كانت كونتيسة بليا، كما شاع عنها، ذات طبع اجتماعي مرِح. شرعت في الحديث مع لِيليانا بقصص ظريفة تعلم أنها ستروق لها، فأضفت على الجو جوًا دافئًا مفعمًا بالحيوية.
وما إن انطلقت ضحكات لِيليانا بمرح، حتى قررت الكونتيسة أن الوقت قد حان للدخول في صلب الموضوع.
“بالمناسبة، هل صحيح أن جلالتكِ بحثتِ حتى في دوقية لاوبي من أجل تقديم هدية للإمبراطورة الأم؟”
خشيت أن تتحدث بصوت عالٍ فتسيء إلى لِيليانا أو تنفرها، لذا همست بالسؤال بصوتٍ خافت، لكن لِيليانا، التي أرادت أن ينتشر هذا الخبر، أجابت بنبرة واضحة، بحيث يسمعها من أراد من المتطفلين حولها.
“بالطبع. لا يمكنني أن أقدّم هدية عادية لجلالتها، أليس كذلك؟”
أجابت بذلك وكأنها تتباهى، فما كان من الكونتيسة إلا أن ضحكت وانطلقت في الحديث بنبرةٍ أعلى.
“آه، لا شك أنكما تمثلان أروع علاقة بين حماة وكنّة في هذه الإمبراطورية، أليس كذلك، عزيزي؟”
نغزت زوجها في خاصرته بخفة، فهزّ الكونت رأسه بشدة مؤيدًا.
“معذرة على الجرأة، لكنني أعمل في تجارة بسيطة، وقد حاولت مرارًا اختراق سوق دوقية لاوبي، لكن دون جدوى. لم أتمكن حتى من شراء شيء منها، وكل ما نجحت فيه بالكاد بيع بعض البضائع.”
“دوقية لاوبي من أكثر الدول انغلاقًا، حتى في عمليات البيع يتطلب الأمر مجهودًا هائلًا، لا بد أنكَ بذلت الكثير.”
مدحته لِيليانا بلطف، فما كان منه إلا أن انتفخ فخرًا وسعل ساعدًا، رافعًا كتفيه. بينما نظرت إليه زوجته بنظرة خفية تحمل مزيجًا من السخرية والشفقة.
فهي كانت تحاول استنطاق لِيليانا للحصول على معلومات، لكن زوجها بدا على وشك البوح بكل شيء حتى دون أن يُسأل.
ومع ذلك، فإن إشراقة لِيليانا الهادئة كانت كافية لتذيب في النفس أي تحفظ.
“لقد بذل زوجي جهدًا هائلًا لمحاولة التعامل مع دوقية لاوبي، فما إن سمعت أن جلالتكِ نجحتِ في شراء شيء من هناك، حتى شعرتُ بالإعجاب العميق.”
قالت الكونتيسة بودٍّ ظاهر، فما كان من لِيليانا إلا أن وضعت راحة يدها على خدّها بخجل مصطنع، متظاهرة بالتواضع.
“أوه، لا داعي للمبالغة.”
ثم سألتها الكونتيسة بخفوت:
“هل صحيح أن الجوهرة التي أهديتها لجلالة الإمبراطورة الأم كانت من تلك الأحجار التي نسمع بها فقط في الكتب؟ حجر الأرواح؟”
“أجل، صحيح. إنها واحدة من أحجار الأرواح… من نوع حجر الضوء تحديدًا.”
“أيعقل؟ حجر أرواح حقيقي؟! يا إلهي. هل تملك دوقية لاوبي مناجم خاصة بتلك الأحجار؟”
رفعت لِيليانا يدها لتسند ذقنها، وتظاهرت بالتفكير العميق، مطلقة صوت “هممم…” طويل، بينما احترقت قلوب من حولها شوقًا لسماع الإجابة، حتى من كانوا يختلسون السمع من بعيد.
عدّت في داخلها حتى الرقم ثلاثة، ثم فتحت فمها أخيرًا:
“من يعلم؟ لا أدري إن كانت مناجم فعلًا… فأنا ببساطة دفعت ثمنها فحسب، ولا أعلم كيف تُنتج تلك الأحجار. لكن ما أعلمه أن تلك الأحجار لا تُرى إلا في دوقية لاوبي.”
وهذا منطقي، فما من مكان آخر يتمتع بوفرة طاقة الأرواح كدوقية لاوبي، ولا تجتمع الأرواح إلا في أماكن كهذه.
ظهر الإحباط على ملامح آل بليا.
لو كان بالإمكان الحصول على حجر أرواح كهذا، لكان ذلك دفعة هائلة لأعمالهم، لكنه لا يُباع إلا هناك… والوصول إليه يكاد يكون مستحيلًا.
