نظرًا لأن لِيليانا نادراً ما كانت حازمة، قرّرت السيدة ريستون أن تتوقف عن المزاح عند هذا الحد. فقد كان لديها الكثير لتبلغه بشأن الأعمال.
وضعت السيدة ريستون صندوقًا صغيرًا على الطاولة المنخفضة بينهما.
“بعد تحرِّياتي، تبيّن أن دوقية لاوبي لا تزال تُنتج أحجار الأرواح. لكن يبدو أنهم، بسبب اعتزازهم الكبير بثقافتهم الروحية، لا يرغبون في تصديرها. كانوا حذرين جدًا، لا سيّما فيما يتعلق بوصولها إلى أيدي الإمبراطورية.”
“ولكنك حصلتِ عليها في النهاية.”
هزّت السيدة ريستون كتفيها بفخر، وبدت على وجهها ابتسامة ظافرة. في تلك اللحظة، شعرت لِيليانا مجددًا بقيمة شبكة المعلومات التي عملت السيدة ريستون على بنائها طوال تلك السنوات. تحدثت السيدة ريستون بخفة وكأن الأمر لم يكن شيئًا يُذكر.
“لم يكن الأمر صعبًا كما ظننت. الأهم من ذلك أن لأحجار الأرواح ميزة رائعة إضافية.”
عندما فتحت السيدة ريستون الصندوق، ظهرت ستُّ جواهر أصغر بقليل من قبضة يد امرأة. كانت تلك الأحجار هي ما جمعته السيدة ريستون من أحجار الأرواح بعد بحث مضنٍ. ومن دون أن تُسأل، كانت لِيليانا تشعر بأنها قادرة على تحديد خصائص كل حجر منها.
كانت ألوان أحجار الأرواح شديدة النقاء، وبالتمعّن داخلها، بدت وكأن طاقة الأرواح في داخلها تتماوج.
حجر روح الرياح، حتى وهو ساكن، كانت ألوانه تتغيّر بخفّة كما لو أن نسيمًا داخليًّا يمرّ به. أما حجر روح الماء، فكان لونه يزداد عمقًا كلما تم إمالته.
عندما أبدت لِيليانا إعجابها، ابتسمت السيدة ريستون برضًا.
“أحجار الأرواح جميلة للغاية. من المؤسف أن تُنسى في صفحات التاريخ فقط لأنها أقل كفاءة من غيرها.”
أخرجت السيدة ريستون حجر روح الظلام، ووضعته في يد لِيليانا.
في البداية بدا كأنما يغمره الظلام، لكن مع تدفق طاقة الظلام داخله، بدأ الضوء يخبو ويظهر فيه بهدوء، كأنه قمر يتأرجح في ليلٍ ساكن.
في تلك اللحظة، سمعت لِيليانا طنينًا خافتًا في أذنيها… كأنما رنين عملات ذهبية تتساقط بلا نهاية.
كان مشروعها سيبدأ من توصيل السحرة بالأرواح. وهي مهمة لا يمكن لأي شخص عادي أن يقوم بها دون أن يمتلك حسًّا روحيًّا قويًّا.
نصحت لِيليانا السيدة ريستون بأن تذهب لرؤية الساحر الروحي أبرَا.
ولحسن الحظ، كان أبرَا يشعر بالأسى حيال سحرة الإمبراطورية الذين وُلدوا بحسّ روحيّ ولكنهم لم يتمكنوا من تجربة اللقاء بالأرواح.
كما أنه لم يكن مرتاحًا للثقافة المغلقة التي تتبعها دوقية لاوبي في تعاملها مع الأرواح، ولهذا وافق على عرض السيدة ريستون.
وعلى الرغم من أن اللقاء بينه وبين ريستون انتهى بشيء من الجفاء، إلا أنه كان شخصًا يُعتمد عليه في كل ما يخصّ فن الأرواح.
وبعد أن أنجزت مهامها تلك، وجدت لِيليانا نفسها فجأة بلا عمل، فقررت أن تكرّس وقتها لأمور القصر التي أهملتها لفترة. وكان أول ما خطر في بالها زيارة قصر الإمبراطورة الأم.
عندما دخلت لِيليانا مرتديةً فستانًا أصفر ووقفت أمام الإمبراطورة الأم، غطّت الأخيرة فمها بيدها وضحكت بلطافة.
