عندها فقط، بدا أن هيليو لاحظ هيسدين الذي كان يتبع ليليانا من الخلف. لم يعجبه أن يقف هيسدين على مقربة من ليليانا، فعبس وجهه قليلًا.
قال بنبرة ضيقة: “ولمَ تأخذين معكِ معلمك؟”
قالت ليليانا: “لقد أخبرتك بالأمس عبر مينيلّي بأني سأحضره معي. هل استمعت باستهتار؟”
الكلام خرج من فم مينيلي، لكن إرادته كانت إرادة ليليانا. ولو قال إنه استمع باستخفاف، لكان هذا يعني أنه استهان بكلام ليليانا. لذا، غيّر هيليو موقفه بسرعة.
قال وهو يبتسم بمزاح: “أبدًا. لكن بمجرد أن رأيت وجهك نسيت كل شيء.”
ضحكت ليليانا من طريقته المازحة. يبدو أنه ما زال يتبع أسلوبه في إغوائها.
لم يعد هناك داعٍ لذلك، لكنها لم تملك الشجاعة الكافية لتقول له الحقيقة بعد.
ربما، فقط عندما تعتلي عرش الإمبراطورة، ويثبت لها أمنها واستقرارها، ويزول حاجتها لتناول موانع الحمل، حينها فقط ستكون قادرة على البوح بمشاعرها.
قال لها هيليو وهو ينظر إلى وجهها المنير: “يبدو من تعبيرك أن هناك أخبارًا سارة.”
قالت بثقة: “بكل تأكيد. لا تفاجأ كثيرًا، حسنًا؟”
قال مبتسمًا: “سأبذل جهدي.”
أخذها هيليو برفق وأجلسها على الأريكة الناعمة، ثم جلس قبالتها.
أما هيسدين، فوقف بانحناءة خلفها بزاوية مائلة، وكان آريا تقف أمامه بقليل.
فردت ليليانا كفها وقدّمت آريا قائلة: “هذه هي من حدثتك عنها سابقًا… ملكة نهر غاتيس. صحيح أنك لا تراها”
كان الأمر كما قالت. رفع هيليو إصبعه ليضعه على ذقنه وأخذ ينظر حوله.
بعينيه الزرقاوين الحادتين راح يمسح المكان بدقة، لكن لم يرَ شيئًا.
قال ساخرًا: “أستطيع رؤية معلمك، لكن لا أظن أنه هو ملكة النهر، أليس كذلك؟”
قاطعت آريا بنبرة بريئة: “كيف يمكن لمثل هذا الأحمق أن يكون والد ليريت؟”
حتى ليليانا وجدت الأمر غريبًا.
فآريا لم تكن مجرد روح، بل ملكة الأرواح. ولو كانت لدى هيليو أي ذرة من موهبة التآلف مع الأرواح، لكان عليه أن يشعر ولو بـ”شيء ما”.
لكن، على الرغم من أنها طلبت منه النظر، كان من الواضح أنه يحدّق في الفراغ.
حتى طريقة عبوسه أثناء تفحّصه لهيسدين بدت لطيفة بطريقة ما.
“فوف…”
ضحكت ليليانا بخفّة، ثم أسرعت لتنظر إلى هيليو متوترة. “هل تضحكين؟”
قالت بسرعة: “أعتذر…”
“هل ضحكتِ لأني أبدو مضحكًا؟”
“لا، أبدًا.”
“أصبحتِ تكذبين الآن… تسخر الملكة من الإمبراطور، وتخفي عنه الأمور، ولا توضح شيئًا. يبدو أنكِ ساحرة بالفعل.”
كلامه كان ساخرًا، لذا لم يكن غاضبًا حقًا. نظرت إليه ليليانا بنظرة جانبية ثم دخلت في صلب الموضوع.
قالت: “في هذا المكان، حضرت معنا ملكة الأرواح آريا، حاكمة نهر غاتيس.”
