كانت هذه الغرفة أكثر إشراقًا بوضوح مقارنة بالغرف الأخرى، وكانت تُستخدم لتخزين ملابس كارولين اليومية أو فساتين النزهات.
“على الرغم من أن كارولين تلقت تعليمات الوراثة، إلا أنها كانت طفلة ذات مشاعر غزيرة. كانت تحب تزيين الغرف واختيار الملابس المختلفة.”
فتحت السيدة ريستون خزانة بعينين مملوءتين بحنين دافئ. بدا داخل الخزانة فساتين بسيطة بألوان فاتحة مرتبة بعناية.
اختارت السيدة ريستون فستانًا أبيض ناصع وأمسكته أمام لِيليانا.
“كما توقعت، أعتقد أن الألوان الفاتحة ستناسبك تمامًا. هل ترغبين في تجربته؟”
“همم، هل يمكنني ارتداء هذا النوع من الفساتين…؟”
لم يكن الفستان غير ملائم بالنسبة لِيليانا، لكنها دائمًا ما كانت ترتدي فساتين رسمية حتى وإن كانت قديمة. كان هذا الفستان الخالي من الكورسيه والمريح تمامًا أمرًا جديدًا بالنسبة لها. كان مثل هذا الفستان عادةً ما يرتديه الفتيات النبلاء في الأماكن الخاصة أو أثناء حضورهن الأكاديمية.
“ماذا في ذلك؟ لا أحد يعرف أنك هنا، أليس كذلك؟”
همست السيدة ريستون مازحة. ترددت لِيليانا لبعض الوقت، ثم طلبت من صوفيا مساعدتها في ارتداء الفستان. كان الفستان مريحًا لدرجة أنها شعرت وكأنها يمكن أن تجلس على الأرض وتسترخي في أي لحظة.
بينما كانت تضحك بخفة بسبب فكرة طريفة، فاجأتها السيدة ريستون بوضع قبعة على رأسها. رفعت لِيليانا رأسها فجأة.
“هذه القبعة ستناسبك تمامًا.”
سحبت السيدة ريستون لِيليانا نحو المرآة وهي تمسك برأسها. كانت القبعة التي وضعتها على رأس لِيليانا تحتوي على حافة واسعة وقوس ضخم، كانت تبدو و كأنها قبعة ترتديها ممثلة على المسرح في أداء بريء.
“تبدو رائعة جدًا، يا سموك!”
أعربت صوفيا عن إعجابها بقبعة لِيليانا، لكنها كانت تشعر بالخجل، لذلك استمرت في لمس حافة القبعة.
نظرت السيدة ريستون عبر المرآة إلى لِيليانا وابتسمت لها بحنان. ومع ذلك، لم تدم تلك الابتسامة طويلًا، حيث بدت السيدة ريستون قلقة للغاية رغم استمراريتها في الابتسام.
أدركت لِيليانا أنها ستتحدث عن حادثة العربة. نظرت إلى السيدة ريستون وهي تمسك بالقبعة على صدرها.
“حادث العربة هذه تم التلاعب بها بشكل واضح. كان الحصان يصرخ ويتدحرج، وعند التحقيق اكتشفوا وجود مادة الهبيسيس على لسانه.”
“الهبيسيس؟ أليست هذه نوعًا من التوابل؟”
“نعم، هي كذلك. لا تضر البشر ويمكن استخدامها في الطعام. لكن إذا تناولها الحصان، فإنها تدريجيًا تجنّبه وتجعل عقله يضطرب مسببة له التشنجات. من المؤكد أن خدم الإسطبل في القصر يعرفون هذا، لذلك لا بد أن أحدًا قد أطعمه إياها عن قصد.”
لم تستطع لِيليانا السيطرة على نفسها وأمسكت القبعة بقوة، مما جعلها تتجعد بين يديها البيضاء التي تشد عليها. كانت هذه المرة الثانية. مرتين في وقت مبكر، وكان هناك من يحاول إيذاءها.
بدأ قلب لِيليانا ينبض بسرعة جنونية، وشعرت وكأن العالم أمامها يتلاشى.
“يا سموك.”
ثم نادتها السيدة ريستون بصوت جاد.
“لقد فكرت كثيرًا خلال تجوالي اليوم من أجل مساعدتك.”
نظرت لِيليانا إلى السيدة ريستون بنظرة مليئة بالقلق. وفي المقابل، كانت السيدة ريستون تبدو وكأنها قد اتخذت قرارًا مهمًا، وكان وجهها يبدو أكثر راحة الآن.
