عند سماع تلك الكلمات توقفت يد هيليو التي بدت وكأنها ستستمر في الإقتراب.
تنفست ليليانا الصعداء وفتحت عين واحدة ببطء. نظر هيليو إلى ما كانت تفعله ليليانا وإنفجر ضاحكاً.
“لقد كشفتك.”
“ماذا؟”
مد هيليو يده مرة أخرى وفي غمضة عين أمسك بخد ليليانا.
“أوتش!”
إهتزت أكتاف ليليانا في دهشة.
قال هيليو بإبتسامة، كما لو كان لا يزال مضحكاً.
“لقد كان خدك محمر، لذا كنت أريد أن أعرف ماذا فعلتِ.”
كان هيلّيو مبتسماً ، وكان من الواضح أنه رغب في السخرية من تصرفات ليليانا المضحكة هذه، والتسلّي بها كما يشاء.
لكن بدلاً من ذلك، أشار إليها بعينيه ليطلب منها أن تشرح سبب إنتفاخ خديها.
على الرغم من خجلها، إلا أن ليليانا بدأت تتردد. بصراحة، لم تكن تعتقد أن الإعتراف بالحقيقة سيؤدي إلى شيء جيد.
فأمسكت بخدها المنتفخ وقالت، وكأن الأمر ليس ذا أهمية:
“آه، لقد تعرضت للضرب.”
“هل تعبير ‘ضرب’ يُستخدم في مملكة نييتا للإشارة إلى الضرب على الخد؟”
‘كيف علم بذلك؟’
فتحت ليليانا عينيها بدهشة ونظرت إلى هيلّيو. فأجابها هيلّيو وهو يراقبها عن كثب وذراعه معقودة
“يبدو أنكِ تتساءلين عن كيفية علمي بذلك.”
‘كيف عرف ذلك أيضًا؟’
“لقد كُتب ذلك على وجهك.”
مدَّ هيليو إصبعه وضرب جبين ليليانا برفق. لم تكن القوة شديدة، لكن جسد ليليانا الذي إستفاق لتوِّه دفعه بسهولة إلى الوراء.
تمايلت قليلاً ثم لمست جبينها وجلست مباشرة.
“الفضول مكتوب على وجهك، وكذلكَ أثر الصفعة، و أنه حتى لو قلتِ الحقيقة لي فلن يفيد ذالك، لذا قررتِ أن تكذبي ، هذا ماكتب على وجهك.”
“يا للهول.”
غطت ليليانا وجهها بيدَيها. لكن، على ما يبدو، شعرت أن هذا كان تصرفًا عديم الفائدة، فتنهدت طويلًا ووضعت يديها على فخذيها.
كان هيليو يظن أنها ستتحدث أخيرًا وتبوح بكل شيء.
إخبار الأشخاص ذوي النفوذ بفظائع الآخرين ليس بالأمر الصعب، خاصة عندما يكون الشخص نفسه هو الضحية.
حتى و إن كانت البداية صعبة، فسيصبح الأمر أكثر سهولة عندما يتيسر الطريق.
لكن ليليانا بقيت صامتة. كانت تعبث بركبتيها، وتبدو محرجَةً من الجو الساكن، لكنها لم تتحدث. وفي النهاية، قرر هيليو أن يمنحها مزيدًا من المساحة.
“اليوم، زارتكِ الأميرة غابرييل.”
لكن، مرةً أخرى، لم تزد ليليانا على إيماءة رأسها دون أن تقول شيئًا. حينها، أدرك هيليو أخيرًا أن ليليانا لم تكن تحمل أي توقعات منه.
“قد تُصبح الأميرة ملكة الإمبراطور يومًا ما، أليس كذلك؟”
قال هيليو بتساؤل.
إجابته ليليانا إجابة قصيرة
“نعم، سأصبر ، كما صبرتُ من قبل.”
كان ردها كما لو كان أمرًا بديهيًّا. لو إستمع إلى كلامها، قد يظن هيليو أنها تشير إلى نصيحة بأن عليه أن يحترم من هم أعلى منه. لكن هذا جعل هيليو يشعر بشيء غريب من الإنزعاج.
وهيليو لم يكن من النوع الذي يكتفي بكبح مشاعره.
مال إلى الأمام، و وضع ذراعه على ركبته، ونظر إلى ليليانا من الأسفل إلى الأعلى.
“لماذا تصبرين؟ سيكون الأمر ممتعًا إذا تمكنتم من القتال.”
وفي تلك اللحظة، كان مكتوبًا على جبين ليليانا:
“أنتَ مجرد مريض نفسي.”
قرأ هيليو ذلك بوضوح، فأنفجر ضاحكًا.
لكن ليليانا لم تكن تستطيع فهم سبب ضحكه المفاجئ.
“إذا تقاتلتما، فستكونين في ورطة، أليس كذلك؟”
“أهذا ما تقصده؟ لا داعي للقلق، سأتحمل. لن يحدث شيء سيء مثل نشوب نزاع قد يُسبب المتاعب للإمبراطور، أو شيء من هذا القبيل…”
“لا تتحملي، لاأريدكِ أن تفعلي ذالك.”