ومع ذلك، تابعا الحديث مع لِيليانا لبعض الوقت. لم يحصلا على ما أرادا من معلومات، لكن روحها المشعة وسحر حديثها جعلهما ينسيان ذلك.
وبعد أن افترقا عنها، جلسا مع أحد أصدقائهما من التجار، يقرعان كؤوس النبيذ ويتبادلان التنهيدات.
“قالت إن الأحجار لا توجد إلا في لاوبي… لا بد أن هناك منجمًا خاصًا، أليس كذلك؟ بسبب كثافة طاقة الأرواح هناك؟”
“لكنني سمعت أن أحجار الأرواح تُصنع، لا تُستخرج.”
“حقًا؟”
“هكذا قيل لي… ومع ذلك، إذا كان لا يمكن الحصول عليها سوى هناك، فربما تكون صناعتها مرتبطة بالمكان.”
“صحيح… والملكة نفسها قالت إنها لا تعتقد أنه منجم.”
بدأت التكهنات تدور وتتشعب، فقد سحرهم ذلك الحجر الغامض، الذي لم يسبق لأيٍّ منهم أن رآه أو حتى تخيّله.
كبحوا جماح فضولهم مؤقتًا، بانتظار أن يعودوا إلى منازلهم ليتقصّوا أمر تلك الأحجار بأنفسهم.
وفي اليوم التالي مباشرةً، عُقد حفل رأس السنة.
ظهرت الإمبراطورة الأم في ذلك اليوم ببشرة أكثر إشراقًا من اليوم السابق، وكانت ترتدي بروشًا مصنوعًا من حجر الأرواح المظلم.
أما ڤيستي، والتي كان من الطبيعي أن تُدعى، فلم تُظهر شعرها حتى نهاية الحفل، بحجة المرض.
سخر الجميع من ذلك، قائلين إنها عجزت عن ارتداء “شمس مزيّفة” فوق صدرها.
أما لِيليانا، ففكرت بمزاحٍ داخلي ساخر:
“لو حضرت ڤيستي، ربما أغمي عليها من شدة الغيظ.”
「جميع القوافل التجارية، بلا استثناء، يرسلون مبعوثيهم إلى دوقية لاوبي في هذه الأثناء. لا بد أنهم يسعون لاكتشاف سرّ صناعة أحجار الأرواح.
وبما أن دوقية لاوبي لن تتنازل عن سرّها بهذه السهولة، فإن قيمة تلك الأحجار سترتفع، وإن طُرحت في السوق في الوقت المناسب، فستكسب قافلة رينيا شهرةً مدوّية.」
كانت ابتسامة خفيفة ترتسم على وجه لِيليانا بينما تقرأ رسالة الكونتيسة ريستون. فالحقيقة أن سر صناعة أحجار الأرواح لا يكمن في أعماق مناجم دوقية لاوبي، بل هو نائم بهدوء في مكتبة القصر الإمبراطوري.
لم تتوقع لِيليانا أن تُخفي هذا السر للأبد، ولكن كلما زادت المسافة بينها وبين المتأخرين في السباق، كلما ترسخ في أذهان الناس اسم قافلة رينيا مع كل ذكرٍ لأحجار الأرواح. وذلك وحده كان كافيًا.
فالناس حين يشترون شيئًا باهظًا، يفضلون دائمًا دفع المزيد مقابل الشراء من جهةٍ مألوفة ومضمونة وآمنة.
سلمت الرسالة إلى صوفيا، ثم حولت نظراتها إلى أغرينا، وسألتها:
“كيف تسير الأمور بخصوص نهر غاتيس؟”
كانت أغرينا تملك نظرة ثاقبة، لكنها لم تكن بارعة في خدمة الآخرين، وهذا لم يكن مستغربًا، فشقيقها بايل دلّلها طوال حياتها. لكنها عوّضت ذلك بذكاء حاد وكفاءة عالية في أداء مهامها كسكرتيرة.
“أجريت بعض التحريات، ولم أجد ما يُنتقد. نهر غاتيس يملك إمكانية هائلة للتحول إلى قناة كبرى. لم تتعرض المنطقة لجفاف أو فيضانات مؤخرًا، ومجرى النهر مستقر جدًا.”
“وماذا عن القراصنة؟”
“هذا أمر لا يمكن الحكم عليه قبل إنشاء القناة. الآن لا تعبره إلا قوارب صيد صغيرة. وإذا كان القراصنة يرضون بأكل السمك، لما صاروا قراصنة!”
“هاه…”
“لكن لماذا تبحثين عن عيوبه أصلًا؟”
أجابت لِيليانا وهي تتكئ على الكرسي:
“لأُربك مملكة ساجريدو. فكّري قليلًا.”
مدّت يدها وسحبت القلم من يد أغرينا.
“لنفترض أن هذا القلم كان يخصّكِ.”