“سأساعدك. لا تحتاجين لأن تصبحي إمبراطورة. من المؤكد أن السيدة غابييل من عائلة دوق غابييل هي عدوة لك، لذا دعيني أساعدك في تدمير هؤلاء الأشخاص الفاسدين. شرطي الوحيد الآن هو هذا.”
شعرت لِيليانا بالدهشة وفتحت عينيها. ولكن سرعان ما خفضت رأسها بشعور من الذنب.
“هل تعلمين ما هو الشرط الذي عرضه عليّ بايل غابرييل؟ إنه مساعدته في وصول أغريّنا غابرييل إلى العرش. ومن المؤكد أنكِ لا ترغبين في ذلك.”
لكن السيدة ريستون ابتسمت بخفة وكأن الأمر ليس بالصعب.
“تستطيعين الوفاء بذلك الوعد. لا تهمني كل قوتك. فقط سأظل وفية لوعودي معك. إذا ساعدتِ أغريّنا غابرييل للوصول إلى العرش، ولم تنجح في النهاية، فلا أعتقد أن ذلك سيكون أمرًا يمكن تجنبه.”
ببساطة، كانت تقول إنها قادرة على إيقاف ذلك. شعرت لِيليانا بقلق، لكنها في الوقت ذاته علمت أنه لا يمكن لجميع مساعديها أن يتفقوا في نفس الرأي.
“إذا تفكرنا في أسوأ الحالات، فإن وصول ڤيستي غابرييل إلى العرش سيكون أفضل بكثير.”
قالت السيدة ريستون هذه الكلمات وكأنها مزحة، محاولة تهدئة قلب لِيليانا. وفي النهاية، لم تستطع لِيليانا إلا أن تبتسم بخجل.
“وسأطلب من جلالته استعادة الأراضي.”
“ماذا؟”
“سأعود أيضًا إلى المجتمع الراقي، وسأدعم سموكِ بشكل رسمي.”
“لكن إذا فعلت ذلك، فإن عائلة دوق غابرييل بالتأكيد ستشعر بالريبة. أليس هذا ما كنتِ تحاولين تجنبه؟”
هزت السيدة ريستون رأسها.
“إذا تصرف دوق غابرييل بهذه القسوة، فإنك لن تستطيعين تحمل كل الهجمات بمفردك. سأكون معك أيضًا.”
سألت لِيليانا بدهشة بعد سماع حديث السيدة ريستون:
“لماذا تفعلين كل هذا من أجلي؟”
نظرت السيدة ريستون إلى لِيليانا بنظرة حانية مليئة بالمشاعر الدافئة، وكانت عيونها مليئة بالحنان. همست وقالت بصوت منخفض:
“أريد أن… تكوني… لي.”
“ماذا؟”
كان الصوت ضعيفًا جدًا لدرجة أن لِيليانا لم تسمعه، رغم قربهما الشديد.
ولم تكن هذه هي الطريقة المعتادة للسيدة ريستون في الحديث.
عندما كانت ليليانا تميل رأسها وكأنها لم تسمع، أحمرت أذن السيدة ريستون وقالت مرة أخرى بصوت منخفض:
“أريدكِ أن أكون…عرابتكِ.”
[ عرابة= الشخص الذي يختاره الوالدان للاهتمام بتربية الطفل والتنمية إبنهم وتكون مثل المربية/الأم الروحية له]
عندما سمعت ليليانا هذه الكلمات، غطت فمها بكلتا يديها، مما جعل القبعة التي كانت ترتديها تسقط ببطء إلى الأرض.
دوى صوت القبعة وهي تسقط على الأرض، وكأنها كانت إشارة لبداية احمرار وجه ليليانا بشدة.
“أنا، أنا…”.
كان وجهها بالكامل قد احمر لدرجة أنها لم تعرف ماذا تفعل.
“لم أسمع بهذا النوع من العروض في حياتي… ثم أنني قد مررت بمرحلة البلوغ بالفعل… لا أعتقد أنني أستحق هذا.”
كانت ريستون تراقب ليليانا بتعاطف وحب.
أخذت ريستون القبعة من الأرض وأعادت وضعها على رأس ليليانا بعناية، ثم وضعت يدها فوق يدي ليليانا.
“ألن ترفضي؟”
“لا… ليس الأمر كذلك، لكن…”.
“أنا لا أملك ابنة، وأنتِ بعيدة عن والدتكِ، أليس من الأفضل أن نكون معاً إذا لم نشعر بالوحدة؟”
أومأت ليليانا برأسها بخجل، وجهها ما زال أحمر كالتفاحة.
كانت صوفيا التي كانت تراقب المشهد تبتسم بلطف، بينما قضت ليليانا وقتاً هادئاً في غرفة الملابس مع عرَتها الجديدة.
