كان صوت الجنية يافعاً و جميلًا للغاية. ، وكانت تحمل نبرة حزينة جعلت ليليانا تشعر بالشفقة عليه.
لكن شعور ليليانا تجاه الجنية كان أقرب إلى الدهشة من الشفقة تجاه وضعه. كانت قد غطت فمها وصرخت بصوتٍ خافت.
“هل حقًا هي جنية؟!”
ردت الجنية بصوت مشابه
“هل حقًا ترينني؟!”
تبادلا النظرات بينما كانا يرمشان.
في القصة الأصلية، كان هنالك عوالم موازية، وكان البشر يستطيعون التنقل بين هذه العوالم فقط عندما يكونون في حالة روحانية.
أما الأرواح/الجنيات، فكانت قادرة على التنقل بين هذه العوالم بحرية.
عندما يبرم شخص ما عقدًا مع أحدى الجنيات، فإنه سيتمكن من إستخدام القوى الموجودة في العوالم الأخرى، وكان يُطلق عليهم “سادة الأرواح”.
وبطلة القصة التي ربما ستنجبها ليليانا في المستقبل ، كانت أيضًا من سادة الأرواح. كانت قد إكتشف قدراتها منذ الصغر وأبرمت عقدًا مع إثنين من ملوك الأرواح، وكانت شخصية خارقة.
أول شرط من شروط أن يصبح الشخص سيد روح هو “رؤية الأرواح”. الأشخاص الذين لا يمتلكون الموهبة لا يمكنهم رؤية الأرواح/الجنيات إطلاقًا. كانت ليليانا لأول مرة ترى روحًا، ولم تكن تعلم أن لديها الموهبة لتكون سيدة روح.
ولكن إذا فكرنا في الأمر، فإن هيليو لم يكن يمتلك موهبة سيد الأرواح، لذا إذا كان هناك إحتمال وراثي، فمن المرجح أن يكون من جانب ليليانا.
“هل يمكنكِ رؤيتي؟ هل، يمكنكِ لمسي؟”
سألت الجنية بصوت مليء بالقلق.
ترددت ليليانا قليلاً قبل أن تمد يدها وتلامس جبهة الجنية بلطف. عندها شعرت بشيء صغير جدًا أشبه بالقطة، أو بالأحرى شيء أصغر وأكثر هشاشة يصطدم بأطراف أصابعها.
لأنها كانت تجربة غريبة جدًا، سحبت ليليانا يدها بسرعة وأعادت النظر إلى الجنية.
كانت الجنية تدلك جبهتها ثم صاحت بصوت مليء بالأمل.
“هل يمكنكي أن تلمسيني؟ لديك موهبة سيد الأرواح! أليس كذلك؟”
“يـ-يبدو كذلك، لكن لماذا كنت تبكي هنا؟”
“أنظر إلى هذا!”
إبتعدت الجنية عن المكان الذي كانت تجلس فيه، وعند قدميها سُمع صوت رنين معدني، وتبين وجود كرةٍ حديدية.
عندما نظرت ليليانا ، إكتشفت أن الجنية كانت مقيدة بقيود حديدية، وكانت الكرة الحديدية هي التي تعيق حركتها وتربطها.
على الرغم من أن الجنية كانت تهز جناحيها بحزن، إلا أن القيود القصيرة كانت تمنعها من الطيران لمسافة بعيدة.
“يا إلهي، ما هذا؟ من فعل هذا بك؟”
“لا أعلم. في أحد الأيام، إستيقظت فوجدت نفسي على هذا الحال.”
قالت الجنية ذلك ثم إنفجرت بالبكاء مجددًا.
“بسبب هذه القيود، لا أستطيع إستخدام قوة الروح الخاصة بي، ولا يمكنني الذهاب إلى أي مكان آخر لطلب المساعدة!”
شعرت ليليانا بالحزن وأخذت الكرة الحديدية بحذر.
على الرغم من أن الكرة قد تكون ثقيلة على الجنية، لكنها لم تكن ثقيلة جدًا بالنسبة لـيليانا وكان بإمكانها رفعها بسهولة.
عندما وضعتها ليليانا على راحة يدها، بدأت الجنية تهز جناحيها بحماس.
