“لا أعلم شيئًا آخر، لكنّي لست واثقة إن كانت الشجرة ستنمو جيدًا… ومع ذلك، فإن فكرة منحك لي شجرة أخرى تُسعدني. سأزرعها في مكان آخر.”
“بل ينبغي أن تزرعيها في مكان ظاهر، ليرى الجميع ويقولوا إنّ الإمبراطور قد جُنّ بالملكة، حتى بات يفعل كل هذه الأفاعيل.”
“يا جلالة الإمبراطور، يكفي أن إهدائك لي قرطًا واحدًا، نشر شائعة في أرجاء القصر بأسره، فما الذي يقلقك؟”
ضحكت لِيليانا كما لو كان نسيمٌ قد سرق منها ضحكتها، ثم بدأت تتخيّل كيف سيهديها هيليو شجرة جديدة في فصل الربيع.
“خلف القصر الزمردي يبدو المكان خاليًا، ربما أزرعها هناك. فبخلاف المدخل الرئيسي، ذلك المكان أكثر هدوءًا، ولو أقمنا نزهة هناك، لكان الأمر ممتعًا.”
تذكّرت كيف كانت تقيم النزهات أمام القصر الصغير في مملكة نييتا. لم تكن تفعل أكثر من بَسْطِ قماشة نظيفة، والجلوس لتناول شطائر بسيطة، لكنها كانت من أمتع لحظات حياتها.
“نزهة؟”
قال هيليو بلهجة يملؤها الاستغراب، فأجابت لِيليانا وهي تطرف بعينيها:
“آه… لا ينبغي للملكة أن تقيم نزهة، أليس كذلك…؟”
حين أدركت أنّها قد لا تتمكن من الاستمتاع بتلك العادة السنوية، غمرها شعور بالحزن. كما راودها إدراك مفاجئ بأنّها انفصلت فعلاً عن والدتها.
وحين لم تعد تضحك، قال هيليو فجأة وكأنه يصرّ:
“ولِمَ لا؟ إن فعلتِها معي، فذلك مسموح.”
توقّفت لِيليانا عن الحركة، ثم سألت بتردد:
“…هل تقصد أن تقوم بها معي حقًا؟”
“هل هناك قانون بروتوكولي يمنع الإمبراطور من القيام بنزهة؟ أليس كل الأمر أن نُبسِط بساطًا ونجلس لنتناول الشطائر؟”
فوجئت بأنّ هيليو يعرف تمامًا ما تعنيه النزهة. ضحكت لِيليانا بسذاجة، ثم حرّكت يدهما المتشابكتين بهدوء.
“أظن أنه لا ينبغي ذلك… لكن، من ذا الذي يجرؤ على أن يقول لجلالتك لا؟”
أجابها بابتسامة وكأن الأمر من المسلّمات.
إمبراطور وملكة يقيمان نزهة؟ لمجرد تخيّل الأمر، شعرت لِيليانا أنّه مشهد ساخر لا يُصدّق، فلم تستطع كتم ضحكتها.
وما إن بدأت تضحك بصوت عالٍ، حتى شاركها هيليو ضحكة خافتة.
❈❈❈
كما وعدت، التقت لِيليانا بالسيدة أغرينا. كانت أغرينا ترتدي فستانًا بلون البنفسج الفاتح، وقد بدا متناغمًا مع ابتسامتها الهادئة والمشرقة.
جلست لِيليانا في المقعد المخصص لها في الصالون، بينما تلقّت تحية أغرينا التي بدا على ملامحها بعض الارتباك.
أما أغرينا، فقد مشت بخطًى طبيعية، كما لو كانت مياهًا تنساب، ثم جلست أمام لِيليانا برشاقة.
“جلالتكِ، لقد مرّ وقت منذ الحفلة، أليس كذلك؟ وددت زيارتكِ فورًا بعدها، لكن بدا أنكِ كنتِ مشغولة.”
كانت نبرتها أكثر ودًّا وألفة مما يُتوقّع في مجلس رسمي.
لم يسبق أن قالت لِيليانا كلامًا قاسيًا لشخص لها به معرفة، لكنها كذلك لم يكن لها أصدقاء حقيقيون من الأصل.
لكن هذه المسألة لم تكن من الأمور التي يمكن تجاوزها بالصمت والانتظار.
بعد تبادل التحيات، دخلت لِيليانا مباشرةً في صلب الموضوع. لم ترغب بإضاعة وقت أغرينا دون طائل.
مرّرت إبهامها على ركبتها بتوتر، ثم قالت:
“أغرينا، لديّ ما أقوله بشأن الصفقة مع اللورد بايل.”
“تفضلي، قولي ما شئتِ.”
ما زالت أغرينا جالسة برشاقة وأناقة، تبتسم بعينيها.
‘هل الفتاة المرِحة التي التقيتُ بها أول مرة، لا تظهر إلا أمام الأرواح؟’
تساءلت لِيليانا في نفسها، ثم تابعت:
“أظنني لن أتمكن من مساعدتك في اعتلاء العرش كإمبراطورة.”
