لم تعرف ليليانا كيف يجب أن تتصرف، فبقيت تومض عينيها ببطء.
لم يكن من المعتاد أن يحضر الإمبراطور حفل تعيين الملكة.
فالملكة تختلف عن الإمبراطورة.
بغض النظر عن مكانتها العالية، فهي في النهاية لا تختلف عن كونها مَحظية. لكن لماذا حضر هيليو إلى هذا الحدث؟.
“كيف لحفل التعيين أن يكون خالياً من أي شيء هكذا؟”
نظر هيليو حوله ثم إتجه نحو لِيليانا ومشى عبر السجادة البيضاء.
كانت لِيليانا ما تزال جاثية على ركبتيها.
مدّ هيليو يده نحوها.
عندما بدت لِيليانا في حالة من الضياع، إبتسم هيليو وأضاف قائلاً
“ها هي ذي ، هديتي لك.”
كانت يد هيليو فارغة. لكن لِيليانا كانت تستطيع أن تدرك أن الهدية التي يقدمها هيليو لم تكن شيئًا ماديًا.
‘ حضر الإمبراطور حفل تعيين لِيليانا كملكة وأمسك بيدها. ‘
هذه الحقيقة ستنتشر في العاصمة في هذا المساء، وبحلول الغد ستصل إلى المدينة المجاورة، وبعد يومين ستنتقل إلى المدينة التي تليها، وفي النهاية سيعرفها جميع سكان الإمبراطورية.
ومن ثم، سيتحدث الناس عنها هكذا:
‘ الإمبراطور يعامل لِيليانا الملكة بعناية كبيرة.’
وبفضل هذه الحقيقة، ستتمتع لِيليانا بدعم قوي يفوق أي عائلة متواضعة. ولن يستطيع أي شخص أن يضربها على خدها أمام الجميع بعد الآن.
وبما أن لِيليانا كانت تدرك ذلك، فقد أمسكَت بيد هيليو.
فرفعها هيليو بلطف.
“يبدو أن الحفل قد إنتهى تقريبًا، دعيني أوصلكِ إلى قصر الزمرد.”
“لا داعي لذلك…”
ترددت لِيليانا قليلاً ثم أجابت كما لو أنها غيرت قرارها
“نعم ، من فضلك. أرجو أن تفعل ذلك.”
فكرت لِيليانا في أن النسخة الأصلية منها لم تكن لتتلقى هذا النوع من المعاملة.
على الرغم من أنها لم تكن متأكدة تمامًا، كانت لِيليانا قد جذبت إنتباه هيليو بعد أن أدركت حياتها السابقة، وكان هذا قد يوفر لها حماية. قررت لِيليانا أن تقبل مساعدته عن طيب خاطر.
“جلالتكِ الإمبراطورة الأم، أشكركِ من أعماق قلبي اليوم.”
“يجب أنكِ متعبة بعد تجهيز نفسكِ منذ الصباح، إءهبي وأرتاحي. وأيضًا…”
نظرت الإمبراطورة الأم إلى هيليو وكأنها كانت تنوي التحدث إليه.
“أتمنى لكِ الصحة.”
لكن هيليو قدم التحية بشكل مختصر ثم إستدار دون أن ينتظر الإجابة.
نتيجة لذلك، جُذبت لِيليانا، التي كانت تمسك بيده، نحوه.
نظرت لِليانا إلى الوراء وصاحت قائلةً: “صِحة جيدة، جلالتكِ!”
وبمجرد أن خرجوا من قصر الإمبراطورة الأم، قال هيليو وهو يعبس جبينه
“لا داعي للإنحناء أمام تلك المرأة العجوز.”
“ماذا؟”
فزعَت لِيليانا وحاولت أن تترك يد هيليو. لكن هيليو شدَّ يدها بقوة أكبر وأوقفها بجانبه.
“آه، هذا مؤلم.”
ثم ترك هيليو يد لِيليانا وسألها بدهشة.
