الناعمة والرفيعة تتسلّل بين أصابعه وتدغدغ راحته بشدّة.
أما هي، فقد أغمضت عينيها وارتسمت على وجهها ابتسامة مُطمئنّة تدل على الراحة.
واستمرّ في التربيت لمدّة، حتى فتحت لِيليانا عينيها ببطء وقالت:
“كيف تشعر الآن؟ هل تحسّن مزاجك يا جلالتك؟”
وفي تلك اللحظة، شعر هيليو وكأنّ أنفاسه قد اختنقت.
كان ذاك الحجر الوردي الذي بدا من بين جفنيها ساحرًا إلى حدّ يبعث على الدهشة.
هل يُعقَل أن تكون عينا الإنسان بهذا الجمال الفائق؟
“……لِيلي… أريدكِ لي.”
قالها هيليو كأنّ شيئًا ما قد تلبّسه.
فتقلّصت حدقة لِيليانا، التي كانت تسبح في سكون اللحظة، من شدّة الاضطراب.
حرّكت شفتيها بتردّد، ثمّ سألته بحذر:
“لماذا؟”
“عيناكِ… لا ظلّ فيهما.”
كانت لِيليانا تأمل في إجابةٍ غير تلك.
كانت تتمنى أن يكون توقه لها، وميله لامتلاكها، نابعًا من مشاعرٍ تُشبه مشاعرها.
لكن إجابته جاءت غامضةً إلى حدٍّ جعلها تستعصي على الفهم.
ورغم خيبة الأمل التي ارتسمت بوضوح على وجهها، لم يظهر عليهما أيّ أثرٍ للعتمة.
بل إنها بعد لحظاتٍ قليلة، بدا وكأنها استخرجت من كلماته بُشرىً سرّية، فتلألأت عيناها من جديد.
“إذًا، تُعجبك عيناي؟”
مدّ هيليو إصبعه، وراح يمرّره بخفةٍ قرب عينيها.
كانت لِيليانا تغمض عينيها في كل مرةٍ يُلقي عليها بظلاله، ثم تفتحهما من جديد لتنظر إليه.
وعندما رأت في وجهه التردّد، بادرت إلى الاستفهام بنظرةٍ تنتظر الجواب.
فأجاب هيليو بإيجاز:
“نعم.”
ضحكت لِيليانا بارتياح، ولم يستطع هيليو أن يفهم سبب ابتسامتها النقيّة.
هو لا يعرف الحب، لكنه على درايةٍ بما يقوله العشّاق عادةً.
كان يعرف الإجابة “الصحيحة”، لكنه، لسببٍ ما، لم يستطع أن ينطق بها.
وما خرج من فمه، وإن كان ناقصًا لا يروي شيئًا، فقد بعث السعادة في نفسها.
وعندما همّ بأن يسألها، سبقتْه لِيليانا بوضع يدها قرب عينيه.
“وأنا أحب عينيك أيضًا، يا جلالة الإمبراطور… ما من عيونٍ في هذا العالم تُضاهيها جمالًا.”
عندها، أدرك هيليو ما في قلبها.
فكلمةٌ صغيرة كهذه، لا تدرّ أيّ نفع، ملأت قلبه شعورًا بالطمأنينة، حتى تلاشت آخر قطرةٍ من السخط في أعماقه.
أجل… لا يزال يرغب في امتلاكها.
فقط بوجودها أمامه، شعر بامتلاءٍ لم يشعر به قط.
يريد أن يجعل هذه المرأة، التي تكفيه نظرةٌ منها ليبلغ ذروة الرضا، ملكًا له إلى الأبد.
راح هيليو يتأمل الوسائل الممكنة لجعل لِيليانا خالصةً له وحده.
لكن، وكلما خطرت له فكرة، أدرك أنها لن تصنع لها جنّة، بل فقط له،
فتوقّف عن التفكير، وأمسك بيدها التي كانت تلامس طرف وجنته، ومسح كل احتمالٍ لم يكن يحمل فيه لها السعادة الكاملة.
