انتشر خبر أن بايِل قد حطّم غطرسة جيش مملكة ساجريدو، بل وسحقها تمامًا، في أرجاء الإمبراطورية بسرعة البرق.
وترافق ذلك مع روايات تقول إن جيش دوق غابرييل لم يكن سوى شتاتٍ عاجز، ولم يُجدِ نفعًا يُذكر.
في ذلك الوقت، كانت لِيليانا تُدندن بمرح، إذ لم يأتِ من جهة آل غابرييل أيّ ذكر لغرامة فسخ العقد.
لقد قُتل أكثر من نصف فرقة فرسان غابرييل في هجوم مملكة ساجريدو، ويبدو أنّ من نجا منهم لم يعلم شيئًا عن هروب المرتزقة ومستحضري الأرواح.
ويعود الفضل في هذا إلى بايِل، الذي تولّى الترتيبات اللاحقة للمعركة بدقةٍ ونظافة.
ليس فقط أنّ الغرامة لم تُطالب بها، بل إنّ عربون التعاقد بالكامل وصل إلى يد لِيليانا. المال مهم، لكن شعورها بالرضا من تنفيذ خدعةٍ محكمة ضد دوق غابرييل كان أمتع ما في الأمر.
قالت أَغْرينا، التي كانت تراقب من جانبها، بصوت يملؤه السرور:
“لم أعلم أن لدى جلالتك موهبة في النصب أيضًا.”
كانت هي الأخرى سعيدة بما حدث للدوق، وسعيدة أكثر أنّ شقيقها عاد ظافرًا دون أن يُمسّ بأذى.
“يقول الفرسان الذين كانوا في أرض المعركة إنهم، لوهلة، ظنّوا أن الدوق الراحل قد عاد حيًّا عندما رأوا بايِل. حتى المجتمع المخملي بدأ يقارن بين بايِل ودوق غابرييل كثيرًا.”
“وهذا أمر طبيعي. لولا بايِل، لكانت مملكة ساجريدو، التي طالما استُهين بها، قد ألحقت بنا هزيمة مذلّة.”
وأثناء انشغال الاثنتين بالحديث، دخلت صوفيا تُعلن قدوم زائر:
“جلالتك، البارون سِيريل بانتظارك في قاعة الدروس.”
“هيسدين؟! لقد مرّ الوقت إذًا.”
كانت لِيليانا ترغب بالذهاب إليه على الفور، لكن أَغْرينا وضعت يدها بحزم على المكتب وقالت:
“يجب أن تُنجزي هذه الأوراق أولًا. أخبري المعلم بأن ينتظر قليلًا.”
“لكنه أستاذي…”
“ليس أستاذًا عاديًّا، بل أستاذ الملكة. سيتفهم إن بدأتِ بالأمور العاجلة أولًا.”
ورغم أنّ لِيليانا لم تُرد أن تجعل هيسدين ينتظر، إلا أنّ لكلام أَغْرينا وجاهةً منطقية.
“صوفيا، هل يمكنك أن تُحضّري له بعض الشاي، من فضلك؟”
“بالطبع!”
أظهرت صوفيا قبضتها بحماسة واتجهت نحو قاعة الدروس. أما أَغْرينا فبقيت تحدق في ظهرها قبل أن تحكّ خدها مترددة.
“جلالتك، أما كنتِ تقضين وقتًا ممتعًا معي في الآونة الأخيرة أكثر من اللازم؟”
رفعت لِيليانا رأسها عن الأوراق باستغراب.
“متى قضيت وقتًا معك؟”
“أنا شخصيًّا لا أرى مشكلة، لكنني أظن أن صديقتك منذ الطفولة قد لا تكون سعيدة بذلك.”
فجأة، حدّقت لِيليانا في الباب الذي خرجت منه صوفيا. لم تُظهر صوفيا أي انزعاج، لكن لا شك أن وقتها معها قد قلّ كثيرًا مؤخرًا.
وليس صوفيا فقط، بل حتى تشوتشو، والإمبراطورة الأم، ولوسيا أيضًا. حتى هيليو نفسه كان يتذمّر من صعوبة رؤية الملكة هذه الأيام.
ورغم ذلك، يبدو أن هناك شيئًا ما لم تنتبه له لِيليانا، إذ شعرت أنّ لكلام أَغْرينا وزنًا.
“سأتحدث مع صوفيا. شكرًا لكِ.”
“لا شكر على واجب. لست من هواة الدخول في نزاعات الغيرة النسائية.”
قالت أَغْرينا ذلك بطبيعتها المرحة، فتلوّحت لِيليانا بيديها كأنها تطرد حديثها بعيدًا في فزع.
ثم بدأت تُراجع الأوراق التي تحتاج إلى توقيع عاجل، لكنها فجأة شعرت بشيءٍ وخز مؤخرة عنقها.
قشعريرة سرت في جسدها، فاستدارت بسرعة.
لكن لم يكن هناك شيء.
“ما الخطب، جلالتك؟”
“لا شيء… لا شيء.”
ربما خُيّل إليها، نتيجة الإرهاق. عادت لتركّز على الأوراق، لكن شعورًا غريبًا ظل يطاردها… كما لو أنّ أحدًا يُحدّق بها من الأعلى.