“يا إلهي! لقد حلقت عاليًا! هل يمكنكِ الإستمرار في حملها؟”
ربما يمكنها أن تحملها لبضع لحظات، ولكن لم يكن بإمكانها الإستمرار في حملها لفترة طويلة. عندما أظهرت ليليانا وجهًا حزينًا، عادت الجنية للبكاء مجددًا.
يبدو أنها كانت محبوسة هنا لفترة طويلة. أما الخادمات اللاتي يمررن من هنا، فقد كنّ غير قادرات على رؤية الجنية لأنهن لا يمتلكن موهبة سيد الأرواح.
أعادت ليليانا الكرة الحديدية إلى الطاولة ثم نظرت حولها.
كان هناك العديد من الأشياء في المخزن، بما في ذلك مطرقة.
حملت ليليانا المطرقة وضربت السلسلة الحديدية بين الكرة الحديدية والقيود. لكن كانت النتيجة مجرد صوت رنين عالي.
جربت ليليانا أدواتٍ أخرى ولكن لم تنجح في فك القيود.
بدأت ملامح الجنية تتجهم أكثر فأكثر، وكان قلب ليليانا يتألم عند رؤية ذلك.
“لن تبقي هنا، تعالي إلى غرفتي. ربما سيساعدكِ أخذ بعض ضوء الشمس على تحسين حالتك. على الرغم من أنه الآن وقت الليل…”
“هل ستأخذيني معكِ؟”
“الأمر سهل، لا داعي للقلق.”
وضعت ليليانا الكرة الحديدية على راحة يدها مجددًا، وهزت الجنية جناحيها ثم حطت على راحة يد ليليانا.
بينما كانت ليليانا تتجه إلى غرفة نومها، سألت الجنية بهدوء
“كيف يمكنني تحطيم هذه القيود؟ إذا كان هناك شيء يمكنني الحصول عليه، سأحضر لك ما تحتاجينه.”
على الرغم من أنها كانت من دولة مهزومة، إلا أنها كانت أميرة وكان من المتوقع أن تصبح ملكة. حتى لو كان الشيء غاليًا، كانت قادرة على الحصول عليه إذا بذلت جهدًا. لكن الجنية هزت رأسها.
“هذه القيود لا يمكن تحطيمها بالأشياء العادية. أشعر بقوة روح أخرى في هذه القيود.”
“أفهم، إذًا ماذا يمكننا أن نفعل؟”
وضعت ليليانا يدها بالقرب من وجهها وسألت، فوضعت الجنية يدها على جبهة ليليانا وقالت:
“هل ترغبين في تعلم فنون الروح؟”
كان الصوت مليئًا بالأمل، لكن ليليانا شعرت بالحيرة.
في القصة الأصلية، كان الطفل يمر بالكثير من الصعوبات أثناء تعلم فنون الروح وإبرام العقد مع الأرواح.
على الرغم من أن الطفل كان مضطراً لإظهار مهارات إستثنائية ليتمكن من البقاء على قيد الحياة، كانت ليليانا في وضع يمكن أن يكون فيه إظهار قدرتها عائقًا بدلًا من فائدة.
رأت ليليانا الحيرة على وجه الجنية، وكان واضحًا كم كانت متلهفة.
“سأساعدك! أنا جنية الرياح ، إذا تعلمتي فنون الروح، فبإمكانكِ إستخدام قدراتي !”
“رائع، لكن…بصراحة، لا أحتاج إلى تعلم فنون الروح. ماذا لو بحثنا عن جنية أخرى لمساعدتك؟ يمكننا العثور على سيد أرواح.”
“لكن يجب أن تكون أنتِ!”
صرخت الجنية بلهفة، مما جعل ليليانا تتفاجأ وتسقط يدها قليلاً. ثم تمايلت الجنية للحظة قبل أن تتابع قائلةً
“إحساسي يخبرني بأنكِ الوحيدة القادرة على تحطيم هذه القيود!”
“لكن… “
كانت ليليانا تفكر في نفسها
“ألن يكون من الأسرع أن أبحث عن شخص آخر بدلاً من أن أتعلم فنون الروح؟”، ثم فجأة، كما لو أن فكرة جديدة قد خطرت لها، رفعت عينيها بدهشة.