❈❈❈
كانت ڤيستي واقفة أمام قصر الزمرد.
لم تكن هي من جاءت هذه المرة، بل تلقّت دعوةً أرسلتها لها لِيليانا بنفسها.
لقد اعتادت أن تأتي إلى هنا كثيرًا، حتى إن خَدَم القصر، حين رأوها، أخذوا يتهامسون في ما بينهم.
وفي حين كانت ڤيستي تتخيّل نفسها وهي تشدّ أولئك الخدم من شعورهم وترميهم أرضًا، ظهرت صوفيا.
“تفضّلي بالدخول.”
قالتها بهدوء، فتمتمت ڤيستي بسخرية:
“أخيرًا شُفيت من مرضها، على ما يبدو.”
كانت تقول ذلك بنبرةٍ لاذعة، ومع أن صوفيا كانت مجرّد خادمة، فإنها أحيانًا بدت كأنها تعمل لصالحها، والسبب غالبًا هو الرشوة التي قدّمتها لها على شكل جواهر.
لكن صوفيا هذه المرة لم تردّ عليها بشيء، بل قادتها بصمت.
“مملّة.”
تمتمت ڤيستي باستياء وهي تدخل صالة الاستقبال في قصر الزمرد.
“أحيّي صاحبة السموّ الملكة.”
“مرحبًا بكِ، يا آنسة.”
كانت لِيليانا ترتدي فستانًا بلون السماء في عزّ صفائها، بدا وكأنّ عليه لمعة لؤلؤية.
لكن ما إن اقتربت ڤيستي أكثر، حتى تبيّن لها أنّ تلك اللمعة لم تكن إلا حجارة صغيرة منثورة بكثرة على صدر الثوب.
ولم يكن المكان قاعةً للحفلات، بل غرفة جلوس، ففهمت ڤيستي من ذلك أنّ لِيليانا تعيش الآن مقامًا يليق بها وبمكانتها.
وقفت ڤيستي تنتظر أن يُحضَر لها الشاي، لكنها لاحظت أن الخدم لم يتحرّكوا قيد أنملة، بينما كانت لِيليانا تفتح الحوار مباشرة:
“ما الذي قاله لكِ جلالته؟”
كان سؤالًا فجًّا، ليس لجرأته فحسب، بل لأن عدم تقديم الضيافة للضيفة يُعدّ تجاوزًا لأبسط قواعد الأدب.
وقفت ڤيستي من مكانها مستنكرة:
“هل هذا أسلوب قصر الزمرد في استقبال الضيوف؟”
رفعت لِيليانا عينيها إليها، ثم رمشت ببراءة.
“أبدًا… لكني فقط أرى أنّ أوراق الشاي أثمن من أن تُهدَر على الآنسة.”
شعرت ڤيستي وكأن براءة لِيليانا تسخر منها مباشرة، فغليت من الداخل وهمّت بالانصراف.
لكن لِيليانا، بصوت هادئ، واصلت:
“أنتِ مدهشة، فعلًا.”
“……ما الذي تعنينه؟”
“أنا أقاتل لأحافظ على حياتي في هذا الإمبراطورية.والدكِ لا يتوانى عن استخدام الوسائل الحقيرة لتقوية عائلته.وجلالته يسهر الليالي لأجل استقرار البلاد.
وسيد بايِل حاول نيل الاعتراف باسمه بأن صار الابن بالتبني لدوقٍ عظيم.”
ثم تنهدت وتابعت، كما لو أنها تُعلّم طفلًا:
“أما أنتِ… فلم تفعلي شيئًا سوى نشر الفساد أينما حللتِ. أليس كذلك؟”
“كيف تجرؤين على قول شيءٍ بهذه الوقاحة؟!”
“لا أفهم سبب غضبك. أخبريني، ما الذي فعلتِه بالضبط في سبيل أن تصيري إمبراطورة؟هل تظنين أن إيذائي سيجعلكِ تفوزين بالعرش؟”
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 98"