لم يطل بهما الصباح الهادئ، إذ جاء تيرنز يطرق باب غرفة النوم مستعجلًا الإمبراطور. كان يوم الإمبراطور مزدحمًا كما هو الحال دائمًا، وما زال فراقه يترك أثرًا في قلب لِيليانا.
“يبدو أن الوقت قد حان.”
قالها هيليو، غير أنه لم يسحب يده من شعرها، وكأنّ قلبه هو الآخر يتمنع عن الرحيل.
“تركتُ لكِ هدية. افتحيها بعد أن أغادر.”
“أيّ هدية؟”
لم يجبها، بل اكتفى بابتسامة. وعندما همّت بالنهوض لوداعه، أعادها برفق إلى الفراش. كانت لِيليانا مرهقة الجسد، فلم تعترض، بل بقيت مستلقية تراقبه يبتعد.
ما إن غادر هيليو، حتى دخلت صوفيا تحمل صندوق مجوهرات صغير، وقدّمته إليها.
“هدية من جلالته؟”
“نعم، وقال أن تفتحيها بنفسكِ.”
كانت الهدايا من هيليو كثيرة حدّ الفائض، بل تساءلت أحيانًا إن كانت ستتمكن من ارتداء كل تلك المجوهرات في حياتها. ومع ذلك، فاجأها مجددًا.
فتحت العلبة وهي تبتسم، لتجد حُليًا نُقشت بمهارة مذهلة، وبينها زهرةٌ حقيقية مجففة، تحوّلت إلى خاتم من بتلات وردية ناعمة.
اختارت لِيليانا الخاتم وارتدته، تحدّق فيه مطولًا وكأنها فتاة مراهقة وقعت في الحب.
لكن مع الوقت، تحولت ابتسامتها الهادئة إلى تعبير جاد. قبضت على بتلات الخاتم الرقيقة وقالت في نفسها:
“لا أريده أن يخرج إلى الحرب.”
كان هيليو، كما في الرواية الأصلية، يحتلّ مكانة الأب المهم في قصص تربية الأطفال، بل إنه كان جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه.
ولكن الواقع تغيّر، والمستقبل لم يعد كما كُتب. إن خرج هيليو للحرب وتعرّض للأذى، فلن تغفر لِيليانا لنفسها.
وبما أن إيقاف الحرب بجُملة واحدة مستحيل، قررت أن تبدأ بخطوة مختلفة. وبعد أن أخذت يومًا من الراحة، توجّهت إلى قصر “الغزال الفضي” في صباح اليوم التالي.
كانت لديها معلمتان، لكنها شعرت أن “لوسيا” هي الأكثر دراية بما يجري بشأن الحرب.
عندما وصلت، استقبلتها إحدى الوصيفات بانحناءة مهذبة، ونبرة يغمرها القلق.
“سموّ الأميرة لوسيا ليست في القصر حاليًا.”
“وأين ذهبت؟”
“ذهبت إلى القصر الإمبراطوري لمقابلة جلالة الإمبراطور.”
أومأت لِيليانا بهدوء. لوسيا كانت مقربة من هيليو بلا شك، غير أن تلك القربى لم تكن تعني بالضرورة وجود عاطفة دافئة بينهما.
لم تكن لوسيا تبحث عن الإمبراطور هيليو إلا عندما يكون لديها أمر بالغ الأهمية، وكذلك لم يكن هيليو يُكلف نفسه عناء إزعاجها أكثر من اللازم. لذا، فإن انتهى الأمر، فلا بد أنها ستعود قريبًا إلى قصر الغزال الفضي.
“هل لي أن أنتظر في الداخل؟”
“بالطبع، لقد أوصت سموّ الأميرة دومًا أن نُرحب بزيارات جلالتكِ في أي وقت.”
ابتسمت لِيليانا بلطف أمام هذا الترحيب الدافئ، ثم دخلت إلى الداخل.
كانت قاعة الاستقبال في قصر الغزال الفضي تشبه شخصية لوسيا تمامًا: أنيقة، راقية، مفعمة بذوق رفيع. جلست على الأريكة، فجاءت الخادمة تُقدّم لها شايًا دافئًا، لم تسبق لها تجربته من قبل.
وبعد أن غادرت خادمة القصر لتنتظر بالخارج، اقتربت لِيليانا من صوفيا وهمست:
“صوفيا، ما رأيك لو زيّنتُ قصري على هذا النحو؟”
لطالما أبهرها قصر الغزال الفضي، لكن بعدما قرر هيليو أن يمنحها قصر “آريس”، باتت تتأمل كل تفصيلة فيه بعين مختلفة. ضحكت صوفيا بخفّة وهي تضع يدها على فمها.
“جلالتكِ… أظن أن أجواء أكثر دفئًا تناسبكِ أكثر.”
عبست لِيليانا شفتيها، إذ بدا واضحًا أن هذا النمط الأنيق والكاريزمي لا يُشبهها كثيرًا.
تابعتا الحديث، تتبادلان المزاح والأفكار بشأن الديكور لبعض الوقت، غير أن لوسيا لم تعد، رغم طول الانتظار.
