“……أنا ڤيستي من عائلة غابرييل، أتشرف بلقاء جلالة الإمبراطور.”
تفاجأت ڤيستي وابتلعت ريقها في دهشة وهي تؤدي التحية، غير أن هيليو لم يردّ على تحيتها، بل مرّ من جوارها دون أن يلتفت إليها.
وبكل أريحية، أمسك بيد لِيليانا ووجّه إليها ملاحظة:
“لماذا خرجتِ إلى هنا في هذا الطقس؟”
“بقية الحدائق قد ذبلت فيها الأزهار، لكن قيل إن هذه الحديقة تزدهي بالأزهار في الشتاء أكثر من غيرها، فأردت رؤيتها.”
“إذاً كان عليكِ ارتداء القفازات.”
“لقد ارتديتُها، لكنني نزعتُها للحظة حتى ألمس الزهرة.”
رفعت ڤيستي رأسها بهدوء وهي تُصغي إلى حديثهما الودود. وعلى الرغم من أن خادمة لِيليانا سارعت بتقديم القفازات، فإن هيليو لم يُفلت يد لِيليانا.
بل إنه خلع قفازه ليُدفئ يدها المتجمدة، كما لو أنه يريد أن يُذيب برد الشتاء عنها بيده.
هكذا إذًا، شعرت ڤيستي بغيظ يكاد يُفجّر صدرها.
لم تكن تحتمل النظر إلى هذا المشهد أكثر.
ثم، ظنًّا منها أن هيليو لم يسمع تحيتها، أعادت التحية بصوتٍ واضح:
“أنا ڤيستي من عائلة غابرييل، أتشرف بلقاء جلالة الإمبراطور.”
عندئذٍ فقط، التفت هيليو عن لِيليانا ونظر إلى ڤيستي. لا بدّ أنه لم يسمعها في المرة الأولى.
رسمت ڤيستي أجمل ابتساماتها.
غير أن هيليو نظر إليها بوجه خالٍ من التعابير، وسأل ببرود:
“ما الذي جاء بكِ إلى هنا يا آنسة غابرييل؟”
وقبل أن تردّ ڤيستي، سبقتها لِيليانا وقالت:
“لقد جاءت لتُعرّفني على خيّاط أجنبيّ استأجرته عائلتها. كما تعلم، مع اقتراب الربيع، عليّ أن أختار ثوبًا جديدًا.”
فردّ هيليو وقد بدا عليه الضيق:
“لكنني قلت إنني سأهديكِ واحدًا، أليس كذلك؟ هل لم يكن كافيًا؟”
“لا، بل هو كافٍ. فقط كنت أشعر ببعض الفضول، فقد قلتَ إنّه سرّ حتى يحين الربيع ولم تسمح لي برؤيته.”
“ذلك لأنني إن أريتكِ إياه باكرًا، فقد ترتدينه مبكرًا وتُصابين بالبرد.”
“أوه…”
تنهدت لِيليانا بابتسامة كما لو أنها تتعامل مع حبيب مُفرط في الحرص.
أما ڤيستي فقد عضّت على نواجذها.
لماذا؟ لماذا بحق؟.
كان من المفترض أن تكون هي – ڤيستي – بجوار هذا الرجل، أجمل وأقوى وأرقى رجل في هذا العالم.
كان من الطبيعي أن يكون الرجل الأسمى حليفًا للمرأة الأسمى.
فلمَ يبتسم لتلك المرأة الأخرى بهذه الرقة؟ إن كان كل هذا لمجرد كبح جماح عائلة غابرييل، فلم يكن هناك داعٍ لكل هذه الحميمية.
“جلالتك…”
نادت ڤيستي هيليو وشفاها ترتجف.
“لمَ تعاملني بهذه القسوة؟”
كان صوتها يتهدج من شدّة الغضب والمرارة.
لكن هيليو نظر إليها ببرود وقال:
“هل كنتُ قاسيًا معكِ؟”
“بلى، جلالتك تعلم جيدًا أنني… أنا مَن ستكون الإمبراطورة!”
قالت ذلك واضعةً يدها على صدرها بكل فخر.
ابتلعت لِيليانا ريقها من الصدمة، فيما لم تبدُ على ڤيستي أيّ ملامح إدراك لما تقوله.