“الشتاء يقترب، لكنكِ ما زلتِ كأنكِ زهرة الربيع، يا جلالة الملكة.”
رفعت لِيليانا طرف فستانها بابتسامة مشرقة.
“أرفع أسمى التحايا لجلالتك ، وعلى الرغم من لونه، فهو دافئ جدًا في الواقع.”
لكن الإمبراطورة الأم لم تصحبها إلى غرفة الضيافة، بل أخذتها إلى الحديقة الصغيرة التي أُقيم فيها حفل تنصيب لِيليانا كملكة.
كان ذلك في أواخر الخريف. تساقطت أوراق الأشجار الكثيفة بكثافة، لكنها لم تكن عارية بعد، إذ لا تزال بعض الأوراق معلّقة على الأغصان، وكان صوت الأوراق تحت الأقدام يُحدث خشخشة لطيفة.
“أجواء الغابة مختلفة تمامًا الآن بعد أن جاء الخريف.”
“صحيح، الألوان الزاهية جميلة بالفعل.”
ابتسمت الإمبراطورة الأم بلطف وهي تتأمل ما حولها.
“في الماضي، كنت أفضّل الأشجار القوية التي تزهر حتى في الشتاء.”
“تقصدين شجرة الرينيا؟”
“نعم، سمعت أن جلالة الإمبراطور أهداكِ واحدة منها، أليس كذلك؟”
ابتسمت لِيليانا بخجل، وابتسمت الإمبراطورة الأم معها بسرور.
“في السابق، كانت هذه الغابة مليئة بأشجار الرينيا. لكن في مرحلة ما، رغبت في أن أشعر بتبدّل الفصول، فغيّرت جزءًا من الغابة لتكون كما ترين. سقوط الأوراق مشهدٌ جميل أيضًا.”
“أنا أحب النوعين معًا. في قصري بعض الأشجار التي تتساقط أوراقها، لكن عددها قليل. أما هنا… منظر السماء المصبوغة بالأحمر رائع للغاية.”
تعمدت لِيليانا أن تضغط بخفة على الأوراق بقدمة حذائها، وكانت الإمبراطورة الأم تنظر إليها بنظرة دافئة.
وبينما كانت تتجاذب أطراف الحديث مع الإمبراطورة الأم، لفتت انتباهها ورقة شجر حمراء زاهية، جميلة الشكل، سقطت على جانب الطريق.
تذكرت أن هيليو كان يُسرّ خفية عندما كانت تهديه أوراق الشجر في الخريف. كانت تفكر أنها طالما ستعطيه واحدة، فالأفضل أن تكون جميلة مثل هذه، لكنها كانت على وشك أن تتجاوز الورقة.
ومع ذلك، شعرت بالحرج من الانحناء لالتقاطها أمام الإمبراطورة الأم، فارتسم التوتر على ملامحها.
لاحظت الإمبراطورة الأم أن لِيليانا، التي كانت مرحة ومليئة بالكلام قبل قليل، أصبحت أكثر هدوءًا، فسألتها بقلق:
“ما بكِ؟”
“آه… أنا فقط…”
كانت لِيليانا تود أن تسأل ما إذا كان بإمكانها التقاط الورقة، لكنها خافت أن يبدو ذلك تصرفًا طفوليًّا. شعرت بحرارة في وجهها، وسرعان ما تذكّرت موضوعًا آخر لتغيّر الحديث.
“أحضرتُ لكِ هدية… فهل تقبلينها؟”
“أويحكِ، أتعجزين عن قول شيء بسيط بتلك الصعوبة؟”
ضحكت الإمبراطورة الأم مسرورة، فيما تنفّست لِيليانا الصعداء وقد اجتازت تلك اللحظة المحرجة، ثم أشارت إلى صوفيا.
تقدّمت صوفيا وقد حملت طوال الوقت صندوقًا صغيرًا، وقدمته إلى الإمبراطورة الأم. كان يحوي ستًّا من أحجار الأرواح، وهي ما تسلّمتْه لِيليانا من السيدة ريستون.
“يا للعجب…”
رمقت الإمبراطورة الأم الأحجار اللامعة بدهشةٍ ظاهرة، ولعلها، رغم كونها من العائلة المالكة لسنين طويلة، لم ترَ حجر أرواح بعينيها قط، نظرًا إلى حرص دوقية لاوبي الشديد على إخفاء وجودها.
