إن عبارة “لم تترك له وقتًا ليلتقط أنفاسه” خُلقت لأوقات كهذه تمامًا. فكلما اقتربت حفلة نهاية العام وحفل رأس السنة، شعرت لِيليانا وكأن الهواء من حولها يخلو من الأوكسجين.
كان عليها أيضًا أن تُجري تحريات بشأن مملكة ساجريدو ونهر غاتيس، فحتى لو امتلكت عشرة أجساد، لما استطاعت أن تنعم بالراحة.
وحين حلّت حفلة نهاية العام أخيرًا، لم تكن لِيليانا ترغب بشيء سوى أن ترتمي فوق سريرها وتنام نومًا طويلًا بلا نهاية.
لكن لم يكن ذلك ممكنًا، لذا ما كان منها إلا أن تتزيّن وتقف عند مدخل قاعة الاحتفال، حيث يدخل أفراد العائلة الإمبراطورية.
وما خفّف عنها قليلًا، هو أن الفستان الذي سترتديه تلك الليلة كان هدية من هيليو.
“يا للروعة… لم أرَ فستانًا يلمع بهذا الشكل من قبل!”
“ألستُ أنيقة أكثر من اللازم لارتدائه؟”
“سموكِ أنيقة دومًا!”
حين تساءلت لِيليانا بصوتٍ خافت وقد فقدت بعضًا من ثقتها، ردّت صوفيا بحماس مشدودة القبضتين. ويبدو أنها شعرت بالذنب من ردّ فعلها البارد عندما رأتها سابقًا في قصر الغزال الفضي.
في الحقيقة، كانت لِيليانا قد جهّزت فستانًا بالفعل لهذه المناسبة، لكنها اختارته وسط انشغالاتها، لذا لم يكن مميزًا كثيرًا.
وذات مرة، كانت قد ذكرت أمام هيليو أنها وجدت فستانًا “مناسبًا”، ويبدو أنه تذكّر تلك العبارة، فأهداها فستانًا يُسكت الألسن من فرط روعته.
كان الفستان الذي أهداه لها بلون البنفسج الفاتح، كسماء الفجر.
طُويت ثنيات أنيقة من الكتفين حتى الصدر، ومن هناك حتى السُرّة كانت الخيوط الفضية المطرّزة تنسدل بدقةٍ تكاد لا تُصدق أنها من صنع يد بشر.
أما تنّورته المتعددة الطبقات، فصُنعت من أقمشة رقيقة شفافة، وعلى كل طبقة منها خُيطت تطريزات ناعمة لا تُكاد تُرى. وكلما انعكست الإضاءة على الفستان، ارتسمت ظلال حالمة تثير الدهشة.
فُتح الباب، وأعلن كبير الخدم الإمبراطوريين بصوتٍ عالٍ دخول لِيليانا.
دخلت لِيليانا بخطًى رشيقة وهي تمسك مروحةً رسمها أفضل رسّامي الإمبراطورية. انحنى جميع النبلاء لتحيّتها بأدب، لكن بعض الوجوه لم تُخفِ ذهولها.
“حتى دخولها صار كدخول الإمبراطورة… بعد العربة، ها هو الدور على الطقوس.”
“ترى، هل هذه محاولة للحدّ من نفوذ دوق غابرييل؟ أم أنها ببساطة ولادة قوّة جديدة؟”
“ألا تفهمون؟ جلالته ببساطة مغرمٌ بأجنبية. لا سبب عظيم خلف الأمر، فقط هوس.”
أخذت لِيليانا تنظر في وجوه الحاضرين بهدوء، ثم توجّهت نحو المقعد المخصص لها بجانب العرش وجلست.
صحيحٌ أن كونها في مركز الأحاديث لم يزل يثير في قلبها بعض التوتر، لكنها رسمت ابتسامة دافئة على وجهها محاولةً الحفاظ على هدوئها.
استدارت الأميرة لوسيا، التي كانت قد دخلت مسبقًا، ونظرت إلى لِيليانا وغمزت لها بعينها. فابتسمت لها لِيليانا امتنانًا على محاولتها التخفيف من توترها.
وبعد مرور بعض المراسم، دخل هيليو أخيرًا إلى قاعة الاحتفال.
وقفت لِيليانا احترامًا، وابتسمت حين رأت أن منديل جيب هيليو كان بلون البنفسج، متناسقًا مع فستانها. لا شكّ أنه فعل ذلك عن قصد.
وقف هيليو أمام العرش، وتحدّث بنبرة واثقة كعادته، يشكر الجميع على حضورهم، ويتمنى لهم ختامًا طيبًا للعام.
وحين انتهى من كلمته المقتضبة، رفع الجميع كؤوسهم وصرخوا بالتحية.
