لم يكن ثمّة جدوى من محاولة فهم السبب الذي دفع غابرييل للمجيء أو نواياها الخفيّة. فبنظر ليليانا، لم تكن ڤيستي من النوع الذي يفكّر بعمق.
كانت على الأرجح قد أتت بكل بساطة لأنها لم تكن راضية عن تحرّكات ليليانا، وأرادت أن تعرقلها بأي شكل—حتى لو كان باللجوء إلى حجج سخيفة لا تستقيم.
لو كانت ليليانا كما كانت في الماضي، لأصابها الذعر ولَما استقبلت غابرييل إلا بأدب مفرط.
لكن ليليانا الآن… لا تريد ذلك، ولا تجد أي ضرورة له.
ففي النهاية، سواء أمسكت بيد دوقية غابييل أم لا، فإنهم لن يتورعوا عن إيذائها.
ألَم يحذرها بايِل من قبل؟ حتى اقتراحهم بالتعاون… لم يكن ليأتي إلا بعد أن تتعرض ليليانا للإجهاض مرة واحدة على الأقل.
ظلت ليليانا جالسة بصمت حتى برد كوب الكاكاو بين يديها، ثم تشجعت أخيرًا وقالت:
“قولي لها إنني لا أرغب برؤيتها. لا حاجة لإثارتها بلا سبب، لذا من الأفضل أن نختلق لها عذرًا مناسبًا.”
دعمت أغيرينا رأيها على الفور:
“المبررات الصحية دائمًا ما تكون الأفضل.”
ابتسمت ليليانا بمكر خافت:
“وحيث إن جلالته يريد أن يجعل من إنجازي شأنًا مبالغًا فيه، فلتقولي إنني انهرت من الإرهاق، وسأقابلها في وقت لاحق.”
“أمرك، يا صاحبة الجلالة.”
انحنت صوفيا وخرجت بهدوء. وعند اقترابها من الباب، التفتت قليلًا فرأت ليليانا تضحك بخفة مع أغيرينا على ما يبدو أنه نكتة ممتعة.
نزَلت صوفيا السلالم بخطى رشيقة ومنضبطة. كانت يومًا ما خادمةً بائسة لـ”الأميرة المنبوذة”، لكنها الآن تقترب شيئًا فشيئًا من أن تكون إحدى الوصيفات المثالية للملكة المحبوبة.
حتى ملابسها وطعامها وأغطية فراشها باتت أكثر رفاهية.
ومع ذلك، كانت صوفيا بين الحين والآخر تشتاق لأيامها في مملكة نيتا…
ففي تلك الأيام، كانت تشعر بأنها صديقة حقيقية لليليانا، لا مجرد خادمة.
وبينما كانت تتجاوز البهو والحدائق، وصلت إلى المدخل الأمامي حيث كانت ڤيستي بانتظارها، تحيط بها هالة طاغية من الغطرسة.
لم تكن ڤيستي ذكية، ولا شخصية يُحترم حضورها، لكن الهالة التي تبثها كانت حصيلة عمر كامل من التكبر الموروث والمتراكم.
وما إن رأت صوفيا، حتى همّت بالدخول دون أن تنتظر سماع أي كلمة.
لقد وقفت بالخارج كتحقيق لشكليات البروتوكول، لكنها لم تتخيّل للحظة أن زيارتها يمكن أن تُقابل بالرفض.
سارعت صوفيا إلى الوقوف في وجهها، وانحنت بأقصى ما تستطيع:
“أرجو المعذرة يا آنسة، لكن… لا يمكنكِ الدخول اليوم.”
ظهرت على وجه ڤيستي ملامح الذهول، كأنها سمعت كلامًا خاطئًا. لكن لما لم تتراجع صوفيا عن موقفها، بدت ملامحها الجميلة وهي تتجهم وتتلوى من الغضب.
