حين أغلقت أغرينا الباب خلفها وهربت وكأنها تهرب من ساحة معركة، اتجه هيليو مباشرة نحو السرير ووضع لِيليانا عليه.
“آه، حقًا…”
تمتمت لِيليانا بضيق، وراحت ترتّب ثيابها التي بعثرت أثناء رفعه لها. نفضت أطراف فستانها، ثم رفعت رأسها فرأت هيليو واقفًا مكتّف الذراعين، بوجه بارد قاسٍ.
أي شخص آخر كان ليعتقد أن هيليو غاضب بشدّة. في الواقع، صوفيا نفسها قد ارتعبت فور رؤيته، وهرعت راكضة إلى المكتب لتحذّر لِيليانا.
لكن لِيليانا لم تُظهر أي توتر وهي تنظر إلى هيليو. في عينيها، لم يكن يبدو غاضبًا، ولا كأنّه سيفقد أعصابه في أي لحظة.
بل على العكس… رغم أن من غير اللائق قول هذا عن إمبراطور…
“لماذا أنت متجهم؟”
ولأنه لم يكن هناك أحد غيرهما في الغرفة، عبّرت لِيليانا عمّا في خاطرها تمامًا. عندها ضيّق هيليو عينيه، وأمال قدمه اليمنى بخفة، وراح ينقر الأرض بها.
“متجهم؟”
“الجميع يستطيع رؤية أنك متجهم.”
“أنا؟ على أي أساس؟”
ابتسمت لِيليانا وراحت تحدق فيه من رأسه حتى قدميه. ثم بدأت تعد النقاط واحدة تلو الأخرى.
“أولًا، شعرك الأنيق دومًا يبدو اليوم غير مرتب قليلًا. يبدو أن لديك أمرٌ عاجل أردت قوله لي. وثانيًا، الجبهة مشدودة أكثر من المعتاد. نظراتك تتنقل بيني وبين أماكن أخرى… وكأنك صُدمت بشيء ما، أليس كذلك؟ أنفك المثالي كما هو دائمًا، لكن شفتك السفلية اليوم تبدو…”
هنا، توقفت لِيليانا للحظة، تتردد إن كان من اللائق قول ما تفكر به لإمبراطور أقوى إمبراطورية في القارة. دارت عيناها باحثة عن حل وسط، ثم قالت:
“…تبدون لطيفًا بعض الشيء.”
“لطيف؟ ماذا تقصدين؟”
“شفتك السفلية بارزة قليلًا، وكأنك تبرم الشفاه.”
“هل خرج قلبكِ من مكانه؟”
“يبدو ذلك. بما أن جلالتك تقول دومًا إنني مثل الأرنب، فقد اكتسبت قدرة على ترك قلبي في الخارج.”
“هاه!”
ضحك هيليو ساخرًا، لكن يبدو أن مزاجه تحسّن، إذ بدأت ابتسامة واضحة ترتسم على شفتيه.
ظنّت لِيليانا أن من الأفضل التوقف هنا، لكن هيليو ظل واقفًا بوضعه السابق وكأنه ينتظر المزيد. فنقلت نظرها إلى أسفل.
“كتفاك مشدودتان، وذراعاك مكتوفتان… هذه وضعية معروفة لمن يشعر بالضيق أو الزعل.”
“هل تعرفين الكثير عن الزعل؟ هل أنتِ خبيرة؟”
“أنا أيضًا كثيرًا ما أزعل.”
ثم شبكت لِيليانا ذراعيها وأبرمت شفتها السفلية بطريقة طفولية. فقهقه هيليو ضاحكًا، وتخلى عن تمثيلية الغضب.
فكّ ذراعيه وجلس إلى جانبها على السرير بتراخٍ.
“كنت أنوي أن أظل غاضباً فترة أطول حتى أربككِ… لكن يبدو أن خطتي فشلت.”
“ولماذا كنت غاضباً لهذه الدرجة؟”
قالت لِيليانا ذلك وهي تضحك، إذ بدت مستمتعة بكل هذا التمثيل. أما هيليو، فأخذ يتأمل ملامحها بهدوء.
عيناها المستديرتان تصبحان أكثر نعومة حين تضحك، وأنفها الصغير البارز، وشفتيها الممتلئتين المليئتين بالحيوية.