تجمّدت ابتسامة أغرينا، وتلاشت نظراتها الودودة كما تتلاشى الرمال بين الأصابع.
رغم النظرة الحادة والواضحة، لم ترتبك لِيليانا. لقد قضت عمرًا وهي تواجه نظرات أكثر برودًا من هذه، فكانت معتادة على مثلها.
لكنها لم تستطع إنكار شعور بالأسف… كانت تظن أنها بدأت، ولو قليلًا، بالتقرّب منها.
“هل هذا يعني أنكِ تفسخين الصفقة؟”
“إن لزم الأمر، نعم. لكن إن رغبتِ أنتِ أو اللورد بايل، فبإمكاننا إعادة التفاوض على شروط جديدة.”
“هل لي أن أسأل ما سبب هذا التغيير المفاجئ؟”
سُدّ كلام لِيليانا، لكنها رأت أنّ لا ضرورة لتفسير مشاعرها الخاصة لأغرينا.
بل عليها أن تتحدث بثقة ووضوح.
استجمعت ما تعلمته من هيسدين من آداب وفصاحة، وجلست باعتدال ونظرت إلى أغرينا نظرة هادئة ولكن واثقة، كما لو كانت تنظر من علٍ.
“أرغب بأن أصبح الإمبراطورة بنفسي.”
كان صوتها، في تلك اللحظة، أكثر أناقة وجمالًا من أي وقت مضى.
حدّقت بها أغرينا لبرهة، ثم تنهدت بعمق، ورفعت فنجان الشاي.
لكنها لم تكتفِ برفعه وحده، بل رفعت معه الصحن، ووضعتهما معًا على ركبتها براحة تامة.
وذلك الفعل، بالطبع، لا يمتّ بصلة إلى آداب البلاط الإمبراطوري.
حين همست الوصيفة الواقفة بجوار أغرينا بشيء في أذنها، رفعت أغرينا كتفيها وتجاهلتها، وكأنّ الأمر لا يعنيها. ترى، أين ذهبت تلك الفتاة المرحة والراقية التي كانت تجلس هنا قبل لحظات؟.
“كنت أظنّ ذلك مسبقًا.”
كانت ملامح أغرينا مشوبة بالحسرة، لكنها لم تكن حسرة المتمسك بالأمل، بل أقرب إلى تذمّر شخص قد تخلى تمامًا عمّا أراده.
“جلالة الإمبراطور لم يُبدِ أدنى اهتمام بي. لم يمنحني حتى الفرصة لأُظهر محاسني أمامه بلطف. ومع أنه ينبغي عليه اختيار إمبراطورة، فإنه لم يلتفت إلى أي من نساء النبلاء.”
قالت هذا وهي ترفع عينيها للحظة نحو لِيليانا، بعدما ظلت تحدّق في فنجان الشاي، وكان في ذلك تلميح لا يشبه أسلوب اللورد بايل المهذّب والناعم.
شعرت صوفيا، التي كانت تقف خلف لِيليانا، أن نبرة أغرينا متطاولة، فاستعدّت للتدخل، إلا أنّ لِيليانا أوقفتها بإشارة من عينها.
أصبحت تتساءل: ما هي صورة أغرينا الحقيقية يا ترى؟.
“يبدو أنّ جلالته قد اختار بالفعل من ستكون الإمبراطورة القادمة.”
“ماذا؟”
تفاجأت لِيليانا من كلامها، فأعادت أغرينا فنجانها إلى الطاولة وضحكت ضحكة بدت وكأنها تجد في الأمر تسلية كبيرة.
“ألم تعرفي بعد؟”
“…لا يمكن أن تكون فيستي غابرييل، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا. لِيطمئِن بالكِ، جلالته حريص على منعها من أن تصبح الإمبراطورة، أكثر منكِ حتى.”
شعرت لِيليانا بالإحراج، كأنّ غيرتها قد انكشفت لأغرينا. احمرّ وجهها خجلًا، لكن أغرينا لم تلتفت لذلك، بل تابعت بهدوء:
“أعتقد أن جلالته قد وضع عينه على جلالة الملكة لِيليانا لتكون الإمبراطورة القادمة.”
“هذا غير ممكن.”
قالتها لِيليانا بحزم.
صحيح أن هيليو تغيّر منذ أن بدأ يحب ابنته، وبدأ يخرج عن بعض القواعد، لكنه ظل طوال حياته إمبراطورًا متمسكًا بالصرامة والاتزان.
وإن قرّر أن يختار إمبراطورة، فستكون امرأة مثالية من كل الجوانب، تخدم مصلحة الإمبراطورية، ولا تثير اعتراضًا لدى أحد.
حتى وإن حمل مشاعر تجاهها، فذلك وحده لا يكفي لتغيير تلك الحقيقة. ولأنها قرأت القصة الأصلية، كانت واثقة تمامًا من ذلك.
تأملت أغرينا في وجه لِيليانا، التي أنكرت الأمر بثقة، ثم دارت عيناها بتململ ورفعت كتفيها وكأنّها تقول: لا رغبة لي في الجدال.