“هل هذا مؤلم؟”
“بالطبع إنه مؤلم! كيف لا تعرف مثل هذه الأشياء وأنت قد أمسكت بأيدي نساء من قبل؟ حتى قدمي تؤلمني بسبب الكعب العالي…”
تمتمت لِيليانا وهي تدلك معصمها.
أمسك هيليو يد لِيليانا بشكل أكثر لطفًا من قبل، ثم نظر إلى معصمها. بدا أن ألمها لم يكن مبالغة، فقد كانت هناك آثار حمراء على معصمها الأبيض.
“لم أكن أعرف أن ذلك مؤلم.”
“ماذا؟ هذا مستحيل.”
“لماذا تعتقدين أنني قد أمسكت بأيدي النساء كثيرًا؟ على أي حال، سأصلح هذا.”
كانت لِيليانا في حالة من الدهشة. لم تستطع تصديق أن هيليو لم يمسك بأيدي نساء من قبل، كما أن كلامه عن إصلاح الأمر جعل الأمر يبدو غير واقعي.
بالنسبة للِيليانا، كان هيليو شخصًا مرعبًا ومحبًا للحروب، قاسيًا إلى حد كبير، ومع ذلك كان يمزح بطريقة غير ضرورية تجعلك تشعر وكأن روحك قد خرجت. ولكن، وجود جزء طبيعي منه كهذا كان مفاجئًا…
“مدهش حقًا.”
“ما الذي تجدينه مدهشًا؟”
“ببساطة، كل ما فعله جلالتك لي.”
ضحك هيليو مرة أخرى عند سماع كلام لِيليانا. وعندما تمتمت قائلة إنها لا تفهم لماذا يضحك كلما رآها، ضرب هيليو بإصبعه على جبينها.
“آي!”
“ألم أقل لكِ أنني معجب بكِ كثيرًا؟”
“نعم، قلت ذلك…”
بينما كانت لِيليانا تفرك جبينها وتتمتم، هزَّ هيليو رأسه وكأن لا فائدة من ذلك.
“أعتقد أنكِ لا تصدقينني. ولاكن ، لابأس. بما أنني أنا من قال ذلك، فهذا منطقي. سأكون متفهمًا.”
هذه المرة، كانت لِيليانا هي من ضحكت. كان الأمر مضحكًا للغاية؛ فغرور هيليو الذي لا ينتهي، وتاريخه الذي يمكن أن يبرر هذا الغرور، جعلها تفكر:
“نَعم، هذا منطقي.”
رغم أنها كانت تضحك، لم يقل هيليو شيئًا. فقط سار ببطء وهو يضع يديه خلف ظهره. بما أن قدميها بدأتا تؤلمانها بسبب الكعب العالي، كان مشيه البطيء مريحًا لها.
“كيف تجدين العيش في قصر الزمرد؟”
“أحببته. لم أعتقد يوماً بأنني سأعيش في هدوءٍ وراحةٍ كهذه طوال حياتي.”
“أليس لديكِ أي رغبة في الذهاب إلى مكان أفضل؟”
هزت لِيليانا رأسها بسرعة.
“لا، أبدًا.”
نظر إليها هيليو بعينين نصف مغمضتين، بدا عليه الإستغراب.
من اللائق عادة أن ترفض بشيء من التواضع، لكن من الواضح أن لِيليانا لم ترفض مجاملة. كان ذلك حقًا رفضًا ينبع من أعماق قلبها.
“لماذا؟”
“إن الأميرة غابرييل تكرهني كثيرًا. قصر الزمرد بعيد عن قصر الإمبراطورة وهو مناسب تمامًا. لذا من فضلك لا تنقلني. ليس لدي أي إعتراض على قصر الزمرد. هناك أماكن كثيرة لزرع الزهور، والأرجوحة جميلة أيضًا. و لاحقًا، سأزرع شجرة تفاح لأقطف منها التفاح.”
“أعطني إياها أيضًا.”
“ماذا؟”
“التفاح الذي ستقطفينه.”
إنفجرت لِيليانا ضاحكة. كانت عيناها الورديتان تنحنيان بسعادة وهي تنظر إلى هيليو.