حينها، عقد هيليو ساقًا فوق أخرى ونقل نظره إلى ليليانا مباشرة، وكأنّه قرر أنه إن لم يستطع رؤية آريا، فسينظر إلى ليليانا بدلًا من ذلك.
قال: “فهمت. كنت أمعن النظر بشيء لا يمكنني رؤيته منذ البداية.”
“ألستَ مندهشًا؟”
“هل عقدتِ عهدًا مع ملكة الأرواح؟”
“لا. بل هيسدين هو من عقد العهد.”
“إذًا، لا أستغرب كثيرًا. أنت بارعة في التعامل مع الناس.”
كلامه لم يُرضِ ليليانا تمامًا. فهي لم تكن شخصًا يعرف كيف يتحكم بالناس، بل قضت حياتها تتأرجح تحت رحمة الآخرين.
لكن بما أن هيليو قال ذلك، شعرت وكأن الأمر صحيح بطريقة ما. خفضت كتفيها المرفوعين بشيء من التفاخر الكاذب، وأكملت:
“آريا قالت إنها تستطيع أن تجفف نهر غاتيس.”
قالت آريا محتدة: “ليس تجفيفًا! بل احتضانه مؤقتًا فقط.”
لكن هيليو لم يسمعها. وبدلًا من ذلك، راح يتساءل بصوت عالٍ:
“هل يعني هذا أن النهر لن يكون صالحًا للاستعمال بعد الآن؟ فالنهر ليس فقط مصدرًا مائيًا، بل هو حيوي لحياة الناس هناك، وله مستقبل واعد كقناة مائية.”
صرخت آريا بغضب وهي تنتصب واقفة: “كيف تقول إنني سأعطل النهر؟!”
أمسكت ليليانا بيدها وابتسمت محاولًة تهدئتها: “آريا، جلالته قلق فقط على الناس. وهو لا يعرف الكثير عن الأرواح، كما تعلمين.”
جلس هيليو مطويّ الذراعين يستمع إلى حديث ليليانا وآريا.
بالطبع، لم يكن يسمع إلا صوت ليليانا، لكنه استنتج أن آريا كانت منزعجة وتشتكي.
قال: “إذًا، النهر سيكون بخير؟”
أجابت: “نعم. لا داعي للقلق كثيرًا. ما سيحدث هو مجرد حجب مؤقت يجعل النهر غير صالح للاستعمال كقناة. ولكن بعد انتهاء العمل، سيعود كما كان، وسيكون صالحًا للقناة أيضًا.”
“أمر غير منطقي… ومع ذلك، يبدو أنه ممكن.”
عبّر هيليو عن دهشته، رغم أن وجهه ظل خاليًا من التعابير. ربما لأنه يتحدث في أمور تخص الدولة، بدا جادًا أكثر من المعتاد.
هيليو المعتاد كان ماكرًا ودائمًا ما يمزح، لذا هذا الوجه الجاد كان غريبًا بعض الشيء على ليليانا. ومع ذلك، شعرت بشيء من الخفقان في قلبها.
‘ترى، هل كنت نافعة له قليلًا؟.’
كانت تنتظر بصمت حتى لا تقاطع تفكيره، لكنه فجأة رفع رأسه وبدّل تعابيره الجامدة إلى ابتسامة مشرقة.
فكك ساقيه، وانحنى للأمام ومدّ يده نحوها.
وحين أمسكت بها ليليانا برقة، قال لها بصوت هادئ:
“هل تدركين كم هو عظيم ما فعلتِ؟”
“ليست أنا، بل آريا من قامت بذلك…”
“اجمعي عشرات النبلاء، وانظري أيّهم قادر على استدعاء ملكة الأرواح.”
بالنسبة لليليانا، لم تكن تشعر أنها فعلت شيئًا يستحق الذكر.
