“هذا قصري، ومع ذلك يبدو أن عليّ الفرار. تفضّلا بقضاء بعض الوقت معًا.”
“جلالتك، إلى أين تذهبين؟”
نادتها لِيليانا بسرعة، لكن الإمبراطورة الأم اكتفت بهز رأسها.
“وإلى أين تذهب امرأة مطرودة؟ لا خيار لي سوى الانزواء في غرفتي، أتمرغ في الملل.”
تنهدت لِيليانا وهي تسمع نبرة الدعابة في صوت الإمبراطورة الأم.
لقد كانت تشبه هيليو إلى حدٍّ لا يُصدّق. حتى إنها تعجبت كيف لم يلاحظ الآخرون ذلك بعد.
لم يكن بوسعها أن تستبقي الإمبراطورة الأم أكثر، فودّعتها باحترام:
“إذن، جلالتكِ… سأزوركِ الأسبوع المقبل.”
ابتسمت الإمبراطورة الأم بلطف ثم انسحبت. وبعد أن اختفت تمامًا بين الأشجار، عضّت لِيليانا شفتها السفلى وحدّقت في هيليو.
“ماذا؟”
“أخبرني، أين في هذا العالم يجرؤ على طرد الإمبراطورة الأم من قصرها؟!”
“أمامكِ الجواب.”
وأشار إلى لِيليانا بذقنه، ملامحه تنضح بالثقة وكأن الأمر لا يهمه، مما دفع لِيليانا إلى التنهد بعمق. لقد أيقنت مجددًا بأنها لن تستطيع أبدًا الانتصار على هذا الرجل.
“ما الذي تنوي فعله مع والدتي الأسبوع المقبل؟”
“سنشاهد مسرحية. هل تودّ الانضمام؟”
قطّب هيليو حاجبيه وكأن الفكرة نفسها تزعجه، وهزّ رأسه نافيًا.
“أتكره المسرحيات؟”
“لا أعلم. لم أشاهد منها ما يكفي لأقول إنني أحبها أو لا.”
وكانت تلك الجملة نسخة طبق الأصل مما قالته لِيليانا سابقًا للإمبراطورة الأم.
“في الواقع، أنا كذلك… إذًا لِمَ لا نشاهد معًا…”
كانت تنوي دعوته لمشاهدة المسرحية معها، لكنها فجأة أبصرت ورقة شجر متساقطة، حمراء، بلونٍ أكثر صفاءً من تلك التي رأتها سابقًا. توقّف كلامها، وبدأت تتلفّت بعينيها الواسعتين.
صارت في حيرة. حين كانت مع الإمبراطورة الأم، كان من السهل كبح رغبتها في التقاط الورقة. ورغم شعورها بالأسى، تمكّنت من كتمان الأمر.
أما الآن، ومع هيليو فقط… شعرت وكأن لا بأس إن فعلت شيئًا طفوليًّا.
وبينما كانت تحدق إليه صامتة، سألها:
“لِمَ توقفتِ عن الحديث فجأة؟”
“جلالتك، هل يمكنك أن تستدير؟”
“أن أستدير؟”
“نعم. فقط استدر قليلًا.”
أومأت لِيليانا برأسها بجدية. أرادت أن يغضّ بصره لكي تتمكن من التقاط الورقة.
تأمّلها هيليو بنظرات فاحصة، ثم ما لبث أن استدار. وعلى الفور، انحنت لِيليانا لتلتقط الورقة.
لكن الرياح، كما يبدو، كانت أسرع منها. فالمكان الذي كانت فيه الورقة خالٍ الآن.
في تلك اللحظة، استدار هيليو مجددًا ليرى ما تفعل. فقد كان يتساءل في نفسه، ما الذي قد يدفعها لتطلب من الإمبراطور أن يُدير ظهره؟ واكتشف الحقيقة: مجرد ورقة شجر.
لكن، حين رأى ابتسامتها النقية وهي تلتقط تلك الورقة الحمراء، أدرك أنها لم تكن عديمة الجدوى تمامًا.
نفخت لِيليانا برفق على الورقة، ثم أشارت إلى صوفيا لتقترب بسرعة. كانت صوفيا قد شاهدت كل شيء، وتحاول كبح ضحكتها بشدة.
وقبل أن تُسلّم لِيليانا الورقة لصوفيا، انطلق صوت هيليو فجأة:
“أليست تلك لي؟”
“آه! أفزعتني! طلبتُ منك أن تبقى مستديرًا!”
