قام هيلِيو بإعارة عربة الإمبراطورة إلى لِيليانا، لكن استخدامها لم يكن سوى لفترة قصيرة.
فقد انتقلت إلى عربة قديمة على طريق فرعي نائي. أما عربة الإمبراطورة المهيبة، فقد انطلقت رسميًا إلى المنتجع الفاخر الذي تم الإعلان عنه.
بينما كانت في العربة القديمة، همست لِيليانا بحزن:
“كنت أتمنى لو أنني أستطيع الذهاب إلى البحر.”
“لقد قررتي الذهاب بعد أن تنتهي هذه الرحلة. اصبري قليلاً.”
“أليس كذلك؟”
حاولت لِيليانا كبح مشاعرها المفعمة بالتوقع وهي تتابع سيرها.
اقتربت العربة القديمة بحذر من الباب الخلفي لقصر ضخم. بدا أن الأشخاص الذين كانوا يقفون هناك كانوا في انتظار وصول الضيوف، ففتحوا الباب بسهولة.
عندما نظرت لِيليانا عبر نافذة العربة إلى القصر، لم تستطع إلا أن تُعجب. على الرغم من أنها كانت قد تعودت على فخامة القصور الإمبراطورية، إلا أن هذا القصر كان يبرُز بروعةٍ كلاسيكية، ويظهر براعة العائلة التي كانت تهيمن عليه في عصرها.
لكن، ربما بسبب قدمه أو بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها مالكه، كان هناك شعور بالضبابية في الأجواء، حتى أن صوتًا لروحٍ قد يملأ الأرجاء في الليل لا يبدو غريبًا.
عندما نزلت لِيليانا من العربة، تقدمت نحوها سيدة في منتصف العمر ترتدي فستانًا من اللون الأزرق الداكن بأناقة. كانت شعيراتها الشقراء قد تم تجميعها بعناية، وعندما رأت لِيليانا، ابتسمت بترحاب وقدمت التحية.
“يشرفني أن ألتقي بكِ، الملكة لِيليانا.”
لم تكن لِيليانا تتوقع هذا الاستقبال الحار، لذا شعرّت ببعض الارتباك، لكنها ابتسمت مجاملة.
“أنا أيضًا سعيدة بلقائِكِ، سيدة ريستون.”
المكان الذي قصدته لِيليانا بحجة الراحة لم يكن سوى قصر ماركيز ريستون.
كونها الملكة، لم تكن حريتها في التنقل كبيرة، وكان من المؤكد أن العائلة الإمبراطورية ستتدخل وتعرقل محاولتها إذا انتشرت شائعات حول زيارة الملكة للإقامة مع ماركيز ريستون وزوجته، لذلك كان لا بد من أن تلتقي بهما سرًا.
“آه، هذه البروش.”
أخذت سيدة ريستون تتأمل البروش الذي كان يزين صدر لِيليانا، ولمعت عيناها بإعجاب.
“إنها هدية السيدة، هل تناسبني بشكل جيد؟”
“كما توقعت، إنها تناسبكِ تمامًا.”
كانت سيدة ريستون تبتسم بسعادة حقيقية، وكأنها نسيت حتى المظاهر، وكانت تضحك بحماس، مما جعل لِيليانا تشعر ببعض الحرج.
يبدو أن الشائعات عن معاناتها من الخرس بسبب عزلة طويلة كانت بعيدة عن الحقيقة، إذ بدى صوتها هادئًا وثابتًا، ولم تكن كلماتها سريعة أو بطيئة للغاية، مما جعلها ممتعة في الاستماع.
ورغم أنها كانت تظهر على جسدها علامات الحزن بسبب سنوات طويلة من العزلة، إلا أنها لم تكن تبدو كئيبة.
اتّبعت لِيليانا سيدة ريستون إلى داخل القصر. حالما دخلت، شعرت فورًا بعدم وجود الكثير من الخدم مقارنة بحجم القصر، وعندما عبرت في الممرات، لاحظت أن العديد من الأبواب كانت مسدودة بلوحات خشبية، مما يلمح إلى أنها لم تعد مستخدمة.
ومع ذلك، عندما دخلت إلى غرفة الاستقبال، شعرت بمجد عائلة ريستون في الماضي، وقد شعرَت بعظمة القصر الذي كان في يومٍ من الأيام يعج بالهيبة.
كانت الغرفة مزينة بستائر مخملية داكنة اللون، مزخرفة بإطارات فضية، ما أضفى على المكان أجواءً تقليدية وأنيقة.
