“ولِمَ تذكرين اسم بايِل فجأة؟ أخي ليس من الورثة المباشرين، ولا سبب يدفعه إلى خوض الحرب.”
قالت أغرينا بحدة، فلم تستطع لِيليانا إلا أن ترى نفسها فيها.
لا أحد يرغب في دفع من يحبهم إلى جبهة القتال. بالنسبة للِيليانا، كان ذلك الشخص هو هيليو. وبالنسبة لأغرينا، كان بايِل.
“أعتذر، أغرينا، لكن رأيك في هذه المسألة لا يغير شيئًا. سأتحدث مع بايِل شخصيًا. وأنتِ، أكثر من أي شخص، تعرفين ما ستكون إجابته، أليس كذلك؟”
ورغم أن أغرينا لم تخفِ امتعاضها، فإنها لم تعترض.
كان بايِل يطمع منذ زمن بابتلاع دوقية غابرييل.
ومن منظور لِيليانا، فهو رجل ذكي، يمتلك بصيرة حادة وقدرة فائقة على تقييم الأوضاع، وهو يفوق الدوق الحالي بمراحل.
غير أن سطوة الورثة المباشرين حجبت عنه فرصته في الظهور والتأثير.
لكن إن تمكن من سحق قوات مملكة ساجريدو في هذه المعركة الصغيرة، فسيُنسب إليه الفضل في كسر شوكة الحرب، وسيصبح اسمه على كل لسان.
بل سيكون ذلك بعد وقوفه جنبًا إلى جنب مع دوق غابرييل، مما سيجعل المقارنة بينهما أوضح من الشمس.
أغرينا عضّت شفتها السفلى وخفضت رأسها.
“قرار جلالتك ليس خاطئًا… على أي حال، حين يصبح دوق غابرييل لاحقًا، لا بد أن يقاتل.”
قالت ذلك بنبرة باردة، ثم أسدلت قبعة الحجاب لتغطي وجهها.
رغم أنها احترمت وجهة نظر لِيليانا لما تحمله من طموح واسع، إلا أن فكرة إرسال أخيها إلى أرض المعركة كانت تحرق قلبها بنار صامتة.
نظرت لِيليانا إليها بشفقة، ثم وضعت حجابها هي الأخرى.
“سأقدّم له كل دعم ممكن. سأجهز له فرسانًا ومقاتلين مميزين، وسأوفّر موارد لا يمكن تصديقها في معركة بحجمها. وسأستأجر مخططين بارعين كذلك. إن فشل بايِل، فسأكون أنا أيضًا في مأزق.”
كانت كلماتها تنضح بروح عملية وكأنها تتحدث عن صفقة، لكن من كان حاضرًا فهم أنها كانت تواسي أغرينا بطريقتها.
لكن أغرينا بقيت صامتة، ما دفع الكونتيسة ريستون لأن تهمّ بتأنيبها، لولا أن لِيليانا رفعت يدها مانعة إيّاها في اللحظة الأخيرة.
وفجأة، انحنت أغرينا انحناءة عميقة، بصوت خافت:
“… شكرًا لك، جلالتك. إن طلب شقيقي يدك كان أفضل قرار اتخذه في حياته.”
فابتسمت لِيليانا من خلف الحجاب، وقد ارتسمت على وجهها ملامح راحة حذرة.
“وأنا أيضًا، مدينة لك وله، يا أغرينا.”
تابعت أغرينا خدمتها بهدوء، في حين حافظت لِيليانا على مظهرها المتماسك، رغم أن قلبها كان ينبض بعنف.
إن مات بايِل في تلك المعركة، أو أصيب بجراح لا شفاء منها… فكيف ستحتمل شعور الذنب؟.
لو لم يكن مصير هيليو على المحك، لما فكرت يومًا في إرسال أحد إلى الحرب طمعًا في تحقيق النصر.
الحب أناني.
قالتها في نفسها، شاعرةً بالغربة عن ذاتها.
❈❈❈
استمر التوتر قائمًا مع مملكة ساجريدو دون أن يُكتشف أي خلل في نهر غاتيس.
وفي أثناء ذلك، كان الأرواحيون التابعون لقافلة لِيليانا يتدربون خلال النهار في المناطق الحدودية، ويواصلون تصنيع الأحجار الروحية في الفجر.
وقد بدأت شكاوى فرسان دوقية غابرييل بالوصول، يشتكون من كسل الأرواحيين.
لكن بما أنهم يعملون فجرًا، فالتأخر في الاستيقاظ طبيعي.