لقد بذلت قصارى جهدها للعثور على حل، لكنها لم تفلح في ذلك. وفي النهاية، ظهرت ملكة الأرواح من تلقاء نفسها وقدّمت يد العون. ومع ذلك، اعتبر هيليو أن الفضل يعود لها.
قال مبتسمًا: “سأُعلن هذا الأمر على الملأ، وسأجعل الجميع يعلم كم أن وجودكِ في هذا الإمبراطورية نعمة عظيمة.”
فقالت بتواضع: “كل ما أردته فقط… أن لا يذهب جلالتك إلى الحرب.”
لأنها شعرت بأن الأمر بدأ يأخذ حجمًا أكبر، حاولت أن تقلّل من شأنها. لكن هيليو أمال رأسه إلى الجانب.
ربما لأنهما مرّا بكثير من الأمور معًا رغم قصر الوقت، باتت ليليانا قادرة على تمييز ما يفكر به.
فقالت بخجل ظاهر في صوتها: “وبالمرة… ربما يمكنني أن أجني بعض المكاسب أيضًا؟”
بدت كأنها تسأله: “أليس هذا الجواب الصحيح؟” ولعل هيليو شعر بذلك أيضًا، فضحك بخفة.
❈❈❈
أرسل هيليو هيسدين وآريا إلى نهر غاتيس على الفور. ولمخاوف محتملة، أرفق معهما نصف قوات الكتيبة الإمبراطورية الثالثة، فكان موكبهم أشبه بمسيرة مهيبة.
وكانت إمبراطورية كارلو قد تخلّت عن نهر غاتيس المتضرر لصالح مملكة ساجريدو دون أي مقابل.
ثار النبلاء احتجاجًا، لكن عامة الشعب كانوا في غاية السعادة، إذ زال عنهم هاجس الحرب في الحال.
وساجريدو، التي بدا وكأنها انسحبت قليلًا في البداية، أرسلت وفدًا دبلوماسيًا على عجل بعد مدة قصيرة.
“أليس نهر غاتيس يجف؟!”
فردّ عليهم هيليو ببرود: “النهر أصبح من ممتلكاتكم، فلِمَ تسألون الإمبراطورية عنه؟ أترانا في نظركم سخفاء إلى هذا الحد؟”
قال المبعوث، مترددًا: “لكن… هناك الكثير من من يقولون إنهم رأوا ملكة الأرواح المائية عند نهر غاتيس…”
كانت آريا قد ضمّت النهر إلى حضنها بحذر وعلى مدى وقت طويل، ولهذا تمكّن أولئك الذين يمتلكون موهبة روحية أو قريبة منها من رؤيتها.
رفع هيليو ذقنه وابتسم كأن الأمر يثير اهتمامه: “حقًا؟ يبدو أن هناك من يحظى بحماية ملكة الأرواح في هذه الإمبراطورية. أما أنا، فليست لدي أدنى موهبة روحية، فلا أعلم شيئًا.”
ولما قالها بتلك الحدة، لم تجد مملكة ساجريدو أي وسيلة لإلقاء اللوم على إمبراطورية كارلو.
حاول وفدهم البقاء لفترة أطول والتقرّب من هيليو، لكن التوتر العالق بين الدولتين حال دون ذلك، فاضطروا للعودة صفر اليدين.
هذا الحدث دُوِّن في سجلات أمناء القصر، كما أن خدم القصر –وهم العين والأذن لكل ما يحدث داخله– تابعوا الأمر عن كثب.
وسرعان ما بدأت قصة ملكة الأرواح بالانتشار في أرجاء الإمبراطورية، واكتسبت شكلًا أكثر وضوحًا.
[الملكة ليليانا أرادت أن تُنهي الحرب من أجل الشعب، فتأثرت ملكة الأرواح المائية بإخلاصها ووقفت إلى جانبها.]
وتصادف أن هذا الحدث وقع بعد أن أهدت ليليانا حجر الأرواح للإمبراطورة الأم. فأخذ الناس يتحدثون –دون أدلة– أن دوقية لاوبي لم تحظر بيع حجر الأرواح لليليانا عبثًا.