ما لفت انتباه لِيليانا بشكل خاص كان لوحة ضخمة تملأ أحد الجدران، وعندما لاحظت سيدة ريستون نظرتها، قالت بفخر:
“لقد كانت عائلة ريستون أحد المساهمين الرئيسيين في تأسيس الإمبراطورية. هذه هي اللوحة التي تم منحها لنا في تلك الفترة.”
كانت اللوحة تصور السيدة التي كانت تتزعم العائلة في ذلك الوقت وهي تؤدي قسم الولاء للعرش الإمبراطوري.
“ابنتي كارولين نشأت وهي ترى هذه اللوحة. في صغرها كانت دائمًا تقول إنها ستنال لوحة ثانية يومًا ما.”
كانت نظرة سيدة ريستون محملة بالحزن العميق، ولم تجد لِيليانا الكلمات المناسبة لتهدئتها.
“لابد أن ذلك كان شعورًا بالفخر.”
بابتسامة جميلة وعينين لامعتين، أومأت سيدة ريستون برأسها.
“كانت دائمًا مصدر فخري.”
عندها، دخلت إحدى الخادمات حاملة صينية تحتوي على إبريق شاي أبيض وأكواب صغيرة، بالإضافة إلى قطعة قماش بيضاء نظيفة.
دون أن تُضيف أي تفسير، بدأت سيدة ريستون بتنظيف الأكواب بعناية، ثم وضعتها أمامها أولاً، ثم أمام لِيليانا. وعند إعداد الشاي، استخدمت إبريقًا واحدًا فقط.
لم يكن هذا التصرف يتماشى مع البروتوكولات المعتادة، لكن لِيليانا كانت تدرك السبب وراءه.
‘ ربما كانت تعلم بحادثة التسمم الأخيرة التي تورطت فيها، فهي تحاول أن تظهر لي أنها لا تضيف سمًا للشاي. ‘
بعد الحادثة الأخيرة، أصبحت لِيليانا غير قادرة على التخلص من مشاعر القلق عندما تتناول الشاي المقدم من الآخرين، لذا فقد فهمت نية سيدة ريستون التي تحاول أن تضمن أنها تقدم شايًا آمنًا.
هيلِيو قد طلب أن لا يعرف أحد خارج القصر عن السم الذي تناولته، لكن في الحقيقة، كان النبلاء قد خمنوا بالفعل أن وراء الحادثة هو دوق غابرييل.
لأن المتورطين والعائلة المالكة كانوا ملتزمين بالصمت، لم يجرؤ أحد على التحدث علنًا.
لكن السيدة ريستون التي كانت في عزلتها، كانت على دراية بالأمر، فكيف عرفت هذا؟ هل هناك من أرسل لها الأخبار خلافًا لما يقال؟
مهما كانت الأسباب، فإن لِيليانا كانت قادرة على شرب الشاي براحة تامة. تلك اللمسة الصغيرة جعلتها ممتنة في أعماقها.
بعد أن امتصت لِيليانا الشاي ببطء، أخذت تتوجه مباشرة إلى الموضوع الأهم. كانت تمسك بالبروش في صدرها وقالت:
“لقد فوجئت عندما تلقيت هذا البروش منك. سمعت أنك قضيت وقتًا طويلًا في التماس الراحة.”
فجأة، نظرت إليها سيدة ريستون مباشرة بعينين ثابتتين مليئتين بالعزم، وكأنها لن تتراجع عن موقفها بسهولة.
“أنتِ تعرفين السبب. يمكنني مساعدتكِ كثيرًا، مع بقاء ڤيستي غابرييل على قيد الحياة، لن أكون إلا حليفًا لكِ، ولن أخونكِ أبدًا.”
كانت دوافع ريستون واضحة جدًا: الانتقام.
لم يكن في ذهنها أي شيء آخر سواه
ثم أمسكت ريستون بيد لِيليانا برفق وقالت:
“لقد تواصلت معي عبر بايل غابرييل. كان قرارًا حكيمًا. لو كان الأمر مباشرًا بيننا، لكان بإمكان شخص ما اكتشافه. ولكن يجب أن لا تثقي كثيرًا في بايل غابرييل. فبمجرد أن يحقق ما يريد، قد يصبح عدوًا لكِ. أما أنا فلا أريد شيئًا بعد انتقامي، لذا لن أكون عدوًا لكِ.”
كانت ريستون تحاول إقناع لِيليانا بأن تثق بها بشكل مطلق.
استمعت لِيليانا لكلامها دون أن تعارض أو تؤيد، ثم فتحت النقاش حول الموضوع الأكثر أهمية.
“ما الدور الذي تتوقعين مني أن ألعبه في هذا الانتقام؟”
تغيرت ملامح وجه ريستون، فقبضت على يد لِيليانا بشدة، وكانت تلك إشارة إلى أنها ستقول شيئًا خطيرًا.