لذا ردّت لِيليانا بجرأة:
“ليسوا جنودًا، أليس من الطبيعي أن يكون الأمر كذلك؟”
ثم بلغ إلى مسامعها أن البارون فورمان قد أُقيل من منصبه.
حتى لو كان دوق غابرييل ساذجًا وضعيف القيادة، فلا شك أنه أدرك أن هذا العقد كان صفقة خاسرة من البداية.
وبدلًا من فسخ العقد — وقد دُفع المقدم مسبقًا — قررت الدوقية اللجوء إلى استئجار مرتزقة إضافيين.
لكن أحد المشرفين في الميدان أشار إلى أن أولئك المرتزقة لا يبدون أهلًا للمعارك، بل قد يفرّون عند أول مواجهة.
وكان هذا دليلاً إضافيًا على مدى تدهور سمعة دوق غابرييل.
وأثناء مراجعة لِيليانا لمجموعة من الوثائق، دخلت مِينيلي تخبرها:
“جلالتك، السير بايِل غابرييل يطلب لقاءك.”
“أدخِلوه إلى المكتب.”
وضعت لِيليانا قلمها جانبًا وانتظرته.
وحين دخل، بدا أثر التدريب ظاهرًا عليه، فقد ازدادت بشرته البرونزية إشراقًا.
انحنى باحترام ونظر إليها.
“أحني رأسي أمام صاحبة الجلالة، الملكة.”
“هل حصلت على الإذن بالمشاركة في المعركة؟”
أومأ بايِل برأسه.
“نعم. لقد قابلت جلالة الإمبراطور قبل قليل، وقد منحني موافقته بكل ترحيب.”
“حسنٌ. كنت قلقة أن لا يسمح لك بالمشاركة. فهو لا يثق بعائلة غابرييل كثيرًا، وقد يخشى أن تكتسب سمعة جيدة.”
“أهكذا كنتِ تفكرين؟”
“بالطبع. هذه المعركة تعني لي الكثير، وآمل أن تضع أنف دوق غابرييل في التراب، أليس كذلك؟”
قالتها بمزاح، ثم غطّت شفتيها بطرف إصبعها وقد شعرت بالإحراج.
“آه، ربما تصرفتُ بودٍ أكثر من اللازم؟ يبدو أن صحبتك مع أغرينا جعلتني أُعاملُك كصديق مقرّب. اعذرني.”
“لا بأس.”
ردّ بايِل بإيجاز، ثم صمت، بينما امتلأت عيناه الحمراوان بالتردد والتفكير العميق.
ترددت لِيليانا للحظة، تخوّفت أن تكون قد تصرفت بودٍ أكثر من اللازم مجددًا، لكنها خلصت إلى أن تردّد بايِل أمامها لا بدّ أن يخفي خلفه شيئًا يريد قوله.
“هل هناك ما ترغب في قوله؟”
“هاه؟ آه…”.
تلعثم بايِل بطريقة لا تشبهه على الإطلاق، مما جعل لِيليانا تضحك برفق، وقد مالت حاجباها في تعجب.
“ما بك؟ هذا لا يشبهك أبدًا، يا بايِل.”
حدّق بايِل بها، مأخوذًا بصوت ضحكتها وهي تصدح أمامه ببراءة. وراح وجهه، الذي طالما اتسم بالهدوء والثقة، يتقلب بين الاحمرار والاصفرار والبهوت، في مزيج مضطرب.
أمالت لِيليانا رأسها وسرّحت كفيها أمام صدرها تصفق بخفة.
“بايِل؟”
“أعتذر، جلالتك…”
“من الواضح أنك تحمل شيئًا في صدرك، فقل ما لديك. قد لا نكون أصدقاء، لكننا رفاق في ذات المركب، أليس كذلك؟”
كانت لِيليانا تحاول تلطيف الأجواء، لكن كلماتها كانت مؤلمة في أذن بايِل.
هي لا تعتبره حتى صديقًا.
شدّ على نفسه، ولام نفسه في صمت. كان عليه أن يتكلم وينهي هذا الارتباك.
“جلالتك، لديّ رجاء.”
“تفضل.”
“أرغب بتقديم قسم الفارس لجلالتك.”
رفع رأسه قليلًا وهو ينطقها. وللحظة، بدا وجه لِيليانا مصدومًا ببراءة لا تُصدق.
ربما سيقول البعض إنها ساذجة، لكن بايِل كان يراها نقية أكثر من أي شيء آخر.
فهي الوحيدة التي، حتى بعدما أدركت بشاعة هذا العالم، لا تزال قادرة على الابتسام بود.