“إنتظري، بعد أن فكرت في الأمر، إذا كانت هنالك قوة للرياح..”
فكرت ليليانا في فكرة جيدة، ثم خفضت رأسها وسألت الجنية.
“هل يمكنكِ تعليمي سحر الأرواح؟”
ردت الجنية بكل ثقة على صوت ليليانا الخافت.
“بالطبع!”
عند سماع ذلك، هزت ليليانا رأسها بسرعة.
“ماذا يجب أن أفعل لتعلم سحر الأرواح؟”
كانت الإجابة بمثابة تأكيد إيجابي.
أضاءت عيون الجنية وهي تدور دورة في الهواء.
“أولاً، يجب أن تشعري بالرياح! دعينا نخرج الآن!”
بصوت مفاجأ، ضحكت ليليانا قليلاً ودغدغت أنف الجنية.
“ليس الآن. بل غداً ، الآن سنذهب للنوم.”
حاولت الجنية أن تطير قائلةً إنه يجب أن يكون الآن، ولكن لم يكن بإمكانها سوى أن تطير حول راحة يد ليليانا.
بعد أن ربّتت ليليانا على رأس الجنية بأطراف أصابعها، إحتفظت بها بيدها وأخذتها إلى الغرفة.
عند باب غرفة النوم، إستفاقت الخادمة التي كانت نائمة عندما سمعت صوت خطوات ليليانا، فقفزت من مكانها. نظرت الخادمة بفضول إلى يد ليليانا التي كانت مشبكة.
“ماذا تحملين في يدك؟”
أجابت ليليانا بصوت منخفض وهي تحاول تهدئة الأمر.
“لا شيء مهم. هل يمكنكِ فتح الباب؟”
“ماذا! أنا لست شيئاً مهماً!”
وضعت ليليانا الجنية الغاضبة بجانب الوسادة ثم إستلقت على السرير. بعد أن أكدت الخادمة على ضرورة إخبارها إن كانت ليليانا ستغادر، أغلقت الباب.
قبل أن تغفو، همست الجنية في أذن ليليانا.
“إسمي تشو تشو. وأنتِ؟”
“أنا ليليانا. تشرفت بلقائك.”
“حسنًا، ليلي.! غدًا يجب أن تخرجي إلى الخارج، أليس كذلك؟”
إبتسمت ليليانا بخفة وأومأت برأسها. بما أن حياتها في القصر كانت مملة ولا يوجد شيء لتفعله، فإن إضافة شيء جديد بخلاف الكتب والتطريز جعلها تشعر بالسعادة.
❈❈❈
بصراحة، غالباً لم تكن تهب الرياح القوية في القصر الإمبراطوري.
كان من المفترض أن يتم بناء العاصمة في مكان مناسب للعيش، ومن الغريب أن الرياح لاتهب هنا في مكان كهذا.
لكن تشو تشو قالت إن ذالك لا يهم ذلك.
إذا هبت نسمة هواء، يجب أن تشعر بها كما هي، والأهم هو أن تتمكن من أن تستشعر الرياح وكيفيّة التفافها حول جسدك.
لذلك، تجولت ليليانا في حديقة قصر الزمرد لمدة حوالي أسبوعين، وهي تستشعر الرياح. وفي هذه العملية، إكتشفت أنها قد تمتلك موهبة في سحر الأرواح، وإن لم تكن بنفس براعة البطلة الصغيرة في القصة الأصلية، لكنها كانت قادرة على الشعور بالهواء بسرعة.
لم تكن قد قابلت أي معالج آخر للأرواح بعد، لذا لم يكن بإمكانها المقارنة، لكنها شعرت وكأن الهواء يلتصق بأصابعها مثل حلوى القطن بمجرد أن قررت أن تشعر به.
بعد ذلك، أصبحت قادرة على إحاطة ذراعيها وساقيها وجسدها وحتى شعرها بالهواء، ثم حاولت ليليانا تدمير كرة الحديد الخاصة بتشو تشو.