“كما قلت، أنا في وضع غير مناسب، أليس كذلك؟”
قالت ليليانا، وكأن الأمر بديهي، وهي تضغط على صدرها.
إنفجر هيليو ضاحكًا مرة أخرى. بالنسبة لها، كان سلوكه غير قابل للفهم.
إستمر هيليو ف فالإبتسام قائلاً:
“إذا فعلتِ شيئًا لا يمكنكِ تحمّله، سأكون هنا لمساعدتك. لذلك، لا تتحملي أكثر من اللازم.”
كانت ليليانا في حالة من الحيرة. أولًا، لأن هيليو كان يضحك بشكل جذاب جدًا، وثانيًا لأنها لم تتمكن من فهم إقتراحه.
وبما أن ليليانا كانت من النوع الذي لا يستطيع كتمان فضوله، وخاصةً أن الشخص الذي أمامها كان الإمبراطور، فلم تستطع مقاومة سؤاله.
“لماذا؟”
“أنتِ تعجبينني ، هذا ممتع.”
أمالت ليليانا رأسها وأظهرت تعبيرًا يدل على عدم الفهم. ثم، كما حدث سابقًا، لم تتمكن من كبح فضولها وسألته أخيرًا.
“عذرًا، ولكن ما الذي يعجبك فيني…؟”
“لأنكِ تردين عليّ بهذه الطريقة.”
“آه، فهمت الآن…”
نظر هيليو إلى المرأة التي بدت غير قادرة على فهمه.
تذكر حين حاولت الإمبراطورة الأم أن تفتح موضوعًا عنها مع هيليو اليوم، معتقدةً أنه لايهتم بليليانا كثيرًا.
تساءل هيليو عما الذي جعل الإمبراطورة الأم تزرع هذه الفكرة في رأسها، لكنه عندما زار قصر الزمرد لم يتمكن من معرفة شيء.
كل ماسمعه كان صوت الضحك الذي تلاشى بلا معنى.
فكر هيليو أنه لم يعد بإمكانه إضاعة المزيد من الوقت، فقام من مكانه.
نهضت ليليانا بسرعة وتبعته، سائلتاً:
“هل ستغادر؟”
لم يكن السؤال “هل ستغادر الآن؟”، بل بمعنى أدق كان “هل ستغادر أخيراً؟”، مما جعل هيليو يعتقد أنه كان نوعًا من التعبير عن رغبتها في أن يختفي فورًا.
بالكاد تمكن من كبح ضحكته.
“نعم.”
عندما نهض هيليو، تبعته ليليانا بسرعة وكأنها سترافقه.
وعندما أدار هيليو ظهره ليمنعها من المضي قدمًا، قالت ليليانا بتعبير محرج:
“شكرًا على وعدك بأنكَ ستساعدني لمرة واحدة. حسنًا، سأبقى هادئة قدر الإمكان دون أن أسبب أي مشاكل. سأكون غير مرئية. بما أن الأمر سيكون لمرة واحدة فقط.”
عندما أكدت على أنها ستكون “مرة واحدة فقط”، بدا أن هيليو لن يتمكن من التراجع الآن. كان عليه أن يفي بوعده مرة واحدة على الأقل.
أومأ هيليو برأسه بإقتضاب، ثم خرج من الغرفة.
تابعت ليليانا خطواته حتى وصلت إلى مدخل قصر الزمرد، ثم توقفت ولم تواصل متابعته.
عندها شعر هيليو فجأة بشعور من الملل.
❈❈❈
” جئتِ إلي فجأةً هكذا و كاد قلبي أن يسقط!”
قالت ليلِّيانا وهي تتحدث وكأنها على وشك الصراخ، ودخلت بسرعة إلى قصر الزمرد.
كانت مترددة قليلاً، لكن الخادمات إقتربن منها وأخبرنها بأن التحضير للوجبة قد إنتهى. وعندما تذكرت الخبز الطري من الصباح، شعرت فجأة بالهدوء وبدأ قلبها يهدأ ويرتاح.
إتجهت ليلِّيانا بحماس نحو قاعة الطعام.
“صوفيا، ما هي قائمة الطعام اليوم؟”
“لأنكِ على الأرجح جائعة، طلبت تحضير شريحة لحم. كما تم إعداد السلطة بالبطاطس ، و….لا أعرف ، لقد نسيت باقي الأصناف، لكن، آه، بالنسبة للحلوى…”
إهـيء~إهـيء
بينما كانت صوفيا تتحدث بحماس، كانت هنالك أصوات بكاء واضحة تتخلل. تفاجأت ليلِّيانا ورفعت رأسها بتعجب.
“قالوا إن عنب منطقة فهرين قد وصل. هل سمعتِ عنه عندما كنتِ في مملكة نييِّتا؟ حبات العنب هناك كبيرة جداً ولذيذة.”
“ماذا؟ آه، نعم. لكن، هل تسمعين شيئاً غريباً الآن؟”
إهـيء~إهـيء
بينما كانت تسأل صوفيا، كانت أصوات البكاء تتردد بشكل حزين. ومع ذلك، نظرت صوفيا إليها كما لو كانت لا تسمع شيئاً.