في تلك اللحظة، شعر هيليو بشيء يضغط على قلبه. كان الأمر كما لو أن قلبه كان يتوسع فجأة بعد أن حبس أنفاسه لفترة طويلة.
وضع هيليو يده على صدره، ثم فكر للحظة قبل أن يضرب ليليانا على جبهتها. تغير وجه لِيليانا الذي كان يضحك بمرح إلى عبوس فجأة.
“لماذا، لماذا تضربني؟ هل لأنك تخاف أنني لن أعطيك التفاحة؟ سأعطيك إياها!”
لم يكن هيليو يعلم أيضًا. لماذا صنع تلك الورمة على جبهة هذه الفتاة الصغيرة فجأة؟ وعندما رأى جبهتها البيضاء تتورم وتحمر، شعر بالندم.
ندم؟ شعر هيليو بمشاعر غريبة وهو يمشي أمام لِيليانا خطوة.
“بالطبع يجب أن تعطيني. هل تعتقدين أن كل ما يزرع في قصر الزمرد هو ملكك وحدك؟”
“…لقد أصبحتَ فجأة مزاجيًا. لا أعرف على أي نغمة يجب أن أرقص.”
“هل تعرفين؟ وهل ستتماشين معها؟”
“بالطبع.”
أجابتها لِيليانا بخنوع. كان هيليو يعاملها بلطف على ما يبدو نتيجة لهواً عابر. فقد كانت الأميرة التي أُحضرت من بلد مهزوم، وكان يبدو أنه يعتني بها لأنها مثيرة للإهتمام، وربما أيضًا بسبب بعض الشفقة.
لم تكن لِيليانا ترى ذلك أمرًا سيئًا، لكنها لم تكن تظن أن هذا اللطف سيدوم طويلًا.
لذلك، إذا طلب منها الإمبراطور شيئًا، فلا بد من تنفيذه. بالطبع.
ثم قالت ليلليانا وهي تدير شفتيها.
“على أي حال، لا تهتم بقصر الزمرد. كل شيء بخير بإستثناء الأشباح التي تظهر فيه.”
“هل تظهر الأشباح؟”
سأل هيليو مستغربًا، كما لو أن فكرة ظهور الأشباح في هذه الأرض المقدسة كانت أمرًا غير معقول. لكن لِيليانا، وكأنها تقول الحقيقة، فتحت عينيها على وسعهما وأومأت برأسها.
“في كل ليلة، يظهر شبح ويبكي. ‘هوو هوو هوو’ هكذا.”
“إذاً، لن يكون الأمر مملًا.”
بينما كانت تتبادل الأحاديث التافهة، وصلوا إلى قصر الزمرد دون أن يدركوا. كان من المتوقع أن يكون تأثير الشائعات عن مرافقة الإمبراطور لليليانا كبيرًا إلى حد ما. وكان من الواضح الآن أن هيليو قد قدم لها أفضل ما لديه من إهتمام.
إنحنت لِيليانا قليلًا وأعربت عن شكرها.
“شكرًا لك، جلالتك. لن أنسى هذا الإحسان.”
على الرغم من أنها كانت على وشك التجاهل بقول “شكراً” حتى لو تفاخرت مرة أخرى، إلا أنها شعرت فقط بنظرة حادة فوق رأسها دون سماع أي كلام.
رفعت لِيليانا رأسها ونظرت إلى هيليو. كان هيليو يراقبها وهو يعقد كلتا يديه، ثم أطلق تعليقًا مفاجئًا.
“ليكن في علمك، سأعود الليلة.”
لفتت لِيليانا عينيها في حركة مفاجئة…..سيعود الليلة؟
كانت قد أقامت اليوم مراسم تعيينها كملكة ، لذا كان من الواضح ماكان يقصده بتلك الكلمات.
إن قضاء أول ليلة بعد أن أصبحت ملكة لم يكن إلا هدية من هيليو. إذا إستمر هذا الحال، فسيكون من المؤكد أن الإمبراطورية بأسرها ستعتبر لِيليانا. إمرأة عظيمة.
“الآن، سأذهب.”