لكنّ أكثر ما شدّ انتباهها كان حجر الأرواح الخاص بالنور، الذي بدا كأن الشمس قد احتُجزت في قلبه، بلونه الذهبي اللامع دون أن يبعث على الإزعاج.
“ما هذه الجواهر الرائعة، يا ملكة؟”
“إنها أحجار أرواح. حصلت عليها أثناء بحثي في بعض الأمور… لكنني شعرت أنها أثمن من أن أحتفظ بها لنفسي، لذا أردتُ أن أقدمها لجلالتكِ.”
“جواهر بهذا الجمال يجب أن تكون في حوزة الشابات.”
“جلالتكِ ما زلتي في ريعان الشباب.”
بدا أن هذا الإطراء راق للإمبراطورة الأم، فارتسمت ابتسامة هادئة على محياها.
وفي الحقيقة، لم تكن كلمات لِيليانا بعيدة عن الواقع. فالإمبراطورة الأم كانت قد أنجبت هيليو في سن صغيرة، لذا فبالرغم من كونها أمًّا لإمبراطور بالغ، كانت ما تزال شابة بالمقارنة. ناهيك عن أنها والدة ذلك الوسيم المتكامل، هيليو، وجمالها لا يُستهان به على الإطلاق.
وبينما كانت لِيليانا تتأمل ملامح الإمبراطورة، باحثة عن ما يشبه هيليو في وجهها، تذكرت فجأة ما كانت تنوي قوله منذ البداية.
“جلالتك، في الواقع… هذه ليست هدية فقط، بل أشبه برشوة. فلي مآرب أخرى من ورائها.”
ضحكت الإمبراطورة الأم من صدق لِيليانا وطرافتها.
“رشوة؟ ومن أنا في هذا المكان الهادئ، حتى يُرشى مثلي؟”
“لا تقولي هذا. أنتي سيدة القصر، وأكثر أفراد العائلة المالكة احترامًا.”
ضحكت الإمبراطورة الأم بلطف وقالت:
“كل هذا التملق، أخشى أن ما ستطلبينه عظيم. هيا، قولي ما عندكِ.”
“هل لي أن أطلب من جلالتك أن ترتدين هذه الأحجار في حفلات ختام السنة وبدايتها؟”
“آه، إذًا ما أردتِه هو أن أكون مَن يظهر هذه الجواهر لأول مرة، أليس كذلك؟”
ضاقت الإمبراطورة الأم عينيها وهي تنظر إلى لِيليانا بنظرة مليئة بالحنكة، وكأنها تستمتع برؤية قلقها. لم يكن لديها سبب حقيقي للرفض، لكنها شعرت برغبة في مماطلتها قليلًا، ربما لأن لِيليانا كانت تبدو قلقة للغاية.
شعرت الإمبراطورة الوالدة فجأة بأنها تتصرّف بطريقة تشبه ابنها، وربما كان هذا يفسر كيف يمكن لرجل مثل هيليو أن يكون بهذا القدر من الدعابة.
لكنها لم تُطل ذلك كثيرًا، وما إن رأت النظرة المتوسلة في عيني لِيليانا حتى أومأت برأسها موافقة.
“كنتُ أتمنى أن أتفاخر بها منذ الآن، لكن للأسف عليّ الانتظار.”
“أنا آسفة، كنتُ أود لو قدمتها في وقت أبكر…”
قالت لِيليانا مبتسمة في حياء وهي تتعلق بذراع الإمبراطورة الأم برفق. ورغم أن التصرف لا يُعد لائقًا من الناحية البروتوكولية، فإن الإمبراطورة لم تُبدِ أي اعتراض، بل بدت فخورة ومسرورة.
“لقد شعرت بالملل مؤخرًا، فاستدعيت فرقة مسرحية، وسيصلون الأسبوع المقبل على الأرجح. هل تودّين الحضور، يا عزيزتي؟”
صفّقت لِيليانا بحماس.
“حقًّا؟! هذا رائع! هل سيكون عرضًا مسرحيًّا؟”
“أجل، أم أنك تفضلين الأوبرا؟”
“أنا أحب كليهما، في الواقع… لم أشاهد الكثير لأحكم، لذلك أي شيء سيكون ممتعًا بالنسبة لي.”