حينها، أنزل هيليو يد لِيليانا بهدوء. وظنت ڤيستي أنه أدرك صواب قولها، وبدأ الأمل يلمع في عينيها.
غير أن هيليو أمسك بذراع لِيليانا وجذبها خلف ظهره كما لو كان يحميها.
وكأنّ ڤيستي ليست سوى وحشٍ جاهل قد يُهاجم في أيّ لحظة.
نظر إلى ڤيستي التي تجمّدت في مكانها من الصدمة، وسألها:
“ومن قال إنكِ ستصبحين الإمبراطورة؟”
“الجميع في الإمبراطورية، بطبيعة الحال…”
لم يكن الأمر من والدها فقط، بل ساد هذا الاعتقاد في الأرجاء.
لكن هيليو ضحك بسخرية، كأنه لا يجد كلامها جديرًا بالتفكير.
اقترب منها بخطوة ثقيلة، دون أن يُصدر صوتًا، لكن وقع تلك الخطوة دوّى في قلب ڤيستي وكأنها صُعقت.
قال بصوتٍ خفيض لكنه حاسم:
“ليس الجميع، بل أولئك المتملقون الذين يُجيدون التودّد لكِ ولأبيكِ. أليس كذلك؟”
“لكن…”
“نعم، أعترف. لقد فكرت فيكِ كخيار للإمبراطورة. لكن من الذي فوّت تلك الفرصة؟ أليس هو دوق غابرييل؟ لو تمّت خطبتنا في ذلك اليوم، لكنتِ الآن الإمبراطورة. لكن يبدو أن والدكِ وجدكِ ورقة ثمينة يصعب التخلّي عنها، فتراجع دون موعد أو وعد. أتدرين كم شعرتُ بالراحة حينها؟ لا يمكنكِ حتى تخيّل ذلك.”
تكلّم هيليو بنبرة هادئة كما لو كان يروي قصة قديمة، لكن كلماته كانت كسكاكين تخترق أعماق ڤيستي.
تراجعت خطوة للخلف دون وعي منها، لكنّها تمسّكت بالأمل الأخير:
“أنا الابنة التي يُحبّها ويُجلّها أعظم منقذٍ لجلالتك. كيف… كيف لك أن تهينني هكذا؟! إنّ والدي أراد أن يُزوّجني لك من أجل مجد الإمبراطورية…!”
“مجد؟”
صرخت ڤيستي وهي تغمض عينيها بشدة:
“الجميع يعلم أن والدي هو من منح جلالتك الفرصة!”
“آنسة!”
قاطعتها لِيليانا وقد ضاقت ذرعًا بما تسمع. تقدّمت إلى الأمام محاولةً إبعاد ڤيستي عن المكان، غير أن هيليو سدّ الطريق بجسده بحزم، وكأنه لن يسمح لأحد بقطع ما يجري.
وسأل، دون أن تبدو عليه أدنى علامات الغضب:
“أيُّ فرصة تقصدين؟”
ظلت ڤيستي تتفوه بالكلام دون تفكير، ولكن نداء لِيليانا أعاد إليها قدرًا ضئيلاً من الوعي.
والمعنى الذي قصدته ڤيستي من “الفرصة” كان واضحًا لكلّ من كان حاضرًا.
لقد كانت تقصد “فرصة أن يُصبح إمبراطورًا”.
إلّا أن التجرؤ على قول أمر كهذا أمام سيّد هذه الإمبراطورية العظيمة يُعدُّ جريمة كبرى.
“أيّ فرصة؟”
سأل هيليو مجددًا، لكن ڤيستي لزمت الصمت هذه المرة. رغم غرورها، كانت تعرف أنّ الإفصاح الآن سيضرّ بها.
حاولت التخفيف من حدة الموقف بابتسامة بلهاء، لكن عيني هيليو وهما تحدّقان فيها لم تكن عاديّتين.
ووسط هذا التوتر المخيف، بالكاد استطاعت لِيليانا أن تتنفس.
أرادت أن تُبعد هيليو عن المكان، لكنّه ظلّ في مكانه، يحدّق بڤيستي كما لو كان وحشًا يحرس بوابة الجحيم.
قال فجأة:
“الملكة أنقذتكِ.”