قال هيليو ذلك وهو يبتسم.
“..شكرًا لك على اليوم.”
هز هيليو يده برفق وواصل السير في طريقه. بقيت لِيليانا واقفة، وأمالت رأسها نحو الإتجاه الذي سلكه هيليو، غارقة في تفكيرها.
كانت بعض الأمور قد إختلفت عما كانت عليه في القصة الأصلية.
في الأصل، لم تكن لِيليانا تحظى بأي إهتمام من الإمبراطور.
كانت هادئة جدًا لدرجة أنها لم تفكر أبدًا في الهروب، ولم يذهب الإمبراطور إلى مراسم تعيينها، ولم يذهب أيضًا ليلتها الأولى.
قد يكون الأمر مختلفًا الآن. ربما تكون قادرة على إنجاب طفل بسلام.
إذا حدث ذلك، فلن يتأثر جسد لِيليانا بشكل كبير، وقد يصبح الطفل قوة جديدة لها، ومع مرور الوقت، قد تتمكن من إنجاب طفل ثانٍ بأمان، لتعيش حياة هادئة.
لو كان الحال كما في الأصل، لكان الطفل الصغير سيعيش حياة صعبة حتى مع وجود أم وأخ أكبر.
لكن كل هذا يعتمد على سير الأمور بشكل مثالي.
في أسوأ الأحوال، إذا حملت لِيليانا، فقد ينقطع إهتمام هيليو بها، وقد تتدخل الأمير غابرييل في الأمر، وتقوم بإرسال أحدهم لتسبب لها في الإجهاض.
في هذه الحالة، كما في القصة الأصلية، من الممكن أن تتدهور صحة لِيليانا إلى درجة يصعب معها الشفاء. لكن بما أن الشائعات تقول إن هيليو يعتني بها، فقد تحاول أن تقتلها قبل أن تنجب الطفل الثاني، وذلك بسبب توخي الحذر.
‘ لنمضي وفقًا للخطة.’
قالت لِيليانا في نفسها بعزم، وهي تدخل إلى قصر الزمرد. فكرت أنه ربما تكون هذه المرة هي المرة الأخيرة التي سترى فيها وجه هيليو بشكل صحيح.
إذا إكتشف هيليو أنها حاولت تجنب الفراش معه بإستخدام الحيلة، فسيكون من المؤكد أنه سيأخذ كل ما قدمه لها.
تذكرت وجه هيليو وهو يمازحها، ثم تخيلت كيف سيبدو وهو ينظر إليها بنظرات باردة، لكنها هزت رأسها.
لا شيء في هذه الدنيا أهم من حياتها.
❈❈❈
بينما كان هيليو يعمل على الأوراق في مكتبه، نظر إلى ساعته ورفع حاجبيه. ولاحظ رئيس الخدم الذي إقترب بهدوء.
“جاءت رسالة من قصر الزمرد تفيد بأن الملكة لِيليانا قد إنتهت من التزين.”
“حسناً.”
لم يكن هيليو قد عاش فترة كولي العهد، لذا لم يكن هنالك ملكة وولي العهد من قبل، مما جعل لِيليانا أول إمرأة يتم إستقبالها رسميًا.
أو بعبارة أخرى، كانت هذه هي أول ليلة رسمية للإمبراطور.
كانت ليلة الزواج دائمًا ما تكون عنصرًا خفيًا وجذابًا في القصص، وأصبحت تعتبر مقدسةً أيضًا. خاصة عندما يتعلق الأمر بالإمبراطور، يصبح الأمر أكثر أهمية. ولهذا السبب، ساد الإضطراب في البلاط الإمبراطوري.
“أول ليلة رسمية للإمبراطور”
أما البطلة الأخرى، لِيليانا، فمن المؤكد أنها حتى الآن لم تتمكن من أخذ نفس عميق، فقد تم غسلها، ووضعت العطور على جسدها، وجربت مئات الملابس المختلفة.
عندما تخيل لِيليانا وهي تشتكي له من التعب، إبتسمت ضاحكًا.
_____________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
التعليقات لهذا الفصل " 8"