“لم أقل إنني سأبقى كذلك لوقت طويل.”
ورغم احتجاجه، فقد كان سريعًا في الالتفات، لذا لم تتمكن لِيليانا من الاعتراض أكثر، وهي تراجع نفسها: هل استغرقت فعلًا وقتًا طويلًا؟ ربما…
أما صوفيا، فقد ظلت واقفة في هدوء، يديها ممدودتان، وشفتيها مطبقتين على بعضهما، تحاول بكل جهدها ألا تضحك. لم تكن تجرؤ على إخراج صوتٍ وسط حوار الإمبراطور والملكة.
لاحظ هيليو أن جسد صوفيا يرتجف من كبت الضحك، لكنه لم يرد معاقبة خادمتها المقرّبة، فاكتفى بأن سحب لِيليانا برفق من كتفها، وبدأ في السير.
رغم أن ذراعه القوية كانت لا تزال حول كتفها، إلا أن لِيليانا تمسّكت، وتظاهرت بالهدوء وهي تنظر أمامها.
“أليست تلك لي؟”
“بلى، هي كذلك.”
“إذًا، لمَ تعطينها للخادمة؟”
قالها وكأنه لا يفهم حقًّا، فما كان من لِيليانا إلا أن أمسكت بالورقة جيدًا حتى لا تتناثر، ثم وبّخته برقة:
ثم أشارت مجددًا إلى صوفيا، التي بدت الآن أكثر هدوءًا. سلّمتها لِيليانا الورقة، ثم التفتت إلى هيليو.
“لم أتوقّع أنك تحب أوراق الخريف… هل أصنع لك المرة القادمة زهرة مضغوطة من تلك التي أهديتني إياها؟”
لكنها كانت مخطئة في تقدير السبب. لم يكن يُحب الورقة ذاتها، بل أحب أن لِيليانا ترسل له شيئًا كل يوم.
ومع ذلك، لم يُفصح عن الأمر، بل لم يفكر أصلًا أن عليه قوله.
“فكرة جميلة.”
فابتسمت لِيليانا، واعتقدت أن هيليو أكثر رقة مما ظنت.
“بالمناسبة، جلالتك… لدي موعد شاي غدًا مع أغرينا غابرييل.”
ما إن أنهت جملتها حتى تغيّرت ملامح هيليو، وانقبض فمه بصرامة. وبينما كان لا يزال يسير، قال بنبرة حادة:
“لا تُحاولي إقناعي.”
لم يكن يهمه إن كانت من الفرع الرئيسي أو الجانبي من عائلة غابرييل… فهو يحتقر كل من يحمل اسم تلك العائلة.
فقط إن سقطت الإمبراطورية في مأزق لا مفر منه، واضطرت للاستعانة بمساعدة دوق غابرييل، حينها فقط قد يُفكر في الأمر.
رؤية النفور الشديد في وجهه فاجأت لِيليانا، لكنها سرعان ما استجمعت هدوءها حين تذكّرت أن ذلك النفور لم يكن موجّهًا إليها.
“سأقول لأغرينا إنني لا أستطيع دعمها لتصير إمبراطورة. وإن أرادت أن تبقى متحالفة معي، فعليها أن تطرح شروطًا أخرى.”
قالت لِيليانا ذلك بنبرة هادئة، فبدأت النظرات القاتمة في عيني هيليو تنقشع تدريجيًّا. وبعد أن هدأ غضبه تمامًا تقريبًا، سألها باقتضاب:
“ولِمَ؟”
“لأن جلالتك لا ترغب في الارتباط بعائلة غابرييل…”
ولأنني لا أريد أن أقرّب امرأة أخرى إلى جلالتك بيدي.
لو قالت له ذلك، لأتبع سؤاله: “ولماذا؟”
ولِيليانا لم تكن تملك سوى جواب واحد:
لأنك أصبحتَ مميزًا بالنسبة لي.
لكن قول تلك الكلمات يتطلّب شجاعةً جمّة.
ربما كان هيليو يريد أن يحافظ على علاقته بها كملكة مدلّلة وصديقة مقربة فحسب، وإن أفصحت له عن مشاعرها، فقد يُثقل عليه ذلك.
وذاك احتمالٌ مؤلمٌ بحد ذاته، لذا لم تجد بدًّا من أن تتصرف كالأحمق.