كان من المتوقع أن تكون لِيليانا هي من يشارك هيليو رقصة الافتتاح، ورغم ذلك، ظلّت نظرات الآنسة ڤيستي مشتعلة وحادّة. وقد لاحظ هيليو ذلك وهو يدور في الرقصة.
“ابقَي بجانبي طوال الليلة.”
“هذا مستحيل.”
“ولِم لا؟ إن ابتعدتِ عني، ستأتي تلك الفتاة المرعبة لتؤذيني أو تؤذيكِ. أرجوكِ، ابقَي.”
“قلت لا.”
“أنا خائف…”
حين ادّعى هيليو الخوف بطريقة طفولية، لم تستطع لِيليانا كتمان ضحكتها. فهي تعرف تمامًا أن الخوف ليس من طباعه، بل هو قلق عليها من تصرفات ڤيستي.
كان مشهد رقصهما معًا، يتبادلان الضحكات والنظرات، كافيًا لترك أثر عميق في قلوب الحضور.
حتى بعد انتهاء العزف، ظلّا واقفين جنبًا إلى جنب، يتبادلان حديثًا بدا خليطًا من المزاح والهمس اللطيف.
وفي النهاية، وبعد محاولات عديدة من لِيليانا لإقناعه، رفع هيليو يديه علامة استسلام، كأنه لا حيلة له.
وكانت ڤيستي واقفة على مقربة منهما.
وقد وقفت تلك الليلة أكثر شموخًا من المعتاد، متباهية بعقدها الباهر الذي زاده بروزًا تصميم فستانها الذي كشف عن الكتفين والصدر.
كان العقد الذي ارتدته ڤيستي مرصعًا بجوهرة مذهلة، بلونٍ يمزج بين حمرة الغروب ولمعان الذهب.
ربطت شعرها عاليًا متعمدة، لكنها كانت تتصنع إزاحته بين حين وآخر لتبرز عنقها الطويل كعنق الظبي، وما كان لفتيات النبلاء المتأنقات من حولها أن لا يلتقطن الإشارة.
“آه، آنسة ڤيستي… قلادتكِ رائعة حقًا. الصياغة بديعة، لكنني لم أرَ من قبل حجرًا بهذا البريق الأخّاذ.”
“صدقتِ، كأنها تحمل شمسًا في داخلها!”
سعلت ڤيستي بخفة، ثم أمالت عنقها باستعراض واضح. وما إن فعلت، حتى انعكست أنوار الثريا على الجوهرة، فتوهّجت ببريق خاطف للأنفاس.
“إنها جوهرة لا تُستخرج إلا من أعالي جبال الشمال. حتى بالمال، من الصعب الحصول عليها.”
“أجل، ومن غيركِ آنستي ڤيستي قد تتزيّن بمثلها؟ لا أحد يجرؤ!”
رغم تراجع عدد الفتيات المحيطات بها، بعد أن بدأن يتوجسن من الوقوف علنًا في صفها مع تصاعد مكانة لِيليانا، إلا أن من كانت من أسرٍ على شفير الإفلاس، لم تملك إلا مجاملتها اتقاءً لسوء المصير إن لوّح لهم دوق غابرييل بيده.
حتى إن إحداهن تعمّدت رفع صوتها حين مرّت لِيليانا بجوارهم وكأنها لا تراها.
توقفت لِيليانا لحظة، إذ بدت الكلمات موجّهة لها بوضوح. وما إن استدارت، حتى لاحظت تلك الفتاة تتعمد تجنّب النظر إليها بشتى الوسائل.
ما أتعسها.
ربّتت لِيليانا على خدّها بالمروحة برقة، وابتسمت ابتسامة هادئة، وهو ما جعل نظرات ڤيستي تزداد حدّةً وحدة.
لكن لِيليانا لم تُعرها أدنى اهتمام، بل تابعت الحديث مع السيدة ريستون وسيدات آخرين من علية القوم. وحتى الكونت لاكل، الذي كان قد تلقى دعوة خاصة، التقته بعد طول غياب.
ثم، ارتفع صوت كبير المراسم معلنًا:
“جلالة الإمبراطورة الأم تدخل القاعة!”
ظهرت الإمبراطورة الأم أخيرًا، إذ كانت دائمة التبرّم من صخب الحفلات، واعتادت دخولها في منتصفها.
ارتدت فستانًا رماديًا بسيطًا، لكن ملامحها الوضاءة التي تشبه ابنها هيليو، أضفت عليه فخامة لا تُضاهى.
اقترب منها هيليو، وانحنى ليطبع قبلة على ظهر يدها، فما إن رأى الحاضرون ذلك، حتى بات واضحًا للجميع أن ما قيل عن تصالحهما كان صحيحًا.