“……”
ڤيستي، الآن فقط، لم تستطع أن تُنكر.
لو لم تصرخ لِيليانا وتُوقفها، تُرى ما الذي كان سيحدث لها؟
لكن حتى لو لم تُفصح ڤيستي بالكلام، لم يكن هيليو في حاجةٍ لذلك كي يفهم.
اقترب من أذنها وهمس بصوت منخفض:
“إن أردتِ السلطة، فلا تتصرفي بهذه الفوضوية… اقتلي شقيقك المريض.”
رفعت ڤيستي رأسها في صدمة.
ارتسم الرعب على وجهها الجميل.
أما لِيليانا، التي لم تسمع ما قاله، فكانت تنظر إليهما بقلق واضح.
“يا، يا جلالتك… أنا لا أستطيع… لا أستطيع أن أرتكب أمرًا بهذه الوحشية…”
“ولِمَ لا؟ أليست ابنة من تكونين؟”
لم يكن في صوته سخرية، بل كان خاليًا من أيّ شعور، وعيناه كانت سوداوتين، كأنّ روحًا مظلمة تسكن فيهما.
جثمت ڤيستي في مكانها عاجزة عن الحركة.
لو انهارت ساقاها وسقطت، لظنت أنّه لن يسمح لها بالنهوض مرةً أخرى.
وسط هذا التوتر وكأنها تمشي فوق شفرات سيوف، دخل صوت ناعمٌ بينهما:
“جلالتك…”
نظرت ڤيستي، شبه مغيّبة، فوجدت لِيليانا.
وضعت لِيليانا يدها على ذراع هيليو وهزّت رأسها بلطف.
ذلك فقط كان كافيًا لإذابة الجليد في هيليو.
“الجوّ بارد، ويبدو أن الحديث قد طال أكثر من اللازم. سيكون من اللائق أن نُعيد الآنسة إلى قصرها.”
حتى لِيليانا لم تكن مرتاحة.
وجهها كان متصلبًا.
لكنها لم تكن خائفة كڤيستي.
بل إنّ وجه هيليو وهو ينظر إليها كان مفعمًا باللّين، بل ويحمل لمحة من الأسف وكأنه يلوم نفسه على إقحامها في هذا الموقف المحرج.
“أنتِ على حق، يا عزيزتي.”
لِيليانا… لِيليانا… لِيليانا…
“آنسة، عودي من حيث أتيتِ. أما أنتِ، يا ملكتي، فلنعد إلى قصر الزمرد.”
“نعم، جلالتك.”
‘ أيتها الوضيعة الحقيرة.’
كان عقل ڤيستي يغلي من الغضب والحسد والذل حتى كاد ينفجر.
وبينما كانت لِيليانا تمرّ بجوارها برفقة هيليو، ربتت بلطف على ذراع ڤيستي.
مع كل كلمة ينطقها، كانت أنفاسه الحارّة تلامس رقبتها.
ارتجفت لِيليانا من الدغدغة، لكنها لم تُبعده.
قالت وهي تلاطفه، تمرّر يدها بلطف على عنقه:
“لا أعلم بالتحديد… لكنني شعرتُ أن كلماتها قد تُؤذي جلالتك. وحتى لو عوقبت، فسيكون والدها أول من يتهرّب ويتنصّل، وستتحمّل هي وحدها كل العقاب. وذلك لا يهمني.”
هدأت عضلات هيليو، التي كانت مشدودة بالكامل، في لحظة تحت لمسة يدها.
حتى هو نفسه دُهش.
أبعد جسده عنها قليلًا وأمسك بكتفيها، كأنه يريد أن يرى وجهها بوضوح.
“ما بكَ؟”
نظرت إليه لِيليانا بوجهٍ يفيض قلقًا صادقًا.
لكنّ هيليو لم يُجب، بل طوّق خصرها بذراعيه ورفعها في الهواء فجأة.
شهقت لِيليانا من المفاجأة، ووضعت يديها على كتفيه، لكنها شعرت أن وضعها مستقرّ، فتنفست بارتياح.
“أفزعتني! دائمًا ما تفعل هذا يا جلالتك…”
بدأت تُعاتبه، غير أنه قاطعها بجديّة طفولية:
“إفعليها مجددًا… مرّري يدك كما قبل.”
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 97"