“حسنًا، لا بأس. في كل الأحوال، من الأفضل لنا أيضًا أن تعتلي جلالتكِ العرش بنفسك.”
“ماذا تقصدين؟”
“أريد أن أكون إحدى وصيفاتكِ المقربات.”
“ما هذا…؟ لكن لدي وصيفة ملازمة بالفعل.”
“الإمبراطورة الراحلة كانت لها خمس وصيفات ملازمات.”
كادت لِيليانا أن تقول إنها ليست الإمبراطورة بعد، لكنها أمسكت لسانها.
صحيح أنها لم تكن الإمبراطورة بعد، لكنها تسعى لذلك، ولهذا السبب تحديدًا لم تعترض حين استقلّت العربة الإمبراطورية التي أهداها لها هيليو.
وبينما لاح في وجهها القبول، أكملت أغرينا كلامها:
“أودّ أن أكون ضمن وصيفاتكِ المقربات لمدة ثلاث سنوات، بدءًا من لحظة تتويجكِ إمبراطورة. وخلال تلك المدة، ينبغي أن تُظهري أنكِ تفضلينني على سائر الوصيفات. لا أعني بذلك أن يكون ذلك حقيقيًّا، بل فقط كما يبدو للعيان.”
لم يكن ذلك طلبًا صعبًا. صحيح أن صوفيا قد تشعر ببعض الاستياء، لكنها لن تكون عاجزة عن تقبّل الأمر.
تساءلت لِيليانا عن غاية أغرينا من أن تصبح وصيفة… صحيح أنّ تلك المكانة مرموقة، لكنها لا تبدو كافية وحدها لتبرير هذا الشرط الغريب لثلاث سنوات.
لكن قبل أن تسألها، أسندت أغرينا ذقنها إلى يدها، وبدت شاردة في التفكير.
“ترى، من هو الرجل المناسب لي لأتزوجه بعد ثلاث سنوات؟ ألا تملكين فكرة جيدة؟ أريد شخصًا يمكنه أن يفتخر بزوجة كانت وصيفة للإمبراطورة، وأن يكون مخلصًا للأسرة الإمبراطورية.”
فتحت لِيليانا عينيها على وسعهما من شدة المفاجأة، فنظرت إليها أغرينا وكأنها تجد ردّة فعلها ظريفة، لكنها بدت مستفزة في ابتسامتها.
“ما بالكِ بهذا الوجه؟ لا أسعى لمجد شخصي فقط، بل أريد زوجًا يدعم أسرتي لتصبح من النبلاء المباشرين الذين يَرِثون الألقاب.”
“ألديكِ شخص تحبينه؟”
“هاه، لقد قلتِ تمامًا ما يقوله أخي… لا، لا يوجد.”
كانت لِيليانا قد تزوّجت زواجًا سياسيًّا، لكنها تعتقد أنه لو أُتيح لها الخيار، لاختارت الزواج بمن تحب. ولهذا السبب، اعتبرت نفسها محظوظة لأنها أحبت زوجها بعد الزواج.
أما أغرينا، فلم تبدُ مهتمة بمثل تلك الرومانسية. نظرت للحظة إلى الفراغ، ثم أومأت كأنها توصّلت إلى فكرة.
“همم، لو كان عليّ أن أختار، فأفضّل شخصٍ يمكن التفاهم معه. حين تكون لدينا رغبات مختلفة، لا نلجأ للشجار بل للتفاوض. فهو جلالة الإمبراطور.”
وقد وافقتها لِيليانا في ذلك. فمع أن هيليو قد يكون أحيانًا مخيفًا، لكنه في المجمل إنسان منطقي. فإن كان من يتعامل معه عاقلًا، فحتى إن بدا صارمًا، سيبقى متّزنًا في تصرّفاته.
مالت أغرينا إلى الأمام قليلًا، فما كان من لِيليانا إلا أن تراجعت بنفس المقدار.
“إذًا، متى يمكنني الانضمام إليكِ كوصيفة؟ أريد أن يبدو الأمر وكأننا كنا معًا منذ أيامكِ كملكة وليست فقط بعد تتويجك.”
شعرت لِيليانا أن الصورة التي كانت تملكها عن أغرينا كانت في غير محلّها. لم تكن “فتاة محببة”، بل كانت فتاة طموحة وجريئة.
ومع أنّ أغرينا لم تتصرف بفظاظة ظاهرة، كونها ما زالت بحاجة إلى إرضاء لِيليانا، إلا أن طريقتها باتت أكثر تحررًا بكثير مما كانت عليه.
“إن أردتِ، يمكنكِ البدء من الغد.”
قالت لِيليانا بابتسامة هادئة، لكن سرعان ما محتها عن وجهها وقالت بنبرة جادّة:
“لكن طوال فترة خدمتكِ لي، يجب أن تبدي الولاء الكامل. لا يمكنني التساهل مع مثل هذا التصرّف المتعالِ مجددًا.”
نهضت أغرينا من مكانها، ولم يكن على وجهها أثر للخوف أو التراجع. بل على العكس، انحنت لها بانحناءة رسمية تليق بالبلاط.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 78"