بدت عليها الحيرة، ربما لأنها اعتبرت السكوت في هذه اللحظة إخلالًا بالأدب، فأجابت بنبرة مترددة:
“أمم… لم يحدث من قبل أن تلقيت قسم فارس، فأنا لست في موقع يستدعي ذلك. ثم إننا لسنا في علاقة سُلمية، بل شركاء.”
تساءل بايِل في نفسه، هل كانت ترفضه بلطف؟ أم أنها فقط غريبة عن هذه المفاهيم، فتتردد؟
لطالما كان بارعًا في قراءة الوجوه، لكن ملامح لِيليانا كانت لغزًا عصيًا عليه.
“لكن، إن عدتُ من هذه المعركة وقد حققتُ النصر، فسأكون فارس جلالتك من تلك اللحظة. هذا ما أعزم عليه.”
“فارس…؟”
مسحت لِيليانا خدها بأناملها، ثم أومأت برأسها ببطء.
“لو كان شخص مثل بايِل إلى جانبي، فلن يكون لي من سعادة أعظم من ذلك. إن أردت أداء القسم، فافعل… لكن عد إليّ سالمًا، أرجوك.”
أصغى بايِل لكل كلمة تنطقها، واحدًا تلو الآخر، بصوتها الواثق الهادئ.
طلبها ألا يتأذى لم يكن سياسيًا، بل نابعًا من طيبة قلبها. كان يعلم أنها ستلوم نفسها لو أُصيب.
ومع ذلك، أحس بالغبطة.
فجثا على ركبة واحدة دون تردد، فنهضت لِيليانا من مجلسها وتقدّمت نحوه.
وإذا بكفّها البيضاء الرقيقة تمتد نحو ناظريه. أمسك بها برفق، كما لو كانت قطعة زجاج ثمينة، وطبع على ظهرها قبلة خفيفة.
حتى لو كانت لمسة سريعة، فإن أنفاسه لامست بشرتها. فارتعشت يدها بخفة تحت وطأة الإحساس الجديد.
“جلالتك، من لحظة أدائي هذا القسم، فأنا لكِ. لن أخونك أبدًا. لذا أرجوكِ، أنتِ أيضًا… لا تخذليني.”
في تلك اللحظة، بدا وجه بايِل — الذي اعتادت عليه واثقًا ساخرًا — مرتبكًا بقلق غير مألوف.
هل كان شوقه للنصر عظيمًا إلى هذه الدرجة؟
نظرت لِيليانا إلى مِينيلي وقالت:
“أحضري لي المنديل الذي طلبته مؤخرًا.”
في إمبراطورية كارلو، كان من تقاليد الفرسان أن يُهدى المنديل من السيدة التي أقسم لها الفارس.
“لم أتمكن من تطريزه بنفسي لضيق الوقت.”
“لا بأس.”
قالها بايِل، لكن لِيليانا بدت آسفة رغم ذلك.
“لكن التصميم سيكون جميلًا، وأنا من اختار النقش.”
ابتسم بايِل ابتسامة خفيفة وأومأ.
“هذا شرف لي.”
لم يكن يتوقع أن يحصل على المنديل أصلًا، لذلك، مجرد حصوله عليه كان كافيًا لإسعاده.
قدّمت له لِيليانا المنديل داخل علبة صغيرة، وضمّته إلى يده.
ثم قالت بصوت هادئ:
“بايِل… لا أحب الحديث عن نقاط ضعفي، لكنني سأقول لك هذا: لا أجيد الخيانة. فإن تخليتُ يومًا عن يدك، فثق أنني لن أفعلها بدناءة.”
أنا أعلم.
لكن بدل أن ينطقها، انحنى باحترام.
قالت لِيليانا:
“الآن وقد أديت قسم الفروسية، أريد أن أسألك عن شيء لطالما حيّرني.”
“أنا؟”
بدت الدهشة على وجه بايِل، كأن فكرة أن تكون لِيليانا مهتمة به كانت بحد ذاتها غريبة.
لكنها أومأت كأن الأمر طبيعي تمامًا.
“لقد رأيت فيك شخصًا واقعيًا، لكنك لا تبدو لي كرجلٍ يلهث خلف السلطة فقط. فلماذا، إذًا، تصر على انتزاع المقعد الرئيسي لدوقية غابرييل؟”
“هل ذلك مهم لجلالتك؟”
“نعم، مهم جدًا.”
دقّ قلب بايِل بعنف أمام ردّها الحازم.
قالت:
“جلالته يكره دوقية غابرييل… يكرهها كثيرًا.”
لكن ما تلا تلك الكلمات كان كالماء المثلج يُسكب عليه فجأة.
حتى فضولها نحوه لم ينبع من ذاتها، بل من الإمبراطور.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 88"