ارتجف بؤبؤا عيني لِيليانا البلّوريان. لم يكن في العلاقة بين مملكة “ساجريدو” والإمبراطورية ما تغيّر، لذا كان من المحتمل أن تسير الأمور تمامًا كما في الرواية الأصلية.
المشكلة أن تلك الحرب لم تُذكر في الأصل بأي تفصيل يُذكر. لقد خاض هيليو حروبًا كثيرة منذ صغره، وبما أن القصة كانت تُروى من منظور طفلة صغيرة، لم يكن بالإمكان الخوض في تفاصيل كل حرب من تلك الحروب.
لذا لم تكن لِيليانا تعلم ما إذا كانت تلك الحرب ستندلع فعلًا، أو ما إذا كان هيليو سيشارك فيها.
‘كان هيليو معروفًا بإصراره على دخول ساحة المعركة، حتى إن حاول الجميع منعه…’
ارتعب قلب لِيليانا من تلك الفكرة. صحيح أن الرواية الأصلية لم تذكر أنه سيموت أو يُصاب إصابة خطيرة… لكن ماذا لو غيّر تأثير بسيط، سببته هي دون علم، مجرى الأحداث؟ ماذا لو أصيب هيليو إصابة جسيمة؟…
[حتى لو اندلعت الحرب، فإننا زرعنا أحجار الأرواح في المنطقة الشرقية، لذا لا أظن أن الضرر سيطالنا. لكن الحروب هي زمن تتدفق فيه الأموال أكثر من أي وقت مضى، لذا يجب الحرص على ألّا يربح الانتهازيون، أمثال دوق غابرييل، من وراء ذلك.]
هدأت لِيليانا قليلًا وهي تقرأ خطّ السيدة ريستون الهادئ والواثق.
قررت لِيليانا أولًا أن تفهم الوضع بشكل أوسع. وكان من حسن الحظ أن اليوم هو موعد قدوم “هِيسدين” إلى القصر الإمبراطوري لأجل دروسه المعتادة.
ما إن دخلت الغرفة المخصصة للدروس، حتى سارعت بالسؤال:
“هِيسدين، هل من الممكن أن تندلع حرب؟”
كان سؤالًا مفاجئًا، لكن هِيسدين لم يظهر عليه أي ارتباك. بل على العكس، أجابها بنبرة صارمة:
“لا تتسرعي في أقوالك. ألم أخبرك مرارًا ألّا تُظهري عواطفك؟”
أغلقت لِيليانا فمها سريعًا وعدّلت جلستها. رغم أن تدريباتها السابقة ساعدتها على الحفاظ على رباطة جأشها، إلا أن قلبها كان يخفق بقلق.
لحسن الحظ، لم يطل الأمر حتى استعاد هِيسدين هدوءه تمامًا.
“كيف علمتِ بوجود احتمال لنشوب حرب؟”
تحرّكت عينا لِيليانا، لكنّها لم تُجب مباشرة. رغم أنها تثق بهِيسدين، لم تكن واثقة ما إذا كان من الحكمة إطلاعه على أمر التجارة أو شبكة معلومات السيدة ريستون.
لكن هِيسدين، وقد قرأ تردّدها في ملامحها، أومأ برأسه وقال:
“لا بأس، لستِ ملزمة بإخباري بكل شيء. وبما أن الأمر لا يبدو مجرّد إشاعة، فلن أسأل أكثر.”
ثم علّق خريطة كبيرة على السبورة، تُظهر حدود الإمبراطورية الكارلية ومملكة ساجريدو.
ما إن نظرت لِيليانا إلى الخريطة حتى لاحظت أول ما لفت انتباهها: نهر “غاتيس” الهائل الذي يجري بمحاذاة الحدود. ذلك النهر كان واسعًا لدرجة أن عرضه لم يكن يقل حتى عند وصوله إلى البحر.
“مع تطوّر صناعة السفن، ازدهرت التجارة البحرية مع القارات الأخرى. وبالتالي، صارت موانئ الأنهار نقاطًا حيوية للغاية.ونهر غاتيس، بسبب عرضه الهائل، مرشّح بقوة لأن يتحوّل إلى قناة بحرية.هل تعلمين لمن تعود ملكية هذا النهر؟”
تذكّرت لِيليانا ما تعلّمته منه مؤخرًا، وأجابت بسرعة:
“كان في الأصل تابعًا لمملكة ساجريدو، لكنه انتقل مؤخرًا إلى الإمبراطورية.”