“ماذا قلتِ الآن؟ هل تجرؤين على التفوّه بتلك السخافة؟!”
ردّت صوفيا، محافظة على انحناءها:
“جلالتها كانت تبذل جهدًا كبيرًا مؤخرًا في مساعدة جلالة الإمبراطور، وأداء واجباتها كسيدة القصر الإمبراطوري…”
وما إن لفظت عبارة “سيدة القصر الإمبراطوري” حتى احمرت وجنتا ڤيستي من الغيظ. نظراتها باتت كالسهام وكأنها على وشك أن تمسك بشعر صوفيا وتجرّها أرضًا.
ورغم أن صوفيا كانت منكسة الرأس، إلا أنها شعرت بكل ذلك الغليان، لكنها لم تتراجع.
“بسبب إرهاقها الشديد، أصيبت بوعكة ولم تستطع الاستيقاظ بعد. كنت أود إبلاغها بزيارتكِ، لكن حالتها لا تسمح.”
حدقت ڤيستي بها دون أن ترمش، لكن حتى هي لم تستطع ضربها الآن.
ففي الماضي، لم تكن تخشى أحدًا. كانت تظن أن بإمكانها صفع أميرة من دولة صغيرة منبوذة متى شاءت، وإن لزم الأمر، تستطيع حتى خنقها دون عواقب تُذكر… طالما أُحسن التغطية.
لكن الوضع لم يعد كذلك.
الآن، باتت ليليانا تُعرف بأنها “المحبوبة من قبل ملكة الأرواح”، وليس في القصر فقط، بل في أنحاء الإمبراطورية كلها.
وبات مجرد التعدي على خادمتها سببًا كافيًا لإثارة غضب الإمبراطور، وغضب الشعب بأسره.
قالت ڤيستي، محتقنة الكرامة:
“إذًا… حتى جلالتها لا تدري أنني زرتها؟”
“نعم، آنسة.”
عضّت ڤيستي على شفتها قبل أن تستدير لتغادر. غير أن وصيفتها اقتربت منها وهمست في أذنها:
“آنستي… لمَ لا تحاولين استمالة تلك الخادمة؟”
قطبت ڤيستي حاجبيها بازدراء:
“ولمَ أفعل؟”
قالتها وكأن مجرد الاقتراح إسفاف لا يليق بها، ثم تابعت:
“ثم إن تلك الخادمة أتت بها ليليانا من مملكة نيتا. أُفضّل التعامل مع تلك المغرورة أغيرينا على هذه.”
ابتسمت الوصيفة بتودد:
“ما تقولينه منطقي، بالطبع. لكنني أعتقد أن تلك الخادمة ممتلئة بالضغائن.”
“ما الذي تهذين به؟”
لم يسبق لڤيستي أن فكرت يومًا في مشاعر من هم أدنى منها.
بل لم تكن تدرك أصلًا أن التفكير فيهم هو أحد واجبات من هم في الأعلى.
عندها شرعت وصيفتها في الشرح، بصوت هادئ وواثق:
“هناك إشاعات كثيرة مؤخرًا بأن الملكة باتت تفضل أغيرينا على سائر وصيفاتها. أما مينيلي، فهي وصيفة منحها الإمبراطور بنفسه، لذا حتى لو كانت الملكة متغطرسة، فلا مفر من احترامها. وفي هذه الحال… من تظنين تتكبد الأعمال المرهقة؟ أليست تلك الخادمة؟ فهي من رافقتها بكل إخلاص حتى هذا المكان البعيد.”
قالت ڤيستي بجفاف:
“حين يأمر السيد، على الخادم أن يطيع… هذا هو واجب من هم في الأسفل.”
قالت ڤيستي، بنبرة تفيض بالتعالي الأرستقراطي المطبوع في عظامها:
“لكن… ليس الجميع يدرك ما عليه من واجب، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد، سيدتي.”