وقف النبلاء يراقبونها بهدوءٍ وتصنّع، لكن أعينهم كلها تركّزت على عقدها القصير المتدلّي حول عنقها.
وكانت السيدة ريستون أول من اقتربت لتحيّتها، وقالت بصوت مفعم بالإعجاب، دون أن تحاول إخفاءه:
“أرجو أن تسامحيني على جرأتي، جلالتكِ… لكن لا أستطيع أن أشيح بنظري عن جوهرتكِ الخلّابة.”
أجابت الإمبراطورة الأم بابتسامة راضية:
“إنها جميلة جدًا، أليس كذلك؟ الحجر نفسه فاتن، لكن ما يجعلها أثمن في نظري هو أن كنّتي أرسلت من يسافر إلى دوقية لاوبي ليحصل عليه خصيصًا من أجلي.”
ثم التفتت قليلًا نحو الحاضرين، في حنوّ نادر، وقد بدا جليًا للجميع أنها لم تعد تنزعج من نظراتهم كما اعتادت.
“يا إلهي…”
همست إحدى الفتيات الواقفات إلى جانب ڤيستي بانبهار حقيقي. لكنها، ما إن أدركت أنها تحدثت بصوتٍ مسموع، حتى وضعت يدها على فمها وقد تلبّك وجهها رعبًا، فڤيستي كانت قد بدأت تحدّق فيها بنظرات نارية.
وانخفضت حرارة الأجواء من حول ڤيستي فجأة، حتى شعر الجميع بذلك التغيّر.
لكن أولئك الذين لم يعودوا يخشون ڤيستي، أو قرروا ببساطة تجاهلها، راحوا يمتدحون العقد بصوتٍ عالٍ.
“من المستحيل ألا تلاحظيه… يا له من سحر.”
“هل كانت هناك مناجم بهذه الروعة في دوقية لاوبي؟ لا عجب أنهم لا يستقبلون الأجانب. لو كنت مكانهم لأخفيتها أنا أيضًا.”
تكاثرت التعليقات، وتوالى المديح.
كان العقد مصنوعًا من حجر روح الضوء، ولم يكن مرصعًا بأساليب متكلفة، لأن الجوهرة بذاتها كانت تحفة طبيعية.
فبعكس الأحجار التي تحتاج إلى النور لتلمع، كانت تلك الجوهرة تبثّ وهجًا لطيفًا حتى في العتمة، يشعّ من مركزها كأنها شمس صغيرة.
“عقدٌ يحتوي على الشمس؟ لا، العقد الحقيقي الذي يختزل الشمس… ها هو أمامنا.”
علّقت إحدى الفتيات من خلف مروحتها، بصوتٍ ساخر.
استدارت ڤيستي فورًا محاولة اكتشاف مصدر الصوت، لكن الحضور كان كثيفًا، وكل من حولها كانوا يغطّون وجوههم بمراوحهم، وكأنهم يستمتعون بالعرض.
وضعت السيدة ريستون إصبعها برشاقة تحت ذقنها، وابتسمت بمودة.
أجابت الإمبراطورة الأم وكأنها تقول أمرًا مفروغًا منه:
“بالطبع، أهناك من أعدّها كنّتي غيرها؟”
هزّت السيدة ريستون رأسها موافقة.
“نعم، لا شكّ في ذلك. كيف لا تحظى جلالة الملكة بهذه المحبة، وقد أظهرت إخلاصًا نبيلًا كهذا؟”
ثم أضافت بابتسامة:
“وبالمناسبة، أليس صحيحًا أنني أصبحت عرّابتها أيضًا؟”
“بلى، تلك الفتاة أصبحت ابنتكِ رسميًا، أليس كذلك؟”
راحت الاثنتان تتبادلان أطراف الحديث بحرارة، بينما بات الحضور يسرقون النظرات نحو لِيليانا بين الحين والآخر.
كانت وحدها لبعض الوقت، لكن الجميع شعر أن مقاطعة الحديث بين الإمبراطورة الأم والسيدة ريستون يتطلب شجاعة خاصة، فبدا من الأنسب التوجه إلى لِيليانا بدلًا من ذلك.
وفيما كان البعض لا يزال مترددًا، تقدّم زوجان بخطًى واثقة.
“نحيّي جلالتكِ، أنا تشيلسي من أسرة كونت بليا، وهذا زوجي، الكونت بليا.”
ورغم أن منزلة أسرتهم لم تكن الأعلى، إلا أن نفوذهم الاقتصادي كان كبيرًا، إذ كانا من أوائل من يقودون اتجاهات الموضة.
ابتسمت لهما لِيليانا بلطفٍ بالغ، لكنها في داخلها كانت تصفق بفرح.
‘إن كانوا قد أخطأوا في تقدير التوقيت… فسيكون لهذا وقعٌ رائع.’
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 85"