“أريدكِ أن تصبحي الإمبراطورة.”
“…الإمبراطورة؟”
“حتى لو كان لديكِ قوة كبيرة، طالما أن العرش الإمبراطوري فارغ، يمكن لڤيستي غابرييل أن تحتله في أي وقت. لكن إذا صعدتِ إلى العرش، فإن دوق غابرييل لن يكون قادرًا على أن يجعل الأمور تسير بسهولة.”
بدا أن ريستون قد حسمت الأمر، لكن لِيليانا كانت تفكر بجدية.
“أنا أرغب في امتلاك القوة التي تحميني، لا أريد أن أمتلك قوة قد تؤذيني.”
“حتى النهاية، سيظل منزل ريستون واقفًا صامدًا ضد غابرييل!”
لكن لِيليانا لم تبدِ أي تغيير في تعبير وجهها. يمكن لأي شخص أن يعد بأن يظل حاميًا، لكنها كانت تبحث عن دليل، لا مجرد كلمات.
“ماذا يمكن لمنزل ريستون أن يقدم لي على سبيل ذلك؟”
قامت سيدة ريستون بتقويم ظهرها، متوقعة هذا السؤال بوضوح.
“أعرف أنكِ تبحثين عن حبوب منع الحمل. سأقدمها لكِ.”
حاولت لِيليانا أن تخفي دهشتها بقدر الإمكان.
في القصر الإمبراطوري كان من المستحيل الحصول على حبوب منع الحمل، لكن الأمر الذي دهشها هو أن سيدة ريستون كانت على علم بذلك.
“…كيف عرفتِ؟”
“الخادمة التي تعمل معكِ ماهرة جدًا. ربما لم يلاحظها الآخرون، لكنني كنت سأغفل الأمر لو لم تكن قد جاءت إلى عملي.”
بدأت لِيليانا تتساءل.
“عملي؟ سمعت أنكِ قد تخليتِ عن كل الأراضي لصالح الإمبراطورية.”
سيدة ريستون خفضت عينيها وابتسمت ابتسامة مظلمة.
“يا أميرتي، هل تعتقدين أن والدين فقدى ابنتهما سيظلان مكتوفي الأيدي؟ كانت قوة دوق غابرييل هائلة، ولم أستطع المواجهة المباشرة. لكنني قررت أن أتحرك في الظل، حيث لا يرانني أحد، ولكنني أستطيع أن أرى الجميع.”
ثم إشارت إلى الخادمة، التي حملت ملفًا كتب على الصفحة الأولى منه
[سجل سرِّي من قِبَل كورد].
كان كورد هو الاسم الذي يملكه دوق كورد، الذي كان مسؤولًا عن تمويل دوق غابرييل. ولكن عندما همت لِيليانا بفتح الملف، ضغطت سيدة ريستون عليه بقوة.
“جلالتك، أنا أملك المزيد من المعلومات. ما أحتاجه منكِ هو أن تظهري وتدعي مكان الإمبراطورة شاغرًا، بينما أتحرك في الظل.”
أمسكت لِيليانا بالملف لحظة ثم سحبته بعيدًا. فتحه الآن يعني أنها ستقبل عرض سيدة ريستون. فكرت قليلاً ثم نهضت.
“أريد التفكير قليلاً قبل اتخاذ قرار.”
سيدة ريستون لم تضغط عليها، وأمرت الخادمة بأن تأخذ لِيليانا إلى غرفتها. جلست لِيليانا في غرفة قديمة لكن مرتبة بعناية، ثم تنهدت.
“إذا كنت سأقبل عرض سيدة ريستون، سأضطر إلى ترك يد بايل غابرييل. هل يمكنني الإمساك بكليهما؟”
كانت بحاجة ماسة إلى مساعدة هيسدين. على الأقل، سيكون قادرًا على إرشادها بشأن أيهما سيكون أكثر فائدة لها..
وهي في تفكير عميق، استلقت على السرير بعد أن قدمت لها صوفيا خدمتها. رغم أنها كانت بحاجة للراحة، كانت تود لو أنها قررت بالفعل.
لكن مع حلول الليل العميق، استيقظت لِيليانا مفزوعة، فقد كانت تسمع صوت بكاء ضعيف يأتي من بعيد.
“إهيء~إهيء”
لقد مرّت لِيليانا بتجربة مشابهة سابقًا.
هل من الممكن أن يكون هناك روح هنا؟.
رغم ضآلة الاحتمال، لم تتمكن من تجاهل الصوت الحزين.
حملت الشمعة بحذر وخرجت من غرفتها لتستكشف الصوت.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 45"