حدّقت ڤيستي إلى صوفيا التي كانت تنتظر بابتعادها، وهي منحنية الرأس بانصياع كامل.
وغالبًا ما يكون أمثال هؤلاء، أولئك الذين يبدون في الظاهر مطيعين، يحملون في أعماقهم دهاءً خفيًّا.
“أنتِ هناك… ارفعي رأسكِ قليلاً.”
رفعت صوفيا رأسها ببطء عند نداء ڤيستي. وجهها الفارغ من التعابير، المشابه لوجه سيدتها، لم يرق لڤيستي. لكنها فكرت: إن كانت هذه الخادمة تُشبه سيدتها في الشخصية أيضًا، فلا بد أنها تمتلك قدرًا لا بأس به من الحيلة.
“هلّا تحدثتِ معي لبعض الوقت؟”
كان لدى ڤيستي ما يكفي من المجوهرات لترشي بها عشرات الجواسيس المؤقتين. فحتى حجر كريم عديم القيمة، حين يُمنح لمن هم في الأسفل، كفيل بأن يُشعل ولاءهم لدرجة التفاني.
ابتسمت ڤيستي بابتسامة جذابة، تتأمل الوجه الذي سيطعن ليليانا في ظهرها ذات يوم. مجرّد تخيّل ملامح الخيانة ترتسم على وجه ليليانا منحها شعورًا بالنشوة وصفاء الذهن.
لكن ڤيستي لم تيأس، بل واصلت طرق أبواب جناح “قصر الزمرد” دون كلل. ففي العام الماضي، زارت ليليانا مرة واحدة فقط، وتبجّحت بالتهديد والوعيد. أما هذا العام، فصارت تأتي بانتظام، مرة كل أسبوع تقريبًا.
ليليانا، في كل مرة، كانت تتحجج بالمرض وتتجنّب لقاءها.
وسرعان ما راجت في القصر شائعة تقول إن الملكة تُهين الآنسة ڤيستي وتتعمد تجاهلها.
“أحب هذا كثيرًا!”
قالت ليليانا وهي تتجول في حديقة قريبة من قصر أريس، تعلو وجهها ابتسامة راضية تمامًا.
“وأخيرًا، أصبح لي صيت المرأة المخيفة الذي لطالما تمنّيتُه.”
“حقًا؟” سألت أغيرينا، رافعة حاجبًا بشك.
“نعم! انظري إلى هذه الزهرة! كيف يمكن أن تزهر بهذا الجمال في عزّ الشتاء؟ إنه لأمر عجيب حقًا.”
جلست ليليانا على ركبتيها لتتأمل زهرة بنفسجية تميل للبياض. بدا مشهدها في تلك اللحظة مسالمًا وعذبًا لدرجة أن أغيرينا لم تستطع كبح ضحكة خفيفة.
امرأة مخيفة؟
ليليانا؟
لم تكن لتخيف عصفورًا حتى لو أرادت.
بل إن الشعب أصبح يمجّدها بشكلٍ جنوني، حتى أن البعض قال إن ليليانا صفعت ڤيستي، ومع ذلك نالَت ڤيستي اللوم دونها، كل هذا بفضل حديث الناس عن رعاية ملكة الأرواح لها.
لكن رغم أن أغيرينا لم تصدّق صورة “الملكة المخيفة”، فإنها تفهّمت رغبة ليليانا في كسب هذا النوع من الهيبة، فقررت ألا تُطفئ حماستها.
“لكن… هل تعتقدين أن الوضع آمن؟”
“أي وضع؟”
“أعني… قد تصادفين الآنسة ڤيستي وجهًا لوجه.”
“لكنها لا تزورني سوى يومي الأربعاء والجمعة، وقد حضرت البارحة، فلا أظن أنها ستأتي اليوم. وبكل حال، لا يمكنني أن أبقى حبيسة جناحي للأبد بسببها.”