“صحيح، إنه قلمي. أحضرته من ساغا، وهو إرث من والدي. لا أصدق أنك سرقته مني الآن!”
رمقتها لِيليانا بنظرة جانبية وأكملت:
“قلتِ إنكِ ستضربينني إن لم أعده إليكِ.”
“لا، لا! لو فعلت، لجعلني جلالة الإمبراطور…”
“أغرينا!”
نادتها لِيليانا بنبرة متذمرة، ووضعت يديها على خصرها وعبست شفتيها، ثم تخلت عن التمثيل وبدأت بالكلام الجاد.
“ساجريدو في الحقيقة لا تريد نهر غاتيس. هم يريدون أن تصبح الأميرة لوسيا ملكة لديهم. لكنهم يعرفون أن الإمبراطورية لن تتنازل عن النهر بهذه السهولة، لذا يتظاهرون بالعكس.”
“صحيح.”
“لكن، ماذا لو أن الإمبراطورية وافقت فعلًا على منحهم النهر؟”
“دون أن تدفع المملكة أي مقابل؟ سيكون أمرًا محرجًا، لكن ربما يتقبلونه حفاظًا على ماء الوجه.”
“ولكن ماذا لو تبين أن النهر معيوب؟”
“سيصابون بصدمة كبيرة. لا ملكة حصلوا عليها، ولا نهر! بل قد يتسبب ذلك في اندلاع حرب. ألم تقولي إن التنازل عن النهر يُضعف من هيبة الإمبراطورية؟”
“وهل الهيبة حكر على الإمبراطورية فقط؟ لمملكة ساجريدو أيضًا هيبتها، وقد شوشوا كثيرًا: ‘سنخوض الحرب! سنجعل أميرة من العائلة الإمبراطورية ملكةً علينا! سنستعيد نهر غاتيس!’ وفي النهاية؟ لا شيء تحقق. أليس كذلك؟”
حينها فقط بدأت أغرينا تصغي بجديّة.
“الهيبة أمرٌ نسبي، يا أغرينا. لو بدت مملكة ساجريدو بذلك الغباء، فإن سمعة الإمبراطورية لن تتأثر، بل سيقال: ‘انظروا إلى الإمبراطورية، كيف لقّنت الحمقى درسًا!'”
أومأت أغرينا برأسها وقد بدأت تستوعب الفكرة. لكنها لم تبدُ متأثرة كثيرًا.
“لكن ما الفائدة من كل ذلك؟ نهر غاتيس لا مشكلة فيه أصلًا.”
“وهذا هو المشكلة!”
ارتطم جسد لِيليانا بالمكتب وهي تنهار فوقه في استياء. والحق أنها لم تكن الوحيدة التي عجزت عن إيجاد عيب فيه؛ فحتى لوسيا نفسها ظلّت تفكر وتفكر، حتى انتهى بها الأمر إلى طلب المساعدة من هيليو.
وفي خضم تذمرها وهي تنثر خصلات شعرها الكثيف على سطح المكتب، سمعت طرقًا خفيفًا على الباب، تبعته دخول مينيلي.
“جلالتكِ، الكونتيسة ريستون أرسلت إليكِ رسالة عاجلة.”
“عرّابتي؟”
رفعت لِيليانا رأسها بدهشة. لم يمضِ سوى بضع دقائق منذ قرأت رسالتها الأخيرة، فماذا حدث الآن؟.
تناولت المذكرة الصغيرة من يد خادم الكونتيسة، وما إن قرأتها حتى اتسعت عيناها.
「بيت دوق غابرييل أرسل من يبحث عن قافلة رينيا. يريدون لقاء رئيسة القافلة شخصيًا.」
شهقت لِيليانا، ثم ألقت بالرسالة فورًا في نار المدفأة.
بيت غابرييل؟ يسألون عن قافلة رينيا؟ هل اكتشفوا أمر أحجار الأرواح؟
لم تكن مسألة استعانة القافلة بسحرة الأرواح سرًا كبيرًا، لكنها لم تكن ظاهرة للعلن أيضًا، إذ كانت هناك ذرائع ظاهرية أخرى.
شعرت بالقلق، لكن لا مجال للتقاعس، فقامت من مجلسها على الفور.
“علينا أن نذهب فورًا، جهّزوا…”
وقبل أن تُكمل أمرها، توقفت فجأة وعضّت شفتها السفلى وهي تستذكر شيئًا ما. أغمضت عينيها بقوة وتنهّدت، ثم قالت:
“جهزوني… بتلك الثياب التي أرسلتها لي عرّابتي.”
كانت تقصد تلك الثياب… الجميلة، الناضجة، والمثيرة في الوقت نفسه.
“أوه! تقصدين تلك الثياب الجريئة؟”
نعم… تلك بالضبط. ——————————————————————— •فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 86"