“صحيح. وهل تذكرين السبب؟”
“إن لم تخنّي الذاكرة، فقد كان ذلك ضمن الهدايا المُقدمة أثناء مباحثات زواج بين سموّ الأميرة لوسيا وولي عهد ساجريدو.”
“إجابتك صحيحة. لقد وعدت ساجريدو بتقديم المزيد من الهدايا إن تمّت الخطبة.”
لكن هيليو لم يُجبر لوسيا على ذلك الزواج. لقد منحها حرية الاختيار، واختارت لوسيا البقاء في الإمبراطورية.
وبالتالي، لم يكن أمام مملكة ساجريدو إلا أن تعيد كل هداياها وتعود بها أدراجها. باستثناء هدية واحدة فقط… نهر غاتيس.
“طالبت ساجريدو بإعادة النهر، بما أن الخطبة لم تتم.”
“لكن من وجهة نظر الإمبراطورية، لم يكن هناك داعٍ لإعادته، لأنه وُهِب قبل مناقشة الخطبة.”
“مع ذلك، أولى جلالة الإمبراطور الأولوية لسلامة مواطنيه على أي اعتبار آخر.”
أصغت لِيليانا إلى شرح هِسدين بانتباه. كان الناس يصفون هيليو بأنه مهووس بالحروب، لكن في الحقيقة، بالنسبة لإمبراطورية عظيمة تحيط بها العديد من الدول، كانت الحرب أمرًا لا مفر منه.
هيليو لم يكن يسعى للحرب إن لم يكن مضطرًا. بل على العكس، كان إمبراطورًا يفضل عدم خوضها إن وُجدت طريقة لتجنبها.
“لقد أرسلت الإمبراطورية عددًا كبيرًا من العمّال لتحويل نهر غاتيس إلى قناة مائية، ورغم أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، إلا أنه تقدم بما يكفي بحيث لا يمكن التراجع عنه الآن.لذا، ردّ الإمبراطورية على مطلب المملكة كان: سنُعيد النهر فقط إذا حصلنا على تعويض مناسب.”
“لكن مملكة ساجريدو لن تتضرر كثيرًا، أليس كذلك؟ لو كانوا يفكرون في تحويله إلى قناة، فلا بد أنهم كانوا سيُنفقون نفس المبلغ تقريبًا. بالعكس، أليست الإمبراطورية هي الطرف المتضرر؟”
“صحيح، لكن المملكة لا تملك حاليًّا الموارد الكافية لتدفع المبلغ الذي تطلبه الإمبراطورية.فهي دولة ناشئة بالكاد بدأت بالنهوض.”
زمّت لِيليانا شفتيها، وقد شعرت بشيء من الامتعاض.
“لا يستطيعون فعل هذا، ولا ذاك؟”
رأت أن هيليو قد عاملهم بالكثير من التسامح، كأنهم طفل حديث الولادة.
أضاف هِيسدين:
“على الأرجح، المملكة لا تهدف حقًّا لاستعادة النهر، بل ترغب في استرجاع سموّ الأميرة لوسيا.ما تفعلُه الآن أقرب إلى وسيلة ضغط على جلالة الإمبراطور.”
انكمشت ملامح لِيليانا. حتى هِيسدين بدا عليه الانزعاج، وهو أمر نادر الحدوث منه. ففكرة استخدام امرأة كورقة مساومة لم تكن أمرًا مشرّفًا قط.
“أتظنّ أنهم سيشعلون حربًا لهذا السبب؟”
سألته لِيليانا بقلق، لكن هِيسدين لم يُطمئنها.
“مملكة ساجريدو تشهد تصاعدًا كبيرًا، وهي الآن في أوج عدوانيتها. ونهوضها يعتمد على صناعات السلاح، لذا قد تظنّ أن بوسعها إلحاق الضرر بالإمبراطورية الكارلية.”
“لكنهم رأوا كيف التهمت الإمبراطورية عدة ممالك من قبل.”
“حقيقة، ليس كل قادة الدول عقلاء.وأنتِ تعرفين هذا جيدًا، أليس كذلك؟”
كان يشير إلى والدها، ملك نيتا. أومأت لِيليانا برأسها، وقد تذكّرت كيف أن والدها لم يأبه للإمبراطورية ورفع أسعار أحجار المانا بشكل جنوني، حتى كاد يُهلك مملكته. وقد أنهى هيليو الحرب آنذاك بمقايضة أسيرةٍ واحد، في تصرّف كان بالغ الرحمة.