كانت لِيليانا فتاة جميلة بطريقة لا يمكن إنكارها. كان أمرًا يثير الدهشة بالنسبة لهيليو، أن هذه المرأة تتحرك وتتحدث وتضحك وتغضب…
لو أنها تبقى ساكنة، لما طمع فيها أحد…
مدّ يده إلى خصلات شعرها الناعم وأمسك قبضة صغيرة منه. فأمالت لِيليانا رأسها نحو يده، وأغمضت عينيها ببطء، كأنها تستسلم لذلك اللمس الحنون.
كان هيليو يعمل في مكتبه، حين أتته مينيلي، وصيفة كانت قد وضعت في قصر الزمرد لأغراض المراقبة.
منذ فترة، أصبحت مينيللي تتردد في نقل ما يحدث داخل القصر بتفصيل. لكنها لا تستطيع الكذب، لأن أوامر الإمبراطور لا تُردّ.
ما إن سمع هيليو تلك الكلمات حتى توقف عن الكتابة، وأخذ يدير القلم بهدوء بين أصابعه.
“أي أنكِ تقولين إن بايِل غابرييل قبَّل يد الملكة، وأقسم بولائه الأبدي لها، وفعل تلك الحماقة السخيفة؟”
“نعم، جلالتك”
وقف هيليو من مكانه فجأة دون أن يشعر، فارتعب تيرنز الذي كان واقفًا بقربه، وسارع لمحاولة إيقافه.
“جلالتك! يجب أن تنهِ ما بدأته أولًا!”
لكن هيليو لم يكن في مزاج يسمح له بذلك.
إلا أن منصب الإمبراطور ليس منصبًا يسمح للمرء بأن يتصرف وفق مزاجه.
وفوق ذلك، فإن لِيليانا، وإن بدت بسيطة أحيانًا، إلا أنها شخص يولي الأعراف أهمية كبيرة، ومن المؤكد أنها تُعجب بأشخاص من هذا النوع. لم يشعر هيليو من قبل بثقل عبء منصبه كاليوم.
“سأنتهي بسرعة.”
قالها مزمجرًا، ثم جلس وبدأ بإنهاء العمل بسرعة تعادل ضعف سرعته المعتادة. وبعد أن انتهى، أعلن ذهابه إلى قصر الزمرد، فلم يعترض تيرنز بشيء.
وحين وصل إلى هناك ورأى لِيليانا، وجدها جالسة في مكتبها بوجه باسم كما لو أنها لا تدرك ما الخطأ الذي ارتكبته.
حتى حين رأته، لم تظهر عليها علامات الفرح البالغ. بل بدت كأن لديها أمورًا أهم لتفعلها، وكأن مجيئه أضاف عبئًا فوق أعمالها.
ربما لهذا السبب اندفع نحوها وحملها بتلك الطريقة. حتى بعدما رأى ملامح وجهها وقد انقلبت من الهدوء إلى الدهشة، لم يشعر بأن غضبه قد هدأ.
ومع ذلك، حين بدأت لِيليانا تمزح معه وتلاعبه بكلماتها الطريفة، انفجرت الضحكة من داخله. لم يكن حتى الأحمق ليفعل مثلها.
رفع هيليو يد لِيليانا إلى فمه وانحنى عليها، فما كان منها إلا أن حاولت سحب يدها، وقد ارتسمت الدهشة على وجهها.
لكن تلك المحاولة الضعيفة زادت من استيائه، وبدت على حاجبيه علامات الضيق.
“لماذا؟”
“فقط… لأنك تفعل ذلك فجأة…”
“ألم أفعل ما هو أكثر من هذا من قبل؟”
عندها احمرّ وجه لِيليانا، إذ يبدو أن الليلتين اللتين جمعتهما به مؤخرًا قد عادتا إلى ذهنها بكل تفاصيلهما.
ورؤيته لذلك على وجهها، جعله يشعر فعلًا بأن غضبه بدأ يتلاشى.
“لم أُصدم لذلك السبب فقط… لكنني قبل قليل تلقيت نذر ولاء من السير بايِل. ولهذا، أشعر أن تقبيلك ليدي الآن فيه شيء من عدم الاحترام.”
“وتقولين لي هذا بكل هذه الثقة؟”
سألها بنبرة احتجاج، فبادرت هي بالسؤال كأنها لا ترى سببًا للامتعاض:
“ولِمَ لا؟”
“ألم أقل إنكِ لي؟”
“صحيح، لكنني أيضًا ملكة، ولدي الحق في تلقي نذر الفرسان. السير فيرين فعل الشيء نفسه حين شكرني على اهتمامي بفيلق الفرسان الثالث. حتى إنه قبّل يدي.”