“صحيح. مع أن مظهرها لا يوحي بذلك، فهي مشغولة ولها الكثير من الدروس. تخصيص وقت كل أسبوع ليس أمرًا يسيرًا.”
“أجل، أليس كذلك؟”
تنفست ليليانا الصعداء، ثم ابتسمت اتسعت حتى بدا وجهها مزهرًا.
من أكثر الأمور التي عشقتها منذ وصولها إلى الإمبراطورية، كان التنزّه في هذه الحديقة المهيبة. ومن المؤسف أن تضطر لتركها بسبب شخص كڤيستي.
لكن، كما هو معروف، الأمور لا تسير دومًا وفق المخطط.
وبينما كانت تفكر إن كانت ستقطف زهرة لتجففها وتحفظها، رأت من بعيد امرأة ترتدي فستانًا أحمر ناريًّا تتجه ناحيتها بخطى واثقة.
قالت أغيرينا، بصوت هادئ كما لو كانت تخبرها بنشرة جوية:
“نسيتِ أن ڤيستي مجنونة ولا تعبأ بالجداول.”
وقبل أن تنهي أغيرينا حديثها، كادت ليليانا أن تفرّ هاربة،… على الأقل في خيالها.
أما على أرض الواقع، فقد تماسكت، وقامت برشاقة مصطنعة وهي تتظاهر بتأمل الزهور.
وكما هو متوقع، توجهت ڤيستي مباشرة نحوها، وانحنت بانضباط:
“تحياتي لصاحبة الجلالة، الملكة.”
ما إن اقتربت ڤيستي حتى شعرت ليليانا بارتجافة خفيفة في أطرافها.
رغم محاولات الطمأنة التي كررتها لنفسها مرارًا، لم تستطع أن تُسكت غريزة الخوف التي انغرست فيها من الماضي.
لكنها، بفضل تمريناتها الأخيرة مع هيسدين على ضبط المشاعر، حافظت على ملامحها مستقرة.
“لا داعي لقول ذلك. في الحقيقة، كنت مريضة طوال الفترة الماضية، وقد أُبلغتُ بأنكِ حاولتِ زيارتي. بما أننا التقينا الآن، فما الذي جاء بكِ إليّ؟”
ضيّقت ڤيستي عينيها الحمراوين، تراقب مَن أمامها.
لقد تغيرت ليليانا.
لم تعد تلك الأميرة الحقيرة من دولة صغيرة، التي كانت ترتعد أمامها وتتفاداها.
مرّت أقل من ستة أشهر… وإذا بها الآن تقف بثبات، بل وتُظهر عدم ترحيبها بلقائها.
كان واضحًا أن ڤيستي، إن أرادت الحديث مع ليليانا الآن، فعليها أن تتنازل وتبدأ هي بالخطوة الأولى.
شعرت ڤيستي بالمهانة، لكنها لم تجد بدًّا من قول ما حضّرته مسبقًا.
“الربيع بات وشيكًا… هل وجدتِ فستانًا يليق بالموسم؟”
ابتسمت ليليانا، لكن في عيني ڤيستي، بدت ابتسامتها وكأنها سخرية.
“نعم، وجدت.”
“هكذا إذًا… لكن لا بأس في امتلاك أكثر من فستان، أليس كذلك؟ في الواقع، استقدمنا مؤخرًا خيّاطًا ماهرًا من بلادٍ أخرى. إن سنحت لكِ الفرصة، ربما يمكننا استعراض الكتالوج معًا…”
ورغم أن ڤيستي تحاول أن تُكبح كبرياءها لتبدو لبقة، إلا أن ليليانا لم تبدُ مهتمة.
بل كانت تنظر بصمت خلف ڤيستي، إلى شيء ما بعيدًا عنها.
اضطربت ڤيستي قليلًا، ثم التفتت لتنظر خلفها…
وهناك، لم يكن بعيدًا، كان هيليو واقفًا.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 96"