قال هِيسدين بثبات:
“صاحبة السمو، لا يمكننا تجنّب الحرب بالهلع.علينا الاستعداد، وأن نواجهها بجرأة.”
“نعم.”
أجابت لِيليانا بهدوء، لكنها لم تستطع كتم سؤال ظلّ يتردد في داخلها:
“هِيسدين… لو اندلعت الحرب، هل سيشارك جلالة الإمبراطور فيها؟”
أدرك هِيسدين أنها تسأله على أمل أن يُنكر الأمر. لكن هِيسدين لم يكن بارعًا في قول ما يهوِّن على القلب، وكانت الوقائع أبلغ من أن تُطمس.
“على الأرجح، نعم.لقد خرج مرارًا إلى ساحة الحرب، رغم اعتراض الجميع.”
❈❈❈
قبل أيام، هطلت الأمطار. ورغم أن الشتاء قد استقرّ، فإن الثلج لم يهطل بعد، بل كانت السماء لا تزال تُرسل قطرات باردة. حتى إن لِيليانا حين مدّت يدها نحو النافذة لتلتقط بعض المطر، شعرت أن الماء سيحوّل بشرتها إلى جليد.
كانت على يقين أن أول ثلج سيهطل قريبًا.
لم يتبقَ على حفلات نهاية العام وبداية العام الجديد سوى قرابة شهر. تلك الاحتفالات، التي بدت كأنها توأمان مشاغبان، كانت تقترب، ومعها ثقل الاستعداد لها.
“الشتاء حقًا فصلٌ يصعب فيه العمل.”
فكّرت لِيليانا وهي جالسة قرب المدفأة. بعيدًا عنها، تتجمّد أناملها، وقريبًا منها، يغرّها الدفء فتغفو من النعاس.
وكانت حفلة نهاية العام مهمّة بشكل خاص، لأن الإمبراطورة الأم وعدت أن تستعرض فيها أحجار الأرواح، مما يعني ضرورة إظهار تقدّم في المشروع.
كما أن كسب ولاء الأرواحيين كان أمرًا ضروريًا لنجاح المشروع. وللأسف، أكثر ما يضمن الولاء… هو المال.
فلو لم تدعمها السيدة ريستون والكونت لاكل ماليًّا، لربما أصبحت لِيليانا مشهورة بلقب “الملكة المعدمة.”
راحت تفرك عينيها التي غلبها النعاس، وهي تراجع كتالوج أقمشة الموائد. لحسن الحظ، كانت أغرينا ذات ذوق حاد، مما سهّل عليها تضييق دائرة الاختيارات.
قالت لها بصدق:
“أغرينا، من حسن حظي أنكِ هنا.”
تألّق وجه أغرينا فخرًا، ولم تدم لحظة السلام تلك طويلًا… إذ دخلت صوفيا بخطى سريعة:
“جلالة الإمبراطور قادم إلى هنا.”
فوجئت أغرينا أكثر من لِيليانا. لكن لِيليانا نهضت فورًا وأشارت إليها:
“أغرينا، رتّبي المكتب من فضلك. ولا تظهري حتى يغادر جلالته.”
“أمرُك، سموّك.”
لم تكن ردة فعل أغرينا مبالغًا فيها، فقد كان لهيليو دومًا تعبير قاسٍ حين يرى أغرينا. لم يتدخل في اختيارات لِيليانا من الوصيفات، لكنه لم يُخفِ انزعاجه من أغرينا بشكل خاص.
حتى تعابيره، حين يراها الآن كوصيفة، كانت أشد وضوحًا مما كانت عليه حين كان يراها كسيدة من النبلاء. وكانت تلك النظرات تربك أغرينا بشدة.
خرجت لِيليانا لتستقبله، وكأن التوقيت كان محسوبًا، فقد دخل هيليو إلى جناح “الزمرد” في تلك اللحظة.
كانت تنوي أن تستقبله بتحية رسمية، لكنّه فاجأها بأن أمسك بذراعها وسحبها لتقف بجانبه.
ربما لأنه سمع أنها مريضة، إذ كانت حركته ناعمة جدًّا، كأنها رقصة… حتى من يراقبهم لم يستطع أن يصرف بصره عن ذلك المشهد.
وحتى لِيليانا نفسها، التي شردت للحظة، لم تستفق إلا عندما بدأ هيليو بالكلام، قاطعًا عليها نيتها توبيخه:
“وجدت طريقة لزرع الكثير من الأشجار في جناحك.”
——————————————————————— •فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 81"