لم يكن ليليانا قد شعرت بالراحة والاطمئنان منذ أن وصلت إلى الإمبراطورية، وكان هذا أول مرة تشعر بذلك.
❈❈❈
في تلك الليلة، كانت ليليانا تجد صعوبة في النوم. كل ما حدث منذ وصولها إلى منزل ماركيز ريستون كان يبدو وكأنه حلم.
لقد حصلت على عرابة.
وضعت ليليانا يديها على صدرها محاولة تهدئة نبضات قلبها التي كانت تنبض بسرعة.
عندما كانت في مملكة نيتا، كانت الأميرات الأخريات يملكن عرابات من العائلات الرفيعة، ويتعلمن منها آداب المجتمع بشكل غير رسمي.
أما ليليانا، فقد كانت دائماً تتعرض للإحراج لأنها لم تكن تستطيع الحصول على مثل هذه العروض.
لهذا السبب، كانت العرابة التي حصلت عليها الآن، حتى من شخص غريب، تعني لها الكثير.
“سأضطر للمغادرة بعد أيام… أريد أن أتعرف على عرابتي أكثر قبل مغادرتي.”
كانت ليليانا تغلق عينيها تفكر فيما يمكنها أن تسأل عرابتها الجديد، لكنها لم تستطع أن تجد جواباً.
ثم سمعت صوتاً غريباً وغير مألوف بالقرب من نافذتها. لم يكن صوت خطوات، ولكنه كان قادماً من جهة النافذة.
شعرت ليليانا بالقلق بينما كان قلبها ينبض بسرعة.
“هل هو هجوم مرة أخرى؟ هل أرسل دوق غابرييل قاتلاً؟”
فتحت ليليانا عينيها بسرعة وأخفت الكأس الزجاجي الذي كانت تحمله في البطانية. في اللحظة نفسها، ظهرت ظلٌّ فوق النافذة، ثم فتحت النافذة بصوت صرير.
بما أن ليليانا لم تكن في أفضل حالاتها الصحية، فقد قررت أن الهروب لن يكون مجديًا، وكانت قد أدركت ذلك متأخرة.
كانت تمسك بالكأس بإحكام وهي تنتظر اقتراب الظل. عندما اقترب الظل منها، أخذت تتأهب!.
وفجأة!
—ضرب! –
كانت ليليانا قد رفعت الكأس بكل قوتها، لكنها اصطدمت بشخص آخر. قبل أن تتمكن من الصراخ، قام هذا الشخص بسرعة بإغلاق فمها بيده.
“همم!، همم!”
كانت ليليانا تكافح وتصدر أصواتاً مكتومة بينما كان الظل يقترب منها ويهمس في أذنها:
“هششش، اصمتي.”
وعندما سمعت صوت هذا الشخص، بدأ قلب ليليانا ينبض بإيقاع آخر.
لم يكن يهدد حياتها، بل كان هناك نوع آخر من الخوف.
نظرت ليليانا بعينين متسعتين إلى الرجل في الظلام.
“هل ستظلين صامتةً؟”
أومأت ليليانا برأسها برفق. عندها، تنهد الرجل وترك معصمها وفمها.
ثم، عندما بدأت ليليانا تفقد توازنها، أمسك الرجل بخصرها ليمنعها من السقوط. تمسكت ليليانا بذراعه الضعيف في محاولة للوقوف.
بدأ ضوء القمر يتسلل من النافذة، وكشف الظلام شيئاً فشيئاً. بدأ ملامح وجه الرجل تتضح. كان هذا هو الرجل الذي كانت تعرفه.
“ماذا تفعل هنا… جلالتك؟”
لم يرد هِيليو. بل تجنب أن يلتقي بعيني ليليانا، ثم نظر بعيداً عنها بينما كان يحرر يديه ببطء.
ببطء، همس وهو يبتعد:
“أنتِ بخير. لستِ في خطر، إذاً سأذهب.”
كان كلامه سريعاً جداً ومتعجلاً، وعكس شخصيته المعتادة. بدا عليه الارتباك. بينما كانت ليليانا تراقب خطواته، قفزت فجأة نحو ذراعه.
“ماذا؟”
في الواقع، كانت ليليانا على وشك السقوط على الأرض بينما كانت تحاول التمسك به، لكنها كانت في نفس الوقت مستعدة للسقوط.
لكن، لم يسمح لها هِيليو بالسقوط. بل مد ذراعه وأمسك بها.
نظرت ليليانا إلى يده البيضاء، ثم رفعت عينيها إليه بدهشة.
“لماذا… لماذا جئت هنا؟”
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 47"