وبينما كانت لِيليانا توشك على أن تطلب من إحدى الخادمات أن تستعلم، سُمع طرق خفيف على الباب، ودخلت الخادمة التي كانت تنتظر بالخارج.
“عذرًا، جلالتكِ. لكن، يبدو أن سموّ الأميرة لوسيا منشغلة بأعمالها اليوم، فهل تفضّلين تأجيل اللقاء ليوم آخر؟”
“هل سموّ الأميرة مشغولة إلى هذا الحد؟”
“في الحقيقة…”
بدت الخادمة مترددة، لا تدري إن كان ينبغي عليها الإفصاح عما تعرفه.
فقالت لِيليانا بنبرة هادئة:
“لا بأس إن كان الأمر محرجًا لكِ، لن ألومكِ على أي شيء. لكن إن شعرتِ بأنكِ بحاجة إلى مساعدتي، فأخبريني.”
طمأنتها كلماتها، فانحنت الخادمة وقالت بأدب:
“سموّ الأميرة تقف أمام القصر الإمبراطوري منذ ساعات، ولم يسمح لها بالدخول بعد.”
اتسعت عينا لِيليانا من الصدمة. لم يكن من عادة هيليو أن يُسيء إلى لوسيا أو يُهملها، بل كان يكنّ لها احترامًا عميقًا حتى وإن لم يُظهر ذلك دائمًا. فلا شك إذًا أن أمرًا خطيرًا قد وقع بينهما.
“يجب أن أذهب إليها حالًا… شكرًا لإخباري.”
“شكرًا لكِ، جلالتكِ.”
نهضت لِيليانا على الفور وغادرت قاعة الاستقبال.
وبعدما وصلت سريعًا بعربتها إلى القصر الإمبراطوري، رأت لوسيا فعلًا واقفة أمام بوابة القصر دون مقعد أو مرافقة.
هل وقفت فعلًا كل هذا الوقت في هذا الطقس البارد؟ هل منعها هيليو من الدخول؟
“سموّ الأميرة!”
اجتازت لِيليانا البوابة بخطى سريعة نحو لوسيا، التي كانت واقفة شامخة تتأمل القصر بصمت، ثم التفتت ببطء نحوها.
“جلالة الملكة لِيليانا، هل جئتِ لمقابلة جلالة الإمبراطور؟”
رغم قلقها الشديد، بدت لوسيا متماسكة وهادئة.
“بل جئتُ لرؤيتكِ. ذهبتُ إلى قصر الغزال الفضي وانتظرتكِ طويلًا دون جدوى.”
“آه… لا بد أنكِ انتظرتِ كثيرًا. أعتذر منكِ.”
هزّت لِيليانا رأسها نفيًا بسرعة.
“انتظاري لا يُقارن بما تفعلينه أنتِ الآن. كيف تظلين واقفة هنا كل هذا الوقت؟ ما الذي يحدث؟”
راحت تنظر تارة إلى لوسيا وتارة إلى بوابة القصر بتوتر ظاهر، فما كان من لوسيا إلا أن وضعت يدها برفق على كتفها وقالت:
“أظنّ أنكِ تقلقين من أن يكون جلالته يسيء إليّ. لا تقلقي. في الحقيقة، إن أحدًا يُضايق الآخر… فأنا من يُضايقه.”
“ماذا؟!”
قالت لوسيا ذلك بنبرة قوية وهي تضمّ يديها أمام خصرها:
“إن كان وجودي سببًا في اندلاع هذه الحرب، فخير لي أن أختفي وأعود إلى المملكة.”
“ما الذي…!”
“لا أريد أن يُسجّل التاريخ أنني كنت أميرةً أشعلت حربًا من أجل أمنها الشخصي. أريد أن أكون حتى النهاية من أفراد العائلة المالكة الذين يُحبهم الناس.”
كانت كلماتها منطقية. ورغم أنها لم ترتكب أي خطأ، إلا أن عامة الناس لا يعلمون ما يدور خلف الكواليس.
في أعينهم، الحرب كارثةٌ تُغيّر مجرى الحياة بين ليلة وضحاها.
لكن لِيليانا لم تستطع تقبل هذا المنطق. فتقدّمت وقالت بحزم:
“سموّ الأميرة… لا أتفق معكِ في هذا الرأي.”
“ولمَ لا؟”
سألتها لوسيا بصوت أبرد من المعتاد، لكن لم تكد لِيليانا تجيب حتى قطع حديثهما صوت مستعجل:
“جلالة الملكة! سموّ الأميرة! شرفٌ عظيم أن أراكما!”
ركض تيرنز نحوهنّ من دون أن يُبالي بالشكليات، وانحنى احترامًا.
“أختٌ متمردة مثلي يمكنها أن تقف لساعات هنا، أما جلالة الملكة، فهي أعزّ على فخامته من أن يتركها واقفة ولو لحظة.”
قالت كلماتها بلا سخرية، بل بصراحةٍ مفرطة، حتى كادت لِيليانا أن تحمر خجلًا. ولولا دروس هيسدين التي حضرتها بجد، لما استطاعت أن تردّ بحكمة. لذا، انحنت لها بتواضعٍ بالغ.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 83"