وفقًا لما قاله تشو تشو، إذا أدرجت الرياح حول الكرة وضغطت عليها، قد تنكسر. ومع ذلك، كان التحكم بها حول الأشياء الغير حية أمرًا صعبًا.
“تشو تشو، آسفة. هذا سيأخذ وقتًا أطول.”
“لا! أنتِ أسرع مما توقعت! أنتِ رائعة!”
قالت تشو تشو ذلك بينما كانت تحتضن إصبع ليليانا.
نظرت ليليانا إلى تشو تشو ببتسامة ثم قدمت لها قطعة من الكعك.
أخذت تشو تشو الكعكة بسعادة، وبدأت في تناولها من طرفها.
بينما كانت تراقب تشو تشو بوجه مبتسم، إقتربت صوفيا وقالت.
“صاحبة السمو، يجب أن تذهبي قريبًا.”
“نعم، فهمت.”
نهضت ليليانا بحذر لتجنب تعثر تنورتها.
اليوم هو يوم مراسم تعيين الملكة، وكان اليوم الذي ستصبح فيه ليليانا ملكة حقيقية.
بما أن مراسم التعيين كانت ستُجرى في قصر الإمبراطورة الأم، توجهت “ليليانا” مع خادماتها إلى قصر الإمبراطورة الأم.
ما فاجأ ليليانا قليلاً هو أن المراسم لم تُعقد في الحديقة كما كانت تتوقع، بل في الغابة الصغيرة التي كانت قد رآتها في وقت سابق وأُعجبت بها.
بين الأشجار كانت هناك أقمشة جميلة معلقة، وسجادة بيضاء مفروشة على الأرضية. بصراحة، لم يكن الجو جادًا للغاية.
فكرت ليليانا أن التاج ربما لا يناسب هذه المناسبة بقدر ما يناسبها إكليل الزهور، ودخلت إلى المكان المعد للمراسم في الهواء الطلق.
بينما كانت تمشي على السجادة بإتجاه المنصة المؤقتة، رأت الإمبراطورة الأم جالسةً هناك. كانت تنظر إليها بإبتسامة راضية.
“عندما زرت قصري، لاحظتِ هذه الغابة، أليس كذلك؟”
‘ هل أعددتِ هذه المراسم هنا بسبب ذلك؟ ‘ فكرت ليليانا في أن الإمبراطورة الأم قد بالغت في الإهتمام بها، وشعرت بأنها في حيرة. إنحنت برقة وحنت رأسها.
“إنه لشرف لي أن تهتمي بي إلى هذا الحد.”
” بما أن هذه هي المرة الأولى التي سأقوم فيها بحفل زفاف هنا ، أردت أن أعتني بها جيداً. إقتربي أكثر.”
كانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي سيكون فيها الإمبراطور هادئ بهذا الشكل. لا أحد سيهنئ زوجة الإمبراطور القادمة من دولة مهزومة.
لذلك، لم يكن في المراسم سوى ليليانا و الإمبراطورة الأم، بالإضافة إلى خادمتيهما.
لكن، حفل التعيين الذي يُقام في هذه الغابة الصغيرة كان شيئًا أعجب ليليانا بشدة. شعرت أن هذه المراسم كانت أكثر خصوصية من أي مراسم أخرى.
إقتربت ليليانا من الإمبراطورة الأم وجلست على ركبتيها. ثم تقدمت الإمبراطورة الأم وألبستها التاج الإمبراطوري على رأسها. كان التاج الفضي المُرصع بالماس يزيد من جمال ليليانا.
“شكرًا لكِ، جلالة الإمبراطورة الأم. سأبذل قصارى جهدي في خدمتكِ.”
إبتسمت ليليانا ورفعت نظرها إلى الإمبراطورة الأم. كانت الإمبراطورة الأم تنظر إليها بلطف، ثم رفعت رأسها فجأة.
في نهاية نظرتها، رأت شخصًا لا ينبغي أن يكون في هذا المكان.
_____________________________________________
ملاحظة بسيطة:
الإمبراطورة الأرملة = الإمبراطورة الأم
فضلت أكتب الإمبراطورة الأم على الأرملة.
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
التعليقات لهذا الفصل " 7"