“لأن جلالتك لا ترغب في الارتباط بعائلة غابرييل…”
لا شك أن هيليو لاحظ تكرارها للكلام ذاته مرتين. رمقها بنظرة ثابتة.
كانت عيناه حادّتين كعينَي مفترس، أشبه بخنجر يوشك أن يخترق دواخلها.
وفيما كانت لِيليانا تكتم اضطراب قلبها المتسارع، صرف هيليو بصره عنها وأكمل السير أمامها، بخطًى بطيئة تكاد تُشعر بأنها يمشي إلى جوارها.
“منذ متى وأنتِ تطيعين أوامري هكذا؟”
“أعتقد أنني كنتُ دائمًا كذلك.”
“لا. أنتِ أكثر الناس عصيانًا في العالم.”
واصل الاثنان جدالهما الخفيف بينما كانا يمشيان في ذاك الدرب الهادئ، لكن الابتسامة لم تفارق شفتيهما.
في الأثناء، سقطت بتلة صغيرة أمام لِيليانا، فالتقطتها. كان شكلها الأبيض الصغير مألوفًا جدًا. رفعت رأسها فرأت الشجرة التي أرسلها لها هيليو.
“آه… إنها تلك الشجرة.”
صفٌّ من الأشجار البيضاء امتدّ على جانبي الطريق. كانت الأوراق لا تزال خضراء رغم موسم الخريف، مما زاد من روعتها. ابتسمت لِيليانا بسرور.
“إنها جميلة جدًا… وكأن الثلج نزل على أغصانها فقط.”
“يبدو أنكِ أحببتِها كثيرًا.”
“جِدًا. إنها هديتك الأجمل على الإطلاق.”
ترددت لِيليانا قليلًا، ثم أضافت:
“رغم أنني لا أستطيع أن أقرر بسهولة إن كان السوار أم هذه الشجرة الأجمل.”
“إذًا فهي ليست الأجمل.”
لم يُفهم إن كان يسخر أم يعاتب. فقد قدّم لها الذهب والجواهر، ومع ذلك، أحبّت أكثر سوارًا رخيصًا وشجرة!
“وكيف عرفتَ بأمر هذه الأشجار، جلالتك؟”
“الإمبراطورة الأم تحبها.”
أجاب ببساطة، لكنها توقفت فجأة.
‘ كما كنت أظن…’
حين تباطأت خطواتها، مدّ هيليو يده خلفه، فأمسكت بها بلطف. ابتسم ساخرًا، ثم أمسك بيدها جيدًا.
“إنه طريق صاعد، فأمسكتُ بيدك لأجل ذلك. لا لأني أراكِ جميلة.”
“… نعم.”
لا يمكن أن يكون في غابة القصر طريق صاعد، لكنّ كلاهما تجاهل تلك الحقيقة.
ربما هيليو لم يشعر بذلك، لكنّ لِيليانا أحسّت بدفء يده، وأحبّته.
رغم أن الرياح كانت تتسلل إلى عنقها من أطراف شالها السميك، فإن يدها في كفّه لم تكن باردة على الإطلاق.
“شعب الإمبراطورية ضعيف أمام البرد، لذا كثيرًا ما كنّا ننسحب أثناء الحروب إذا جاء الشتاء. ولهذا، كنت دائمًا أعود إلى قصر والدتي في أواخر الخريف. وفي كل مرة، كانت هذه الزهور في أوج تفتّحها. ربما لأنها نشأت في مكان يطول فيه الشتاء، لذا أحبتها.”
تخيلت لِيليانا صورة الفتى الصغير الذي يعود من ساحة المعركة، ويتوجه مباشرةً إلى قصر والدته.
بعينين بين الأمل والخذلان… أملٌ بأن تنظر إليه، ووجعٌ بأنه قد لا يُحبّ يومًا.
“لم أسألها أبدًا، لذا لا أعرف إن كان هذا صحيحًا. لكنني رأيت هذه الزهور في كل خريف وشتاء، حتى اعتدت على شكلها. وصارت الأجمل في نظري.”
أي أنها الزهرة المفضلة لديه.
فيما كانت لِيليانا تعبث بأصابعها في يده، التفت هيليو قليلًا وقال:
“لكن هذه الأشجار لا تُزهر إلا في البرد، لذا في الربيع، لن يكون فيها شيء يسرّ العين. ازرعي شجرة أخرى وقتها.”
“أتقترح أن أزرع أشجارًا مختلفة في كل فصل؟”
“ولِمَا لا؟”
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"