وفجأة، أصبحت ليليانا “المباركة من قبل ملكة الأرواح”. حتى ما حدث سابقًا حين ظهرت ملكة الأرواح النورانية في مهرجان الصيد عاد للسطح من جديد.
أما مملكة ساجريدو، فكانت أوضاعها أسوأ مما بدا. فقد خسرت الأميرة الإمبراطورية التي أرادت كسبها بشدة، وضاعت منها ذريعة نهر غاتيس التي وظفتها في صراعها على الشرعية.
ولأن المملكة شهدت تطورًا مفاجئًا في السنوات الأخيرة، بدا أن مشاعر مواطنيها قد أصبحت مفرطة، وبدأت سهام اللوم تتجه نحو العائلة المالكة.
ولم يعد بإمكان مملكة ساجريدو أن تتصرف بتعالٍ، كأن تطلب مواجهة مباشرة وتصف الإمبراطورية بالجبن. ستحتاج الآن إلى سنوات طويلة فقط لاسترضاء الشعب الغاضب.
“لكن مع ذلك، كان من المؤسف التخلي عن نهر غاتيس هكذا.”
قالت أغيرينا بنبرة أسف، لكن ليليانا بدت غير مكترثة، وهي تتكئ براحة على الأريكة وتنفخ على كوب الكاكاو الدافئ.
لم تكن هناك حفلات مقبلة، ولا حرب تلوح في الأفق. فقط انتظار قدوم الربيع برفقة أكواب الكاكاو المليئة بالشوكولاتة الغنية، ذات المذاق الحلو والمر في آن.
قالت أغيرينا متهكّمة: “أنتِ طيبة القلب أكثر مما ينبغي. النبلاء مستاؤون من فقدان كرامتهم. لتصبحي إمبراطورة حقيقية، عليكِ كسب قلوبهم أيضًا.”
ابتسمت ليليانا بخبث طفولي وقالت: “هل تذكرين كيف تطوّرت مملكة ساجريدو فجأة؟”
“بسبب تجارة الأسلحة. بما أن الإمبراطورية تخوض حروبًا كثيرة، اضطرت الدول المجاورة لشراء الأسلحة بكثرة… آه!”
شهقت أغيرينا وقد أدركت المغزى.
“بما أن الإمبراطورية قطعت الآن طريق الحرب تمامًا، فسيقل قلق الدول المجاورة منها كثيرًا.”
قالت ليليانا وهي تومئ: “صحيح. الإمبراطورية لم تكن يومًا تهاجم الآخرين دون سبب… لكن الدول الضعيفة كانت تخشاها على أي حال. لهذا أنفقت كثيرًا على التسليح.
أما ساجريدو، فهي دولة نمت على هذا الخوف تحديدًا. والآن، مع تمسك الإمبراطورية بموقفها السلمي، ستبدأ خزائنهم في النضوب تدريجيًا. وعندما تُعرض عليهم صفقة لشراء نهر غاتيس في لحظة حرجة… هل سيتمكنون من الرفض؟ لن ينتظروا عودة النهر بدون ضمان.”
“ساجريدو حفرت قبرها بيديها، إذًا.”
ارتشفت ليليانا من كوب الكاكاو وأطلقت تنهيدة راضية، ثم أطلقت تحذيرًا صارمًا وهي تنظر إلى أغيرينا:
“لا تذكري لي اسم ساجريدو مجددًا أمامي. لقد سئمت منهم حتى الموت.”
ضحكت أغيرينا: “أُف، حاضر.”
تفكيرها بأنها لن تضطر إلى التفكير بساجريدو أو بالحفلات لبعض الوقت، جعل راحتها لا تُوصف.
قالت أغيرينا فجأة: “بالمناسبة، لمَ لا تتظاهري بالمرض قليلاً الآن؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 95"