“كيف تقارنين فيرين بذلك الوغد غابرييل؟!”
“ما الفرق بينهما؟”
بدا على وجه لِيليانا أنها لا تفهم حقًا. ويبدو أن عدم قدرتها على فهم انزعاجه كان يزعجه أكثر.
كانت نظرتها البريئة تُشعل داخله الغيظ.
“ذلك الوغد… إنه…”
لكنه ابتلع كلماته، ولم يُكمل. لم يُرد أن يُنبّه لِيليانا إلى مشاعر بايِل تجاهها. فالإنسان إن عَلِم أن أحدًا يُحبه، بدأ يُفكر فيه.
كان يثق أن لِيليانا، بسبب التزامها، لن تدخل في علاقة مشبوهة مع أحد وهي ملكة.
لكن مجرد أن تنظر إلى رجل آخر كذكر، كان يزعجه بشدة.
غير أن لِيليانا فهِمت الأمر بشكل مختلف تمامًا.
“هل أنت قلق لأن السير بايِل من عائلة دوق غابرييل؟ تخشى أن يؤذيني؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا جيد… لدي ما أخبرك به بشأنه.”
استدارت لِيليانا نحوه بحماسة، وكأنها مستعدة للدخول في نقاش طويل.
لكن هيليو لم يكن مستعدًا لسماع شيء. بل جذبها إليه وتمدّد معها على السرير وكأنه يهرب.
في حضنه، بدت لِيليانا جادّة أكثر، لكنها لم تستطع التحرّك بسهولة لأن ذراعيه كانتا تطوقانها بقوة. فأغمض هو عينيه كأنه لا يريد حتى رؤيتها.
“لست مهتمًا بسماع شيء عن بايِل غابرييل. ولا أريد أن أسمع اسمه الآن. خاصة لو أنكِ كنتِ ستحاولين الدفاع عنه… قد أفقد صوابي.”
كان صوته أشبه بطفل مدلّل يُعبّر عن غيرته.
ولم تكن لِيليانا تكره ذلك أبدًا.
بل كانت تشعر أن هذا الرجل الوسيم الكبير، يشعر بغيرة حقيقية تجاهها.
كان يخبرها دائمًا أنها ملكه. وهذا وحده يكفي.
رفعت لِيليانا يدها برفق ولمست جفنَي هيليو المغلقَين بحذر. رغم أنه كان يحتضنها بقوة، إلا أنها أرادت لمسه أكثر.
أن تشعر ببشرته الناعمة وهي ترتجف تحت أطراف أصابعها، كان أمرًا يدهشها. بدت فرِحة وهي تهمس ضاحكة:
“كم هو ممتع.”
“ماذا؟”
“أنك تتظاهر بالنوم.”
“هل يجب أن أشتري لكِ عجلة فأر؟ إن كنتِ تفرحين بأمور كهذه.”
قالها وكأنه يعاتبها، لكنه لم يفتح عينيه ولم يمنعها من مواصلة اللعب.
أن تلهو برموشه الطويلة، وتنسى الحرب ومؤامرات القصر، بدا كأنه حلم جميل.
لكن الأحلام الجميلة تنتهي دومًا أسرع من الكوابيس.
دقّ أحدهم الباب، ودخلت صوفيا حاملة صينية الشاي. في تلك اللحظة، شعرت لِيليانا وكأن أحدًا سكب عليها ماءً باردًا.
من المؤكد أن صوفيا، بعد أن رأت هيليو يحملها إلى الغرفة، أسرعت لإعداد شاي مضاف إليه مانع للحمل.
خشيت لِيليانا أن يُلاحظ أحدٌ ارتجاف يديها، فنهضت بسرعة من بين ذراعي هيليو. لكنه أمسك بذراعها وضحك ضاحكًا.
“لم لا تكملي اللعب بي؟”
“الخادمات سيتحدثن عنّا.”
ضحكت لِيليانا محاولة إخفاء ارتباكها.
دخلت صوفيا وقد أعدّت طقم الشاي على الصينية. تجنّبت النظر إلى السرير، ووضعت الأباريق والأكواب على الطاولة.
ثم حرّكت أحد الأكواب قليلًا كأنها تشير إليها، فاقتربت لِيليانا والتقطته بهدوء.
“آه، إنه الشاي الذي أهداني إياه جلالتك. رائحته رائعة.”
قالتها بتصنّع طبيعي، وتبعها هيليو بنظره نحو الكوب الذي أمسكت به.
——————————————————————— •فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 90"