“يا لهذه المسكينة. إذًا، عليك أن ترافقيني كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
كانت الاثنتان منهمكتين في الحديث حين بدأت لِيليانا تشعر بشيء غريب… خطوات خفيفة تقترب خلفها وهي تسير على أوراق الخريف اليابسة. كان من الطبيعي أن تتبعها وصيفتها، ومع ذلك، شعرت بشيء مريب، فاستدارت.
وهناك، كان يقف هيليو، متجهمًا بعض الشيء، كأن شيئًا لم يعجبه.
“ج-جلالتك…”
“هممم؟”
ردّت الإمبراطورة الأم، ظنًّا منها أن النداء موجّه لها، غير أن نداء لِيليانا لم يكن لها، بل لـهيليو.
“ها قد رأيتِ بنفسك. كل من هبّ ودب يُدعى بلقب ‘جلالتك’ حتى أصبح اللقب مشوشًا.”
“لا تقل ذلك…”
قالت لِيليانا في ارتباك، وهي ترمق محيط هيليو. لم يكن هناك أثر للوصيفات، فقد تركهن خلفه عمدًا.
كان يبتسم ابتسامة خفيفة، وكأنه يجد الأمر طريفًا، فيما ظهرت على وجه الإمبراطورة الأم علامات الدهشة.
“جلالتك، كيف تظهر فجأة دون أن يشعر بك أحد؟”
أجاب هيليو، بعدما أخفى ابتسامته، بصوت جاد:
“أوراق الشجر تملأ الأرض… لا يمكن أن أمشي فوقها دون أن أُحدث صوتًا. لقد أحدثت ضجيجًا كافيًا.”
“لا تراوغ بالكلام. إمبراطور البلاد يدخل المكان دون إعلان؟ لا بد أنك أمرت بعدم إعلامنا، أليس كذلك؟”
“كنتُ سآتي للسؤال عن أحوال والدتي، لكنني وجدتُها برفقة كنّتها التي تفوق ولدها في البر، فلم أشأ أن أُفسد عليهما اللحظة. وها أنا أغادر الآن، حتى لا أكون مزعجًا.”
قالها بلهجة ساخرة، فما كان من لِيليانا إلا أن عبست ونظرت إليه بنظرة ضيّقة.
لقد كانت هي من طلبت منه أن يُصلح علاقته بوالدته، لكن بتصرفاته هذه لن يقتربا من المصالحة أبدًا.
كانت عاجزة عن توبيخه مباشرة، فاكتفت بالنظرات الحادة، وهو يدرك ذلك تمامًا، ومع ذلك، قال متعمّدًا:
“ما الذي بوجهك؟ لماذا هذا التعبير؟”
وحتمًا، كان من الطبيعي أن تستدير الإمبراطورة الأم إلى لِيليانا، التي ما لبثت أن غيّرت ملامحها، مفرّجة بين حاجبيها وهي تلوّح بيديها.
“يا ملكة، هل هناك ما يزعجكِ؟”
“ل-لا… فقط… هبّت نسمة هواء، لا أكثر…”
وكان عذرًا في غاية السخافة. الإمبراطورة الأم أدركت الموقف فورًا، فتوسّعت عيناها قليلًا، ثم ابتسمت وكأنها لا تملك حيلة مع هذا الثنائي.
وضعت قبضتها برفق قرب فمها وسعلت سعالًا مصطنعًا، ثم قالت بلهجة صارمة:
“يا جلالة الإمبراطور، الملكة هي الزوجة الوحيدة لك، فلا تمازحها كثيرًا.”
“كل ما فعلته هو سؤالي عن سبب تعبير وجهها.”
“ما إن تراها، حتى تتصرّف كطفل صغير، يا ولدي.”
“وهذا تحديدًا ما كنتُ أتساءل عنه، سألتها فلم تُجب بعد.”
“يا إلهي…”
نظرت الإمبراطورة الأم إلى ابنها، لا تدري إن كانت ستوبّخه على وقاحته، أم تُثني عليه لأنه يبدو على وفاق مع زوجته.
وفي النهاية، لم تجد مفرًّا سوى أن ترفع الراية البيضاء وتترك ذلك الثنائي الغريب خلفها، هاربةً من فوضى حواراتهما.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 76"