رفعت رأسها ببطء… وفجأة، سقطت قطرة ماء على جبينها تمامًا.
“آه!”
أغمضت عينيها ومسحت القطرة، لكنها لم تشعر بأي بلل.
سألتها أَغْرينا من جديد:
“ما الأمر؟”
“هل هناك تسرّب ماء من السقف؟”
“مستحيل.”
أجابت أَغْرينا باستنكار، وكأنها سمعت نكتة سخيفة. من غير المعقول أن يكون هناك تسرّب ماء في أحد مباني القصر الإمبراطوري. لِيليانا شعرت بالإحراج وخفضت رأسها.
لكن أَغْرينا شمت الهواء فجأة، وبدت مترددة.
“رطوبة غريبة فعلًا… رغم أننا في الشتاء. سأستدعي مسؤول البناء ليتفقد الأمر.”
“شكرًا لك.”
خرجت أَغْرينا، وعادت لِيليانا إلى أوراقها. ربما هناك خلل فعلي في البناء.
لكن…
ما تفسير ذلك الشعور المُلِحّ بأن أحدًا يراقبها من خلفها؟
بدأ الخوف يتسلل إليها، فتسارعت يدها في إنهاء مراجعة الوثائق أكثر من أي وقت مضى.
وبعد أن ختمت الأوراق وأغلقتها جيدًا، كانت خطواتها نحو قاعة الدروس أسرع من المعتاد بمرّتين أو ثلاث.
حين وصلت إلى الباب، سمعت من الداخل ضحكاتٍ عالية.
قهقهات!
ضحكات صافية ومتواصلة…
تصلّبت لِيليانا في مكانها، لم تتحرك قيد أنملة. كانت جامدة كالتمثال. عندها، سألتها صوفيا، التي كانت واقفة إلى جوار الباب، بقلق:
“ما الخطب، جلالتك؟”
كان هذا هو السؤال الثالث من نوعه الذي تسمعه لِيليانا في هذا اليوم وحده.
عند هذه النقطة، لم تستطع لِيليانا أن تدّعي الجهل بما يجري.
أمسكت بمقبض الباب بقوة ودفعته قبل أن تفتحه صوفيا.
وفور دخولها، توقفت الضحكات فجأة، وكأن أحدهم قطع خيطًا مشدودًا.
وفي الداخل، لم يكن هناك سوى هيسدين، وهو منهمك في تنظيف نظارته بعصبية.
وفور أن رأى لِيليانا، ارتدى نظارته وانحنى احترامًا.
“اهلاً، جلالتكِ.”
نظرت لِيليانا إلى قمة رأس هيسدين وهي تعقد ذراعيها، ثم أخذت تتفحص قاعة الدرس بعينيها.
هناك ما يثير الشكوك… صحيح أن هيسدين يحب الشاي، لكن من المعروف أنه لا يستسيغ الحلوى، ومع ذلك، بدا واضحًا أن كمية الحلوى في طقم الشاي قد نقصت كثيرًا.
“هيسدين، لست مبتلًا هذه المرة، أليس كذلك؟”
سؤال لِيليانا لم يكن استيضاحًا بقدر ما كان مواجهةً صريحة.
تنهد هيسدين بعمق، ثم فرك ما بين حاجبيه وكأن صداعًا داهمه فجأة.
“أعتذر.”
“على ماذا؟”
“لأن أحد أرواحي تصرّف بوقاحة مع جلالتك.”
تمامًا كما توقعت.
منذ أن قيل إن هيسدين سقط في البركة في الحديقة، بدأت لِيليانا تشعر أن هناك شيئًا مريبًا. هيسدين لم يكن من النوع الذي يرتكب هفوة كهذه، وحتى لو سقط، لكان جسده قد التصق به أوراق أو أشياء أخرى، لكن ملابسه كانت مبتلّة فقط، لا أكثر.
وما زاد شكوكها، أن صوت الضحك الذي سمعته في ذلك اليوم، كان مطابقًا تمامًا لما سمعته قبل قليل. والأهم، أنّ أحدًا من الخدم لم يسمعه في المرتين.
ولم يكن هناك سوى استنتاج واحد: هيسدين هو مستحضر أرواح.
“إذًا، كنت تعرف أنني أملك موهبة التواصل مع الأرواح، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“هل عليّ أن أجلب تشوتشو الآن وأقدّمها لك؟”
“لا حاجة.”
أرادت لِيليانا أن تخفف الأجواء الجادة بإلقاء مزحة، لكن رد هيسدين كان قاطعًا إلى حدٍ أربكها.
شعر هيسدين بالإحراج من صمتها، فتنهد مرة أخرى. وفي اللحظة ذاتها، بدأ ضباب مائي كثيف يتكاثف خلفه، وما لبثت أن خرجت منه امرأة فاتنة الجمال، وكأنها خرجت من بُعدٍ آخر.
كانت أطول من هيسدين بمقدار شبر تقريبًا، وشعرها الأزرق السماوي كان يتدلّى حتى كعبيها. لم تكن تبدو إنسانة طبيعية من النظرة الأولى.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"