“لا أسمع شيئاً؟.”
إهـيء~إهـيء
لكن الأصوات كانت لا تزال مستمرة بلا إنقطاع.
شعرت ليلِّيانا بقشعريرة تسري في ذراعها.
تناولت ليلِّيانا العشاء بشكل عابر وعادت إلى غرفة نومها. كانت الأصوات التي سمعتها أثناء ذهابها إلى قاعة الطعام لا تزال حاضرة في ذهنها، مما جعلها تشعر بالقشعريرة.
حاولت أن تنسى ذلك بأي طريقة، قرأت كتباً، وخيطت، وجربت كل شيء، لكن الأمر لم يذهب بعيداً.
حتى بعد أن ذهبت إلى السرير في الليل، كانت تلك الأصوات المزعجة تثير إضطراب قلبها.
‘هل ربما تعرض أحد للمضايقة في قصر الزمرد؟’
لكن ليلِّيانا هزت رأسها بسرعة. لو كانت تلك الأصوات بهذا الوضوح، لكانت سمعتها صوفيا. لأنها لم تكن أصواتاً خفيفة على الإطلاق.
‘هل هي… حقاً روح شريرة؟’
شعرت ليلِّيانا بقشعريرة في جسدها ونهضت فجأة من مكانها. فكرت أنه إذا كانت ستخاف هكذا، فمن الأفضل أن تذهب وتتحقق بنفسها.
وضعت شالها وخرجت من الغرفة، حيث كانت الخادمة المناوبة اليوم تغفو في مكانها.
وضعت ليلِّيانا الشال على كتفيها وفتحت الباب بحذر، حيث كانت الخادمة المناوبة اليوم تغفو أثناء عملها. لم ترغب في إيقاظها، فخرجت بهدوء دون أن تزعجها.
كان المكان الذي سمعت فيه الأصوات هو الطريق المؤدي من مدخل قصر الزمرد إلى قاعة الطعام. توقفت ليلِّيانا أمام باب القاعة ثم مشيت ببطء نحو مدخل القصر.
لمدة طويلة، كان الجو هادئًا ولم يظهر أي شيء. سُمِعَت خطوات من بعيد، لكن من المحتمل أنها كانت لإحدى الخادمات التي تقوم بتفقد الأماكن.
“هل ربما كنت مخطئة في السمع؟”
فكرت ليلِّيانا وعزمت على العودة، لكن في تلك اللحظة،
إهـيء~آه~
فتحت ليلِّيانا عينيها فجأة. كانت تلكَ هي نفس الأصوات التي سمعتها سابقًا! ركزت ليلِّيانا إنتباهها على مصدر الصوت.
للوصول من مدخل القصر إلى قاعة الطعام، كان يجب عليها التوجه لليسار، لكن هذه الأصوات كانت تأتي من الجهة اليمنى، حيث بدا أن الصوت كان يزداد كلما إقتربت.
إتجهت ليلِّيانا إلى اليمين، ومع كل خطوة كان الصوت يزداد وضوحًا.
في نهاية الطريق الأيمن، كانت هنالك غرفة صغيرة. من خلال مظهر الباب، بدا أنها غرفة عادية، لكنها كانت مهملة أكثر من الغرف الأخرى.
يبدو أن هذه الغرفة كانت تستخدم كخزانة.
“إذا دخلت إلى هنا، ستغضب مني صوفيا…”
فكرت ليلِّيانا.
ولكن في تلك اللحظة، لم يكن هنالك أحد، بما في ذلك صوفيا. أمسكت بمقبض الباب وأدارته ببطء. أصدر المقبض صوتًا خفيفًا.
دخلت إلى الداخل، حيث كان هواء الغرفة مليئًا برائحة العفن الخاصة بالخزائن. أطلقت زفيرًا سريعًا بينما كان الغبار يحيط بها، ثم نظرت حولها.
على الرغم من أن الغرفة كانت خالية من أي شخص، إستمر صوت البكاء في ملء الأجواء. شعرت ليلِّيانا بالخوف، وبدأت يديها ترتعش، وكادت أن تفكر في إستدعاء أحدهم، لكن في تلك اللحظة…
وقع نظرها على شيء ما في زاوية الغرفة.
كان هناك ضوءً خافتاً ينبعث من شيء ما في الظلام.
إقتربت ليلِّيانا بخطوات مترددة.
كان الشيء الذي لفت إنتباهها بحجم راحة يد إمرأة بالغة تقريبًا، وله بشرة زرقاء شاحبة، وأجنحة صغيرة على ظهره. ليلِّيانا كانت تعرف بالفعل هذا الكائن الغريب.
“…روح؟”
عند سماع صوت ليلِّيانا، توقفت الروح الزرقاء عن البكاء ورفعت رأسها ببطء. كان وجهها المبلل بالدموع يعكس الإرتباك.
{ هل… هل يمكنك رؤيتي؟ }
_____________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
التعليقات لهذا الفصل " 6"